العدد الثاني - ربيع 2007م

فصلية تعنى بالكتابة الجديدة

   
 

أول الكلام
 

بيت للشعراء.. وفضاء للإبداع (لقراءة المقال بصيغة أكروبات)
 

 عبد العزيز المقالح

 لقد كان العدد الأول من هذه المجلة بمثابة رسالة يبعثها هذا الجزء القصيُّ من الوطن الكبير إلى من يهمه أمر الثقافة والإبداع، في زمن عربي يشبه كثيراً -في انحداره وإرباكاته- زمن الطوائف، إن لم يكن هو بعينه قد عاد ليؤسس لهزيمة هي الأبشع والأفظع في تاريخ هذه الأمة الموبوءة بالطائفيات السياسية والمذهبية، الهادفة، لا إلى تقطيع أوصال الوطن جغرافياً فحسب، وإنما إلى تفكيك أواصر الثقافة الواحدة التي بقيت كذلك واحدة متماسكة في أشد ظروف الأمة العربية تناقضاً وانكساراً؛ لأنها (أي الثقافة) تنطوي في داخلها على أفكار وإبداعات من شأنها أن تحمي روح الإنسان وتؤكد وجوده وثبات هويته.

ولا نزعم أن العدد الأول من "غيمان" كان خالياً من النواقص، ولا نتوقع أن العدد الثاني سيكون خالياً منها أيضاً. لكن الرغبة الصادقة التي رافقتنا في العدد الأول وكانت حافزاً لنا في تجنب كل أشكال القصور، هي التي ترافقنا في هذا العدد، وهي التي سوف تستمر معنا في الأعداد القادمة، من أجل الوصول إلى مجلة عربية قادرة على وصل ما انقطع بين المبدع العربي ورفاق دربه، مشرقاً ومغرباً، وهو طموح مشروع وضروري.

وفي هذا السياق لا نرى ما يمنع من مصارحة القارئ بأن هذه المجلة لا سند لها سواه. فهي أبعد ما تكون عن المؤسسة الرسمية والأحزاب في كافة أشكالها، الموالي منها والمعارض، لا استغناءً أو انتقاصاً من جهودها جميعاً، وإنما بحثاً عن مساحة أوسع للحرية والاختيار، وتجنيب المشاركين في الكتابة للمجلة الحرج فيما لا يرغبون الوقوع فيه وكي لا يتحددوا في إطار أو غرض.

إن اللغة العربية ما تزال لغة حية وقادرة على إنتاج ثقافة خلاقة، ثقافة جامعة، لا تلغي الاختلاف الموضوعي، ولا تصادر الرأي المختلف والتجارب المتمايزة؛ ولكن في إطار متآلف، غير متشنج، ولا يدعو بعضه بعضاً إلى القطيعة مع ذاته وابن ثقافته. بحيث يتسنى للمبدع أن يشق طريقاً خاصاً به يؤمّن فرادته، ولعل هذا هو ما يحلم به كل مبدع في العالم، شرط أن لا يحيد عن المعنى المطلق للمواطنة، وأن لا تكون رؤيته المختلفة مسوغاً للقطيعة والانسلاخ عن هموم الإنسانية وعن آمال الأمة وما تعاني من مظاهر انحطاط ومن اقتتال محموم وشاذ لا يؤدي إلا إلى نتيجة واحدة، تلك هي المزيد من التخلف والانكسار وشيوع الإحباط وفقدان الأمل.

إن المعرفة الحقة تعلمنا احترام الذات والآخر، الآخر القريب والآخر البعيد. وكما هي ضد الانكفاء والجمود، فهي ضد التحلل والذوبان. إن الجمود يؤدي إلى الاختناق، والذوبان يؤدي إلى غياب الخصوصية وفقدان الهوية بمعناها الندِّي الإيجابي، وليس بمعناها الذاتي المريض. والمعرفة الحقة تعلمنا أيضاً أن لا نتقبل الأشياء على عواهنها، وأن نلقي أكثر من نظرة فاحصة على المواقف والمعالجات النظرية والعملية، وأن نتحرر، قبل كل شيء، من الخوف الذي لا يقود إلى الاستسلام للواقع فحسب بل ويقود إلى اللامبالاة والمسايرة، وهما أسوأ ما في عالم اليوم، هذا العالم الذي يزداد انكفاءً وعزلةً داخل شرنقة الذات المستلبة، من ناحية، ويزداد خروجاً واندفاعاً لتحقيق غايات غير نبيلة وغير إنسانية من ناحية أخرى.

 وفي خاتمة هذا المفتتح نؤكد أن «غيمان» ستظل، دون مسميات شكلية أو هيئات ومؤسسات، بيتاً لكل الشعراء والمبدعين على اختلاف تجاربهم واختياراتهم، وهي من هذا المنطلق ستظل في منأى عن التعصب الممقوت والتنافس المبتذل.