دراسات
صورة
المرأة في الرواية اليمنية ()
أحمد عتيق
باحث من اليمن
حينما نتحدث عن نظرة المجتمع إلى المرأة نلاحظ كيف أن المجتمع بتكويناته،
من الرجال والنساء، يحط من مكانة المرأة، إما بالفرض من الرجل، وإما بالاستسلام
لذلك من المرأة. ومن ثم حددت مكانة المرأة، في أسرتها ومجتمعها، على أنها تابع
يؤدي وظائف، حددها العرف الاجتماعي، لكي تلبي مصالح المجتمع ومصالح الرجل. وهنا
نحاول التعرف على نظرة الأديب الروائي إلى المرأة في أعماله، ونوعية الأدوار
التي تحتلها المرأة في الرواية، وأثر تلك الأدوار في مكانتها الاجتماعية ضمن
الوسط الاجتماعي للرواية؛ بتحليلنا للروايات اليمنية، ومحاولة التعمق في نظرة
الأديب، وانعكاس ذلك على ما يُقدمه للقارئ. وفيما يلي نُناقش بدايةً نظرة
الأديب إلى المرأة في المبحث الأول من هذا الفصل.
المبحث الأول: نظرة الأديب إلى المرأة
يعُد المجتمع الأديب عينه الفاحصة، لما يُقدمه من أعمال تُسهم في تطوير
الوعي العام، وتوجيهه الوجهة الصحيحة، بنقده للأحوال القائمة التي يعيشها
أعضاؤه رجالاً ونساءً. ولكن المُشكلة تكمن في عدم اتساع أُفق هذا الأديب أو
ذاك. حينها لا تعكس رؤى الروائي، أو غيره من الكُتاب، طموح المجتمع، وإنما
تكرّس ما هو سائد. وهنا نشير إلى أن الأدب عامةً، والرواية خاصة، تعالج قضايا
المرأة بنحو لا يقدم أي أثر إيجابي يعكس وعي الأديب العميق بتلك القضايا، ولا
يرتقي بالوعي العام للمجتمع في اتجاه تحقيق العدالة والمساواة.
وإنما ظلت المرأة دائماً موضوعاً للحب والجنس والغزل، لا موضوعاً للعلم
والعقل. وصورتها المتناثرة في ثنايا كتب الشعر والأدب توحي بأنها خلقت قاصرة
عاجزة، وأن قصورها كامن في طبيعتها؛ فلا يصح وجودها إلا بالرجل؛ إنها ملحق به،
ومن متاعه، بمقتضى هذا المفهوم. قلما نجد المرأة المحاربة والفاعلة في التاريخ،
بل النادبة والقاصرة. فمثلاً الغزل والشعر هنا من نصيب الرجال. أما الرثاء فهو
من صناعة المرأة. ودورها، في النمط المثالي للمرأة الصالحة، يقتصر على صناعة
الرثاء والكلام والأعمال المنزلية، بخلاف النمط المثالي الآخر، الذي يتمثل في
الغزل والشعر والأدب. إن "ألف ليلة وليلة"، تلك التحفة الفنية التي تعد من
روائع الأدب الإنساني، وإن بدت أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، فإنها واقعية
في نظرنا لسببين، أولهما أنها تعبر عن الوعي الباطني للمجتمع بتصوره للمرأة
المثالية جميلة وخيالية، وثانيهما أنها تعبر عن حقبة تاريخية معينة طغت فيها
عقلية الجواري والحريم واستمرت كذلك طوال الحكم العثماني. وها هو يحيى الإرياني
يتمثل صورة إحدى جواري "ألف ليلة وليلة" الجميلة، مع بطلته في رواية "رُكام
وزهر". والنص الحواري الآتي يُبين ما ألمحنا إليه.
"ثم قامت وهو يُراقب احتشاد جسدها بكليته، فقام إليها وقال: معذرةً، فلم
أكن أعرف أن الحديث سيأخذنا كل هذا الوقت، وقد فات سيدتي موعد نومها، فهل حددت
مكاناً لنومي؟
قالت، وجسدها يعتصر في ثوبها المحلي المفتوح عند الساقين: قلت لك إنني ما
زلت أبحث عنك، فانتظرني حتى أعود بك إليك!
فجلس في مكانه، ولم يفهم. وخرجت مُسرعة، بقامتها الطويلة المتناسقة،
وقميصها المحلي ينفرج من أسفله عند الساقين المُكتنزتين والمُشربتين بحمرة
العافية"(1).
ولننظر كيف أن الراوي يتعمد أن يلفت الانتباه إلى أنوثة بطلته بأوصاف
مُعينة في جسدها أو ملبسها، وكأنه لا يزال يعيش في عصر الجواري والحريم. وهذا
لا يقتصر على رؤيتنا، وإنما نجد هذا الفكر مُتأصلاً في مضمون الثقافة العربية
وروحها. والسبب يعود إلى أن السلطة الأبوية تُقصي الأبناء عن المُشاركة
الحقيقية في بناء مُستقبلها، فيكون البديل هو الانشغال بالمتعة والجنس ولو
بالتلبُّس بفكَرٍ بعيدة عن عصرنا؛ «إذاً فالشاعر أو الروائي لا يعنيه من المرأة
إلا جمالها بما يقدمه من إغراءات يفتتن بها الرجل»(2).
«فالرجل الكاتب، وهو يبني شخصية البطلة الأنثى في روايته، ولكي يرفعها إلى
مرتبة المساواة، يعمل على تنمية عناصر الذكورة. بينما تعمل الكاتبة المرأة على
تنمية عناصر الأنوثة في شخصية البطل الذكر»(3)، «لذا تقوم الكاتبة النسوية
لتعيد تأسيس العلاقات العضوية مع الجسد، جسد العالم وجسد المرأة، بعيداً عن
منظومة التفكير الأبوي وثنائياتها. ولاحقاً ستلفت جوليا كريستينا نظرنا إلى
طبيعة عملية التهميش والقمع والتخريب التي تصيب المرأة بسبب الصراع ضد الرجل
الذي ينظّم الخطاب السائد عن الهوية، فهي تشكك في مفهوم الهوية نفسه وترفضه.
فالأنوثة بحسب رأي كريستينا مفهوم خلفته بنية التفكير الأبوي وهيمنتها في مجتمع
تسوده مركزية الكلمة بتعبير جاك ديريدا»(4).
ويُلاحظ أن الراوي اليمني بتعبيراته يُظهر المرأة كأنها لا تحسن إلا
استدعاء الأساليب المختلفة التي بها تؤكد أنوثتها التي يرغب بها الرجل. وفي
رواية "الرهينة" ما يُعبّر عن رؤية الكاتب دماج، بوساطة ما يسرده في ثنايا
روايته عن نساء القصر، وما يقُمن به من التحرش الجنسي الذي صدر من نساء الإمام
تجاه الرهينة، وبحادثة تسلل "زهرة"، أخت النائب العانس، إلى غرفة الدويدار
الحالي في منتصف الليل. ويصف الراوي الرهينة جميع نساء قصر النائب بالفساد
الأخلاقي والجنسي، ليطول الشريفة حفصة نفسها؛ تلك المرأة الجميلة التي أحبها
الرهينة، وذلك عندما يشير إلى أن جناح الشريفة حفصة قد تحول بسبب كثرة الخمور
فيه وتنوعها إلى خمارة بأكملها(5).
«إن سرد هذه الأحداث، والموقع الذي يتخذه السارد، تنبئ عن موقف فكري ورؤية
اجتماعية وأخلاقية مناقضة»(6) لما يُنتظر من الأديب، ولاسيما الروائي الذي يؤثر
بكتاباته في تصحيح المفاهيم التقليدية السائدة والمعوقة لحركة المجتمع نحو
الأفضل في علاقاته ببعضه، ولاسيما علاقة الرجل بالمرأة. ومن هذا المنطلق نكتشف
أن نظرة الأديب إلى المرأة، سواء أكان ذكراً أم كان أنثى، لا تتعدى معالجتها
لقضايا المرأة عكسها للصراع المحتدم بين طرفي المجتمع. ثم إن مضامين الأعمال
الأدبية، ولاسيما الروائية منها، تظل منغمسةً في قضايا الغريزة الجنسية،
والكيفية التي يجري بها إشباع هذه الغريزة، على أن تكون المرأة ملبيةً لحاجة
الرجل، ولو كان ذلك بطريقة لا تحترم إنسانية الإنسان عند المرأة، وذلك ما تبين
لنا في ما استعرضناه من أعمال روائية يمنية أشبعت هذا الجانب باستفاضة، مهملةً
أدوار المرأة في أسرتها ومجتمعها عن طريق ما تقوم به من أدوار مهمة وإيجابية
لولاها كانت الحياة الاجتماعية في خطر.
وهذا يدعو إلى التفكير فيما يحمله الكُتّاب، ولاسيما الروائيين منهم، وكيف
أنهم ما زالوا مُكبّلين بأوهامٍ أصبحت لا تتلاءم مع الحياة التي نعيشها ونبحث
فيها عن الطرائق التي توصل الكل الاجتماعي إلى العدالة للجميع. وهذه الأوهام
تتمثل في آراء الفلاسفة، وعلى سبيل المثال ما قاله توماس: «إن الرجل هو الذي
يبدأ ويرغب بالجنس، وعلى المرأة أن تستجيب له». وقد اعتقد توماس أنه من المضر
لصحة الرجل أن يختزن السائل المنوي، ولهذا وجدت المرأة من أجل صحة الرجل، وأن
البغاء مقبول كشرٍّ لا بد منه، لأن طبيعة الرجل تحتاج إلى هذا البغاء صمام
أمان، وحتى لا يختزن السائل المنوي داخل الرجل(7).
إذاً فهذه الفِكَر تعكس أنه لا بد من احترام رغبة الرجل من المرأة، التي
يعدها هذا الفكر ليست إلا مُجرد وعاء للتفريغ، وحاجته تقتصر على الملء. وما
يذهب إليه الإرياني في رواية "رُكام وزهر" يعكس هذه الانتهازية من الرجل للوصول
إلى تحقيق أهدافه. والنص الآتي يُعبر عن ذلك.
«فكرت حليمة، وتدبرت أمرها، وحبكت خطتها. وكان المنوبي قد استولى على
جسدها، ولكنها لم تكن قد استولت على مشاعره نحوها كونها أنثى واعدة للرجل. وهو
يكشف لها هدفه، الذي يخدم جسدها من أجله، ويطلب مساعدتها للوصول إليه، ثم يزين
لها الأيام التي ستأتي بعد رحيل الزمنتال، وكيف ستغدو لطيفة رهينة لهما»(8).
إن ما يُظهره النص أن المرأة (حليمة)، بأُميتها وجهلها وغيرتها من السيدة
"لطيفة"، أختها، قد جعلها أداة طيّعة بيد الرجل (المنوبي). فيوحي لنا الراوي في
هذا النص بنظرة الأديب أو الكاتب إلى نوع المكانة أو المنزلة التي يمنحونها
للمرأة أولاً، فهي وأخيراً مُجرد وعاء لإشباع رغبة الرجل.
هذا الأمر الذي يعكس أنانية واضحة من الرجل نحو المرأة بعدم اعترافه
بإسهامات المرأة ونفي قُدرتها على تنمية المجتمع والحفاظ على الأسرة على أنها
كيان يمد المجتمع بالحياة المتجددة. ولهذا«فإن الرواية الحديثة (كما يرى أندريه
مارلو) ليست تصويراً لحال الفرد، وإنما وسيلة متميزة للتعبير عن مأساة
الإنسان»(9) التي تكمن في النساء، سواء أكان ذلك في المجتمع العام أم كان في
مجتمع الرواية، «لعب الرجل، فليزين الرجل لعبته ما استطاع، فإن ذلك أدعى لشهوته
وأملأ لعينه وأظهر لمحاسن المرأة، وأدوم للألفة والمودة»(10). والإبداع بهذه
الصورة لن يستكمل شروطه إلا إذا تحققت ضوابط موضوعية مرتبطة بالحريات
الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؛ لأن المثقف بهذه الروائية يمكنه أن يجسد
الواقع أو يعبر عنه على نحو أفضل مما نطلع عليه ويظهر علينا يومياً مجسداً رؤية
المتبوع للتابع(11).
وما لم يحدث تطور في نظرة الكتّاب الروائيين وغيرهم إلى المجتمع، ولاسيما
المرأة، التي تعد
-كما نرى- المجتمع كله، بوجودها المادي والمعنوي، وبما يعبر عن ذلك من
أدوار شديدة الأهمية للكل الاجتماعي؛ فإن الرواية وغيرها من الأعمال الأدبية
تكون عاجزة في تعبيرها عن المجتمع تعبيراً حقيقياً ما دامت تقدم الحقيقة
مجتزأة. وهذا الأمر الذي يخلق وعياً مضمونه أن المرأة ليست إلا للجنس ولخدمة
الرجل، كما يورد ذلك الكتاب الروائيون في أعمالهم، وكأن ذلك ما يعيشه الكتاب في
حياتهم الاجتماعية. وإن سلمنا بذلك فهذا يعني أن نسلم بحياةٍ مُنتَقصةٍ،
مخالفين منطق الواقع الذي نعيشه، ولاسيما أنه قد تطور عما كان عليه إلى حدٍّ
ما.
إن الرواية قد عبرت بشخصية الفرد عن رأي الكاتب الذي يحصر تناوله لقضايا
المجتمع ونظرته إلى المرأة في محاور ضيقة لا تعبر عن حقيقة المجتمع ونظرته إلى
المرأة وتفاعله مع قضاياها وقبوله لأن ترتقي وتنال حقوقها الطبيعية كاملةً،
لتتمكن بذلك من الإسهام في دفع عجلة النمو والتنمية. وهذا التناول بطبيعته يؤدي
إلى انتهاك حقوق الإنسان، نتيجة لاستلاب حرية المواطن، بفعل أسر التقاليد
القديمة التي صنعت أزمة الفرد في المجتمع، وهي من أضخم أزمات الواقع كثافة في
الرواية، كما أحسها الأديب.
«فالرواية تمتزج أحداثها من خلال علاقات عنصري الوجود البشري، الرجل
والمرأة. والذي لا شك فيه أن صورة المرأة أكثر استقطاباً لحركة الواقع وأعمق
دلالة لتحديد موقف الأديب منه»(12)، ولاسيما أن الأديب يركز على الجوانب التي
تتعلق بما يثير الغرائز عند الرجل، ويتجاهل الصفات الأخلاقية التي تتحلى بها
المرأة، وذلك ما يسيء إلى العلاقة بين الرجل والمرأة، ويخلق عداء مبطناً ظاهره
التلاؤم والتوافق، وما إن يحدث خلاف بسيط حتى يطفو الصراع بينهما ويشعل نار
الكراهية بين طرفي المجتمع، هذا الأمر الذي يتسبب بخلق تشوهات نفسية عند
الأطفال ذكوراً وإناثاً، وذلك ينعكس على حياتهم في المستقبل، وبذلك تتجدد دورة
الصراع.
هذا المنحى يؤكده زيد مطيع دماج في روايته "الرهينة"، إذ يُسهب في تفاصيل
الحديث عن الجنس، ليؤكد أن نظرة الأديب العربي، ولاسيما اليمني، لا يستطيع
الخروج من دائرة فكرة أن المرأة ليست إلا عشيقة أو معشوقة. والنص القادم يوضح
الصورة.
«ولأنني شرِبت لكي أنسى الشريفة حفصة، فقد سهرت حتى الصباح، لم تفارقني
لحظة في خيالي، كيف تكون في هذه الساعة؟ هل هي مستلقية على فراشها الناعم،
والأنوثة المجسدة في جسمها الريان تبرز مفاتنه من خلال ثيابها الشفافة اللاصقة
بجسمها، وصوتها الأجش كفحيح أفعى تتلوى يطرق سمعي!؟»(13).
إذاً فهذه هي الصورة التي يُركز على إيضاحها روائيونا، فماذا يعني أن يتخيل
المرأة، بطلة الرواية، وهي في كامل صورة الإغراء، لينقل إلينا صورةً من صور
"ألف ليلة وليلة"، وقد علاها غُبار التاريخ؟ والأدباء، ولاسيما الروائيين،
بفعلهم هذا يُريدون أن يشدونا إلى الخلف، وهذا الفعل يُعطل حركة الحياة،
وتطلعات المجتمع إلى المُستقبل تُدخله في إمكانية التآلف والمودة اللذين ينتج
عنهما السلم والعدل الاجتماعيان. وهنا نذهب إلى تأكيد عدم انجرار وعينا إلى
صورة من اليوتوبيا عن المُستقبل لا يبنى على خلفية أساسها مُقومات الواقع
الاجتماعي، أو انجذابنا إلى صورة تُعيدنا إلى تبنّي قيم نُحاول أن ننساها، في
حين أن أدباءنا وروائيينا ما زالوا يجدون في ما يتناولونه مُلائماً لأذهانهم.
وكلتا الصورتين تبتعد بنا عن فهم قيم العصر الجديدة. والمنتظر من الروائيين
خاصة والأدباء عامة ألا يجعلونا مادة تُزين صفحات أعمالهم، وإنما يجب أن
يُحاولوا الاقتراب من المُحيط الاجتماعي والطبيعي، ولو كان الاقتراب بطيئاً إلى
حدٍّ ما.
كما يرى ذلك ألن روب غرييه:«إن الوصف كان يهدف في معظم الأحيان إلى بناء
ديكور، إلى تحديد إطار الحدث، وتصوير الشكل الفيزيقي للأبطال والشخصيات
الرئيسة. وكان ثقل الأشياء الموضوعة بهذه الطريقة الدقيقة يشكل عالماً مستقراً
مؤكداً، يمكن الرجوع إليه بعد ذلك بسهولة، عالماً يؤكد، بفضل تشابهه مع عالم
الواقع، صحة الأحداث والكلمات والحركات التي سيملأ بها الكاتب هذا الإطار»(14).
ويقول جي دي موبان: «في هذا الغرض إن الواقعي إن كان فناناً حقاً فلن يذهب إلى
عرض الحياة في صور فوتوغرافية ساذجة، ولكنه سيذهب إلى عرض صورة أكثر حقيقة
وحيوية وكمالاً من الحياة نفسها»(15). والخروج عن الواقع على نحو مشوّه يجافي
الحقيقة، ولا يقدم إلا صوراً تعبر عن يوتوبيا أنانية تشبع دوافع خاصة لا صلة
لها بطموحات الشخصية الاجتماعية وما يتعلق بحياتها.
لذلك نجد أن الروائيين اليمنيين، كعبد الولي، يُقدمون المرأة في أعمالهم
بصورتها الناصعة المُضحية من أجل أسرتها ووطنها؛ إلا أنه يُغلف هذه الصورة
بالجنس، ويُغرق في ذلك، فتخدش تضحيات المرأة، ويُساء إليها.
يلاحظ القارئ بوضوح أن «شخصية المرأة تبرز بقوة في أعمال محمد عبد الولي
القصصية التي تتخذ الهجرة موضوعاً لها، ولاسيما المرأة في الريف. ولعل أقرب
دلالة لذلك هي أصدق الدلالات أيضاً؛ فقد أبرزت تجربة الهجرة اليمنية شخصية
المرأة، ولاسيما في الريف، حين أوكلت إليها، بل فرضت عليها، أن تنفرد بتحمل
أعباء الحياة وتكاليفها، حتى يصح أن نزعم في غير إسراف أن الحياة في ريف اليمن
تدين بالفضل للمرأة أولاً، فلا غرابة إذاً أن تفرض حضورها الكثيف على الأعمال
الفنية التي تتحدث عن الهجرة والمهاجرين»(16). ويقول جرار جينيت: «من السهل أن
نتصّور وصفاً خالصاً بدون عناصر نثرية. ولكن من الصعب أن نتصور العكس، لأن
السرد يتلبس بالوصف»(17). وفي هذا الاتجاه يسير الروائيون اليمنيون بالمرأة،
مركزين اهتمامهم على فحولة الرجل مقابل استسلام المرأة لرغباته وتلبيتها.
«فلا عجب أن نرى قضية الجنس عند محمد عبد الولي تشكل وفرة كبيرة. ففي
روايته "يموتون غرباء" يعوض الكاتب شخصيته المأساوية "عبده سعيد" عن غربته
ومرارتها بما أثار حوله من مبالغة في وصف فحولته، فقد شاع أنه ذاهب بنفسه إلى
بعض نساء الفيللات ذات الحدائق غير المتناهية الخضرة، ويقال إنه ضاجع امرأة في
الخمسين. والكاتب يرتكز على الجنس في معظم قصصه. فـ"نعمان" في "صنعاء مدينة
مفتوحة" نسخة أخرى من عبده سعيد. إن محمد عبد الولي يجعل الجنس تعويضاً لأبطاله
المعذبين، حيث يشكل في نهاية الأمر انتقاماً من العذابات التي تلاحقهم»(18).
وكان محمد عبد الولي في روايته "يموتون غرباء" قد جعل الجنس محوراً يقدم به
شخصيات روايته ويعالج مشكلاتها الاجتماعية وغيرها من المشكلات التي تواجههم في
الحياة اليومية. ومن ذلك شخصية طائتو«إذ كانت هناك فتاة في السادسة من عمرها
عندما حضر عبده سعيد إلى الحي وفتح دكانه. وكانت تستمع إلى ما يقال عنه...
وكانت تكبر ويكبر معها حلم أن يمتلكها عبده سعيد، هذا الذي صورته أحلامها فارس
الفرسان تماماً... كذلك العملاق الذي ركب حصاناً وبيده رمح يمزق به جسد حيوان
خرافي مخيف كالمعلق فوق الجدار عند سرير أمها... وقد كانت ترى أمها وهي تنحني
كثيراً أمام هذه الصورة، وصورة أخرى لامرأة سمراء جميلة وجهها ينبعث نوراً
وبيدها طفل أسمر جميل يبتسم.
كانت الطفلة تظن أن أمها تركع أمام عبده سعيد لأنها سمعتها تتحدث عنه
كثيراً بحب وإعجاب، وتذكر مرات كثيرة ذهبت فيها إلى دكانه وكانت تلح على أمها
أن ترسلها بدلاً من أن تتعب نفسها، وكانت أمها توافق، كانت تقف ساعات أمام عبده
سعيد تقيس جسده العملاق ووجهه الطفولي الشكل وعينيه العميقتين، كالفارس المعلق
في غرفتها. وبلغت الخامسة عشرة... وكانت أحلامها تعذبها، فهي ترى الجميع
يتحدثون عنه، بل يقولون أحياناً بصراحة إنهم عرفوه. وذهبت إليه، إنها تذكر
جيداً كل شيء، كان الوقت مساء، والساعة منتصف التاسعة، والليلة مقمرة بعد مطر
خفيف، وريح تهز أشجار الشارع، ولم يسمع في المساء زئير الأسود في الحديقة.
وكانت ترتجف، ولم تكن مرتهبة، فلقد انتظرت هذه اللحظة سنوات طويلة، لكنها كانت
تريد أن تعرف ما الذي سيحدث
نظر إليها كالعادة وقال:
- مرحباً طائتو! ما الذي تريدينه؟
- أوه! لا شيء ، أبداً! لقد جئت من... أجل... أوه!!
ونظر إليها وهو يبتسم.
واستمرت هي في حديث مضطرب:
-أوه! لقد نسيت، لعنة الله على الشيطان!
أيها القديس جرجس، ساعدني!
لكنه وقف خلف دكته ينظر إليها كالعادة.
وكادت تنفجر فيه بغضب: لماذا لا يتحرك؟ لماذا يقف بابتسامته البلهاء؟ لقد
كرهت أول مرة ابتسامته، وكانت تنظر بِحُمى إلى جسده العملاق... وكانت عيناها
تائهتين.
وبدأ يدرك؛ رأى صدرها في حركاته الثائرة... ورمانتين تكادان تمزقان صمت
الثوب القديم، وشفتيها قد انفجرتا عن أسنان بيض مفرقة... عرف كل شيء... ولم
يبتسم.
كان هناك بجانب الباب الكثير من الأكياس الفارغة بجانب أكياس أخرى، لا تزال
مليئة بالدقيق والسكر والرز وأشياء أخرى. رأت الباب يغلق بهدوء. ورأت نفسها
ترتفع، وكانت نائمة على الأكياس الفارغة، وأول مرة في حياتها نامت في الدكان...
وأول مرة أيضاً نامت امرأة في الدكان. وشهد الباب الخلفي، ومن ثم السور، فتاة
سمراء تقفز إلى الشارع، وعلى شفتيها ارتواء أعوام عشرة»(19).
لننظر كيف جعل محمد عبد الولي في روايته "يموتون غرباء" عبده سعيد أسطورة
في الجنس تتمحور حولها أحلام النساء ورغباتهن لإشباعهن جنسياً، بمن فيهن صغار
السن، إن يكبرن يذهبن إليه ليتحقق حلمهن فيه. وهذا يدعونا إلى الانتباه لنوع
المكانة التي يمنحها الأديب للمرأة في أعماله ملخصة طموحها لإرضاء أنانية
الرجل. وكذلك هو في أعماله الأخرى الروائية والقصصية التي تحتل المرأة فيها
المكانة الدنيا، فضلاًً على أنها الوسيلة لإمتاع الرجل من دون اعتراض، وتكون في
ذلك قد جنبت نفسها الغضب والعقاب، وحظيت بالرضا.
ونحن نرى المرأة في العالم القصصي وقد سلبت ملامحها الفردية وقرت في القالب
نفسه للصورة المثالية التي يرسمها المجتمع وينتظرها من هذا النوع من النساء؛
قالبٌ مقوماته الانصياع والخضوع والسلبية وانعدام العدوانية، والتضحية بالذات،
وتحمل المشاق والصبر على المكاره والرضا بالواقع والرحمة والشفقة والعطاء، إلى
جانب الرقة والعذوبة أيضاً. غير أن صورة المرأة المثالية ليست بالصورة الوحيدة
التي نلقاها في القصص العربي، وليست بالوجه الوحيد من أوجه والتَشيؤُّ؛ إذ
تتعدد صور الازدواجية والانقسام والتَشيئ في صور الشخصيات النسائية التي تطل
علينا من العالم القصصي(20).
وهذا ما نلاحظه في أعمال محمد عبد الولي الروائية والقصصية، فـ"نعمان" في
"صنعاء مدينة مفتوحة" لا هم له إلا الاستمتاع مع امرأة أخرى، ويهجر زوجته للكد
والعمل والشقاء في البيت والحقل، وكأنه غير معني بالأمر عدا اهتمامه بمتعه
وعلاقاته الجنسية واتكاله على زوجته للاهتمام بمعيشته وأسرته.
وذلك ما يبينه نعمان في مراسلاته مع صديقه، إذ «أقول لك الحق إنني شعرت
بالمتعة الحقيقية مع هذه الفتاة أكثر مما عرفتها مع غيرها، حتى زوجتي، كانت يا
صديقي امرأة محرومة من زوجها منذ سنوات، وأنا لا أجد ما أريده في المنزل، زوجتي
في عملها منذ الصباح حتى المساء... وأنا لا عمل لي منذ الصباح حتى المساء،
وهكذا وجدنا أننا نستطيع أن نهب بعضنا السعادة، لقد كانت بداية علاقتنا...
علاقة بريئة، ولكن لماذا لا نستغل الفرصة... ونتمتع؟ هل هناك مانع... في داخل
أنفسنا؟ لكن كنا خائفين في البداية... ولكن خوفنا تلاشى عندما أدركنا... أن
سعادتنا هي فوق كل خوف»(21).
يدعونا هذا إلى التفكير في حقيقة العلاقة القائمة بين الرجل والمرأة، ضمن
مجتمع الرواية، بالمكانة التي يمنحها الكاتب في أعماله للمرأة؛ إذ تكون في حال
تسمح للرجل باستغلال جسدها وجهدها ووقتها، مسخراً كل ذلك من أجل راحته، ولو أدى
ذلك الأمر إلى إيهامها بقدرتها على فرض سيطرتها المزيفة في البيت، باستخدام
وسيلة الجنس من قبلها لتحفيز الرجل أو كبته.
إن ما ذكر ينطبق على الرواية اليمنية؛ إذ يجري التركيز على ما يدور في
السطح الاجتماعي، وإغفال ما وراءه، ويتسبب في إذكاء الصراع الاجتماعي بين طرفي
المجتمع. وعلى سبيل المثال: الكاتب حسين سالم باصديق، في روايته "عذراء الجبل"،
يسير في هذا الاتجاه المرسخ فكرة الالتواء على عقلية المرأة عن طريق تلبية بعض
طلباتها. ويتبين ذلك بالنص الآتي: « لم تجد نفيسة الفرصة، فطغت عليها قوة
وصرامة زوجها. تذللت له كثيراً لتقصم ظهره فينساق وراء شهواته ويحقق لزوجته
الصغيرة الجديدة كل رغباتها. الأمور كانت تسير عكس رغباتها، كان زوجها لا يعجبه
بما تدلّله به، فهو لا يهمه من المرأة غير مضاجعتها»(22).
ويستطيع الباحث في هذا الجانب من العلاقات والصلات، أن يميز نوعين من
العلاقات؛ فثمة علاقات عاطفية صادقة، ويتجلى أكثرها في صفوف المناضلين
والمثقفين الثوريين، ممن ينتمون إلى الطبقة الكادحة، وثمة علاقات زائفة، تكاد
تكون محصورة في بعض الأوساط البرجوازية المثقفة، وفي صفوف بعض الثوريين
المزيفين(23).
نرى في ذلك أن من المستحيل عدّ المرأة قوة مولد فقط؛ إنها عند الرجل شريكة
ومولد ومتاع للشهوة، وإنها الطرف الجنسي الآخر، ومن خلالها يبحث الرجل عن
ذاته(24). وهناك من ناحية أخرى دراسات جورج بوليه وجان بيير ريتشارد، «التي
تندرج تحت ما يطلق عليه القصدية الأدبية، وهي تهتم اهتماماً خاصاً بلغة الكاتب
وما ينطوي عليه من إيماءات، يمكن الكشف عن دلالاتها»(25)التي نجد أنها تتمحورُ
حول مكانة المرأة في الرواية العربية، ولاسيما الرواية اليمنية؛ إذ يتم التركيز
على ما يجب أن تقدمه المرأة لأسرتها، ولاسيما الرجل، الذي يرى أنه السيد فلا
يعصى له أمر ولا تؤخر له حاجة، وفي ذلك تكون المرأة قد بلغت رضا الرجل؛ إذ تصبح
المرأة "مادة للذة الرجل وللإشباع الضروري له للشعور بهويته ورجولته"(26).
«وإلى هذا يشير عيسى الناعوري في "ليلة في القطار"، حيث ذكر أن الرجل الشرقي لا
يبحث إلا عن الجنس في أي بلد غربي يزوره»(27).
ومع أن الشخصيات المعبرة عن هذه الصورة في الرواية العربية موجهة من المرأة
كجنس، إلى الرجل ليس زوجاً وإنما جنسياً أيضاً، بعدّه مستلب حريتها، ولا يتعامل
معها على أنها كائن بشري له إرادة يجب أن تحترم وعواطف ينبغي أن تقدر، فقد تطور
معنى الحب ليسمو بالعلاقات بين الرجل والمرأة، وحتى لا يصبح عبودية لا خير فيها
للجنس الإنساني، والحب ليس أن تهب ولا توهب، بل أن تعطي وتأخذ(28).
يُلاحظ أن عبده سعيد يُمارس الانتهازية بأبشع صورها، عن طريق إدراكه لحاجة
المرأة الجنسية، فيستغل ذلك من أجل تحقيق أغراض خاصة، مثل التهرب من الضرائب،
كما يوضح هذا الأمر عبد الولي في رواية "يموتون غرباء"، كما يبينه النص الآتي:
"وعاد من جديد إلى السرير، وكانت ملابسه تنام في أنحاء متفرقة من الغرفة.
كانت الحرارة مرتفعة في الغرفة، لذلك تمدد دونما غطاء.
- متى ستأتي غداً؟ إنني أنتظرك! أنت تعرف أن كل ما نعمله محرم علينا، ولكن
لا أحد يستطيع أن يمنعنا ما دمنا نريد ذلك، أليس كذلك؟
أنت أيضا تعرف ذلك.. إن ذلك ليس حراماً ما دمنا نرغب فيه، ما دام ذلك في
مصلحتنا، كل ما هو في مصلحتنا فهو حلال، حلال... أنت توافقني، إنك صامت! قل
كلمة يا حبيبي، بل يا رجُلي القوي!
- أوه! لا أعرف. أنتِ تعرفين أنني لم أدفع الضرائب منذ مدة طويلة، وقد
ساعدْتِني أنتِ في ذلك كثيراً، سمعت أن هذا الملعون الأرمني يريد أن يكشف
الأمر... أنتِ تعرفين أنني فقير أتعب من أجل أن أربح سنتاً واحداً، هل ستحدثين
زوجك حتى يساعدني؟ إنه موظف كبير يمكنه أن يتلاعب في القضية.
كانا ممتدين فوق السرير... كلاً ينظر إلى الآخر لحظات، ثم يغيب في أفكاره
الخاصة"(29).
إذاً فالراوي بهذا النص يجعل المرأة ساذجة ومن السهل إقصاؤها عن استخدام
العقل، ليكون إشباع رغبة الجنس عندها هو ما يوجه تصرفاتها. وهذا يجعلنا نتساءل
عن المشكلة التي توجه وعي القاص أو الروائي وغيرهما، مما يدفعهما إلى التركيز
على الجنس قضية رئيسة لطرح قضايا المجتمع ومشكلاته، وهل تكمن في تشرب ثقافة
المجتمع بطريقة خاطئة؟ أم هي طبيعة قوة عادات المجتمع وتقاليده التي تعكس نفسها
على وعي الكاتب والأديب؟ ولأن الثقافة هي أمر منوط بالمجتمع الإنساني، ما يدل
على أن هذه الغريزة وما يتعلق بها ليست من ثقافة المجتمع الإنساني، وإنما هي من
عمل المجتمع البشري، المشترك مع الكائنات الحية كلها. ولو أن الثقافة تؤثر فيها
في الواقع، ولكن ما ينبغي أن ينعكس الحالة فتصبح غريزة الجنس تؤثر في الثقافة،
بل تصبح أحد مقوماتها، كما هو سائد الآن في المجتمعات الإنسانية. فالثقافة هي
الرصيد الذي يحمله المجتمع الإنساني من فِكَر ومشاعر وأخلاق وفن وأدب وتاريخ
وتراث... إلخ.
لذا تمتاز المجتمعات الإنسانية بعضها عن بعض باختلاف ثقافتها ونضوجها؛ لأن
الثقافة هي بمنزلة هوية المجتمع، ثم هي من الأمور الخاصة لكل مجتمع إنساني،
والفرد تتكون ثقافته وشخصيته على الصعيد النفسي والعقلي بناء على ثقافة المجتمع
الذي يصنع ويصوغ شخصية أفراده(30).
ولذلك لا بد أن يتحرى الأديب ما يدور في المجتمع ويحدث فيه، حتى يستطيع
التعبير عن همومه بصورةٍ أدق. فالمرأة في معظم هذه القصص الشعبية كثيراً ما
تظهر بهيئة الجارية الفاتنة اللعوب والشيطانة في ألاعيبها، والداهية في مكرها
وكيدها، والعاشقة الفاتنة في عشقها، والإيجابية في موضوع الحب والجنس مثل
الشياطين والجان. «وتحمل قصص ألف ليلة وليلة لهؤلاء النساء الساحرات اللائي
استخدمن السحر وسيلة لتنفيذ خطة المرأة للوصول إلى حبيبها، فإذا المرأة تسحر
زوجها حتى لا يقف في طريق حبها. ويلاحظ أن السحر في ألف ليلة وليلة لم يستعمل
إلا بوساطة النساء الكائدات الساعيات إلى عشاقهن، والبنج أيضاً تستخدمه المرأة
التي تريد التسلل إلى عشيقها، فإذا هي تبنج زوجها، وهذه ظاهرة تتكرر في ألف
ليلة وليلة، من قصة السلطان محمود صاحب الجزائر السود، في الجزء الأول، إلى قصة
قمر الزمان وعشيقته في الجزء الرابع»(31).
ولننظر كيف أن الثقافة ببعض موروثاتها الجامدة لنا وعياً مزيفاً عن ممارسة
المرأة ولجوئها إلى أساليب الشعوذة، وحصر ذلك فيها، مع أن الرجل يقوم
بالممارسات نفسها. والصحيح هو أن الأديب يتحسس قضايا الأسرة والمجتمع، معطياً
طرفي المجتمع حقهما، سواء أكان ذلك رجلاً أم كان امرأة، ليصحح المسار. ولو حدث
ذلك لوصل إلينا ركام ثقافي غير مزيف. وهناك من يطرح أن للمرأة من الأدوار
والمواقف التي تؤثر في حياة الرجل بنحو إيجابي. ومن هؤلاء المازني، الذي يرى أن
المرأة "أكثر تمثيلاً للنوعية. في حين أن الرجل أكثر تمثيلاً للفردية". بينما
يراها العقاد مظهر القوة التي بيديها كل شيء في الوجود وكل شيء في الإنسان.
وعند نجيب محفوظ لا يوجد ثمة حركة بين الرجال إلا وراءها امرأة، فالمرأة تؤدي
في حياتنا الدور الذي تؤديه قوة الجاذبية بين الأجرام والنجوم. وإذا كان هذا
رأي بعض الروائيين في المرأة، فلا شك أنهم فيما كتبوا كانوا على وعي بهذه
الحقيقة، حقيقة مواكبة حركة المرأة لظروف الواقع وأثرها في توجيه مساره. ومن
هنا لم يعكس مضمون رواياتهم هذه الحقيقة فحسب، بل عكستها أيضا عناوين القصص
والروايات(32).
ومن الغُبن أن تقتصر الكتابات الأدبية في كل مجالاتها على حصر المرأة في
مواضيع محددة، على سبيل المثال: الجنس أو الخداع واللجوء إلى أساليب الشعوذة؛
من أجل السيطرة على الرجل وتمرير بعض المواقف والمسائل البسيطة في البيت، ونلغي
قدرتها على الدفاع عن حقوقها وحقوق غيرها. وإن أبرز بعض الروائيين بعض الجوانب
الإنسانية لدى المرأة، مثل محمد عبد الولي حينما بين موقف طائتو في مطالبتها
لعبده سعيد أن يكفل ابنه غير الشرعي بعد وفاة أمه، إذ «إن طائتو المومس تطلب
راجية من عبده سعيد أن يعمل شيئاً من أجل ابنه غير الشرعي الذي ماتت أمه فاطمة
وتركته وحيداً. وتحاول أن توقظ بين جوانحه عاطفة الأبوة أو أن تضرم في نفسه وهج
الحنين إلى الإنسانية. تحاول أن توقظ قلبه الميت الحجر، وطيبته المدفونة تحت
رمال الزمن والغربة. ولكن قلبه مات، ومات الإنسان فيه، فليس يجد الرجاء ولا
تنفع الاستغاثة»(33).
إن ما يُشير إليه وهب رومية من فقدان عبده سعيد لطيبته وإنسانيته أمام
توسلات طائتو، فيه اجتزاء للحقيقة؛ لأن شخصية عبده سعيد هذه هي سماته، ولو لم
يكن يحمل طابع الأنانية لما ضحى بزوجته وأرضه من أجل جمع المال الذي كان من
المُمكن بالمثابرة جمعه وهو بين أسرته يده معهم في العمل والنهوض بأعباء الأسرة
كلها. وهنا نؤكد أن العمل الأدبي، لاسيما الروائي، لا بد وأن يحمل الهم
الاجتماعي، لا أن يدع قضية دون أخرى تسيطر على وعيه.
وبعد هذا، ترى هل من المنتظر أن يتحول العمل الأدبي إلى وعاء يستوعب قضايا
شخصية على حساب هموم المجتمع، أم أن ذلك يأتي إخلالاً في جوهر توجهات الهدف من
العمل الأدبي؟ لأن الأعمال الأدبية أغراضها تتعدى التعبير عن المواقف الشخصية
إلى ما يحدث في المجتمع. حيث يقول الأديب الماليزي الصيني
C-G.jung:
«الأديب ليس مجرد إنسان منح الإرادة والاختيار والحرية التي ما زالت تبحث عن
حدودها. بل الأديب هو الإنسان الذي يترك الأدب يمر في داخله لكي يحقق
غرضه"(34).
فالمجتمع بكونه رسالة إنسانية تهدف إلى الارتقاء بالوعي العام للمجتمع وكشف
الأخطاء له، ليتسنى بعد ذلك انتقادها وإصلاحها، ثم التطلع إلى حياة جميلة تخلو
من الانتقاص لأيًّ من طرفي المجتمع. وعلى هذا المنوال يؤكد حسين مروة أن "الشعر
وكل فن غيره هو تحول خلاف من الواقع الاجتماعي إلى الواقع الفني، وهو في الوقت
نفسه، وبجدلية موضوعية، شحنة طاقة بخصوصيات متنوعة، لتحويل الواقع الفني إلى
قوة مادية فاعلة، إلى طاقة تغيير وتحويل في الواقع الاجتماعي والطبقي ذاته، إلى
رافد فني في مجرى النهر الكبير، نهر الحياة والإنسان»(35).
إذاً فنظرة الأديب إلى المرأة والمجتمع يُنتظر منها أن تكون هادفة لتحقيق
العدالة للكل الاجتماعي، وتطوير الوعي حتى يستوعب كلاً من الرجل والمرأة، حتى
يحل الوئام الاجتماعي بدلاً من الصراع الذي يقلق الأسرة والمجتمع.
بعد أن تعرفنا في هذا المبحث على نظرة الأديب وكيف أن آراءه تخلق وعياً،
إما مُزيفاً، وإما مُستنيراً، وفقاً لما يحمله من فِكَر إفادة من مُستجدات
العصر ما زالت تحتكِم إلى الماضوية وآثارها السلبية في منعنا من العيش طبقاً
لتطلعاتنا المُستقبلية التي تخلو من الزيف والتزييف؛ لننتقل في المبحث الثاني
إلى الحديث عن المرأة ومكانتها في الأسرة.
المبحث الثاني: المرأة ومكانتها
في الأسرة
لقد تعرّفنا في الجزء السابق من هذا الفصل إلى نظرة الأديب ونوع الفِكَر
التي يُكرسها في أعماله عن المجتمع والمرأة. ولتتضح الصورة فإن هذا الجزء يتعمق
في التحليل عن مكانة المرأة في الأسرة، حتى نُظهر ما تُقدمه النصوص الروائية
اليمنية بأسلوب منهجي نتعرّف به على ما يحدث في مجتمع الرواية. وعندما نقرأ
الأعمال الروائية عن مكانة المرأة في الأسرة وأهمية دورها الذي نعيه جميعاً،
نتوقع من الوهلة الأولى أن هناك نظرة واعية يُقدمها الأديب؛ ولكن ما يحدث هو أن
الأعمال الروائية تُركّز على فِكر معين ينمُّ عن ميل محدد من قِبل الرجل نحو
المرأة، وهذا ما يُؤثر في العلاقات الإنسانية. هذه الكِتابات تُكرّس الفِكَر
ذاتها في المجتمع. وبذلك لا يتلقى القارئ أي معلومات تُساعده على فهم حقيقة
الحياة بين طرفي المجتمع، وهذه المُمارسات تبدأ في الأسرة ثم تعُم المجتمع
العام. وسنبدأ باستجلاء هذه الصورة عن مكانة المرأة عند محمد عبد الولي، الذي
يُعد أهم كاتب روائي يمني فقدته الساحة الأدبية في أوج نشاطه في سبعينيات القرن
السابق، وكان جُل اهتمامه تطوير الفن الروائي في اليمن والوطن العربي،
لمعالجاته قضايا المجتمع بواقعية ووضوح.
أولاً: محمد عبد الولي
إن محط بدايتنا دائماً تبدأ من محمد عبد الولي، لأنه أغزر الكُتاب
الروائيين اليمنيين، وأكثرهم ملامسةً للواقع المعيش لو استقى مواضيع كتاباته من
خارج البيئة اليمنية، إلا أن تلك المواضيع تظل مُتصلة باليمنيين عن طريق
المُهاجرين، وما أكثر هجرة اليمني ومن أولئك المرأة التي تُكون محوراً أساسياً
في كل أعماله.
فمثلاً ها هي المرأة في قصة "الأرض يا سلمى يُقدمها وهي تعاني ابتعاد زوجها
عنها في بلد الغُربة، وتحمل همه، وتخاف عليه من مشقة الاغتراب، فتخالفها
صديقتها الرأي، إذ تنبهها إلى أن الرجل ببعده عن أسرته ينسى كل شيء في بلده،
وينشغل بما يكسبه من المال، ونساء المهجر، وما عدا ذلك لا يذكره إلا عند عودته
إلى البلد. وهو ما اتبعه عبد الولي في رواية "يموتون غرباء" وبقية أعماله.
«وما أدراك يا سلمى أنه وحيد؟ لا تجعلي وجهك يصفر، ولا ترتجفي، فكل شيء ليس
سوى افتراض. فهو قد يكون وحيداً وقد لا يكون، فالرجال لا أحد يثق بهم.. خاصة
حين يكونون بعيداً، لا تراهم عيوننا، فلم لا يكون زوجك أحدهم؟ أنت تعرفين قصة
عمك زيد، الذي ترك زوجته منذ عشرين عاما ولم يعد، إنه حي وله زوجة وأولاد،
ويقولون إنه لن يعود، وزوجته لا تزال تنتظر هنا»(36). إذاً فالمرأة اليمنية في
أعمال عبد الولي ما عليها إلا أن تنتظر، وتعمل، حتى يأتيها الموت من الشقاء،
والتعب، أو يعود أحد أقربائها من غُربته، سواء أكان أخاً أم كان زوجاً، وفي
الغالب تكون عودته نادر، إذ تفنيهم الغربة قبل العودة.
إذاً فحظ المرأة اليمنية عند عبد الولي، كما يُبينه في رواية "يموتون
غرباء" وغيرها من أعماله، هو أن تكدح، وتشقى من أجل أسرتها في البيت والحقل،
فضلاً على جلبها للحطب. فهي إذاً بجهدها تُبقي نار الحياة في البيت مُشتعلةً
وحية، لكي لا يموت الأمل عند أسرتها بغياب الرجل، كما فعل ذلك عبده سعيد الذي
تأثر بحديث النسوة عن جمال ما يمتلكه المهاجرون من منازل، وكثرة أموالهم، فكان
ذلك سبباً في هجرته.
«عندما لمح بعض النسوة يقفن في الطريق وقد وضعن أحطابهن على سور من
الحجارة، وهن يسترحن من رحلة التحطيب، سمع وهو يمر بجانبهن إحداهن تقول:
- انظري إلى ذلك المنزل...
ألا يشبه بيوت الجنة؟
- نعم، إنه أبيض وجميل.
وقالت إحداهن... وكانت جميلة وشابة:
يا ترى، مَن صاحب هذا المنزل السعيد؟!
وضحكت أخرى وقالت:
- ومن هي صاحبته؟!»(37).
وفي قصة "الأرض يا سلمى" نلاحظ المرأة وهي تعمل طوال اليوم من دون توقف
لأخذ قليل من الراحة، وهي التي ظنت أن الانتقال إلى بيت الزوجية سيُريحها من
عناء العمل المتواصل ومشقته. فها هي تسأل، ما الجديد في حياتها، إلا المزيد من
الجُهد المُضني؛ وكأن المرأة تُصاب بخيبة الأمل، ولا فكاك لها مما فُرض عليها
في بيت أبيها، أو بيت زوجها.
«وعندما أتى أهل زوجكِ لنقلكِ إلى داركِ الجديدة كنتِ تسرعين في الخطو،
لتصِلي بسرعة، ونبهكِ الذين حولكِ، وشعرتِ بالخجل، إذ خفتِ أن يكتشف الآخرون
سرَّ تلهفكِ وسرعتكِ، ولكن، يا سلمى، أكنتِ تحبين درهم حقاً؟
- كلا، لا أظن!!
- إذن ما سر سعادتكِ تلك؟ لأنكِ طفلة؟ أم ظننتِ أنكِ ستتخلصين من بيت
والدكِ؛ من تلك الأعمال الشاقة التي كنتِ تقومين بها هناك؟ كنتِ تظنين أنكِ
ستجدين الراحة والهدوء في منزل زوجكِ، فهل تحقق ذلك؟
لنرَ يا سلمى حياتكِ الجديدة في منزل زوجكِ! فبعد الأيام السبعة الأولى،
أيام العرس، بدأت عملكِ: زوجة تخدم زوجها وأهله، كنتِ تستيقظين من نومكِ مع
أذان الفجر، فتحلبين البقرة ثم تذهبين إلى البئر بعد أن تضعي أمام البقرة بعض
الحشائش، وبعد أن تمتلئ جرَّتكِ بالماء تعودين لإعداد الفطور لزوجكِ، وعند
اقتراب الظهر تذهبين إلى الحقول لتعملي مع والد زوجكِ في الحرث والبذر
والتنقية، لتعودي منهوكة القوى لتعدي وجبة اِلغداء: تطحنين الحبوب ثم تعجنينها
كي تطعمي زوجكِ. وبعد الغداء يذهب لمضغ القات، في حين لم تتناولي غداءك، وهو
غالباً ما يكون كإفطاركِ: قليل من الخبز مع رشفات من القشر أو عصيدة مع لبن.
ويأتي عمل ما بعد الظهر: غسيل الملابس، الذهاب إلى الجبل للبحث عن حطب للوقود،
الذهاب إلى البئر مع غروب الشمس لتأتي بماء المساء، والتقاط بعض الحشائش
للبقرة، وبعدها تعدين العشاء وتقدمينه لزوجكِ، الذي يعود من المسجد بعد أداء
الصلاة، وأنتِ كم مرة نسيتِ الصلاة وأنتِ ترتمين متعبة قرب منتصف الليل، لتعودي
مع أذان الفجر إلى العمل... إلى الإرهاق... هذه هي حياتكِ كل يوم، هل فيها شيء
جديد؟»(38).
ومع هذا تلاقي المرأة الكثير من المضايقات، إلى جانب سوء الظن بها من
الرجل، الذي لا همَّ له إلا تقييم الآخرين، ولاسيما المرأة، ولو كانت تعمل من
أجل معيشة أسرتها. وها هو الرجل في قصة "وكانت جميلة" في مجموعة "شيء اسمه
الحنين" لعبد الولي، يشرح نظرة الرجال إلى المرأة التي تعمل من أجل العيش
بكرامة هي وأسرتها، ومن أجل ذلك هي تعمل من تسع عشرة ساعة إلى عشرين ساعة، كما
هو واضح في حال المرأة في قصة "الأرض يا سلمى"، وهذا يبين أن الرجل يقضي وقته
بين العمل في وقت الصباح، وبقية وقته يُهدره مع غيره من الرجال في تناول القات
والتسلية، ليرموا الحمل كله على المرأة. وكذلك الأمر في قصة "وكانت جميلة"، إذ
لا هم للرجال إلا الحديث عن المرأة التي تعمل، وكيف يستطيعون الوصول إلى
تملّكها: «وأصبحنا نحبّها جميعا، وكل حب يختلف عن الآخر، هناك من يريدها زوجة،
وآخر يريدها عشيقة، وثالث يريدها من أجل مالها...»(39).
فها هم يختلفون في كيفية العلاقة معها، وكلٌّ له هدفه منها، وهي لا تعبأ
بهم، منصرفةً بجهدها ووقتها في عملها. والقصة ترمز لمعنى أعمق، ومغزى أبعد. بل
إن الأشخاص أداة تكوين الحكاية يصبحون أيضاً رمزاً لمعانٍ أخرى خارج وجودهم
الفردي. ومن هنا كانت صورة المرأة في رواية "يموتون غرباء" وكذلك في رواية
"صنعاء مدينة مفتوحة" تعبر عن أزمة الفرد في علاقاته بمجتمعه، ولاسيما نظرته
إلى المرأة التي لا تتجاوز كونها محط الازدراء؛ فهي العاملة، والفلاحة،
والمربّية. وفوق هذا لا يُنظر إليها إلا كونها أداة للمتعة والعمل. ولذا تبقى
المرأة فيها تحت القلق وعدم الاستقرار، بسبب ما يُمارس عليها الرجل من ضغوط،
سواءٌ أكان أباً أم كان أخاً، أم كان زوجاً؛ وذلك عن طريق القمع في بيت أسرتها
أو في بيت زوجها. وهذه الصورة تُبين قتامة الحالة الاجتماعية للرجل والمرأة
وصعوبة تجاوزه، ما دام الوعي لم يأخذ طريقه إلى التطور. بل يظل الإحساس لدى
المرأة بالدونية وعدم الثقة بالآخر، ولاسيما أن الأعمال الروائية تكرّس ما
اعتاده الوسط الاجتماعي من مُمارسات وفِكَر تقليدية تؤكد في بعض السياقات دونية
المرأة مقارنة بالرجل. ونجد أنه في سياقات أخرى تؤكد ذكاءها وفطنتها
ودهاءها(40).
وإن كانت المرأة توصف بهذه الصفات فهي تُسخرها في سبيل الحفاظ على كيان
الأسرة والدفاع عن حياة أولادها. والرجل يستغل جانب الحنان فيتغلب بذلك على
جانب دهائها، فيسلب منها إرادتها، ويصادر منها مكانتها؛ لتظل محكومةً بأعراف.
وتقاليد المجتمع. ثم إن النظرة الجنسية من الرجل إلى المرأة تُلغي أيضاً
الاعتراف منه بقُدراتها ومكانتها المستحقة(41). وهذا ما يتجلى واضحاً في رواية
عبد الولي "صنعاء مدينة مفتوحة"، وعلى لسان نعمان وهو يتحدث عن زوجته هند،
فيُشخص مكانتها وفق النص الآتي:
«إن الزواج والحب في بلادنا... ليسا سوى مجرد لعبة الرجل بالمرأة، التي
ليست سوى خادمة... للأرض... والبيت... والزوج. إنها مجرد زهرة تتفتح قليلاً ثم
تموت... حين ينهكها العمل. وكذلك هي زوجتي... كانت ناضرة... كزهرة... فأصبحت
الآن عوداً يابساً، وأصبحت... مع أنها لم تتجاوز الخامسة والعشرين... عجوزاً
كأنها على أبواب قبرها، إنها منهكة مريضة» (42).
من النص يتبين أن هند قد أصبحت عجوزاً وهي بعد لم تتجاوز سن الخامسة
والعشرين. وذلك لأن الرجل يستنفد كل طاقات المرأة لما تتحمله من أعباء فوق
قُدرتها. ومع هذا نرى أن الراوي يُحدد مكانة المرأة في أسرتها من النص السابق،
واصفاً إياها بالخادمة في الأرض والبيت ولزوجها، أي إنها لا تستطيع القفز على
ما يهبُها الرجل من مرتبة، وهكذا هو وضع النساء سواء أكان ذلك في الواقع
الاجتماعي أم كان في مجتمع الرواية. كان الرواة أو غيرهم من الكُتاب لا
يستطيعون تقديم توجيه الوعي الاجتماعي الوجهة الصحيحة، أو تسخر أعمالهم الأدبية
لنقد ما يعيشه الناس من وعي مُتخلف؛ فإن التقدم نحو العدالة لكل أعضاء المجتمع
سيكون عسيراً.
إذ كان وضع المرأة في المجتمع كله مرتبطاً ارتباطاً مباشراً بقدرتها على
إنجاب ورثة من الذكور، فضلاً على أن إنجاب البنات كان يعد أمراً مذلاً، وكان
عدم إنجاب الأولاد الذكور في الكثير من الأحيان سبباً كافياً للطلاق ولو كان
ذلك بعد مرور وقت قصير على الزواج. إن الضوابط الصارمة التي كانت تمارس على
المرأة جعلت مبادراتها المستقلة محدودة للغاية، فَبَعْدَ سن البلوغ أو قبله كان
يحظر عليها إقامة أي صلات اجتماعية بالرجال من خارج دائرة المحرمين عليها، ومن
الأمور التي كانت تنال تقديراً عالياً عذرية الفتاة قبل الزواج وإخلاصها الجنسي
بعده. وتراوحت العقوبات على خرق هذه القواعد، رد الظن بخرقها بين الخلد والموت
على أيدي الأزواج والأقارب من الذكور، انتقاماً لفقدان العرض الذي يعتقد بأنه
يحدث نتيجة هذه الأفعال. في الوقت نفسه كانت الحرية الجنسية للرجل أقل تقييداً،
فكان يسمح له بتعدد الزوجات وبالمحظيات(43).
فالنظرة إلى المرأة على أنها جنس يجب الحفاظ عليه بعزلة عن مجتمع الرجل.
وهذه الحالة لا تقتصر على اليمن، وإنَّا نجد ذلك في عموم المجتمع العربي، وفي
رواية "العودة من الشمال" لفؤاد القسوس ما يُعبر عن ذلك، «فأم سلمى تقول
لابنتها حين برز صدرها: أصبحت كبيرة يا سلمى! إياك واللعب مع الأطفال، ولا
تتحدثي مع أحد، حتى جيراننا، إلا بحكم ما تفرضه الجيرة علينا»(44).
ولهذا نكتشف أن الرواية اليمنية تعبر عن العلاقات بين الرجل والمرأة في
اختيار المكان، فيكون في الغالب خارج اليمن، لأن البيئة اليمنية بتحفظها لا
تُتيح مجالاً واسعاً ورحباً لذهن الأديب كي يتناول العلاقات الاجتماعية بين
الرجل والمرأة؛ فيكون بلد المهجر بديلاً مثالياً للروائيين اليمنيين، ولاسيما
أن أكثرهم عاشوا فيها وكانت لهم تجارب أخصبت في أعمالهم الأدبية.
وعلى هذا المنوال كُتبت رواية "يموتون غرباء" لمحمد عبد الولي، "وقرية
البتول" لمحمد حنيبر، و"ربيع الجبال" لمحمد مثنى، وغيرها. إذ يُلاحَظ في
تناولهم للمرأة وعلاقاتها، على سبيل المثال، أنهم يُسهبون في الحديث عن
العلاقات الجنسية للمرأة مع الرجل، حينما تكون علاقة الرجل بامرأة غير يمنية،
فيظهرونها أن لا عمل لها توفر به حياتها غير الجنس وممارسته. أما المرأة
اليمنية -كما يرون- فدورها لا يتعدى العمل في البيت والحقل، فهي أداة يُحركها
الرجل كيف يشاء.
ولذلك لا نجد في الرواية اليمنية علاقات حب بين الرجل والمرأة اليمنية،
سواء انتهى بعضها إلى الزواج أم لم ينته، والعلاقة بين الفتى والفتاة تكاد
تنعدم، فتنعدم معها علاقات الغزل والملاحقة من بعيد أو قريب، تلك التي نراها
شائعة في الروايات العربية مصورة انطلاقات الشباب واندفاعاتهم وميولهم ونزواتهم
وتمردهم (45)، إذ كان المكان له التأثير الواضح في اختيارات الرواة، ولاسيما
اليمنيين، لمواضيع أعمالهم في التعبير عما يُريدون قوله، سواء أكان ذلك عن
المرأة أم كان غير ذلك مما يتصل بحياة المجتمع.
وفي ضوء هذا الاتجاه ركز جميع الدراسات العلمية على تحليل الجسد ودلالته.
ذلك لأن إحساس الإنسان بالمكان ينطلق من الإحساس بجسده، وهو أقرب الأماكن إليه
مكمناً للرغبات ومركزاً للقوى العقلية والوجدانية والحيوانية. إضافة إلى ذلك
فإن الجسد أداة لإدراك العالم؛ فمن الوعي بالجسد يبدأ الوعي بالعالم. لذلك ذهب
موريس مارلو بونتي إلى أن الجسد هو المنظومة الرمزية العامة للعالم(46).
وهكذا لوحظ أن عبد الولي قد عكس في أعماله القصصية والروائية ما تُعانيه
المرأة من تعب ومشقة، لما تبذله من جهود تتجاوز في معظم الأحيان طاقتها
البشرية. وحين نُلامس الواقع نجد أن المرأة اليمنية كأنها قد زودت بجهد إضافي
على جهدها الأصلي، فضلاً على ما تتصف به من قوة الصبر والجلَد. وهذا الأمر
يتطابق فيه مجتمع الرواية مع ما يعيشه المجتمع. وهذه هي الصورة عن مكانة المرأة
في الأسرة، كما قدمها عبد الولي. ننتقل بعد ذلك إلى الحديث عن مكانة المرأة عند
يحيى الإرياني.
ثانياً: يحيى الإرياني
إن ما يُقدمه الإرياني في أعماله عن مكانة المرأة في أسرتها، يُبين كما
سيأتي في النصوص. فهي الخاضعة وقليلة الحيلة، وهي مَن ينتظر ما يقطع به الرجل
من رأي. بل إن مصيرها بين يديه. وهذا ما أوضحته نصوص أعماله.
إذ يُظهر الإرياني شخصية الزمنتال في رواية «ركام وزهر» وكأنه الرجل الوحيد
في الرواية الذي استطاع السيطرة على قلوب النساء وامتلاكها. في حين كانت النسوة
في الرواية لا هم لهن إلا رضا الزمنتال عنهن، وكلهن يردن التزوج منه، وهذا ما
حدث في نهاية الرواية.
على سبيل المثال: «أُم الخير»، التي لجأ إليها في قرية سمنحار، والسيدة
«لطيفة»، التي عمل عندها، وابنة اليهودي «يمن» التي استضافتها «أُم الخير» له
من أجل إنجاب الذرية. عدا ذلك عمل الكاتِب على إظهار المرأة عاجزة عن فعل أي
شيء من دون الرجل، الزمنتال. ثم إنه لم يُبين دور المرأة في الأسرة وأهميته، بل
ما حرص عليه الراوي هو تأكيد تبعية المرأة للرجل، ولو كانت غنية وعندها القدرة
على الدخول في عالم المال والأسواق. وهذا ما سنتبينه في تعامل الزمنتال مع
زوجاته بالنص الآتي: «وبدأت العافية تدب بعينيها، فوجهها. وقامت من سريرها تنفع
نفسها، وتتمسك بأم الخير إلى جانبها، نافرة من الممرضة التي كان المستشفى
يرسلها، وقد صنعت لها أم الخير ما تصنعه الأم لوليدها، وهي الممرض والمؤنِس
والأنيس، تسقيها إن عطشت، وتطعمها إن جاعت. واطمأن خاطر الزمنتال، فاستأذن
الممرض والمريض للعودة إلى سمنحار، لمعاونة المعلم ومؤانسة الحامل
المنتظرة»(47).
إذاً فالراوي الإرياني يُبين الزمنتال على أنه محور أساسي، لا يمكن الأسرة
أن تخرج عن طوعه وإرادته، فهو من يخلق التلاؤم بين نسائه الثلاث، فأُم الخير
زوجته الأولى تعتني بزوجته الثانية في حالة مرضها، فيطمئن لذلك فيعود إلى قريته
ليؤنس زوجته الثالثة، لأنها حامل ومن ستُنجب له الولد إذاً فهي من يستحق
العناية ليس غيرها.
وهذا يكشف عن مدى تركيز الراوي على الرجل، وجعله يتحكم في كل أُمور الأسرة
ويُنظم علاقته بجميع نسائه. وتبقى المرأة منتظرة لما يُفكر فيه الزمنتال بين
نسائه في العاصمة، وفي قرى الريف، بين واحدة أفلست، وأخرى تلد، وثالثة تنتظر،
وأخرى تستعد للزواج منه.
«وظل الزمنتال صامتاً يتردد، فمن سمنحار إلى الريحانة، يتفقد داره ويؤسس
عادة الذهاب والإياب، وقد خلق هذا التأسيس رواية الهمس الثانية، فقد تردد الهمس
أن زوجته في العاصمة قد أفلست وأن ابن أبي الريحان يُفكر في بيع داره، واشتد
مخاض زوجته فأقعده مع أبيها في سمنحار»(48). والراوي بهذه الصورة يُؤكد ما
اعتاده المجتمع، فالمرأة ليست إلا للحرث والنسل، بل إنها "تُملك كما تملك
الأرض، وتنتج كما تنتج وتحرث، فهي خاضعة لفعل الرجل واختياراته وممارساته
المختلفة، وهذا تماماً ما يدل على دونيتها"(49)، التي كان من المُتوقع أن
يُحاول الرواة تصحيحها، أو نقدها، وليس الاستسلام لها ولقوانينها المُتخلّفة،
بما تحمله من فِكَر عدائية لروح العصر ومقوماته التي لا يُمكن لها أن تتعايش مع
مُتغيرات المجتمع الحديث الذي لم يعد يقبل بالتمييز بين طرف في المجتمع وآخر.
ويمكن أن نرصد قضية التمييز بين الجنسين واضحة في الحقوق الاجتماعية والسياسية،
في ممارسة الحق الاجتماعي، الحرية وإثبات الذات وإبراز القدرات والمهارات
العقلية والبدنية، مع الاختلافات الطبيعية. وهذه القضية قائمة على ما هو طبيعي
وما هو ثقافي. فالاختلافات الطبيعية بين الجنسين لا تعتمد قاعدة صلبة لحرمان
المرأة من القيام بأدوارها الاجتماعية والفكرية والسياسية. أما الاختلافات
الثقافية فهي المعرقلة حقيقة لها، على أنها طاقة فاعلة وعلى أنها عضو حيوي
ومنتج. وهذه الاختلافات الثقافية لا تتأسس إلا على مجموعة من الآراء والفِكَر
التي جمعتها المجتمعات المختلفة عن المرأة، وعدتها في المجموع كائناً عاجزاً عن
العطاء، لأنه ليس فاعلاً في عملية التكاثر والإنجاب، بل عدته منفعلاً
ومستجيباً، وهي لا تملك لأمرها زماماً(50).
إذ إن مُكوني المجتمع لم تعد بينهما تلك الفوارق المانعة لِطرف عن غيره في
التصدي لأعباء الحياة الاجتماعية، وشغل أي دور أصبح مقياسه الكفاءة والقُدرة،
للرجل أو المرأة. لكن الأعمال الروائية ما زالت تعيش في عصر ما قبل الحداثة
والحضارة التي تأخذ بمعيار الاحترام لِكيان الإنسان كونه كذلك، سواء أكان ذكراً
أم كان أُنثى.
والإرياني لا يخرج عن هذا المنطق. والنص الآتي في رواية "مشاهد طويلة من
الحكاية" يُبين تعامل الابن مع أُمه حين شعر أنها قد أصبحت عبئاً عليه يُربك
حركته وطموحاته، فأراد أن يتخلص منها عن طريق تزويجها، وحين تمنعت استعان
بجارته لإقناعها.
«بل هو قد استعان بجارتهم العجوز الطيبة، التي فهمت وأيقنت أنه لم يقل
شيئاً يعد عند الله عقوقاً، ولقد كان وقوف جارتهم الطيبة إلى جانبه عاملاً
أساسياً لإدراك المرأة الأُم أن ابنها لا يُشكل أي عقبة تجاه أي صحوة كاملة
لعواطفها ومشاعرها الأنثوية الخاصة، وأدركت المرأة الأُم أن ابنها لا يخجل
إطلاقاً في حال تجسيد الرغبة عندها لتجديد حياتها. وكانت جارتهم العجوز الطيبة
قد تابعت الكثير من خلافاتهما ومُشاحنتهما والتي كانت الأم لا تكف عن اختلاقها،
وقد ترك كل ذلك في نفسية العجوز الطيبة مشاعر التعاطف مع الابن العاجز عن تلبية
أحلام الأرملة، وترك كذلك حذراً لدى الجارة الطيبة تجاه الأُم. ومن جهة أخرى
أدرك أن جارتهم الطيبة تتعاطف معه من دون أن تكون قد عرفته المعرفة الكاملة،
فقد سمعها تقول لأُمه: وماذا في ذلك، إن النساء يتزوجن مرةً أخرى.
قالت الأُم: أعترف بأني لا أحتمل سماع ذلك منه.
قالت جارتهم الطيبة: ومن غيره يستطيع طرح الأمر عليك!؟ إن دماء الشباب
جديدة فلا تنزعجي.
ثم همست في أذنها: لو كنتُ في مثل سنك لما سددت أذني، كنتُ سأسمع على
الأقل..!!»(51).
وهذا النص يكشف عن عدم الإخلاص من الرجل للمرأة، فبمُجرد أن أُمه قد كبرت
وليس لها نفع له، بل إنها قد أصبحت في نظره مُعوقاً لحياته وما يرغب في فعله،
ولو كان شيئاً غير خلقي؛ إذاً فمكانة أُمه وما كانت تعمله في البيت يُمكن
استعاضتها بامرأة غيرها. وها قد لاحظنا كيف أن الإرياني لم يتجاوز إفرازات
ثقافة المجتمع، بل إنه في ثنايا نصوصه الروائية أكدها وبحوارات شخوص رواياته،
ويُبين أن المرأة ليست إلا عبئاً يعوق طُموحه في الحياة. هذا من ناحية. ومن
ناحية أخرى، فهي عاجزة وعالة على الرجل، ومهما امتلكت من قدرات أو أموال فإنها
تظل مُنتظرة لوقوف الرجل إلى جانبها، ومن دونه لا يمكنها فعل أي شيء. وكأن
الراوي لم يستطع خلع ثوب قيم المجتمع التقليدية الجامدة، فانعكس ذلك على
كِتاباته. كان هذا في ما يتعلق برؤية الإرياني. وفيما يأتي نحاول تعرف آراء
مجموعة من الكُتاب الروائيين اليمنيين الذين وضعناهم تحت عنوان واحد، وذلك يعود
إلى عدم غزارة إنتاجهم فضلاً على أن مواضيع رواياتهم مُتقاربة، أو مُتشابهة،
وسيتبين لنا الأمر فيما يأتي.
ثالثاً: مجموعة كُتَّاب
إن الكُتاب الروائيين اليمنيين في مجموعهم لا يختلفون كثيراً بعضهم عن بعض،
بمن فيهم ذلك عامة الروائيون العرب. فالمرأة تكون عنواناً لشعاراتهم المعلنة،
بينما في كِتاباتهم يُلحظ أنهم يُكرّسون واقعاً كان من المتوقع أن يعملوا على
تصحيحه بكِتاباتهم للارتقاء بوعي المجتمع من أجل الخروج به من دائرة الصراع
الخفي بين الرجل والمرأة.
وبدلاً من أن تكون الشخصية النسائية قيمة جمالية وأماً وأختاً وصديقة، فإن
قيمتها تكمن في كونها "إطاراً لشهوات الرجل وأهوائه، خاضعة له، مجارية له، في
غضبه وسروره، وظلمه وعدله"(52)، وفي ذلك يذهب الرجال إلى تحديد صفات المرأة
التي تُشبع أهواءهم وتُشعرهم بالانقياد لهم وإمتاعهم؛ إذاً فلا بد أن تكون
الفتاة رخيمة الكلام، حسنة القوام فهي كقضيب الريحان بثغر كالأقحوان، وشعر
كالإرسوان، وخد كشقائق النعمان، ووجه كالتفاح، وشفة كالراح، وثدي كالرمان، وهي
ذات قد معتدل، وجسم منجدل...(53).
وهذا الأمر لا يتوافق مع روح العصر الذي أصبحت الأدوار تشغله طبقاً للكفاءة
سواء للرجل وللمرأة. بل إن هذا المنحى في الكِتابات يظل مُتأثراً بأفكار
الفلاسفة في العصور المظلمة في أوروبا، التي تستهين بمكانة النساء، مؤكدةً ما
ذهب إليه توماس في تأكيد ما قاله أرسطو من أن الرجل خلق للأنشطة النبيلة
والمعرفة الفكرية، أما المرأة فمع أن لديها روحاً عاقلة إلا أنها وجدت من أجل
الجنس فقط، وليست إلا وسيلة للتناسل من أجل حفظ النوع. ويتبع توماس أرسطو أيضاً
في نظريته البيولوجية عن أن الأنثى إنسان ناقص، وهي تكونت أنثى بسبب حادث وقع
للحيوان المنوي، الذي هو بالطبيعة يحتوي على إنسان كامل هو الرجل(54).
1- أحمد عبدالله فدعق في رواية "القرية التي تحلم"
تظهر المرأة في رواية "القرية التي تحلم" وهي عاجزة عن فعل أي شيء بمجرد
مرض زوجها، وأصبحت تخاف من المجهول، ومصيرها على الأرض والعمل فيها، مع أنها لا
تشعر بذلك في حالة صحة زوجها الجيدة، وهي التي تتحمل أعباء عمل كل شيء، وهو
مجرد مُراقب. إذاً فالراوي قد نحا مثل غيره من الكُتاب الروائيين اليمنيين
وغيرهم. كما أن المرأة في رواية فدعق لا يُخامرها الشك في أن حياتها لا معنى
لها من دون الرجل. وإن عاد لها الأمل، فلأن ابنها (محمد) قد أصبح رجلاً يحمل
راية أبيه في رئاسة الأسرة. أي إن المرأة بجُهدها ووقتها وكل طاقتها لا يمكنها
أخذ موقعها الملائم. والنص الآتي يُوضح ذلك.
«فأسندت زوجته رأسها إلى صدره... لقد ظنت أنه فارق الحياة... ولكنها فتحت
عينيها حينما شعرت بصدره يرتفع وينخفض، وسرحت بها أفكارها إلى ابنها محمد الذي
لم تره منذ سافر إلى عدن، ونظرت إلى صورته التي تزين جدار الغرفة فشعرت بشيء من
الطمأنينة تسري فيها... لقد بعثت الصورة في نفسها شعوراً بالعزاء، رأت فيها
ابنها وقد أصبح شاباً، وخاصةً بذلك المعطف الذي يرتديه والكوفية المزركشة
والفوطة الملونة؛ هذه الملابس لم تكن قد رأتها من قبل على جسم ابنها... وحينما
كانت تنظر إلى صورته، كانت تفكر في مصيرها ومصيره هو ومصير الحقل، كيف يكون بعد
وفاة سعيد...؟»(55).
إذاً تظل المرأة في مجتمع الرواية اليمنية تُعاني ما تعاني في الواقع العام
للمجتمع الحي؛ وذلك لأن الثقافة الفنية تعكس على نحو الواقع الاجتماعي بكل
علله، من دون تعمق فيما يحدث هذا الوعي من أخطار على العلاقة بين طرفي المجتمع،
وكيف أن سلبية العلاقة بين النساء والرجال تُفقد الحياة الاجتماعية وعملية
تطويرها جُهود المرأة الفاعلة، وقد تنعكس هذا الحالة على فاعلية الرجل في عملية
البناء والتطور. وتأكيد الرواة هذه السلبية في التعامل مع المرأة لا بد أن
المتطلّع في جديد مجتمع الرواية يُصاب بالإحباط حين لا يجد ما يُساعده على تخطي
العقد التقليدية في الوعي الاجتماعي.
2- أحمد مثنى في رواية "هموم الجد قوسم"
وها هي رواية "هموم الجد قوسم" في معظمها تتناول قضية المرأة والمجتمع على
نحو لا يخلو من ترداد ما جرت عليه العادة الاجتماعية من مُمارسات ينتقص فيها
الرجال من حقوق النساء، من ناحية، ومن ناحية أخرى تستسلم المرأة لذلك، وكأنه
أمرٌ لا يجوز تخطيه أو الخروج عليه. لِهذا ما يغلب على هذه الرواية هو تكريسها
التقليدية والجمود، لأن إيراد الراوي للفِكَر يأتي بطريقة غير ناقدة. فمثلاً
حديثه عن مُسوِّغ تسمية الولد أو البنت يعكس ثقافته ولا ينقد حالة قائمة، والنص
الآتي يُبين ذلك: «لقد قيل إنه سماها شوعية، تطيراً منه، وكما يفعل الكثير من
الناس حين يحصلون على الأولاد ويموتون، فإنهم يختارون من الأسماء ما يعتقدون
أنها تقاوم الموت، أو أن الموت يهملها بسبب أسمائها تلك»(56).
يُبرز النص عدم القبول بالمولود إن كان أنثى، وعكس ذلك يكون إن كان ذكراً.
ولكن الراوي لم يُبين لِمَ يكره المجتمع أن يُرزق بالأنثى، وإنما أورد الكاتِب
الفكرة مثل غيرها من الفِكَر من دون تفسير ناقد لهذه المُمارسات العُنصرية،
يُرى أن مرد هذا الأمر يعود إلى الوعي القائم على العصبية التي تجعل الرجل
يُفضل إنجاب الأولاد الذكور على الإناث، والسبب يرجع إلى ما تُعانيه المجتمعات،
ولاسيما القبلية منها، لما يعتري الواقع الاجتماعي القبلي من مُشكلات؛ على سبيل
المثال مُشكلات الثأر، والعمل في الأرض، وغير ذلك مما تحتاج إليه العصبيات
القبلية. وهذا الاعتقاد خاطئ في مجمله، لأن من يقوم بمعظم الأعمال في الأرض هي
المرأة، فضلاً على أنها تنشغل بكل المهام في إطار الأسرة، ومع هذا يُعد دورها
غير رئيسي وغير ضروري.
3- محمد حنيبر في رواية
"قرية البتول"
«- وكيف أحوال والدتك وزوجتك؟
- حالهن يا عمِّ الحاج كحال أهالي بلادنا، تسير من سيئ إلى أسوأ!
- هذا يا بني ما لم يجعلني أفكر في السفر طوال تلك المدة وحتى الآن، خاصة
أن زوجتي كما تعلم قد توفيت منذ أربع سنوات، وابننا الوحيد علي مانع اشتغل في
البحر ولا أعرف له مكاناً، أما أنا فكما تراني لم يبق لي في هذه الحياة إلا
القليل وأودعها... وهكذا يا بني تنتهي الأسر اليمنية بتساقط أفرادها»(57).
يوضّح الراوي حنيبر في روايته "قرية البتول" بالنص السابق أن الرجل ينفذ
بجلده من أحوال البلد القاسية سياسياً واقتصاديًا واجتماعياً لينفك من تلك
الظروف فينسى أهله وبلده، ولاسيما أن اليمن كان يعيش في عزلة تامة في أثناء
الحكم الإمامي؛ فتتحمل المرأة تبعات هجرة الرجل، فتقوم بالأدوار كلها، والأعباء
التي بوساطتها تُحافظ على كيان الأسرة. وكما يُشير الراوي، في الحوار السابق
بين صالح والحاج "أبو علي"، إلى أن أحوال أُمه وزوجته كحال البلد تسير من سيئ
إلى أسوأ؛ إذاً فالرجل من نصيبه أن يتمتع في حال وجوده في اليمن، وإن لم ترقه
الحال بسبب الظرف السياسي، والفقر، والجهل، يترك ذلك للمرأة، التي لا تستطيع
الخلاص من هذه الظروف، فتبقى لتُقاوم قسوة الحياة وأعباء العمل في الحقل،
والحفاظ على استمرار وجود أسرتها، ومع ذلك فإن مكانتها تظل في المرتبة الدنيا،
ولا يشفع لها ما تُقدمه في سبيل الأسرة، والمجتمع.
4- حسين سالم با صديق في رواية "الجرة الفضية"
«نعمة... يا بنتي أنتِ الآن والحمد لله كبيرة، وجالكِ واحد ابن حلال، أمكِ
با تفهِّمِك على كل شيء، لكن أنا أقول إن الذي طلبك شُفته ابن ناس وشاب جيد...
وقبلتُ في الأول على أساس إننا نشتور، وبايجينا في المساء الليلة للتأكيد
وترتيب الأمور، والله يوفق، يا الله يا أُم نعمة جاء دورِك وانا بااروح
وبااروِّح.
غامت عينا نعمة بسرعة خاطفة... دارت حولها الغرفة... دار أبوها معها عدة
دورات لولبية سريعة... سقطت دمعة لا إرادية من عينيها، لاحظ أبوها ذلك... ابتسم
وهو يتلو ما في باطنه من هواجس التجربة... هذه حالة مألوفة لدى البنات يا أم
نعمة... خذي بخاطرها وطمئنيها حتى أعود... وتعود هي إلى صوابها... أنا أقّدر
شعورها الآن. أدركت نعمة الموقف... قالت بصوت خفيض قبل أن يخرج أبوها:
- ولكن يا أبي الوقت بدري كثير... ألا يمكن التأجيل!؟
رد أبوها بحنق وغضب:
- هذا مش اختصاصك يا بنت... هذا يقره أبوك وتؤيده أمك فقط»(58).
وها هو باصديق أيضاً يُظهر كيف أن الفتاة اليمنية مغلوبة على أمرها، حتى
تقرير أسلوب حياتها والكيفية التي يُمكن لها أن تتبعها والزمان الملائم
لاستعدادها النفسي الذي به تُقرر متى تستطيع أن تكوِّن أسرتها الخاصة، كل ذلك
لا تتصف به الفتاة اليمنية، كغيرها من قريناتها في الوطن العربي، فليس عليها
إلا التنفيذ، دون أي اعتراض، لأن الأب هو الذي يختار لها الزوج الملائم، كما
يزعم، وأُمها أيضاً ليس لها إلا التأييد لما يراه أبوها.
وليست الفتاة وحدها لا تدري كيف تزوجت، بل الرجل أيضاً، إن المجتمع الأبوي
لم يحترم أحاسيس الفتاة، كذلك لم يحترم أحاسيس الفتى، فهو يجد نفسه متزوجاً وهو
في مقتبل العمر، فإن كان هناك ما يحتاج إليه من المال إن كانت حالته الاجتماعية
سليمة فهذا يكفي(59).
5- محمد مثنى في رواية
"ربيع الجبال"
«كما يعاودني وجه أمي، بتقاطيعه الحزينة، وهيكلها العظمي النحيل، ولو أردت
أن أعد الفقرات في صدرها بوضوح... لما وجدت في ذلك صعوبة، رغم أنها ليست مصابة
بداء السل، ولا بأي داء آخر، ولكنها واحدة من نساء البحر الكثيرات، اعتراهن ذلك
الداء العضال من أدواء سوء التغذية...»(60). إن رواية "ربيع الجبال" لمحمد مثنى
تظهر الرجل وهو يتذكر المرأة متمثلةً في صورة أُمه، لمجرد الذكرى فقط، والسبب
أنه قد رأى من يُشبهن أُمه من حيث النحول، والمرض، والشقاء. أما هو فيتمتع
بالعمل في البحر، والانتقال بين البلدان والدخل الوفير والاستمتاع بكل ما هو
جميل، وليس للمرأة من حظ إلا التذكر من الرجل، وعليها أن تتحمل العيش في حالة
اغتراب دائم داخل أسوار المنزل، أو تظل مسجونة ضمن جسدها، ولا تتعدى ذلك إلى ما
هو أبعد، كما يرى ذلك الرواة اليمنيون وتعكس أعمالهم هذا التمييز.
إذاً فالمرأة ومكانتها في الأسرة في مجتمع الرواية لا تختلف عما هو في واقع
الحياة الاجتماعية، بل إن الرواة اليمنيين يُبالغون في الإساءة إلى قدرتها
ومكانتها وإسهامها، ويؤكدون دونية المرأة وعدم حقها بالمُشاركة في اتخاذ القرار
فيما يخص مُستقبل حياتها، بما في ذلك تكوين الأسرة واختيار شريك حياتها. وما
لفت الأنظار والانتباه هو تناول الروائيين لصورة المرأة التي غالوا في تصويرها
مغالاة شديدة لسببين:
الأول: من أجل التجديد والتحبيب وجلب أكبر عدد ممكن من القراء، بوصف
مفاتنها والخوض في أدق الأمور الجنسية.
والثاني: من أجل أن تمثل الشريحة الحقيقية التي تنتمي إليها المرأة من
النساء الفقيرات مادياً، أو معنوياً، أو طبقياً.
لقد حاولنا في هذا الفصل أن نبيِّن نظرة الأديب ومكانة المرأة في الأسرة،
وذلك عبر التحليل السوسيولوجي الذي أعطانا القُدرة على تمحيص الأعمال الروائية
اليمنية، والخروج بفِكَر واضحة عن رؤية الكُتاب الروائيين اليمنيين، التي تتضح
لنا بما سيأتي في الفصل القادم الذي يُعنى ببحث المرأة والعمل، والجنس.
الهـــوامـــــــش:
(1) الارياني يحيى علي. رواية "ركام وزهر". دار التنوير- بيروت. ط 1- 1988.
ص 243.
(2) عرابي. عبد القادر. المرأة العربية بين التقليد والتجديد. في المرأة
العربية بين ثقل الواقع وتطلعات التحرر. ص 38.
(3) نجم مفيد. المرأة في مرايا الذات والآخر. مجلة "الموقف الأدبي". اتحاد
الكتاب العرب- دمشق. ع 334. 1999. ص66.
(4) الصكر حاتم. مفاهيم ومقتربات نظرية حول النقد والكتابة النسوية. مجلة
"الحكمة اليمانية". مطابع مؤسسة الثورة للصحافة والنشر. عـ 206-207. تموز-
أيلول 1997. ص58.
(5) دماج زيد مطيع. الرهينة. دار الآداب – بيروت. ط1- 1984. ص 16-21.
(6) الشيخ حفيظة. من أوراق ملتقى الرواية العربية – الألمانية. تجليات
المكان في الرواية اليمنية. الرهينة نموذجاً.
(www.26sep.net/newsweekarticle.php?sid=8141)
(7) السعداوي نوال. الرجل والجنس. دار مطابع المستقبل- القاهرة. ط4- 1991.
ص53.
(8) الإرياني يحيى علي. رواية "ركام وزهر". دار التنوير- بيروت. ط1- 1988.
ص97.
(9) كروك شانك جون. ألبير كامي وأدب التمرد. ت: جلال العشري. الهيئة العامة
المصرية للكتاب- القاهرة. 1986. ص205.
(10) الكعبي ضياء عبد الله خميس. صورة المرأة في السرد العربي القديم.
دراسة في كتاب الجاحظ والأغاني. والسير الشعبية العربية- رسالة ماجستير في تخصص
اللغة العربية وآدابها من كلية الدراسات العليا في الجامعة الأردنية. 1999.
ص94.
(11) قديد دياب. الإبداع الأدبي والفكرة السياسية واقفاً وأما ما في
السبعينيات بالجزائر نموذج. مجلة "الكاتب العربي". والاتحاد العام للأدباء
والكتاب العرب- دمشق. عدد61-62. تشرين الثاني 2003. ص22.
(12) وادي طه. صورة المرأة في الرواية المعاصرة. ص50.
(13) دمّاج زيد مطيع. رواية "الرهينة". دار الآداب - بيروت. وزارة الإعلام
- الجمهورية اليمنية. ط1- 1984. ص 125.
(14) غرييه ألن روب. نحو رواية جديدة. ترجمة: مصطفى إبراهيم مصطفى. دار
المعارف بمصر. د. ت. ص129.
(15) حميد رضا. المكان في اللص والكلاب: مجلة "الثقافة". وزارة الثقافة
والسياحة في اليمن. ع17. 1995. ص 72.
(16) رومية وهب. مشكلة الهجرة في أعمال محمد عبد الولي القصصية. مجلة
"اليمن الجديد". مؤسسة سبأ للصحافة والأنباء-صنعاء.عـ 6. حزيران 1987. ص 78.
(17) حميد رضا. المكان في اللص والكلاب. مصدر سابق. ص 79.
(18) شريف محمد حامد. الاتجاه الواقعي في قصص الأديب اليمني محمد أحمد عبد
الولي. التركي للكمبيوتر وطباعة الأوفست- طنطا. ط1. 1991. ص32.
(19) عبد الولي محمد أحمد. رواية "يموتون غرباء". دار العودة - بيروت. ط 3-
1981. ص 20- 22.
(20) الزيات لطيفة. من صور المرأة في القصص والروايات العربية. ص40.
(21) عبد الولي محمد أحمد. رواية صنعاء مدينة مفتوحة. دار العودة - بيروت.
ط 1- 1986. ص 23.
(22) باصديق حسين سالم. رواية "عذراء الجبل". وزارة الثقافة والإعلام -
عدن. 1988. ص 66.
(23) الشامي. حسان رشاد. المرأة في الرواية الفلسطينية 1965- 1985. اتحاد
الكتاب العرب. 1998. ص59 - 68.
وأيضاً: الراعي علي. الروية في الوطن العربي. دار الناشر العربي القاهرة.
ط1- 1991. ص260.
(24) دي بوفوار. سيمون. الجنس الآخر. دار أسامة. ص 30.
(25) ياسين السيد. التحليل الاجتماعي للأدب. ص 43.
(26) أني أنزيو. المرأة الأنثى بعيداً عن صفاتها - رؤية اجمالية للأنوثة في
زاوية التحليل النفسي. ترجمة: طلال حرب. المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر
والتوزيع بيروت.1412هـ- 1992. ص18.
(27) عبيدات أروى عبد الله فارس. صورة المرأة في الرواية الأردنية
1948-1985. وزارة الثقافة - عَمَّان - الأردن. 1995. ص72.
(28) وادي طه. صورة المرأة في الرواية المعاصرة. مصدر سابق. ص 74.
(29) عبد الولي محمد أحمد. رواية "يموتون غرباء". دار العودة - بيروت. ط 3-
1981. ص 38.
(30) إسلامبولي سامر. المرأة: مفاهيم ينبغي أن تصحح. الأوائل للنشر
والتوزيع وخدمات الطباعة - دمشق. ط1- 1999. ص57، 58.
(31) السعداوي نوال. الوجه العاري للمرأة العربية. دار ومطابع المستقبل -
القاهرة. ط3- 1994. ص127- 129.
(32) وادي طه. صورة المرأة في الرواية المعاصرة. مصدر سابق. ص80.
(33) رومية وهب. مشكلة الهجرة في أعمال محمد عبد الولي القصصية. مصدر سابق.
ص37.
(34) الحاج عثمان. رحمة بنت أحمد. صورة المرأة في القصة القصيرة في ماليزيا
والأردن- دراسة قدمت لمتطلبات درجة الماجستير في اللغة العربية وأدبها كلية
الدراسات العليا الجامعية الأردنية. 1997. ص69.
(35) سليمان. نبيل. سيرة القارئ. دار الحوار. ط1. اللاذقية. 1996. ص 22.
(36) عبدالولي محمد. "الأرض ياسلمى". كتاب في جريدة. العدد 86- الأربعاء 3
تشرين الأول 2005. ص 25.
(37) عبد الولي محمد أحمد. رواية "يموتون غرباء". مصدر سابق. ص 27-28.
(38) عبد الولي محمد. "الأرض يا سلمى". مصدر سابق. ص24- 25.
(39) عبد الولي محمد. "وكانت جميلة". مجموعة "شيء اسمه الحنين". دار العودة
- بيروت. ط2- 1978. ص17.
(40) الكعبي ضياء عبد الله خميس. صورة المرأة في السرد العربي
القديم. مصدر سابق. ص74، دي سوشيه جاك، برتولت بريشت.
ت: صياح الجهيم. دراسات عالمية 21. وزارة الثقافة - دمشق. 1993. ص48، 49.
(41)
رايك ثيودور. الدافع الجنسي. ترجمة: ثائر أديب. دار الحور- اللاذقية سوريا. ط2.
2001. ص52.
(42)
عبد الولي محمد أحمد. رواية "صنعاء مدينة مفتوحة". دار العودة - بيروت. ط1.
1986. ص 18.
(43)
مولينو ماكسين. القانون والدولة والسياسات الاشتراكية المتعلقة بالمرأة: اليمن
الجنوبي- صورة المرأة في الدراسات الغربية - سلسلة الدراسات المترجمة3. المعهد
الأمريكي للدراسات اليمنية. 1997. ص224.
(44)
القسوس فؤاد. "العودة من الشمال". عمان 1977. ص258 - نقلاً عن: أروى عبد الله
فارس عبيدات. صورة المرأة في الرواية الأردنية 1948-1985. وزارة الثقافة –
عَمَّان - الأردن. 1995. ص17.
(45)
خصباك عائد. خصوصية الموضوع في الرواية اليمنية. 1962-1990. مركز عبادي
للدراسات والنشر- صنعاء. ط1- 1996. ص107.
(46)
حميد رضا. المكان في اللص والكلاب. مصدر سابق. ص 69.
(47)
الارياني يحيى علي. "ركام وزهر". مصدر سابق. ص324.
(48)
الإرياني يحيى علي. "ركام وزهر". مصدر سابق. ص 328.
(49)
علي أفر فار. صورة المرأة بين المنظور الديني والشعبي والعلماني. دارا لطليعة -
بيروت. ط1- نيسان 1996. ص34.
(50) معتصم محمد. الخطاب الروائي والقضايا الكبرى: النزعة الإنسانية في أعمال
سحر خليفة - الدار البيضاء. 1991. ص18.
(51)
الإرياني يحيى علي. رواية "مشاهد طويلة من الحكاية". المؤسسة الجامعية للدراسات
والنشر والتوزيع - بيروت. ط2-1996. ص62، 63.
(52)
محمد عبد الرحمن يونس. الجنس والسلطة في ألف ليلة وليلة. ط1. مؤسسة الانتشار
العربي بيروت. لندن. 1998. ص17.
(53)
بيريس هنري. في المنتخب من كتاب "ألف ليلة وليلة". دار المعارف - الجزائر. ص
77، 78.
(54)
السعداوي نوال. الرجل والجنس. مصدر سابق. ص49.
(55)
فدعق أحمد عبد الله. رواية "القرية التي تحلم". وزارة الثقافة - الجمهورية
اليمنية- عدن. د.ت. ص 25، 26.
(56)
مثنى أحمد. رواية "هموم الجد قوسم". دار الحداثة - بيروت. ط1- 1988. ص 50.
(57)
حنيبر محمد. رواية "قرية البتول". عالم الكتب - القاهرة. 1979. ص 40، 41.
(58)
با صديق حسين. "الجرة الفضية" دار الهمداني - عدن. ط1. 1984. ص 13، 14.
(59)
خصباك عائد. خصوصية الموضوع في الرواية اليمنية. مصدر سابق. ص 63، 64.
(60)
مثنى محمد. رواية "ربيع الجبال". دار الهمداني - عدن. 1983. ص 63، 64.
|