العدد الرابع - ربيع 2008م

   
 

دراسات
 

تقنية القناع الشعري (2)

د. أحمد ياسين السليماني
كلية الآداب - جامعة صنعاء

 

وقف الجزء الأول من هذه الدراسة على خمسة موضوعات حاولت أن تستقرئ مفهوم القناع وعلاقاته بالأشكال الفنية والتقنية الأخرى، ووردت على النحو الآتي:

إشكالية المصطلح وتأصيل حضوره.

 إرهاصات التشكيل.

قصيدتا القناع والاستدعاء.

القناع - الرمز.

القناع والتناص.

وسوف ينشغل هذا الجزء الأخير بتأسيس جدلية العلاقة بين القناع والـ"أنا"، وبعلاقتهما معاً مع الآخر. وسيمضي بعد ذلك نحو اكتناه حضور تقنية القناع الشعري عند النقاد والشعراء العرب، مستقصياً بعض ملامح حضورها اللافت في النقد والشعر العربي.

 

جدلية العلاقة بين القناع والـ«أنا»، والآخر

تقنيــة القنــاع

تأسس سعي الشعراء العرب المعاصرين نحو اقتناص تقنية القناع، أداةً رمزيةً، على مفهوم أصّل لعلاقة مغايرة بين الـ"أنا" والآخر، لا يشترط مثالية قائمة بينهما، وإنما يقوم على علاقة تناقض، تنشغل الـ"أنا" الشعرية من خلالها بظاهر "التخفي"، أو "التقمص"، سعيًا نحو إنجاز مكوّنات مغايرة لهذه العلاقة. ولئن نهضت هذه العملية في تشكلها الكينوني الأول، في بداياتها التاريخية، على علاقة الـ"أنا" بالآخر في الأنماط الميثولوجية البدائية، وعلى بحث أصولها الثقافية الإنثروبولوجية، فإنها تقوم في المنجز النفسي على تلك التقصيات النفسية التي جسدت حالة التماهي القائمة بين الـ"أنا" والقناع، لكي تحقق علاقة باطنية، تجد تحولاتها، ومجالاتها في علاقة الـ"أنا" بالذات الجمعية، أو بالآخر (القمعي). إذ يتشكل "القمع" عنصرًا تنشغل به الـ"أنا" في حالة تقمصها، أو تخفيها وراء القناع. وتلك هي المنجزات التي أفضى إليها الحقل المعرفي النفسي، وأسهم كارل جوستاف يونغ، بمدد كبير في مكوناتها العلمية، ومن قبله حقق فرويد إنجازاته في هذا المجال.

تتحقق مجالات التماهي الناتجة عن علاقة الـ"أنا" بالقناع، في ضوء علاقة الـ"أنا" بالآخر الجمعي، حينما يتشكل القناع وفقًا للمعايير الجمعية، أو وفقًا لرغبات الجماعة، الـ"هم"، فتتنازل الـ"أنا" عن حقيقة واقعها، للعالم الخارجي، وتضحي بذاتها المستقلة، لتتماهى مع القناع، بحيث يجد أفراد في هذا القناع حقيقة ما يمثلونه(1). هذا القناع، يخفي في واقع الأمر "جزءًا من النفس الجماعية، ويعطي في الوقت ذاته وهمًا بالفردية"(2). وَبَدهي، أن تفضي هذه العملية إلى الاعتقاد لدى الآخرين، بأن مرتدي القناع شخص فردي، "في حين أنه في العمق يلعب ببساطة دورًا يعبر عن معطيات النفس الجماعية، وضروراتها عن نفسها من خلاله"(3)، حتى إذا نزعنا هذا القناع، "وإن بدا فرديًّا، فهو جماعي في العمق"(4)، لأنه كان مذعنًا في الأصل لسلوك النفس الجماعية، التي يقوم بها، وفقًا لرغباتها.

هذا هو واقع العلاقة الناشئة نتيجة القناع، بين الـ"أنا" والـ"هم" الجمعية، فالـ"أنا" تقدم نفسها، وفقًا لرغبات الـ"هم" أو الـ"نحن"، ومتطلباتها. وعلى الرغم من تماهي الـ"أنا" الواعية مع القناع، فإن قمع الذات اللاواعية لن يصل إلى درجة عدم الإحساس بها، و"يتجلى تأثير الذات أولاً في الطبيعة الخاصة لعناصر اللاوعي من أجل تعويض وموازنة الموقف الواعي، كما يحدث في الأحلام"(5). حيث إن القناع يقوم بوظيفته في الوعي، مؤثرًا في اللاوعي.

لا تتقمص الـ"أنا" في وضعها الطبيعي، غير قناع واحد، أما إذا تعددت تقمصات الـ"أنا"، وأقنعتها، وازدادت وطأتها وتعارضاتها، قد ينشأ عن ذلك "تمزيق لوحدة الـ"أنا"، وذلك حينما تأخذ المقاومات تفصل هذه التقمصات بعضها عن بعض. ربما يرجع سر الحالات التي تسمى بتعدد الشخصية إلى سيطرة هذه التقمصات المختلفة على الشعور، الواحدة بعد الأخرى"(6) فوجود الصراع بين التقمصات قد ينشأ عنه تمزيق للـ"أنا".

وتحليل يونغ للقناع بكونه "جزءًا من النفس الجماعية"، "لا يختلف عن التحليلات النفسية التي أدخلت القناع في أنظمة الشخصية أو النفس Psyche، التي تؤكد أن هذه الأنظمة الشخصية تتكون من الـ"أنا"، واللاشعور الشخصي وعقده، واللاشعور الجمعي وأنماطه الأولية"(7)، إلى جانب الأنيما Anime أو "اللانيموس" Animus، وكذلك بصفة أخيرة الظل Shadow. وقد كُونت هذه التحليلات من البنى التحليلية التي جسدها يونغ في أبحاثه، ومنها أن الـ"أنا" تمثل جزءًا من الذات، وأن هذه الذات أوسع من الـ"أنا"، وهي بنية كليّة للوعي (الأنا) واللاوعي معًا. بل تُعدّ هذه الآراء من صلب نظريته النفسية التحليلية للقناع.

وبعيدًا عن التعقيدات الداخلية الناتجة عن القناع، يُعرّف يونغ القناع، مشغولاً ببعده المسرحي اليسير، بأنه يشير إلى حقيقته بوصفه قناعًا؛ "هو القناع الذي يرتديه الممثل، ويشير إلى الدور الذي سيظهر فيه"(8)، وهو يتشكل من "أنا" مغايرة تقوم بالدور الذي يريده منها المجتمع، بشخصيته الجديدة، والذي ينسجم معها، وطبيعي أن يكون في الغالب "وسيلة لإخفاء الطبيعة الحقيقية للشخص"(9). وهو في هذا الإطار يظهر الجوانب العامة للعالم، واجهةً اجتماعية. وأما إذا "توحدت الـ"أنا" بالقناع، وهو ما يحدث كثيرًا؛ فإن الشخص يصبح أكثر شعورًا بالدور الذي يلعبه من مشاعره الحقيقية. إنه يصبح بعيدًا عن ذاته، مغربًا عنها.."(10). ولم يقف استعمال يونغ لهذا المصطلح، بل إنه أشار إليه بكونه الوجه الظاهر، أو الواجهة Face، أو القناع Mask، الذي يتبناه الفرد في العالم الخارجي. وبصفة عامة فإن مصطلح القناع "يشير إلى الأغراض الشعورية، وليس إلى الطبقات الأعمق من الشخصية"(11). ويتسق مفهوم شتيكل للقناع مع هذا السياق، فهو عنده مصطلح يشير إلى "تنكُّر الشخصية أو الطبع"(12).

يتأكد، إلى هنا، جزء من الأجزاء الدالة على استنتاجات الآخر، وتحليلاته النفسية لموضوع القناع. وقد دشن حضوره وفقًا للنماذج البدئية التي تم استقصاؤها من الميثولوجية البدئية، تلك التي تتنوع أشكالها، كما "يمكن أن نجد لها معادلاً تاريخيًّا وميثولوجيًّا في جميع أنحاء العالم."(13). ولأنها تنطوي على تأثير في سلوك الإنسان، وأنماط تفكيره، نَوَّع يونغ مسمياتها، فأطلق عليها "القناع" Persona، و"الظل" Shadow، و"الأنيمة" Anima، و"الأنيم" Anim، و"الشيخ الحكيم" Old Wiseman، و"الأم الأرضية" Earth Mother و"النفس" أو "الذات" The Self(14). ولئن كانت هذه النماذج، البدئية كذلك، فإن بعضها يكون ذا "صفة أهم، وبعضها الآخر ذا طبيعة أخص كالقناع والظل"(15). هكذا تعددت مسميات القناع، وأخذت أشكالاً عدة. وميثولوجيًا ظهر القناع مجسدًا "النظرية الأرواحية"، وفي "الطوطم"، معبرًا عن وجوه حيوانية، أو نباتية عديدة، حتى نأتي إلى عهد استغل فيه الكهنة وظيفتهم، سعيًا نحو استغلال الجماعة والسيطرة عليها وعلى أفرادها، لكي تحال إليهم السلطة، وتجسيدًا أسطوريًّا للكائنات الروحية الخفية، ووظفت في عادات الرقص والاحتفال. على أن هذا البعد الميثولوجي، الذي تم مناقشته ببعض من التوسع في الفصل الأول، يعد دلالة أخرى من دلائل أولوية اهتمام الآخر بموضوعات القناع، واستقراء مجالات هذه الظاهرة، ليس في مجال البحث الميثولوجي فحسب، وإنما حتى في المجال النفسي.

تتأكد، إذن، في ضوء ما سبق، القرائن الدالة على أن تقنية القناع من ابتكار الآخر الأجنبي. وستفي النماذج الشعرية العربية عند الشعراء العرب المعاصرين، تلك التي استخدمت القناع تقنية شعرية، بتأكيد الجانب الآخر من الموضوع، وهو أن الشعراء العرب المعاصرين قد استدعوا هذه التقنية من الآخر، إذ تفاعلت معها الـ"أنا" الشعرية منتجة نماذجاً وظفتها، وإن بدت ظاهرة بملامح مغايرة. وخصائص متفردة، ومن هذه الملامح أن عديدًا من الشعراء العرب استدعوا تراث الـ"أنا"، ورموزه حاضرًا، أقنعة لهم في الشعر، دون حاجة إلى رموز الآخر في الغالب. وظفوا هذه التقنية على هذا الأساس لاستدعاء الغياب التراثي بكل رموزه وإشكالياته، إلى الحضور الشعري. وكلها صوّرت حالة ثنائية "الصراع والوئام" بين الـ"أنا" العربية، والآخر العربي تارة، وبين الـ"أنا" العربية والآخر غير العربي تارة أخرى.

ينبغي الإشارة، قبل أن نخوض في تفاصيل حضور هذه التقنية في الشعر العربي المعاصر، إلى أن جانباً مهمًّا في سياق قراءة هذه العملية، وهي أن ظاهرة استخدام القناع في الشعر كرست

–في واقع الأمر– أو هي كذلك، ثنائية جديدة لعلاقة محتدمة بين "أنا" الشاعر، والآخر (السلطة)، بكل ما يجسده –أي هذا الآخر- من قمع موجه نحو هذه الـ"أنا". وتجلت ظواهر هذه الثنائية في بحث الشعراء العرب عن الإشكاليات المعاصرة، ولكن في بعدها التاريخي والتراثي، بينت عبر النصوص التراثية، الصراع القائم بين الـ"أنا" الشعرية في الغياب والحضور الشعري، والآخر (السلطة)، بشكل خاص، وبين الـ"أنا" بكل تجليات حضورها وغيابها، مع الآخر (السلطوي) بشكل عام.

 

  القناع لدى النقاد العرب

 استطاع شكل القصيدة القناعية الجديد أن يؤثر في حركة الشعر العربي المعاصر، وأن يدخل دائرة اهتمام بعض الشعراء والنقاد العرب المعاصرين، الذين اندفعوا إليها بدافع ما تميزت به القصيدة الحرّة من انفتاح لاستيعاب مجالات وظائفية متعددة. وأفسحت مثاقفات الشعراء العرب لنماذج قصائد الأقنعة -كما يبدو عند ييتس وباوند وإليوت، وغيرهم من شعراء الأقنعة الأوربيين- المجال لانتشار هذا الشكل الشعري والتعبيري الجديد لديهم، وأدت محاكاتهم لها بروح التراث العربي والإسلامي والإنساني، وبخصائص الشخصيّات التراثية، إلى تفاعل ذلك مع القضايا والدلالات المعاصرة. وقد أعطى ذلك دفعة قوية لاحتفاء الشعر العربي المعاصر بأكثر الأشكال الشعرية توليداً للدلالة. واهتم النقاد بهذه الظاهرة من الناحية النقدية، لكونها أصبحت من أهم الأشكال الشعرية المعاصرة ممارسة، وجذباً للشعراء، فهي لا تعمق الصلات المعرفية التاريخية فحسب، بل كذلك تتيح أكبر قدر من التعبير عن المعاناة السياسية الناتجة عن قمع الأصوات الشعرية والسياسية، والكشف عن المشكلات الاجتماعية والفكرية، المتصلة بأحوال الناس في المجتمع العربي، وبظروف حياتهم المادية والروحية. تطلع في ضوء ذلك، بعض الشعراء العرب لكتابة هذا الشكل الشعري، مدفوعين بما توفر لهم من مجالات الممارسة التعبييرية الواسعة، ليصوروا من خلاله معاناتهم الفردية والجماعية، السياسية والاجتماعية.

  ولقد مرت عملية بناء قصيدة القناع شكلاً ومضموناً عند الشعراء العرب بسلسلة متصلة من المحاولات والتجارب الشعرية والإبداعية، كان أولها تلك المحاولة التي اعتمدت خلق صيغة التوحد مع الرمز، على نحو ما نجده في قصيدتين لبدر شاكر السّياب، الذي كان أول من أخذ شكل التوحد مع رمزه في قصيدتي "تمّوز جيكور" و"المسيح بعد الصلب". وهي وإن بدت محاولة غير مقصودة ولا واعية، فإنها سجلت أولى الخطوات المهمة التي سعت نحو تشكيل القناع الشعري. ولا يقلل ذلك بطبيعة الحال من ريادة عبد الوهاب البياتي الذي يعدُّ أول من مارس كتابة قصيدة القناع، وخلق شخصيّاته المقنّعة شعراً. كما لا يرتقي الشك إلى كونه أول من عالج هذه القضية معالجة نقدية، أكسبتها حضوراً متعاظماً فيما بعد في الأوساط الإبداعية العربية الشعرية والنقدية. الأمر الذي يجر إليه الريادة الواعية منقادةً في كتابة هذا اللون الشعري الجديد.

 فقد حفل عديد من قصائده الشعرية بالأقنعة، وإن بَــدَتْ بعض محاولاته الأولى غير قادرة على احتواء متطلبات قصيدة القناع، وبعيدة عن إحداث معادلة التوازن الصوتي والدرامي فيها، إذ كرست هذه القصائد أصواتاً متصارعةً متعددة، ألغت صوت القناع ذاته، مثل قصيدته "أبو العلاء"، التي ظهرت فيها عدة شخصيات، وغابت فيها شخصية القناع، مما كشف عن إخفاق واضح، ولا ينفي معه ممارسته للقناع ممارسة واعية، وإنما يصوّر إرهاصات التفاعلات التجريبية. ومع ذلك يعدُّ البياتي من أكثر الشعراء العرب ممارسةً لها خلقاً وإبداعاً. وتعدٌّ قصيدته "عذاب الحلاج" من أنضج ما كتب في شعر الأقنعة.

 ولا شك أن ما أضفى بعداً فنياً وريادياً على تجربته في كتابة قصائد الأقنعة هو استيعابه الواعي للأسس الفنية والفكرية لمفهوم القناع، وإلمامه الدقيق بأهم خصائصه، مضافاً إليه رغبته المستمرة وسعيه الدائم لإحداث المغايرة الشعرية، والمجاوزة التعبيرية للقضايا السياسية والاجتماعية. ويمكن أن نكشف عن هذه المغايرة والمجاوزة الشعرية والتعبيرية؛ باستقراء بعض التجليات الفكرية الواعية في آفاق ممارسته، وتداخلاتها النظرية والتطبيقية. ويُحسب للبياتى أنه أول من قدم مفهوم القناع الشعري تقديماً واضحاً في التجربة الشعرية العربية، حيث أوضح أن القناع هو ذلك الاسم الذي يتحدث من خلاله الشاعر "متجردا من ذاتيته، أي أن الشاعر يعمد إلى خلق وجود مستقل عن ذاته، وبذلك يبتعد عن حدود الغنائية والرومانسية التي تردّى أكثر الشعر العربي فيها. فالانفعالات الأولى لم تعد شكل القصيدة ومضمونها، بل هى الوسيلة إلى الخلق الفنى المستقل. إن القصيدة في مثل هذه الحالة عالم مستقل عن الشاعر -وإن كان هو خالقها- لا تحمل آثار التشويهات والصرخات والأمراض النفسية التي يحفل بها الشعر الذاتي الغنائي"(16).

 

            ولئن بَدتْ مشاركة صلاح عبد الصبور النقدية في الكشف عن مفهوم القناع متزامنة مع آراء البياتي حوله، فإن علاقة صلاح عبد الصبور بالتصوّرات الفنيّة لمفهوم القناع عميقة، إذا نظرنا إلى كتاباته النقدية، وإن ظهرت بصورة غير مباشرة، وبخاصة تلك الكتابات التي كشفت عن معالجته النقدية لأخطر القضايا المتعلقة بقصيدة القناع وأهمها، وهي قضية ثنائية "الذات والموضوع". فهو إذ يرفض القسمة الثنائية بين الذاتية والموضوعية، ويعدّها آفة الآفات في المقاييس النقدية(17)، نجده قد لجأ إلى تحديد موقف نقدي، اتجه به نحو موآلفة الذاتية والموضوعية في الكتابة الشعرية. وتبدو أوضح تجليات هذه التصوّرات، تلك التي صوّرت ضرورة خلق حياة أخرى في الشعر، وتبدو معادلة للحياة الحقيقية.

 

فالشاعر عنده لا يعبر عن الحياة، ولكنه يخلق حياة أخرى معادلة للحياة، وأكثر منها صدقاً وجمالاً، ولكنه لا بد أن يخلق، إذ أن وقوفه عند التعبير عنها هو قصور في رؤيته، كما أن وقوفه عند التعبير عن نفسه هو عاطفية مرضيّة. وإذا كانت الطبيعة هي القطب الموضوعي للفن، فإنها لا حياة لها بغير الشاعر أو الفنان، وإذا كان الفنان هو القطب الذاتي فإنه لا يستطيع أن يكتفي بالصرخات الذاتية السنتمنتالية، بل لا بد له من صور موضوعية لخلق عالمه وتجسيمه وبعث الحياة فيه"(18) ومن هنا، تبدو تصورات عبدالصبور في الموآلفة بين الذات والموضوع، تصوّر طبيعة فهمه لمفهوم القناع، بل وتعالج قضية جوهرية أساسية فيه.

 

وإذا قادت شخصية "تريزياس" الكفيف عند اليوت، صلاح عبدالصبور إلى الحديث عن قصيدة القناع، التي مارسها في عام 1961، في قصيدتين كانت أولهما قصيدة "مذكرات الملك عجيب بن الخصيب"، وكانت القصيدة الثانية بعنوان "بشر الحافي"(19)، فإن رغبة عبدالصبور في استدعاء الشخصيات التاريخية كأقنعة شعرية كانت تعكس رغبته المتفاقمة في اعتماد التعبير الباطن بدلاً من الظاهر بواسطة سياقات تبلور معاناته الشخصية الموجودة في قاع القصيدة" بحيث تختفي إلا عن الأعين النافذة الناقدة" ليأذن بمرحلة جديدة تتبوأ فيها القراءة مكانة هامة وجديدة أو كما يقول: "فأنا أومن كل الإيمان بالقراءة الثانية للقصيدة".

 

ودليل إيمانه بالقراءة الثانية تقمصه للشخصية التاريخية التي جسدها في قناع الملك عجيب بن الخصيب التي فتحت مجالات واسعة وأتاحت له أكبر قدر من مستويات التعبير، ليتحدث من خلالها عن شواغله، وهمومه الفكرية بحرية ومن دون رقابة الرقيب. وإقدامه على ممارسة نفس التجربة في قصيدته الأخرى حين لبس قناع "بشر الحافي"، وهي الشخصية التي استدعاها، كما يقول نتيجة قراءته لسطر واحد عن بشر الحافي في أحد كتب الطبقات(20)، دون أن يذكر هذا السطر، أو ما ينطوي عليه من خلفية تاريخية.

 

وينبري عبد العزيز المقالح من الشعراء النقاد الذين تناولوا هذه الظاهرة بعمق، فقد أثار في مقدمة ديوانه الشعري الكبير (المجلد) إلى توظيف القناع الشعري من خلال استدعاء شخصية "سيف بن ذي يزن"، ومن خلال استدعائه لهذه الشخصية رمزاً وقناعاً قدّم أطيافاً من حزن جيله(21). ووقف على ملاحظة هذه الظاهرة وقفة عميقة في كتابه "الشعر بين الرؤيا والتشكيل" الذي صدر عام 1981، ففي مقدمة دراسته عن توظيف شخصية "وضاح اليمن" رمزًا، وقناعًا عند بعض الشعراء العرب، بحث المقالح في ظروف هذا التوظيف ومعطيات حضوره، وتحدث عن استخدام الشعراء العرب له من خلال استفادتهم من تلك التجارب الناضجة في الأدب الغربي الحديث، تلك التي وظفت القناع في الشعر، وفي مقدمتها تجربة الشاعر الإنجليزي الرائدة ت. س. إليوت.

 

وأشار إلى بعض النماذج التي استخدمت هذه الظاهرة في الشعر العربي المعاصر، لاسيما عند عبدالوهاب البياتي (الحلاج، الخيام، المتنبي) وغيرها من الأقنعة، وعند أدونيس في "صقر قريش". لقد استطاع المقالح أن يظهر الفوارق العميقة بين استدعاء الشخصيّة التاريخيّة لتكون رمزاً وقناعاً، واستدعائها لتكون استدعاءً عادياً. وساق مثالاً عند شوقي حين استدعى شخصيّة عبد الرحمن الداخل (صقر قريش) مقارنة باستخدام أدونيس لها. ثم انتقل إلى استقراء العلاقات الجديدة التي نشأت بين القصيدة المعاصرة والتراث العربي والإسلامي، وبين القناع والتراث نتيجة استخدام القناع، فالقناع يولد الدلالات الاجتماعية والسياسية، والإنسانية والفنية. كما تحدث المقالح عن وظيفة ظاهرة القناع الجمالية والموضوعية والدراميّة، وعن قدرتها على تجسيد الأبعاد التعبيرية والنفسية والتأثيرية، وتوليد رؤى عميقة تجعل القناع يصوّر رمزاً سياسياً واجتماعياً وعاطفياً(22).

 

ولا يبدو تناول ظاهرة القناع في الأدب العربي المعاصر مقصوراً على هؤلاء الشعراء، بل إن اهتمامات بعض النقاد العرب في تقصي هذه الظاهرة قد تفاوتت في قيمتها النقدية، وفي ظهورها الزمني، وفي مجال استشرافها للخصائص العميقة للظاهرة. بل اختلفت نظرة كل واحد منهم إليها اصطلاحاً؛ وسبراً لأبعادها الفنيّة والجماليّة. ولا يَعْدِم ذلك بالضرورة ظهور مجالات متفقة أو مختلفة فيما بينهم، وهي كشف عن اجتهادات نظرية نابعة عن قراءات مستنتجة وتصوّرات إنتاجها من دراسات نقدية أجنبية، وأخرى نتاج تحصيل ذاتي. وقد استطاع بعضهم أن يصوّر حركة مسارها الإبداعي في الشعر العربي المعاصر، وطبيعتها الفنيّة والسياسيّة والاجتماعيّة العربية.

 

ولقد مثلت دراسة إحسان عباس عن القناع بداية الدراسات النقديّة التي تناولت قصيدة القناع، وحددت ملامحها العامة، ومفارقاتها مع "المرايا". وفيها يقول: "يمثل القناع شخصية تاريخية في الغالب، يختبىء الشاعر وراءها ليصور موقفاً يريده، وليحاكم نقائص العصر الحديث من خلالها"(23). يعبر هذا الجزء من تعريف القناع عن الشق المتعلق بالتعبير عن المعاناة الجماعيّة. ويضيف عباس الشق الآخر المتعّلق بالذات الشاعرة، حين يقول: "وهكذا نجد أن الشعراء المعاصرين يتفننون في اتخاذ القناع للتعبير عن ذواتهم"(24). ويعرّف عباس القناع بأنه شخصيّة تاريخيّة للتعبير عن نقائص العصر، وعن ذوات الشعراء. وجعل إحسان عباس القناع في محيط الأسطورة أو في تطابقهما معاً، يضاف إليه ذلك الحاجز الذي وضعه فاصلاً بين القناع بكونه خلقاً درامّياً بعيداً عن التحدث بضمير المتكلم. إذ يقول: "ويمثل القناع خلق أسطورة تاريخيّة، لا تاريخاً حقيقيّاً، فهو من هذه الناحية تعبير عن الشعور بالضيق من التاريخ الحقيقي، بإيجاد بديل له (الإسطورة). أو هو محاولة لخلق موقف درامي، بعيداً عن التحدث بضمير المتكلم"(25)، والواقع أن القناع يوجد تاريخاً ليس هو بحقيقي، ولا هو بخيالي؛ هو مزيج من هذا وذاك، تاريخ يصلح للمستقبل، تاريخ مثالي يطمح الشاعر إلى تحقيقه، وهو لذلك لا يسعى لخلق أسطورة تاريخيّة. وإن كانت الأسطورة موضوعاً والقناع شكله، فإن القناع أوسع في مجال استدعاء الشخصيات الأسطورية. وغير الأسطورية. كما أن القناع يعكس موقفاً دراميّاً، متحدثاً في النص بضمير المتكلم، لا بضمير المخاطب.

 

ومع ذلك؛ فإن تصدي محسن أطميش لإحسان عباس، في إطار توضيحه للعلامات الفارقة بين القناع والمرايا لا ينطوي على مصداقية كاملة، لاسيما حين يقول أطميش: "ولسنا ندرى لِمَ تقتصر مثل هذه القصائد على أفراد تاريخيين، ولا تنسحب على الأفراد المعاصرين والمؤثرين أيضاً، ولا شك أن في حياتنا المعاصرة نماذج إنسانية استطاعت أن تكتسب بفعلها الإنساني الخلود، وشيئاً من هيبة التاريخ، وهم من ثم يصلحون لأن يكونوا أبطالاً لقصائد شعريّة، أو أقنعة للشاعر. فلماذا يعزف الشاعر المعاصر عنهم؟"(26). وتصدي أطميش هذا لا يستقيم على دليل فني وخصائصي لمعنى القناع ذاته، مع أن أطميش يجيب بتساؤل آخر عن سؤاله هذا، حين يقول: "إلا أن التاريخ يقدّم للشاعر مادة متكاملة مرت عليها العصور، وتكاملت، واتفقت عليها وجهات النظر"(27). يضاف إلى ذلك شعورنا بعظمة التاريخ وأبطاله ممن تحولوا إلى رموز تاريخيّة وأسطورية، تحوّلت إلى دلالات إنسانيّة ومعرفيّة، وإلى سلطة تراثيّة مؤثرة على القارىء المعاصر؛ فالقارىء ينظر بشموخ إلى تاريخه الخالد. ويمكن -فى ضوء ذلك- أن نعتمد على رأي إحسان عباس الذي لا يركن إلى الشخصيات المعاصرة، لكونها شاهدة على العصر(28). إن القناع يوجد الواقع الجديد للتاريخ ولرموزه، ويصور أدق خصوصيته، ولكن هذا الركون ليس نهائياً لأن القناع يمكن أن يصوّر شخصيات معاصرة يتخذها الشاعر رمزاً له.

 

وبحثاً عن صيغة جديدة تحدد المعالم النظريّة لمصطلح القناع في صورته غير الملتبسة وتضع حدا لأطروحات رادفت بين مفهوم القناع والمونولوج الدرامي، وأشاعها بعض النقاد الغربيين، تعدٌّ دراسة فاضل تامر الخاصة بـ"القناع الدرامي والشعر"(29) أولى الدراسات العربيّة التي قدّمت رؤية واضحة للقارىء العربي، كشفت عن ذلك التداخل والخلط الاصطلاحي بين مفهوم القناع وغيره من المفاهيم المشابهة، وحددت تصوراً واضحاً لمشكلاته النقديّة، مشفوعة بتصوراته الخاصة التي أحالتها إلى علامات فارقة، حددت مجالات الازدواجيّة بين مصطلحي القناع والشخصيّة المتخيّلة، وعدتهما مفهوماً واحداً، يقابل المونولوج الدرامي عند روبرت براوننغ. أتاح ذلك -لأول مرة- معرفة الإشكال الاصطلاحي بين القناع وغيره من المصطلحات المشابهة له. وتأتي دراسة فاضل تامر هذه مكمّلة لدراسته النقدية التي قدّمها عام 1969(30)، بعنوان "وجه البياتي بوساطة قناع الخيام"، وهي أول دراسة تطبيقيّة نقديّة للقناع في الشعر العربي المعاصر، وقد كشفت عن اهتمامه المبكر بهذه الظاهرة.

 

وفي تقصٍّ متميّز ومتجاوز لما سبقه، انفردت دراسة جابر عصفور "أقنعة الشعر العربي المعاصر"1981(31)، باستقصاءٍ عميق، وسبرٍ مُمَحّصٍ، اتسم بدقة تصويباته لاستقراء مجالات ظاهرة القناع المختلفة، وأبعادها المتنوعةُ، الأمر الذي أدى إلى أن تلقي بظلالها على مجموع الدراسات النقديّة اللاحقة التي تناولت هذه الظاهرة، بل شكّلت مرجعاً أساساً لها، لا يمكن الاستغناء عنه بأي حال من الأحوال، بما أحالتنا إليه من مبادىء أساسي، وخصائص داخليّة عميقة، وتصورات خارجيّة تختص بالرؤى والمواقف الكامنة فيها، وتظهر طموحات الشاعر التي يسعى إلى تحقيقها عن طريق قناعه الشعري. فقد فتحت آفاقاً كبيرةً لفهم جوهر استخدام هذه الظاهرة في الشعر، ولفهم تحوّلاتها وخلفياتها السياسيّة والاجتماعيّة والفكريّة، بل اتسمت بشموليّة استطاعت أن تفسر كل تعقيدات الظاهرة في حضورها الفعلي بين عناصر النص، وفي علاقة الشاعر بقناعه، وعلاقتها بالدراما والمونولوج وبلغة الحضور والغياب. وهي علامات أفضت إلى تميّز دراسة جابر عصفور عن غيرها من الدراسات السابقة التي تناولت ظاهرة القناع ووصفت جزئية معينة، دون أن تنظر إلى الظاهرة برمتها، وهو الأمر الذي أكده جابر عصفور، حين قال: "إن كل هذه الأوصاف يمكن أن توجد في القناع، بمعنى أو بآخر، ولكنها ليست كافية لخلقه أو تبريره، فالقناع أكثر شمولاً وتعقداً من ذلك"(32).

 

ولعل من أبرز تجليات دراسة جابر عصفور هذه أنه استطاع أن يقدم مفهوماً عميقاً وشاملاً للقناع، وأن يعّرفه تعريفاً مكثفاً، صوتاً ورمزاً، وأن يبحث في خصائصه الصوتية والدرامية، وأن يحدد طبيعة علاقة الشاعر بالنص وبعالمه المحيط به. ونجد انعكاسات هذه العلاقات ثابتة في تعريف جابر عصفور، الذي يرى أن القناع رمز يتخذه الشاعر العربي المعاصر ليؤدي على صوته نبرة موضوعيّة شبه محايدة، تنأى به عن التدفق المباشر للذات، دون أن يخفي الرمز المنظور الذي يحدد موقف الشاعر من عصره. وغالباً ما يتمثل رمز القناع في شخصيّة من الشخصيّات، تنطق القصيدة صوتها، وتقدّمها تقديماً متميّزاً، يكشف عالم هذه الشخصيّة في مواقفها أو هواجسها أو تأملاتها أو علاقاتها بغيرها، فتسيطر هذه الشخصيّة على "قصيدة القناع" وتتحدث بضمير المتكلم، إلى درجة يخيل إلينا -معها- أننا نستمع إلى صوت الشخصيّة، ولكننا ندرك -شيئاً فشيئاً- أن الشخصيّة في القصيدة ليست سوى "قناع" ينطق الشاعر من خلاله، فيتجاوب صوت الشخصيّة المباشر، مع صوت الشاعر الضمني، تجاوباً يصل بنا إلى معنى القناع في القصيدة(33). إن توترات الخصائص التي قدمها جابر عصفور في قصيدة القناع حدّدت علاقة الشاعر بواقعه المحيط به، وحددت وظيفة القناع الرئيسة، في كونه وسيطاً "يتيح للشاعر أن يتأمل -من خلاله- ذاته في علاقاتها بالعالم(34)"، في محاولة يسعى من خلالها إلى خلق الندية بينه وبين هذا العالم، بكل ما ينطوى عليه مفهوم "العالم المحيط" من شمول، أي: عالمه الواقعي الكبير، بكل ما ينطوي عليه من أشياء ومخلوقات، يكوّن عالمه المحدود الذي يدخل معه في علاقات مباشرة اجتماعيّة تنطوي على المجاذبة، تصل إلى درجة التوتر، كعلاقة الشاعر بالسلطة السياسيّة، أو بتفاعله الإيجابي مع "المضطهدين"، و"المقموعين" مثلاً. المهم أن يفرّغ شحنات التوتر الناتجة عن هذه العلاقة في النص، بقناعه الذي يعكس كل توابع علاقة الشاعر مع عالمه المحيط.

 

ولقد أثرى النقاد العرب هذه الظاهرة، وبحثوا علاقاتها ببعض الظواهر النقديّة الأخرى. فقد درس صلاح فضل القناع من حيث هو "تناص في الضمير"، وحدد العلاقة بين القناع والتناص، وسلط الأضواء على هذه الجزئية، فاستنتج رأياً يضع القناع على أساسها، لاسيما في مسألة صياغة العلاقة بين الشخصيّة التراثيّة لـ"هو" بكونها قناعاً لـ"أنا" الشاعر. لأن الشاعر يستدعي الشخصيّة التراثيّة في التاريخ لتكون قناعا لذاته؛ وهو عكس ما ذهب إليه صلاح فضل، الذي جعل "أنا" الشاعر قناعاً لـ"هو"، أي الشخصيّة التراثيّة، حين قال: "يدرس النقاد تناص الكلمات وحوارها، الجمل، واستحضار الفقرات الشعريّة لفلذات من التراث الحي، وتوظيفها في سياق جديد. لكن هذا التناص كما يكون في اللغة قد يقع في الضمير، قد يتمثّل في بعث الشاعر الواعي لعالم شعري حميم آخر ينتمي لأسلافه الفنيين، ويضعه قناعاً له، فهو يكتشف فيه وجهه، ويرى في ملامحه صورته، بعد تأويله كما يشتهي، وعندئذ لا يستعير صوته، بل يعيره رؤيته. إنه لا يحتمي به ليقول ما يريد، بل يجذبه إلى دنياه، ويلبسه ثوبه، فتصبح "أنا" قناعاً له هو، وليس العكس"(35).

 

وعلى الرغم من التصوّرات العميقة، التي وردت في هذا الاقتباس المنسوب لصلاح فضل، لاسيما في العلاقة الظاهرية الحميمة بين الشاعر والشخصيّة التراثيّة المستدعاة لتكون قناعاً، فإن عبارته الأخيرة "فتصبح "أنا" قناعاً له هو، وليس العكس" محل نظر؛ فالرؤية غير واضحة بالنسبة للعلاقة الباطنية بينهما، وهذا جعلنا ندرك التمايز الواضح الذي يصل إلى درجة التناقض بينها وبين العبارات السابقة لها، لأن الواقع أنَّ الشخصيّة التراثيّة هي قناع الشاعر الذي يستدعيه بداية، ويأخذ القناع بعد ذلك وضعه الجديد والمحايد في النص الناتج عن تفاعلهما.

 

ولم تقف الاجتهادات النقديّة العربية في تفسير هذه الظاهرة على تلك الآراء التي تناولت خصائص قصيدة القناع، بل إن بعضها تناول بناء المصطلح نفسه، كتلك الاجتهادات التي تبناها كمال أبو ديب، وسعى فيها نحو تحقيق مغايرة اصطلاحيّة في وصف جديد لمفهوم القناع، خرّجه بعدة تخريجات منها "الظل الخفي" أو "الشخص الخفي"، أو "الذات الأخرى"، أو "الأنا الآخر". وكلها مسميات طمح أبو ديب إلى جعلها بدائل لمفهوم القناع، مدفوعاً في ذلك، على ما يبدو، بما لحق بالشعر العربي المعاصر من موجة اصطلاحيّة في مرحلته الحماسية في فترة الستينيات، وهي فترة بشرت بالولادة الحقيقيّة والفعليّة للحداثة الشعريّة العربيّة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى عوّل أبو ديب على الإنجازات العلميّة النقـديـّة الجديدة التي ظهرت مؤخراً في أوربا. فرأى أبو ديب فيها قابلية اشتغال هذه الاصطلاحات المبتكرة للتفسير في ضوء ظهور مفهوم "الظل الآخر" والوصف، نتيجة وجود مصطلح "الذات الأخرى" أو "الأنا الآخر". وما يفسّره من جهة ثالثة، استخدام أبي ديب لمفهوم القناع اضطراريّاً، وقد وضحه في سياق حديثه عن قناع سعدي يوسف "الأخضر بن يوسف"، حين قال: "وهذه الشخصيّة هي النموذج الأكثر كمالاً وإثارة في شعر سعدي يوسف لمفهوم الظل - الآخر، وقد وصل في تطويره صيغة "القناع" (أنا أستخدم المصطلح، مع إحساسي بأنه ليس دقيقاً، لوضوح المفهوم الذي يشير إليه في هذا السياق، لأن سعدي يوسف يشير إليه نفسه)... ويبدو لي أن جميع الابتكارات التي ظهرت في شعر الحداثة، ابتداء من أوائل الستينيات لشخصيّات قناعيّة قابلة للتفسير في إطار ظهور مفهوم الظل – الآخر، كما أصفه هنا، وقابلة للوصف في إطار مصطلح مثل "الذات الأخرى" أو "الأنا الآخر". وينطبق ما أقترحه على شخصيّات مثل مهيار والحلاج والخيّام... لدى أدونيس وصلاح عبد الصبور وعبد الوهاب البياتي... وقد أسهمت هذه التجليّات لمفهوم "الذات الآخر" أو "الظل" أو "الشخص الآخر" في خلق لغة الغياب وتجذيرها وتناميها في قصيدة الحداثة"(36).

 

وفي كل الأحوال، فإن هذه المفاهيم الجديدة التي يضعها كمال أبو ديب بدائل للكلمة "قناع" لا تبرز كل الخصائص التي ينطوي عليها القناع الشعري، فإذا عكس القناع في النص المقنّع "ذاتاً أخرى"، أو "أنا آخر" فلأنها ذوات منتجة، هي أيضاً، وتحصيل حاصل للتفاعلات الداخليّة في بنية قصيدة القناع ذاتها، مما يعنى أنها إحدى نتائج هذا التفاعل بين شخصيّة الشاعر والشخصيّة التراثيّة، وهي السبب في الوقت ذاته لهذا التفاعل؛ لأن الشاعر يستدعي الشخصيّة التراثيّة للتخفي والتنكر خلفها أولاً، ومن ثم لإنتاج شخصيّة أخرى، أو "ذات أخرى" معبرة في داخل النص، لا إلى استدعائها لتكون نتيجة من دون معطيات أو مبررات، تستقيم على قاعدة. ولأن الشاعر حين يستدعي الشخصيّة التراثيّة، لا يلبسها مباشرة "ذاتاً أخرى"، أو "أنا آخر"، لأن "الذات الأخرى" في قصيدة القناع هي ذات مُنتجة من داخل النص المقنّع لا من التراث. وهي في داخل النص لا تخضع للشاعر، ولا للشخصيّة التراثيّة، لأنها تكتسب خصائص جديدة، ومواقف ورؤى خاصة بها. لهذا فهي "ذات محايدة للقناع فقط". وعلى كل حال؛ فإن الدراسات النقديّة الحداثية، النظرية والتطبيقية، التي تناولت ظاهرة القناع الشعري في الشعر العربي المعاصر، كرست هذه المفاهيم -بنحو أو آخر- في سياق دراساتها النقديّة، ليس بوصفها بدائل اصطلاحيّة للقناع ذاته، وإنما على أنها إحدى نتائج قصيدة القناع. ويمكن أن نقرأ تبعاً لهذه التصوّرات الجديدة اجتهاد سعيد الغانمي، بإطلاق قصيدة "التخارج" على القصيدة التي تتسم بالالتفات، تلك التي تنادى الذات فيها تحت قناع الآخر الـ"أنت"(37).

 

لقد تعددت -عموماً- هذه الاجتهادات الاصطلاحيّة عند بعض النقاد العرب. فهذه اعتدال عثمان تجعل مصطلح "القرين" مصطلحاً مقابلاً للقناع، في سياق دراستها لقناع سعدي يوسف، "الأخضر بن يوسف"، وهو وصف استخدمته استخداماً هامشياً في سياق دراسة سعدي يوسف الذي استخدمه كذلك. واستخدمه قبلهما إحسان عباس الذي أشار إلى مصطلح "القرين". ومع ذلك؛ فإن مفهوم "القرين" لا يخرج في مفهمومه العام عن مفهوم القناع المعروف، فما هي إلا توليدات واشتقاقات في اللفظ لمعنى واحد. الأمر الذي يقتضي عدم اعتماد أية مصطلحات بدلاً عن القناع، لأن مفهوم القناع استطاع أن ينجز أبعاد الظاهرة، وشكّل أهم مبررات وجودها، لصلاته الفنيّة التاريخيّة والمعاصرة(38).

 

 توظيف تقنية القناع عند الشعراء العرب المعاصرين

 سيكون من المهم، الآن، أن نراجع بعض النماذج الشعرية العربية التي وظفت القناع تقنيةً شعريةً، أو أبرزت ملامحها، لتأكيد حضورها في الشعر، لكونه (أي القناع) أحد تأثيرات الآخر على الـ"أنا" الشعرية بوجه عام، وعلى "أنا" الشاعر بوجه خاص. فالشاعر عبد الوهاب البياتي يصوّر ثنائية الموت والميلاد، بما يشبه قناعين لوجه واحد. كما أن التاريخ عنده يتقدم مقنّعًا، لأنه يدخل إلى الفصل الجديد بقناع الفصل الذي سبقه(39). وخارج سياقات توظيف القناع تقنيةً شعريةً في النص كاملاً، تكشف بعض السياقات الشعرية العامة له عن ورود مفردة "القناع" في إطار قصائده غير المقنّعة، في إشارة تحيل إلى حضور هذه المفردة في اللاوعي "الباطني" عنده، وفي الوعي الظاهر الذي يغذي السياقات الشعرية بها:

 

مارست السحر الأسود في مدن ماتت

 قبل التاريخ وقبل الطوفان

 واستبدلت قناعي بقناع الشيطان

 ظهرت لي لارا، وخزامى

 في موسيقى الأشعار

 في حرف السين، وحرف الهاء

 وحرف الثاء(40)

 تعددت الإشارات الباطنية الحاضرة في السياقات الشعرية عند البياتي. وكل سياق يحيل إلى معنى شعري مغاير، لكنه يتوحد من حيث دلالته اللغوية، ومن حيث حضوره النفسي الداخلي والعقلي عند الشاعر. ومن هذه السياقات: "سقطت أقنعة المهرجين في وحول العار من قصيدة "تسع رباعيات"، و"اختفى قناع المرأة المجهولة" من قصيدة "قصائد عن الفراق والموت"، وفي قصيدة "القربان"، وهي مهداة إلى بابلو نيرودا "والطائر المنحوت في وجهك: هل مزَّق/ في الحلم قناع العاشق". و"متنكرًا بقناع أعياد الطفولة أو عناد الرافضين" من قصيدة "ثلاثة رسوم مائية"، ومن قصيدة "الكاهنة" يقول: "أنا وأنت نرتدي أقنعة العشاق"، وفي قصيدة "الكابوس": تحت شموس مدن أخرى وفي أقنعة جديدة/ يبحث عن مملكة الإيقاع واللون وعن جوهرها الفاعل/ في القصيدة". كل هذه الإشارات السياقية تمنح دلالة القناع بعدًا دلاليًّا في تفاعلاته، تكشف عن علاقة القناع بالشاعر، وبالكلمات. يقول البياتي في قصيدة "العراف الأعمى":

 يرتدي الشاعر ثوب الساحر الميت،

 يخفي وجهه تحت القناع

 ويعاني من حضور الكلمات.

 وحشة النبذ بأرض النوم والسحر،

 وآلام المخاض(41).

 ويقول في مقطع آخر كاشفًا عن وجهة نظره كذلك، في ممارسة القناع في الشعر:

 لم يزل يسقط فوق المدن الكبرى، فيخفي وجهها تحت القناع

 هذا أنا أشنق نفسي مثل عصفور بخيط من شعاع(42).

 جسّدت صورة تشي جيفارا البطلة، نموذجًا ورمزًا وأملاً لكادحي العالم ومثقفيه، بالنسبة للبياتي. وشكّلت له كنه هذه المفردات، ودخولاً في ثنايا سياقاته النضالية. هذا السقوط لهذا البطل حفز الشاعر إلى البحث عن أسلوب شعري جديد، محاولاً أن يجد صيغة توافقية وتوفيقية بين "ما يموت وما لا يموت"، أي بين ثنائية "الموت والحياة" بين "المتناهي واللامتناهي"، بين "الحاضر، والمستقبل"، فكان البحث عن هذا الأسلوب، وكانت المعاناة معه طويلة، للعثور عن الأقنعة الفنية، تلك التي وضحها بقوله: "ولقد وجدت هذه الأقنعة في التاريخ والرمز والأسطورة. وكان اختيار بعض شخصيات التاريخ والأسطورة والمدن والأنهار، وبعض كتب التراث للتعبير من خلال "قناع" عن المحنة الاجتماعية، والكونية من أصعب الأمور"(43). ويوضح البياتي أن نهجه نحو صياغة القناع، أنه لم يكن طارئًا، أو فجأةً، بل جاء حصيلة رحلة شعرية طويلة ومضنية بدأها منذ شخصية "الجوَّاب"، و"المتمرد"، و"الثوري اللامنتمي" في "أباريق مهشمة"، إلى شخصية "الثوري المنتمي" في "المجد للأطفال والزيتون"، و"أشعار في المنفى"، و"عشرون قصيدة من برلين"، و"كلمات لا تموت"، إلى شخصية "الثوري في الثورة المستمرة"، في "النار والكلمات"، و"سفر الفقر والثورة"، و"الذي يأتي ولا يأتي"، و"الموت في الحياة"(44).

 

وإذا كان السفر بالنسبة للبياتي، ما هو إلا قناع الموت والحياة، فإن القناع ما هو إلا اتحاد رمزي بين الذات والجماعة؛ إنه الـ"أنا" باتصالها القوي بالآخر الجمعي المعبّر عن الشعب، وهي حالة رمزية دقيقة، معقدة، ومتشابكة، تدخل سياقات قصيدة القناع في علاقات ضدّية أحيانًا، وتتوحد في مجالات، أحيانًا أخرى، تكون ضدّية حينما يحتدم الصراع بين ثنائية الـ"أنا" والآخر القمعي السلطوي، أو الآخر الضدّي، وتتوحد حينما يشكّل الآخر امتدادًا للـ"أنا"، ويكون جزءًا لا يتجزأ منها. إن العلاقات الرمزية المعقدة في كيان قصيدة القناع، والخصوصية الفارقة لها، استعصت ممارستها إلا عند قليل من الشعراء، وفي قليل آخر من القصائد. فالبياتي مثلاً لديه ثمانية أقنعة وظفها في معظم قصائده، منها: هاملت، وأبو العلاء، والحلاج، وعمر الخيام، ومحيي الدين بن عربي، والعطار، والسهروردي، وجلال الدين الرومي. ونعرض بهذا الصدد نموذجًا لقناع محيي الدين بن عربي من قصيدة "عين الشمس أو تحولات محيي الدين بن عربي في ترجمان الأشواق":

 كلَّمني السيد والعاشق والمملوك

 والبرق والسحابة

 والقطب والمريدة

 وصاحب الجلالة

 أهدى إليَّ بعد أن كاشفني غزالة

 لكنني أطلقتها تعدو وراء النور

  في مدائن الأعماق

 فاصطادها الأغراب،

 وهي في مراعي الوطن المفقود

 فسلخوها قبل أن تذبح أو تموت(45).

 تنطوي بعض السياقات الشعرية عند أدونيس، على مفردات الكلمة "قناع"؛ هو كذلك في إشارة دالة على تفاعل الشاعر مع دلالاتها السياقية والتقنية. وعلى المنول نفسه الذي وجدناه عند البياتي، يستخدم أدونيس كلمة "قناع" في سياقات معبّرة عن دلالات نفسية مختلفة، مثل قوله في قصيدة "17-مرآة الحجاج": "وقال: بالسهام والقناع، لا بالصوت والكلام". وفي قصيدة "قناع الأغنيات" يقول: "خلف هذا القناع الطويل من الأغنيات". وفي قصيدة "الإله الميت" يقول: "اليوم طرحت قناع البيت". وفي قصيدة "وطن" يقول:

 للوجوه التي تتيبس تحت قناع الكآبة

 أنحني لدروب نسيتُ عليها دموعي(46).

 ويقول في مقطع من قصيدة "القوقعة":

 مرَّ في أهدابنا وجه المدنية

 ضائعًا تحت جليد الأقنعة

 فهتفنا،(47)...

 وفي مزموره من "الإله الميت" في قصيدته النثرية يقول أدونيس:

 أنقش وجهي على الريح والحجر،

 أنقش وجهي على

 الماء، أسكن الأفق،

 وعلى جبيني قناع من الموج(48).

 ويصل أدونيس إلى ذورة التعبير الباطني عن ضرورات تكوين الأقنعة واحتياجاتها، موضحًا السبب في توظيف القناع، لكي يختزل الغياب والحضور الزمني، بكل إشكالياته وشخوصه وأزمنته وأماكنه، داخل زمن القصيدة الشعرية، حين يقول في قصيدة "بابل":

 نتلمس أقنعة التكوين، ونحضن أزمنة مكسورة.

 وتعددت السيّاقات الشعرية المحملة بكلمة "قناع". ففي قصيدة "الضياع" يقول أدونيس: "الضياع، ألقٌ وسواه القناع"(49)، يبحث عن أرض الشفافية في قصيدة "المدينة"، "خلف ذاك القناع المعلق بالصخرة الدائرة". ولكنه في قصيدة "الصقر" وقصيدة "الفصل الحجر" يحدد أشكال هذه الأقنعة وأنماطها، التي يسعى إلى تكوينها. ففي قصيدة "الصقر" يقول:

 وا فراتاه! كن لي جسرًا، وكن لي قناعًا!

 وهو هنا، يريد الفرات قناعًا له، النهر قناع. أما في قصيدة "الفصل الحر"، فهو يريد أن يتقمص "نجمة" قناعًا، أو حتى نعجة، ليمارس أسلوبه الشعري:

 نجمةٌ نتقمص، نعجة لتعرف السماء وتشهد.

 مارس أدونيس تقنية القناع أول مرة في ديوانه "أغاني مهيار الدمشقي"، الصادر عام 1961، حينما استدعى مهيار الديلمي واتخذ من وجه "مهيار الدمشقي" قناعًا له. وهذه الممارسة اتسقت مع تحولاته الشعرية، تلك التي شكّلت تحولاً مهمًّا في كتاباته الشعرية في هذا الديوان، وفي دواوينه اللاحقة من ناحية، ومن ناحية أخرى أذنت بفترة جديدة، التفت فيها الشاعر إلى التقنيات الفنية القادمة من الآخر، ولكنه أعطى لها بعدًا تراثيًّا منحت الـ"أنا" الشعرية العربية، مثل غيره من الشعراء، كالبياتي والمقالح ودرويش وسعدي ودنقل، هُويّة عربية. واكتسبت هذه الأقنعة هُويتها العربية، من خلال استدعاء نماذجها من التراث العربي.

 تكرر قناع "مهيار" في "كتاب التحولات والهجرة في أقاليم النهار والليل"، الصادر عام 1965. وفيه وظف شخصية "صقر قريش" (عبد الرحمن الداخل). وفي ديوانه "المسرح والمرايا" 1968، أعاد قناع مهيار. أما في ديوان "المطابقات والأوائل"، فقد تعددت أقنعته الشعرية، منها: "النفري"، "جلجامش"، "أدونيس"، "أبو تمام"، "أبو نواس"، "ريلكه"، و"بودلير"؛ حوالى سبعة أقنعة في هذا الديوان، الذي يلاحظ فيه أنه تقمص بعض الشخصيّات، المستمدة من التاريخ مثل "جلجامش" و"أدونيس"، وهما شخصيتان أسطوريتان بطلتان، ومن تاريخ الآخر الحديث شعراء تأثر بهم شعريًّا، على ما يبدو، وهما "ريلكه" و"بودلير". يقول أدونيس في قصيدة "تحوّلات الصقر"، التي مهَّد لها باقتباس طويل من كلام عبد الرحمن الداخل، لابسًا قناعه:

 جئت إلى بغداد

 في سعف النخل وماء النهر

 في رئة العصفور

 كان أبو تمامْ

 مشتعلاً كالجمر

 خلف شتاء الليل والأحلامْ

 يكتب أغنية

 بالقصب المكسور

 لنجمة الميلاد

 عن رحلة الصيف الشتائيةْ

 سوداء سحرية

 تحية الآتي إلى بغداد(50).

 لم يكن أمل دنقل دون سواه من الشعراء، الذين وظفوا تقنية القناع في شعرهم. وأحسبه كذلك، ممن تنفس استدعاءه في سياق شعري. وبعيدًا هذه المرة عن لبس القناع، تضمَّن نصه الآتي بوحًا لتفاعلاته معه؛ إذ جعل وجهه -في السياق الآتي- يتخفى وراء قناع الذل، مصوّرًا حالة من التفاقم النفسي، كما في قصيدة "العرّاف الأعمى":

 

 أرشق في الحائط حد المطواة

 والموت يهبّ من الصحف الملقاة

 أتجزأ في المرآة

 يصفعني وجهي المتخفي بقناع الذل

 أصفعه.. أصفع هذا الظل

 كل الناس يفارقهم ظلهم عند الليل

 إلا ظلي(51)...

 ولكنه ما يزال يبحث عنه في حالة تقصٍ، فهو مهم لديه لتأدية وظيفة، كأنه يقود النبض إلى القلب.

 ما زلت أرود بلاد اللون الداكن

 أبحث عنه بين الأحياء الموتى..

 والموتى الأحياء

 حتى يرشد النبض إلى القلب الساكن

 لكن(52)...!!

 وظَّف أمل دنقل في سياقات شعرية أخرى القناع تقنيةً شعريةً، فاستدعى رموزها التاريخية لمرة واحدة من التراث الإغريقي القديم (سبارتكوس)، ولغير مرة، من التراث العربي القديم (المتنبي، أبو نواس، زرقاء اليمامة، كُليب). وينحاز أمل دنقل انحيازًا ظاهرًا لاستدعاء الشخصيّات التاريخية العربية أقنعةً وإشارات يتقمصها في النص الشعري، يدخل -بالنسبة له- في نطاق الانتماء والهوية، على الوجه العام، وعلى مستوى آخر يتعلق بجانب التلقي على الوجه الخاص. وقد علل جابر عصفور سر هذا الالتفات القوي للرموز، والإشارات القومية العربية، فرأى أن "غربة القناع الأجنبي عن الوجدان القومي، هو الوجه الآخر من غموض الإشارة التاريخية أو الأسطورية، التي تحول بين القصيدة وتوسيع دوائر التلقي العام... ولذلك مضى أمل إلى النهاية في الإلحاح على ضرورة استبدال الأقنعة القومية بالأقنعة الأجنبية، ووضع التاريخ القومي موضع الصدارة في علاقات الإشارة والتضمين، مهما اختلفت جوانبه الدينية والسياسية والاجتماعية والأدبية"(53). ولما كان السياق البحثي هذا يقتضي تأكيد حضور الأقنعة في الشعر العربي، وتوظيف الشعراء العرب لهذه التقنية التي استدعوها من الآخر، لأنها تشكّل مستوى فرعيًّا من مستويات تجلي علاقة الـ"أنا" بالآخر؛ فإن ثمة دراسات تناولت بشيء من التفصيل هذا الجانب، يمكن أن يحال قراؤها إلى دراسة عبد الرحمن بسيسو(54). كما يمكن عرض بعض النماذج الشعرية الدالة على هذه الممارسة، ومنها استدعاء أمل دنقل نفسه لشخصية "سبارتكوس" قناعًا له في قصيدة "كلمات سبارتكوس الأخيرة":

 يا إخوتي الذين يعبرون في الميدان

  في انحناء

 منحدرين في نهاية المساءْ

 لا تحلموا بعالم سعيد...

 فخلف كل قيصر يموت: قيصر جديد.

 وإن رأيتم في الطريق "هانيبال"

 فأخبروه أنني انتظرته مدى على أبواب "روما" المجهدة، وانتظرت شيوخ روما، تحت قوس النصر – قاهر الأبطال، ونسوة الرومان بين الزينة المعربدة ظللن ينتظرن مقدم الجنود(55)...

 نموذج شعري آخر لأمل دنقل، يصوّر استخدامه لشخصية "المتنبي" قناعًا في قصيدته "من مذكرات المتنبي"، وعلاقته في الفترة الأخيرة بكافور، في دلالة من الدلائل التي تشير إلى السلطة العربية المعاصرة:

 يومئ، يستنشدني، أنشده عن سيفه الشجاع

 وسيفه في غمده.. يأكله الصدأ

 وعندما يسقط جفناه الثقيلان، وينكفئ

 أسير مثقل الخطى في ردهات القصر

 أبصر أهل مصر...

 ينتظرونه.. ليرفعوا إليه المظلمات والرقاع!

 جارتي من حلب، تسألني: "متى تعود؟"

 قلت: الجنود يملأون نقط الحدود

 ما بيننا وبين سيف الدولة

 قالت: قد سئمت – مثلك – القيام والقعود

 بين يدي أميرها الأبله

 لعنت كافورًا

 "ونمتُ مقهورًا"(56).

 

أنجز الشاعر عبدالعزيز المقالح أولى خطوات استدعاء الشخصيات التاريخية أقنعةً، في تجربته الشعرية، في قصيدته "مقتطفات من خطاب نوح بعد الطوفان" من ديوانه الأول "لا بد من صنعاء"، الذي كان قد نُشر" عام 1970. والقصيدة لا شك أنها كتبت قبل هذه الفترة بفترة طويلة، ولكنها كانت، في حقيقة الأمر، تجربة مكتملة البناء التقنعي فيها. امتدت تجربة المقالح في هذا المضمار إلى عام 1997، وتحديدًا مع آخر قصيدة قناع كتبها، وهي قصيدة "على قبر غيلان الدمشقي" من ديوانه "أبجدية الروح"، ولفترة أظنها جاوزت العقود الثلاثة.

 تنوّعت المصادر التاريخية المستدعاة إلى النص الشعري عنده. فمن تلك الرموز القومية، اتخذ من شخصية "سليمان الحلبي" قناعًا قوميًّا في قصيدته "الرحلة الثانية لسليمان الحلبي"، من ديوانه "رسالة إلى سيف بن ذي يزن"، وهو مستدعى من التاريخ العربي الحديث منذ مائتي عام. ومن التراث القومي، وظف شخصيتين صوفيتين، هما: "سفيان الثوري" في قصيدة "من مواقف سفيان الصنعاني". أما الشخصية الأخرى فقد كانت في قصيدة "على قبر غيلان الدمشقي"، وهي شخصية غيلان الدمشقي". واستدعى من التاريخ القومي الشعري (التراثي)، شخصية "المتنبي" في قصيدة "من تداعيات الليلة الأخيرة للمتنبي في مصر"، وشخصية "عنترة بن شداد"، في قصيدة "البحث عن عبلة في مدينة الرصاص والرماد"، وهما من ديوانه "الخروج من دوائر الساعة السليمانية". أما شخصية "ابن زريق البغدادي" فقد تقمصها قناعًا في قصيدة "هوامش يمانية على تغريبة ابن زريق البغدادي" من ديوانه الذي حمل الاسم نفسه.

 

أما مصادره اليمنية المحلية، فقد كانت: قناع "سيف بن ذي يزن"، وقد جاء في قصيدتين هما: "من يوميات سيف بن ذي يزن في بلاد الروم"، و"من يوميات سيف بن ذي يزن في بلاد فارس". من ديوان "رسالة إلى سيف بن ذي يزن". واستدعى شخصية "سيف بن ذي يزن" كذلك في قصيدة "سيف بن ذي يزن وحوار مع أبي الهول" في الديوان نفسه. وقدم شخصية "علي ابن الفضل" قناعًا في قصيدة "الكتابة بسيف الثائر علي بن الفضل"، من ديوانه الذي حمل الاسم ذاته. كما استلهم قناع الشاعر اليمني "وضاح اليمن"، في قصيدته "عودة وضاح اليمن"، من الديوان الذي حمل الاسم ذاته؛ ما يشير إلى أن المقالح، جعل أقنعته الشعرية عناوين لبعض دواوينه الشعرية. وفي هذا الديوان، كتب كذلك قصيدة "من أحزان الليلة الأخيرة لعمارة اليمني"، حيث استدعى شخصية الشاعر اليمني "عمارة".

 

استدعى المقالح، بعض الشخصيات من الموروث الديني أقنعةً شعريّةً منها "نوح"، و"يوسف" عليهما السلام، والنبي "محمد" (صلى الله عليه وسلم) في قصائد "مقتطفات من خطاب نوح بعد الطوفان" و"من حوليات يوسف في السجن" من ديوان "عودة وضاح اليمن"، وشخصية الرسول "محمد" في قصيدة "من عذابات محمد" من ديوان " لا بد من صنعاء"؛ ما يفضي إلى تعدد في استخدام الأقنعة، بلغت خمسة عشر قناعًا. إذ يكون المقالح بذلك من بين أكثر الشعراء استدعاء للشخصيات التاريخية أقنعة تاريخية(57). ويمكن أن نقدم نموذجًا دالاً على هذا النهج الذي انتهجه المقالح، بمقطع من قصيدته "الرحلة الثانية لسليمان الحلبي"، مستخدمًا قناع المناضل العربي السوري "سليمان الحلبي"، الذي قتل بخنجره "كليبر"، قائد الحملة الفرنسية على مصر، وقد أعدمه الفرنسيون بعد ذلك في مصر عام 1800:

 فدعوني مرة أخرى إلى الفسطاط أرحل

 ربما عاد (كليبر)

 يزرع النيل بسود الخطوات

 وعلى الأهرام كالفرسان يعلو

 كالبغايا يتكسر(58).

 

وحين استخدم شخصية "يوسف" عليه السلام، قناعًا في قصيدته "من حوليات يوسف بالسجن"، كتب فيها:

 حين جاءت إلى الجُبّ قافلة

 ومن الجبّ أنقذني أهلها،

 ورأيت السماء ضحكت. كأني من رحم الأرض

 جئت. وها أنذا الآن في الجب(59).

 استطاعت شخصية المتنبي، أن تكتسب حضورًا لافتًا عند أغلب الشعراء العرب، استدعاء، أو قناعًا؛ ربما للخاصة الشعرية التي جمعتهم به، ولكونه كان بارزًا في علاقته التضادية مع السلطة، على الرغم من اتفاقه أحيانًا معها، أو اختلافه، ولكن علاقات التنافر التي جرت، لاسيما بينه وبين كافور حاكم مصر آنذاك، مثل بالنسبة للشعراء العرب موقفًا تضاديًّا وتنافريًّا مع السلطة، فاستحسنوا هذا الرمز الذي يصوّر العلاقة المتوترة بين الشعراء العرب والسلطة.

 

أما سعدي يوسف، فتبدو عنده ظاهرة توظيف صوت آخر ينوب عن صوته، واضحة، وهو بهذا ينأى بنفسه عن الغنائية والمباشرة، أو كما حددها طراد الكبيسي باستخدام الصوت الثاني، أو الشخص الثاني، أي ما يمكن أن نسميه بـ"كوموفلاج" بديلاً عن الصوت الأول، أو الشخص الأول (الشاعر)(60). هذا الخط (النفس – اجتماعي) الذي انتهجه سعدي يوسف في بعض قصائده، أو حين اتجه نحو الدخول في حوار مع صوت آخر، أو (شخص آخر) يتجاذب معه أطراف الحديث، كل هذه الأصوات كما في "الأخضر بن يوسف". و"الشخص الثاني"، و"العمل اليومي"، تنبع من موقف أيديولوجي يتحرر الشاعر فيه من ذاتيته، متجهًا نحو الآخر، مخاطبًا ذاته وغاصًّا في أعماقها. هذه العملية انطوت على مكاشفة، جعلت سعدي يوسف نادر الاستخدام للشخصية قناعًا، إلا في قناع "الأخضر بن يوسف" مرة واحدة، لأن لغة سعدي تعتمد دائمًا على بساطة التركيب التي تحيي من داخلها عمقًا مؤثرًا في المتلقي. وشخصية "الأخضر بن يوسف" شخصية موظفة بطريقة جديدة عند سعدي، فهو لا يلبسها قناعًا مباشرًا أسوة بغيره من الشعراء، ولكنه يجعلها تلبس نفسها هذا القناع، هي ليست قناعًا له، بل هو قناع لها من خلال ما يسوق من حوار معها، فتجيء شخصية مخترعة، ممزوجة الاسم من قبل، مركبة من اسم شخصية في جزئها الأول، ومن اسمه في جزئها الثاني. وفي قصيدة "عن الأخضر أيضًا" في المقطع الأول توضيح لذلك التداخل والتطابق والذوبان:

 رأيتُك في قرطبة

 وكنتَ تبيع الجلود التي حملتْ رسمنا

 والجلود التي حملت وسمنا

 والجلود التي نرتديها(61).

 ويقول في مقطع آخر من القصيدة نفسها (حوار مع الأخضر بن يوسف)، مخاطبًا الشخصية المركبة منه ومن الآخر (الأخضر)، الشخصية المختزلة من قبله والتي يشكّل هو جزءاً منها:

 سنجلس – إن شئتَ – حينًا

 نفكر في أمرنا مرةً

 نفكر في أمرنا مرتين(62).

 إنه يحاول في قصيدة "الأخضر بن يوسف ومشاغله"، أن يتحسس القناع، ويباشر في تقمصه من خلال "الشخصية المركبة" التي اخترعها، وحاول أن يطورها ليتخذها قناعًا له في هذا القصيدة، وهي شخصية، دونًا عن غيره، ليست مستدعاة من التراث الإنساني الأسطوري أو الإغريقي القديم، ولا من التراث العربي والإسلامي، ولا إشكاليتها في الغياب تتداخل مع إشكاليته؛ إنه هنا يجعلها حاضرة اسمًا وإشكاليةً، يجعل الحضور هو الذي يستدعيه الغياب؛ لأن الحضور هنا، بإشكاليته، يمكن أن يحيل إلى الغياب. يريد سعدي أن يكون أكثر إيمانًا وقربًا بالواقع، وأكثر التحامًا معه.

 سأستخدم اسمك...

 معذرةً

 ثم وجهك...

 أنت ترى أن وجهك في الصفحة الثانية

 قناع لوجهي

 وأنت ترى أنني أرتدي الربطة القانية

 أتذكرها؟(63)

 ينبغي لنا أن نشير، أخيرًا، إلى جانب الإشارة السابقة، إلى أن تقنية القناع ما هي إلا تقنية استخدمتها الـ"أنا" الشعرية بناءً على استخدامها الأول لدى الآخر، وهي قد استدعيت إلى الشعر العربي من الآخر الأوربي، تقنيةً فنيةً شعرية فحسب. أما استخدام القناع بوصفه غطاءً على الوجه، فقد استخدم عند غير الأوربيين. ولكن الإشارة الأخيرة التي نحن بصددها الآن، هي أن توظيف هذه التقنية في الشعر العربي جاء تحايلاً على الآخر القمعي (السلطة) ومن شابهه، ممن لديهم سلطة القمع على الـ"أنا"، وهي حالة لتمرير موقف الـ"أنا" المصوّرة للإشكاليات المعاصرة المطروحة؛ بعيدًا عن السلطة القامعة، أو تمويهًا عليها. هذه السلطة التي تشكّل آخر بالنسبة لـ"أنا" الشاعر. وفي كل الأحوال يكون موقف الـ"أنا" معارضًا لموقف الآخر (السلطة).

 

 الهـــوامـــــــش:

 (1) كارل جوستاف يونغ، جدلية الأنا اللاوعي، ط1، ترجمة: نبيل محسن، اللاذقية، دار الحوار للنشر والتوزيع، 1997، ص118.

 (2) نفسه، ص 62.

 (3) نفسه، ص 62.

 (4) نفسه، ص 62.

 (5) نفسه، ص 63.

 (6) سيجموند فرويد، الأنا واللهو، ط5، ترجمة: محمد عثمان، القاهرة/ بيروت، دار الشروق، 1988، ص 52.

 (7) ك:هول، ج لنذري، نظريات الشخصية، ط1، ترجمة: فرج أحمد فرج، قدري محمود حفني، لطفي محمد فطيم، مراجعة: لويس كامل مليكة، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر،1971، ص 110.

 (8) يونغ، جدلية الأنا واللاوعي، المرجع السابق، ص 62.

 (9) ك هول، ج، النذزي، المرجع السابق، ص 116.

 (10)      نفسه، ص 116.

 (11)      جابر عبد الحميد جابر، علاء الدين كفافي، معجم علم النفس والطب النفسي، الجزء السادس، القاهرة، دار النهضة، 1992، ص2711.

 (12) نفسه، الجزء الخامس، ص 2085.

 (13) ك،ج، يونغ، علم النفس التحليلي، ترجمة: نهاد خياطة، القاهرة، هيئة الكتاب (مكتبة الأسرة)، 2003، ص 30.

 (14) نفسه، ص 30.

 (15) نفسه، ص 31.

 (16) عبد الوهاب البياتي، تجربتى الشعرية، ط1، القاهرة، منشورات نزار قبانى، 1968، ص35.

 (17) صلاح عبد الصبور، حياتي في الشعر، ط1، بيروت، دار العودة، 1969، ص 38.

 (18) نفسه، ص39.

 (19) نفسه، ص101.

 (20) نفسه، ص102.

 (21)      عبد العزيز المقالح، الشعر بين الرؤيا والتشكيل، ط1، بيروت، دار العودة،1981، ص11.

 (22) نفسه، ص 149، 150، 151، 159.

 (23) إحسان عباس، اتجاهات الشعر العربي المعاصر، عالم المعرفة، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1978، ص155.

 (24) نفسه، ص 155.

 (25) نفسه، ص 155.

 (26)      محسن أطميش، دير الملاك، بغداد، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، 1982، ص104.

 (27) نفسه، ص 104.

 (28) إحسان عباس، السابق، ص 160.

 (29)      فاضل تامر، معالم جديدة في أدبنا المعاصر، بغداد، منشورات وزارة الإعلام، 1975.

 (30) فاضل تامر، السابق.

 (31)      جابر عصفور، أقنعة الشعر العربي المعاصر، مجلة "فصول"، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، يوليو 1981.

 (32)      جابر عصفور، السابق، ص 125.

 (33)      نفسه، ص 123.

 (34)      نفسه، ص 123.

 (35)      صلاح فضل، شفرات النص، ط1، القاهرة/ باريس، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع،1990، ص 24.

 (36)      كمال أبوديب، مقالة بعنوان "الحداثة، السلطة، النص"، مجلة "فصول"، ع 3 و4، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1989، ص79.

 (37) سعيد الغانمي، أقنعة النص، ط1، بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، 1991، ص59.

 (38) إعتدال عثمان، إضاءة النص، ط1، بيروت، دار الحداثة، 1988، ص 44.

 (39) عبد الوهاب البياتي، تجربتي الشعرية، السابق، ص30.

 (40)      عبد الوهاب البياتي، ديوان "كتاب البحر" قصيدة "أحمل موتي وأرحل"، ط2، القاهرة/ بيروت، دار الشروق، 1985م، ص47.

 (41) عبد الوهاب البياتي، ديوان "الكتابة على الطين"، ط3، القاهرة/ بيروت، دار الشروق، 1985، ص 10.

 (42) نفسه، ص 11.

 (43) عبد الوهاب البياتي، تجربتي الشعرية، السابق، ص 34.

 (44) نفسه، ص 34، 35،

 (45) عبد الوهاب البياتي، ديوان "قصائد حب على بوابات العالم السبع"، ط3، القاهرة، دار الشروق، 1985، ص11،

 (46) أدونيس، ديوان "أغاني مهيار الدمشقي"، بيروت، دار الآوان، 1988، ص132.

 (47) نفسه، ص 151.

 (48) نفسه، ص 87.

 (49) نفسه، ص 155.

 (50) أدونيس، الأعمال الشعرية الكاملة، ط5، المجلد الأول، بيروت، دار العودة، 1988، ص487.

 (51) أمل دنقل، الأعمال الشعرية الكاملة، السابق، ص 66.

 (52) نفسه، ص 67.

 (53) جابر عصفور: مقالة "من أقنعة أمل دنقل"، "سفر أمل دنقل"، القاهرة، الهيئة المصريّة العامة للكتاب، 1999، ص337.

 (54) أنظر دراسة عبد الرحمن بسيسو، أقنعة الشعر العربي المعاصر (رسالة دكتوراه)، القاهرة، جامعة القاهرة، 1996.

 (55)      أمل دنقل، الأعمال الشعرية الكاملة، ديوان "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة"،ب ط، بيروت، دار العودة، 1995، ص 152.

 (56)      نفسه، ص 238.

 (57)      راجع أحمد ياسين السليماني، "القناع التراثي في الشعر اليمني المعاصر"، (رسالة ماجستير)، القاهرة، جامعة القاهرة، 1998.

 (58)      عبد العزيز المقالح، ديوان عبد العزيز المقالح، السابق، ص 391.

 (59) عبد العزيز المقالح، ديوان "عودة وضاح اليمن"، ط1، بيروت، دار العودة، 1976، ص20.

 (60) سعدي يوسف، ديوان "الليالي كلها"، ديوان سعدي يوسف، ط3، المجلد1، بيروت، دار العودة، 1988، ص102.

 (61) نفسه، ص 102.

 (62)      نفسه، ص 103.

 (63) نفسه، ص 171.