دراسات
التحليل النصي... مقترحات وإجراءات
()
د. حاتم الصكر
ناقد وأكاديمي من العراق
مدخل
1-1
يؤكد
ارتباط
ممارسة
القراءة
بعملية
التلقي
ضرورة
معاينة
العوامل
التي
تسهم
في
تقريب
النصوص
من
متلقيها،
وعرض
ما
يمكن
وصفه
بالمحددات
التي
تعوق
الاتصال
الجمالي
بالمتون
النصية،
وتجعل
مزاياها
الفنية
مغيَّبة
بسبب
تعارض
آفاق
الكتابة
والقراءة
والتلقي
وتقاطعها.
ومن
أجل
فحص
تلك
الموجّهات
والمحدّدات
وتشخيص
وجودها
وإمكانه
سوف
نقترح
عدة
إجراءات
منهجية،
ونفترض
طرقا
ووسائل
للتحليل
النصي،
في
الشعر
خاصة؛
لما
تشكله
عملية
التلقي
من
أهمية
في
قبول
البرامج
التحديثية
للقصيدة
أو
رفضها،
بذرائع
مختلفة،
لكنها
تلتم
حول
درجة
وعي
القارئ،
واستعداده
لتغيير
أفق
تلقيه
وفقا
لأعراف
القراءة
التي
تناسب
حداثة
النصوص
وتغيراتها
المضمونية
والشكلية.
هنا
تبرز
ضرورة
«تأهيل
القارئ»(1)،
باصطلاح
نقاد
الاستقبال
وجمالية
التلقي،
ودوره
في
إعادة
تشكيل
النصوص،
وإعطائها
ملموسية
ووجودا
متعينا
من
حيث
قابليتها
للقراءة
والتحليل،
وكشف
عناصرها
البنائية،
والذهاب
مع
دلالاتها
في
آفاق
التأويل
وما
يتطلبه
من
فهم
واستيعاب
واستنفار
لخبرة
القارئ
في
النوع
الذي
ينتمي
إليه
النص،
واستثمار
«ذخيرة
القراءة»(2)
للإحاطة
بجماليات
النصوص
واستيعاب
دلالاتها.
يستطيع
النقد
إعانة
القارئ
على
إنجاز
عملية
تلقٍّ
مناسِبة،
من
خلال
بعض
الوسائل
التي
نحاول
هنا
المساهمة
في
اقتراح
بعضها،
أو
تأكيد
أهمية
ما
هو
متداول
منها،
وهو
ما
ينضوي
تحت
سجل
اصطلاحي
ومفهومي
مقترَح
ومعروض
للنقاش،
لاسيما
في
الجانب
التطبيقي.
فالتحليل
النصي
يواجَه
غالباً
بالتشكيك
والسؤال
عن
إمكان
تحقيقه
أو
جدواه
في
عملية
القراءة،
التي
يتفق
النقاد
-على
اختلاف
مناهجهم-
على
أنها
نشاط
فردي
قابل
-بسبب
ذلك-
للتعدد
والتنوع،
منوهين
بصعوبة
تحليل
الشعر؛
نظراً
للطبيعة
الفنية
للقصيدة
من
جهة،
ولغياب
القواعد
المقررة
لنقد
الشعر
نستعين
بها
عند
عرض
النص
لتعدد
القراءات؛
نظرا
لطبيعة
النص
الزئبقية،
بتعبير
أمبرتو
إيكو(3)،
وهو
أمر
تنبه
له
النقاد
القدامى
وتناولوه
في
نقدهم
للشعر
وطرق
تحليله،
كتأكيد
عبدالقاهر
الجرجاني
على
دور
القارئ
ونشاطه
في
نقل
الملفوظ
الشعري
إلى
حيز
الوجود
بالفعل،
بعد
وجوده
بالقوة،
قبل
تسليط
طاقة
القراءة
عليه(4).
وسوف
يُعنى
بحثنا
بما
ندعوه
«موجهات
قراءة
النص
الشعري»،
التي
تقربه
من
القارئ،
وتزيل
القلق
الإجرائي
الذي
يصاحب
عملية
القراءة
في
العادة،
والملخَّص
بسؤال:
من
أين
نبدأ
لتحليل
النص؟
2-1
تسعفنا
موجهات
القراءة
وعتبات
النص،
التي
لم
يلتفت
إليها
النقد
بشكل
جوهري
قبل
شيوع
نظريات
القراءة
والمناهج
ما
بعد
البنيوية،
التي
أكدت
أهمية
تفاعل
القارئ
وقراءته،
بعد
أن
كانت
المناهج
السابقة
عليها
قد
انغلقت
عند
البنية
النصية
كردِّ
فعل
على
تأكيد
المناهج
التقليدية
على
العوامل
الخارجية
غير
النصيّة،
واستغراقها
في
الكلام
على
ما
هو
خارج
النص.
ونجد
أن
من
أهم
تلك
الخطوات:
تعيين
بؤرة
أو
مركز
للنص
تستشفه
القراءة
بمعاينة
الملفوظ
النصي،
وما
يوجهه
تجنيس
النصوص
وإعلان
هويتها.
ونحتكم
في
ذلك
إلى
مقصدية
النص
ووصفه
كما
جاء
في
تشكله
وإرساله
وعرضه
للقراءة،
ثم
الاحتكام
إلى
مدى
مفارقته
لما
يذخره
النوع
المجنس
تحته
أو
توافقه
معه.
ويتيح
لنا
تعيين
المركز
البؤري
للنص
ملاحظة
حركة
أجزائه،
قربا
وبعدا
عنه،
وتوسعها
وتمددها
لغوياً
وصورياً
وإيقاعياً.
ولما
كانت
المستويات
المقترحة
للتحليل
تتحدد
تقليديا
في
المستوى
اللفظي
والتركيبي
والإيقاعي
والدلالي،
فإن
القراءة
المطلوبة
لاستيعاب
حداثة
النصوص
وما
تقدمه
من
تعديلات
على
النوع
نفسه
تتطلب
توسيعا
لتلك
المستويات،
بإشراك
القارئ
في
إظهار
مقصدية
النص
وجمالياته،
والانتباه
للمستوى
الخطّي
الذي
يتيح
التعرف
على
هيئة
النص
وتشكّله
البصَري
المعروض
لفعل
لقراءة.
لذا
تحتفي
الدراسات
النقدية
الحديثة،
لاسيما
تلك
المتأثرة
بأطروحات
المدارس
ما
بعد
البنيوية
وجماليات
التلقي
بوجه
خاص،
بما
تعارف
النقاد
على
تسميته
بالنصوص
المحايثة
للمتن
موضوع
الدراسة
والتحليل.
ومن
تلك
النصوص
المحايثة:
موجّهات
قراءة
النص
وعتباته
التي
تحف
به
ولا
تدخل
في
بنيته
النصية
الداخلية
المسكوكة
بوضع
لساني
خاص
ونسق
لغوي
مغلق،
له
إشاراته
وعلاماته
الخاصة.
ولكن
تلك
النصوص
الصغيرة
-وإن
وقعت
على
حدود
النص
وأحاطت
به-
تمثل
سياقات
صغرى
تعمل
في
إمكان
فهمه
واستيعابه،
والحكم
الجمالي
عليه
وتأويله،
أو
قراءته
بمناظير
متنوعة.
3- 1
تلك
العتبات
النصية،
التي
يقترحها
البناء
الفني،
تغدو
موجّهات
قراءة
على
المستوى
الجمالي
التقبلي،
فتلفت
نظر
القارئ
وتوجّه
قراءته
بالضرورة،
وفي
مقدمتها
الأغلفة،
بكيانها
التصويري
والخطي،
والعناوين
الرئيسة
والفرعية،
والأمكنة
التي
تحيِّن
النص
وتُموضِعُه
في
مكان
محدد
ذي
حمولة
دلالية،
والتواريخ
المعينة
لزمن
كتابته،
والملاحظات،
والهوامش
والحواشي،
والاقتباسات
التصديرية،
والتسميات،
وجُمل
الاستهلال
والختام،
وسواها
من
الفواعل
في
قراءة
القارئ،
والداخلة
في
عملية
القراءة،
بما
أنها
إعادة
تشكيل
للنص
وترميم
فجواته،
وإظهار
المسكوت
عنه
في
نسيجه
البنائي
المتاح
للمعاينة.
وقد
حظيت
تلك
العتبات
بدراسات
معمقة
أفرزتها
المناهج
النقدية
في
الفترة
المعروفة
بما
بعد
الحداثة،
وتوسعت
في
بيان
ارتباطها
بالنص
أو
متنه
اللساني،
وأهميتها
في
تحليله
وقراءته
معا(5)،
وهي
عناصر
لم
يكن
النقد
التقليدي
يلتفت
إليها،
مع
أنها
داخلة
في
مقصدية
إرساله
وعرضه
للقراءة،
ما
يرتب
له
بالضرورة
إسهاما
في
بناء
النص
وملء
فراغاته
المتروكة
لقراءة
القارئ
وإسقاطات
وعيه
وإدراكه
الجمالي.
وسوف
تساعد
التطبيقات
النصية،
والفاعليات
التحليلية
لبعض
تلك
الموجّهات
والمحدّدات،
في
اختبار
مصداقية
المقترحات
الإجرائية،
ومدى
إسهام
القراءة
في
استكشاف
النص
وإظهار
البنى
العميقة
له،
أو
ما
لا
يظهر
للوهلة
الأولى
بالقراءة،
التي
لم
تعد
مسحا
بصريا
للنص،
أو
اختباراً
لمطابقته
معيارياً
للأسس
الموضوعة
للنوع
الذي
ينضوي
تحته،
بل
اكتشافا
لما
يسكت
عنه
النص،
أو
تخفيه
بناه
التحتية
أو
العميقة
التي
يزخر
بها
بسبب
الوجود
السيميولوجي
للأشياء
في
النص
والتعبير
عنها
بما
يعادلها
من
الصور
والإيقاعات،
وتوظيف
اللغة
بشكل
منحاز
يجعلها
خاضعة
لنيات
الشاعر
وبرامج
النص
وأهدافه.
2-
إجراءات
تحليل
وافتراضات
قراءة
1-2
قبل
الوقوف
عند
المقترحات
الإجرائية
لتحليل
النص
الشعري،
جزءا
من
عملية
القراءة،
يجدر
بنا
الوقوف
عند
التحليل
النصي،
كمصطلح
مقترض
من
علوم
مجاورة
ومتحصل
من
مؤثرات
فكرية
وسمت
عصرنا
بأنه
عصر
التحليل(6)؛
إذ
لم
يخلُ
حقل
معرفي
من
تداول
المصطلح
وإجرائه
في
البحوث
والاكتشافات
الخاصة
به.
فالتحليل
عمل
يقابل
التركيب.
ويتضمن
الجذر
اليوناني
للمصطلح
معنى:
فك
الشيء
إلى
جهات
عديدة،
تجزيئا
له
وتفكيكا
لعناصره(7).ويستكمل
ذلك
التداعي
اللغوي
ما
يدل
عليه
التحليل
في
اللسان
العربي،
فهو
تيسير
ويسر
وانبثاق
وخروج
بالمعنى.
وذلك
يوافق
تمددات
مصطلح
«النص»،
الذي
يعني:
الظهور
والانكشاف(8).
ولعل
هذا
يعلل
ارتباط
النص
الشعري
بالشرح
والتعليق،
وصولاً
إلى
عمليتي
التأويل
والتحليل
وما
يرافقهما
من
فاعليات،
كالتطبيق
الذي
يبحث
في
النصوص
عما
يسند
الافتراضات
النظرية
والقناعات
المنهجية،
والممارسة
النقدية
التي
تُعنى
غالبا
بكشف
المهيمنات
داخل
النص
ومستوياته
المتعددة
وتتكيف
مع
معطيات
النص.
وما
تقود
إليه
المهيمنات
والموجهات
النصية.
ويساعد
في
كشفها
تلاقي
آفاق
القراءة
وآفاق
النص،
وتتحكم
فيها
رؤى
وتصورات
القارئ
الذي
يقوم
بإسقاطها
على
النصوص.
إن
ذلك
يعني
تجاوز
المقترحات
السابقة
التي
رافقت
النصوص
القديمة
وشروحها
وتأويلها
استناداً
إلى
الأخبار
والأحكام
المطلقة
التي
تتحكم
فيها
القيمة
المضمونية
أولاً
ولا
تستند
إلى
بنى
النص
ذاتها
ولا
تعتقد
بوجود
طبقات
غائرة
تحت
بنية
النص
السطحية.
ومن
الطريف
أن
باحثة
أجنبية
تصحح
قراءة
النقاد
القدامى
لنصوص
أبي
تمام،
بهدى
حداثة
تلك
النصوص
وثبات
نظر
المحللين
القدامى؛
فترد
على
الآمدي،
صاحب
«الموازنة»؛
لأنه
اتهم
أبا
تمام
بالجهل
حين
جعل
الخيل
تلوك
الشكيم
في
مكرّ
الحرب،
وهي
عنده
لا
تفعل
ذلك
إلا
واقفة
وليس
في
حومة
الحرب.
فتشير
إلى
ما
فات
الآمدي
من
مجاز
يناظر
فيه
الشاعر
بين
الحرب
التي
تلوك
الخيل
في
الشطر
الأول
وبين
الشكيم
الذي
تلوكه
الخيل.
كما
تدافع،
في
باب
السرقات،
عن
اتهام
الآمدي
لأبي
تمام
بسرقة
مطلع
بائيته
الشهيرة:
«السيف
أصدق
إنباء
منه
الكتب...»
من
قول
الكميت
الأكبر:
«فإنه
محا
السيف
ما
قال
ابن
دارة
أجمعا...»،
منبهةً
إلى
التوسيع
الذي
أجراه
أبو
تمام
للمعنى،
وتطويره
له،
خلال
النص
كله،
بإزاء
شحوب
الأصل
المتهم
به(9).
بالمقابل
ثمة
مقترحات
كثيرة
لضبط
خطوات
التحليل
النصي
وإجراءاته،
كالخطوات
الخمس
التي
يقترحها
جوهانا
ناتالي،
والملخصة
بالوصف،
والتنظيم،
والتأويل،
والتقويم
الجمالي،
واختبار
الصحة؛
ما
يؤشر
إلى
اهتمام
بالموضوع
والتقويم(10).
فيما
يدعو
ريفاتير،
في
«سيميائيات
الشعر»،
إلى
«اكتشاف
الكلمة
أو
الجملة
التي
منها
ولدت،
فالقصيدة
توسع
تلك
المادة
إلى
نص
يتوسطه
نسق»(11).
أما
لوسيان
كولدمان،
ووفق
رؤيته
التكوينية
ذات
المنطلق
الاجتماعي،
فيرى
ضرورة
توفر
ثلاثة
إجراءات،
هي:
إلقاء
الضوء
على
ما
يسميه
«الأنموذج
الدلالي
الكلي
للنص»،
والدراسة
السوسيولوجية
لتكوينه،
وامتداد
هذه
البنية
الدلالية
على
البنية
الكلية
للنص
شكلا
ومحتوى(12).
وذلك
يكشف
رؤية
كولدمان
للنص
كتعبير
دلالي
عن
رؤية
العالم
ومجال
لإظهار
وعي
الكاتب
وتمثيله
لطبقته.
2-2
ولكن
التكتيك
الأكثر
شيوعا
في
التحليلات
النصية،
لاسيما
في
مجال
القصيدة،
هو
تقسيم
النص
إلى
مستويات
مفترضة
تتكفل
القراءة
بكشفها
وتعيين
حدودها
التي
لا
تتحدد
ولا
تتعين
إلا
بفعل
القراءة،
وهي:
المستوى
المعجمي
أو
اللفظي.
المستوى
الصرفي
أو
الصوتي.
المستوى
النحوي
أو
التركيبي.
المستوى
الإيقاعي
أو
الموسيقي.
المستوى
البلاغي
أو
الفني.
المستوى
الدلالي
أو
المعنوي.
المستوى
الخطّي
أو
هيئة
النص
الكتابية.
ونلاحظ
-باستثناء
المستوى
الخطي،
الذي
يسمح
بمعاينة
تشكل
النص
بصريا،
وهيئته
الكتابية
التي
تعد
جزءا
من
موجهاته
وتوزيع
كتلته
التي
تؤلف
شكله
المعروض
للمعاينة-
إغفال
المحللين
على
وفق
تلك
المستويات
الافتراضية
للنصوص
المحايثة
خارجيا،
أي
المتصلة
بالتناص،
ووجود
نصوص
متعلقة
بالنص
المدروس
أسهمت
في
توليد
بؤرته،
وداخليا
بتجاهل
ذلك
التقسيم
النصوص
المصاحبة
للنص
الأصلي
والمتفرعة
عنه،
كالعناوين
والحواشي
والموجهات
الأخرى
التي
عنيت
بدراستها
مناهج
ما
بعد
البنيوية
خاصة
والتي
لخصها
جيرار
جينيت
بالمناص(13).
ولا
شك
في
أن
ما
تقدمه
النصوص
ذاتها
من
مهيمنات
هي
التي
تحدد
التعامل
التحليلي
معها؛
كأن
يكون
النص
خاضعا
لبنية
لغوية،
كلزوميات
المعري،
أو
بلاغية
كنصوص
البديعيين
العباسيين،
أو
دلالية
كالقصائد
السياسية،
أو
تصويرية
فنية
كقصائد
الغزل
والوصف...
لكن
النص
الشعري
الحديث
لا
يمكن
أن
يخضع
لمثل
هذه
الافتراضات؛
نظراً
لما
يقدم
من
رؤى
متشابكة
تلغي
الموضوع
أو
الغرض
الواحد
الذي
يمكن
إدراج
النص
تحته،
وفهرسته
ضمنه،
ومعاينة
لغته
ومستوياته
الأخرى
على
وفقه.
وإذا
كانت
تلك
الإجراءات
المقترحة
تحصر
النصوص
في
أطر
تقليدية
لا
تسمح
بإظهار
التباينات
والخصوصية
النصية،
فإن
الانقياد
لما
تريد
النصوص،
والتكيف
مع
معطياتها،
والبحث
في
آفاقها،
هو
الحل
الأمثل
في
رأينا؛
لأن
التحليل
النصي
ليس
منهجا،
بل
إجراء
يترجم
القناعات
المنهجية
إلى
أدوات
وخطوات
ونتائج،
وهو
فاعلية
تتخذ
من
النص
مناسبة
للتوثق
من
أسس
المنهج،
والكشف
في
الوقت
ذاته
عن
عناصر
شعرية
النص
وتماسكه
البنائي
وما
يخبئ
من
دلالات،
ليمكن
القول
إن
التحليل
النصي
أصبح
ميدانا
لاختبار
مصداقية
المناهج
وفرضياتها
النظرية،
وللجدل
المنهجي
والاختلاف
التابع
للرؤى
والتصورات
عن
القصيدة
والقراءة
معا؛
فيبحث
الأسلوبيون
مثلا
عن
«دليل»،
بينما
يذهب
البنيويون
صوب
«النسيج»،
والتأويليون
باتجاه
«البيّنة»،
ويكون
النص
لدى
المهتمين
بالقراءة
وجماليات
التلقي
فرصة
للتيقن
من
«ميثاق»
القراءة،
وهو
يمثل
«وثيقة»
لدى
المنطلقين
من
المناهج
الخارجية،
التي
تستعين
بما
هو
خارج
النص،
كالتاريخ
والسيرة
والمزاج
النفسي
واستلهام
الواقع
وغير
ذلك.
ونعود
مرة
أخرى
إلى
ما
تمثله
الشبكة
النصية
من
وجود
يدعو
القارئ
للتفاعل،
فنجد
أغلب
المنهجيات
التقليدية
لا
تولي
الموجّهات
والعتبات
شأنا
في
قراءة
النصوص
وتحليلها،
كما
تغفل
عن
تكتلها
الخطي
الذي
بدأ
يسري
إليها
من
التحديث
المجتلب
بتأثير
الفنون
المجاورة
للشعر،
كالسرد
والرسم
والسينما
والمسرح.
وسنرى في
التطبيقات
أثر ذلك
في
تعيين النص
وتحيينه
والتعرف على
مفاصله
البنائية والتفاعل
معه عبر
القراءة.
ونشير
هنا إلى
أن
عملية التحليل
النصي،
والتطبيقات التي
تحتك
بالنصوص وتحتكم
إليها،
تواجه عدة
أسئلة
منهجية، منها
السؤال
عن إمكان
خضوع
النص للتحليل،
وصلاحيته
للتطبيق
دون النظر
إلى
مستواه الفني
وتوفره
على الشروط
المستقرة
في
النوع الشعري،
ومنها
غياب القواعد
النهائية
والشاملة
في
عملية التحليل
كفاعلية
قراءة تقوم
فيها
الذات القارئة
بالتفاعل
مع نص
يخفي -بسبب
طبيعة
الشعر- ذخيرة
فنية
يكون على
القارئ
إنجاز الجانب
الجمالي
منها، وهي
مهمة
تتنوع، بتنوع
القارئ
أولاً، وبسياقات
القراءة
أيضاً، وكذلك
ما
يكتنف عملية
القراءة
من صعوبات
تتسبب
في اختلاف
آفاق
القراءة وآفاق
النص،
أو ما
يُعرف
بآفاق التوقع
الناتجة
عن ذخيرة
القراءة
واستعداد القارئ
وما
يمتلك من
خبرة
قرائية في
النوع
موضع المعاينة
والتحليل.
كما
يندرج في
الصعوبات
ما يحيط
بعملية
القراءة من
محددات
ومحظورات، وما
يمكن أن
تجلبه
القراءة من
كشف لما
يخفيه
النص، أو
تعمل
لغته ورموزه
وشيفراته
على
تغييبه عمداً؛
فتشير
القراءة مثلا
إلى
مضمرات، اعتقادية
أو
أخلاقية أو
سياسية،
يتيح المستوى
الدلالي
للنص اقتراحها.
3-2
إن القول
بأن
التحليل إجراء
وليس
منهجا لا
يعفي
المحلل من
الانطلاق
من رؤية
نظرية
تؤازرها خبرة
بالنوع
الذي تنتمي
إليه
أفراد النصوص،
ومعرفته
المتراكمة بأعرافها
التي
ستفرض أعراف
قراءة
مقابلة، كالبحث
عن آباء
النص
ومؤثراته الممتصة
عبر
التناص، والمتمثلة
بنائيا
داخله والمنصهرة
في
نسيجه، كما
تفترض
حسّا ودربة
في
التقاط نقطة
التماس
مع النص،
وهذه
النقطة تقابل
فنيا
البؤرة التي
يتمركز
حولها النص
ويلتمّ
ظاهرياً، لكنها
تتسع
وتتمدد إلى
أطرافه
قرباً وابتعادا.
إنا نورد
هنا
خططا عامة
قابلة
للتحوير والتعديل
والتوسيع؛
لأنها
حدوس مجردة
ومقترحات،
نرى
أنها، بقدر
تجسيدها
للتصورات النظرية
حول
القصيدة وشعريتها،
تمثل
حوارا ممكنا
مع
النص، لا
يتوقف
عند كشف
جمالياته
الفنية (كما
في
المناهج الانطباعية)
أو
معانيه وموضوعاته
ومراميه (في
المناهج
الخارجية)، بل
نتوخى
إنجاز فعل
قراءة
للنص ذي
محرك
ظاهراتي يعطي
للذات
شأناً كبيراً
في
تشكيل النص
الذي
تنتفي جدوى
وجوده
الموضوعي المستقل
الذي
يفرض على
قارئه
معنى نهائياً
واحداً.
وفي ظننا
أن ذلك
يتحقق
عبر:
- الانتباه
إلى
العتبات النصية
والمداخل
التي
تمثل النص
المحيط.
- البحث
عن
مولّد أو
مركز
بؤري يفترض
القارئ
وجوده ويتابع
انتشاره.
- تعيين
السياق
العام -الكبير-
للنص
وصلته بسياقاته
الصغرى،
وذلك يجعل
القصيدة
واقعة نصية
ذات
وجود خاص،
لكنها
تتنزل عن
واقعات
خارجية تخالفها
وتنزاح
عنها.
- فحص انتظام
مستويات
النص الممكنة،
والتي
تتكامل لإبراز
هوية
النص وصلته
بنوعه
تطابقا ومخالفة.
- الاستعانة
بالأدلة
السيميائية واللسانية،
بافتراض
أن النص
وجود
لغوي إشاري،
كي لا
يكون
التحليل ضربا
من
قراءة غيبية
أو
شبيهة بقراءة
الفنجان
المعتمدة على
رؤى
خيالية لا
يقوم
عليها مستند
أو دليل
نصي.
- توسيع
التناص
ليشمل التناص
النوعي
بين النص
ومثيلاته
في
أنواع أخرى،
لا في
نوعه
الشعري فحسب،
بل عبر
الأجناس
أيضاً.
- معاينة
التكتل
الجسدي للنص
على
المطبوع، سواءً
جاء
بالطرق التقليدية
أم أفاد
من
التفاعلية التي
تتيحها
الممكنات الحديثة
طباعياً
وبصرياً وإلكترونياً.
وننشد
هنا إعادة
الاعتبار
أيضا
لعلامات الترقيم
وما
يضفيه وجودها
على
النص من
سمات
دلالية.
الهوامش
والإحالات
(1)
و(2)
مصطلحات
القراءة
والتلقي
يمكن
مراجعتها
في
كتاب
ايسر: «فعل
القراءة -
نظرية
في
الاستجابة
الجمالية»،
ترجمة:
عبدالوهاب
علوب،
المجلس
الأعلى
للثقافة،
المشروع
القومي
للترجمة،
القاهرة، 2000؛
وفي «نظرية
التلقي»:
روبرت
هولب،
ترجمة:
د.
عز
الدين
إسماعيل،
النادي
الأدبي
الثقافي،
جدة، 1994.
(3)
أمبرتو
إيكو: «تحليل
اللغة
الشعرية» -
ضمنه
كتاب: «في
أصول
الخطاب
النقدي
الجديد»،
ترجمة:
أحمد
المديني،
دار
الشؤون
الثقافية
العامة،
بغداد، 1987،
ص82.
(4)
يتجلى
الاهتمام
بالقارئ
لدى
الجرجاني
في
أكثر
من
موضع
في
كتابيه: «أسرار
البلاغة»،
و«دلائل
الإعجاز».
وقد
درست
مكانة
المتلقي
في
نظرية
الجرجاني
النقدية
في
كتابي «ما
لا
تؤديه
الصفة»،
دار
كتابات،
بيروت، 1993،
ص131
وما
بعدها.
(5)
عبدالحق
بلعابد: «عتبات
-
جيرارجينيت
من
النص
إلى
المتناص»،
الدار
العربية
للعلوم
ومنشورات
الاختلاف،
بيروت-
الجزائر، 2008،
ص67
وما
بعدها.
(6)
و(7)
بشأن
التحليل
وترحيل
المصطلح
من
العلوم
إلى
النقد،
ينظر: «حاتم
الصكر:
ترويض
النص -دراسة
للتحليل
النصي
في
النقد
المعاصر:
منهجيات
وإجراءات»،
الهيئة
المصرية
العامة
للكتاب،
القاهرة،
ط2،
2007،
ص11-12.
(8)
ينظر:
ابن
منظور: «لسان
العرب»،
مادة:
نصّ
وحلَّ.
(9)
سوزان
ستيتكفيتش: «الشعر
والشعرية
في
العصر
العباسي»،
ترجمة
وتقديم:
حسن
البنا
عز
الدين،
المركز
القومي
للترجمة،
القاهرة،
2008.
(10)
عن
حميد
لحمداني: «سحر
الموضوع -
عن
النقد
الموضوعاتي
في
الرواية
والشعر»،
منشورات
دراسات
سال،
الدار
البيضاء، 1990،
ص16.
(11)
ميكائيل
ريفاتير: «سيميائيات
الشعر»،
ترجمة:
محمد
منقذ،
مجلة
«شؤون
أدبية»،
الشارقة (الإمارات)،
العدد (3)،
صيف 1987،
ص315.
(12)
لوسيان
كولدمان: «المادية
الجدلية
وتاريخ
الأدب»،
ترجمة:
محمد
برادة -
ضمن
كتاب: «البنيوية
التكوينية
والنقد
الأدبي»،
مؤسسة
الأبحاث
الجامعية،
بيروت، 1984،
ص24.
(13)
عتبات،
سابق،
ص43.
|