حديقة
الأنقاض
(قصائد مختارة)
إبراهيم
الجرادي
لستُ محظوظاً لكيْ أغفوْ على وتَرٍ ونايْ
(1)
أنَّةُ الصوتِ التي أدركتُها في الذئبِ
قادتني
إلى ما يجعلُ الذئبَ صديقي
وتَرَفَّقْتُ كثيراً
بالذي غادرني «سَهْواً»
وأهداني أسايْ
لستُ محظوظاً لكيْ أغفو على وَتَرٍ ونايْ.
(2)
لستُ محظوظاً لأنّيْ
كلّما أسْلَمْتُ أسراري لأهلي ساءَ ظني
غادروني
قبلَ ميعادِ الأسى واستدركوني
بالعذاباتِ
وصوتُ اللهِ فيَّ
كلما ملَّحَني الدَمعُ وفاضتْ في عيوني
شهوةُ التابوتِ
أهلي اسْتَعْذَبوني
وأنا
أمشي
إلى
نعشي
وتتبعني خُطايْ
لست محظوظاً لكي أغفو على وترٍ ونايْ.
(3)
لست محظوظاً
لأن الشعرَ غادرني وخلفني وحيدا
في عَرَاءِ النثرِ
واستدركَ ضَعفي
قلت: فلأوقظهُ مِنْ غفوةٍ كي يصطفيني
غير أن اليأس عاودني
وبَدَّدَني يقيني:
كلما أغلقتُ باباً
فتَّحتْ لي صحوةُ المُرْتابِ أبواباً وبابا:
كان يُفضي ليقينٍ خاسرٍ
فيما أسايْ
يتملاني كـ»طير
السَعْدِ» من عليائِهِ
شَزَراً
ويعطيني شقايْ
لستُ محظوظاً لكي أغفو على وترٍ ونايْ.
(4)
لستُ محظوظاً لأن الصمتَ أجهدني
وفي روحي ضجيجْ
كلُّ من حوليَ يدعوني لأرخي
خِصلة الخوفِ على عَيْني
فلا أبصِرُ شيا
من خرابٍ عامرٍ كالموتِ: مملوكٍ ومَالكْ
كلما أدركتُ هذا السرَّ
فَصَّلَني على قدِّ الخرابْ
صاحبُ السطوةِ: مملوكٌ وبايْ
لستُ محظوظاً لكي أغفو على وترٍ ونايْ.
(5)
لستُ محظوظاً
لأنَّ الحظَّ لم يسعَ إليّ
في ليالي التيهِ
أو أسعى إليهْ
كلّما حاول أنْ يدركَني غافلتُهُ
كلّما
حاولتُ
أنْ
أدركَهُ
غافلني
في زمانِ اليأسِ واستعصى عليّ.
عندما زيَّنَ في (الغايات) ما أكرهُهُ
عِفْتُهُ كالكلب مأفوناً وما نالَ رضايْ
لستُ محظوظاً لكي أغفو على وترٍ ونايْ.
(6)
لستُ محظوظاً
فلا ظِلٌّ ولا ماءٌ لديْ
في بلادِ القَحْطِ
لا قلبٌ ولا عينٌ عليّ
بَدَداً صيّرني الوقتُ
وقلبي مُسْتَباحْ
وأنا حقلٌ من الشيحِ
ستسفوهُ الرياحْ
وأنا أحمل ميراثي
وميراثي دمايْ
لستُ محظوظاً لكي أغفوْ على وترٍ ونايْ.
(7)
لستُ محظوظاً
لأن الجمرةَ الكانت تُضيءُ العَتْمَ
فيَّ
لم تعدْ تأتي إليَّ
لم تعدْ ظِلاً
ولا ماءً
ولا خبزاً وَفَيَّا
لم يعدْ رأسيَ يغفو
بين نهدينِ على جَمْرٍ وماءْ
شاختِ الأعضاء
شاخَ القلبُ
شاخَ الرأسُ
أرْخَتْ نفسها الأشياء
وأنا أُمسيْ إلى رَمْسي
وتسبقني عصايْ
لستُ محظوظاً لكي أغفوْ على وترٍ ونايْ.
من يوزنُ الرعدَ صخَّاباً
ومُضطَربا؟
(إلى الشاعر الكبير الصديق حسن الشرفي، هامش ودٍّ
على اشتراطاته الشعرية في الوزن والقافية... إلخ)
قلبي، هنا، مِثْلُ خطِّ الضوءِ مُنْسَكِبٌ
يمشي إلى النارِ فيما تبـتغي حـطـبَا
كأنَّهُ مِن شفــيفِ الظـلِّ مُنْـسَربٌ
إذا اقـتربـتَ إلى أطـرافِـهِ هـربــا
غــادرتُـهُ مُدْنَـفــاً
في نـارِ محنــتِهِ
مـاءً ينـزُّ على الشـطَّـين مـا وهِبا
رأيتُهُ مذْ أرى وجْــداً يبـعـثرنـي
في خيــبةِ النـظم منهوباً ومُنتَهَبا
رتـقتُ روحــي بأوهـامٍ مُكـسّرةٍ
مـثل الهشـيمِ إذا أوقـدتَهُ التـهبا
غسـلــتُ صــوتي بمــاءِ الضـدِّ
فـــــــــاغـــــــــــــتسـلتْبهِ الخلائــقُ بودلــيــراً ومنتجبا
يا
شاعرَ
الوزنِ
قلبي ليس يوزنني!
بكلِّ فوضاهُ كي لا يــسمعِ العَجَـبا
بأن شاعــره الــيأســانَ عــــادَ إلى
شدِّ القـــيودِ إلى صـدغيهِ مُنْتَحِــبا!
(طالبتنا) بقـيودٍ ضــاعَ حــاملُــها
من يرغبِ القيدَ عبداً صارَ مُسْتَلبا
(عاتَبتنا) بكــلامٍ ضــاعَ مَقْــصَدُهُ
هذا عتابُ الذي قد يعرفُ السببا!!
انظُرْ إلى الشعرِ
لو حالي شكتْ
لبكتْ
مما يقولون كذْباً (صادقاً!!!) ذَرِبا
ما وفروا حاكماً في فيضِ نعمتِهِ
يرتّبونَ له الأوصافَ والرُتبا
يُجيّشيون الأكاذيبَ التي هتلتْ
بالشعرِ ما صدقوا عُرباً ولا عَرَبا
الشِعُر زيفٌ وأوزانٌ وأقفيةٌ
إن كرّسَ اللغوَ مداحاً به طَرِبا
والشِعُر قديسةٌ في الروحِ نائِمةٌ
ما مسّها عاشقٌ في الحلم إن كَذَبا
أهشُّ غيمي إلى أرضٍ بها عطشٌ
كي أمنحَ الأرضَ دمعاً فائراً لَجبا
أهندِّسُ الليلَ كي أمحوْ بظلمته
هذا البياضَ الأليفَ الباهتَ الخَرِبا
أنا السهوبُ وأحزاني خلائِقُها
آتي إلى الخِصب مغسولاً به تعبا
لا تلمس الجرحَ، أشعارُ الفتى دُمهُ
واحذرْ من الدم جياشاً ومُرتقبا
أقيِّدُ
الرعدَ
بالأوزانِ، كيف إذنْ
أَهِلُّ ماءً فُراتاً بارداً حَببا؟
سأتركُ الصوتَ يَسْري في مسارِبهِ
نهراً ويحفرُ مجراهُ الذي سَرَبا
أنا الطليقُ وحيداً في مفازتِهِ
مثل الغزال إذا بادرتَهُ وثبا
آناً يحثُّ الخطا في غيِّ زهوتِهِ
وتارة راكضاً في عطرِهِ خببا
لا أبتغي، أبداً، قيداً ليأسرني
لو جاءني جوهراً أو جاءني ذهبا
تريدني صانعَ الأغلال في لُغةٍ
وأهلهُا السجنُ والسجانُ، واعجبا!
أشكو إليكَ القوافي في تَصَيُّرها
تاهت بعيداً وما قلتُ الذي وجبا
شعري
أنا
مِثلُ
خطِّ
النار
مُنْفَلِتٌ
يمشي إلى الرعدِ فيما تبتغي صخبا!
... ويركعُ قلبي على ركبتيه
(إلى محمد الثاني الجرادي، الوريث الشرعي لتركةٍ مُثقلةٍ بالحنين)
لأنَّكَ أجملُ مما كتبتْ
وتُعطي القصيدةَ أسبابَها
تركتُ القصائدَ تسعى إليكْ
لتفتحَ للروحِ أبوابَها
سيغلقُ قلبي عليكَ يديهْ
وتغمضُ عيناي أهدابَها
وتَحْزَنُ حتى عذارى الصخور
إذا عرتِ الريحُ أثوابَها
فكيفَ
بقلبي
المُعنّى
الشغوف
إذا غادرَ الروحَ أحبابُها؟!
كأنَّ المدى واسعٌ في يديك
وأوسعُ من بابهِ بابها
إذا غبتَ عني تَجيءُ الظنونُ
وروحي تئنُّ ومحرابُها
ويركعُ
قلبي
على
ركبَتيْه
ويبكي القصيدةَ أترابُها
تعالَ فقد ضَنَّ قلبي عليّ
وغابَ عن الكأسِ شُرّابُها
تعالَ
وحررْ
طيورَ
الحنينِ
لترحلَ في الشعرِ أسرابُها.
صـنعـاء
(إلى صديقها: الدكتور أحمد الربعي،
صوتاً صارخاً في بريّة الهفوات. مع التمنيات بأن تصح، لتضحك، وتحتج، وتكتب...)
وتجيءُ
أنثى
الشِعرِ
منْ
وأصيحُ:
يا
ذئبَ
الغوايةِ
خلّني
أرِقاً
فهلْ يتأرقُ اليقظانُ؟
فأُجَنُّ
مِنْ ولهي
وأركضُ
هائماً
وأنا الضَليلُ وفي دمي بُهْتَانُ
أغزالةٌ
والخِشفُ
يشبهُ عطرَهُ
والشوقُ مُزنٌ والهوى هتّانُ
أنا
شاعِرُ
الحُمّى
وأقصدُ
يقظتي
يمشي إلى أَرَقٍ لها الهيمانُ
أنا
حَيْرةُ
الأشياءِ
ليسَ
قصيدتي
نهراً وليس لسرِّها شطآنُ
سأقومُ
مِنْ
يأسِ
القصيدة
شاهـــــــــــــــــِراً قلبــــــــــي فيورقُ في دمي الإنسانُ
سوريانا- حديقة
الأنقاض
(إلى
ذكرى محمد حسين هيثم، صاحب «فانتازيا شعبية»)
إذا كانَ لا بدَّ لي أنْ أموتَ
سأولدُ
ثانيةً
منكِ
أو من هواءٍ مريضٍ
ومنْ نُطْفَةٍ يتلوثُ فيها الغبارُ
فليس لنا مِنْ خطاياكِ
غيرُ الأنينِ
وبَعْدَكَ لما تزلْ شهوتي
تسْتَعِدُّ لموسمها بالحنينِ
وتندبُ
حظاً
سيجثو على ركبتيهِ
يُحيِّي أميرَ الغبار الذي يدخل، الآنَ،
قائمةَ
الخالدين!
أيها
الناقدُ يا
للرخاوةِ!
المُسْتَبدُّ! مَنْ
جمَّلَ النوم فيها:
انتبه! حفيفٌ شغوفٌ
انتبه هسيسٌ
قبل أن تبتدي رسيسٌ
بالنشيج- النشيدْ سريرٌ
انتبه! صَريرٌ
يا خصيَّ نساءٌ على راحة الكفِّ
المرامي أغنيةٌ
في الفراشِ
انتبه! تئنُّ
كما
أنَّ في الليلِ
كلبٌ
شريدٌ
بلادٌ
يصوغ
العذابَ بها سيّدٌ
فاتِنٌ
مِثلَ
رغبتنا بالقصيَدةْ!
يا
لهذي
المكيدةْ!
سألتقطُ، الآنَ، روحيَ من شارعٍ يتساقطُ فيه الخريفُ
أنا
ذلك
الغُصنُ
في شجرٍ يائسٍ كالغريبِ
مريضُ
الريادةِ
أكتب في لغةٍ لم أجدْ مثلَهَا في كتاب المراثي:
قتلى
ينامون أحياءَ
في مُدُنٍ كالأسيد.
أيها الناقدُ المتشققُ كالطينِ
قلت: انتبهْ!
انتبهْ يا خصيَّ المرامي
انتبه!
لست وحدي هنا
أنا أشبه القيظَ أو بعضَهُ
أشبه النائمَ، الآنَ، يعدّونَ
أصواتهم لشوارعَ
في سيْره ِ ليس بها من
رباط
أشبه الوطنَ المُسْتَريبَ سوى هدأةٍ مِن سياط
المريبَ وأنتِ
الذي يصنع، الآنَ على بُعْدِ مترينِ من شهوتي أسماله
بيديه!! أو يزيدْ!!
ثيابُكِ مرميّةٌ في سريرِ الخصيِّ
الذي
لم
يجدْ غيرَ فخذينِ مرتخيينِ
على
تِكةٍ
مِنْ
هباءْ!
والنساءْ؟
النساءُ النساءُ النساءْ
يُزرزرن أزواجهن، هنا، كالسروايلِ
يَنْسجنَ صوفَ
الغوايةِ
من رنَّةٍ وعويلْ
والدليلُ...؟
قصائدنا!!
قصائدنا مثلُ قرائها:
يريدون أرضاً توزعُ فيها المظالـمُ شورى
ويختارُ كلٌّ جريرتهُ
والنوايا
النوايا النوايا النوايا
النوايا النوايا
النوايا
كأنَّ النوايا تُرَقّعُ هذا المكانَ
بما لا يرقع ثوبٌ لعاريةٍ
أو
وشاحٌ
لأمِّ الشهيدْ!
لنمضِ، إذنْ
لنمضِ، إذنْ، يا رفاقَ المتاهةِ
نمضي إلى حكمةٍ في ضواحي المجاز
لنرسمَ
شمساً
أفولاً
تغيبُ كأرملةٍ في الزقاق البعيدِ
هنا، حيثُ لا شيءَ يُعطي الفتى المدلهمَّ فصاحته..
اصعدْ واحزم
مراميك
إذنْ حيث
القصائدُ
إلى جبلِ الصمت مُسْتَرْفداً تعوي
على أهلها كالكلابْ
بقليل من الخبز والماءِ
ولتحتفِ بالعراءِ أميناً
على سرِّ أحفادك الميتين
الكلابُ
وأشباهها
والذئاب
تقدَّمْ إلى قِلةٍ ليس يسْندها غير ذئبٍ بها
فعما قليلٍ سيمضي الندامى
إلى آخرِ الندمِ المرِّ/ أبناءُ عمٍّ يجيئون سَبْعاً سِباعاً
ويمشون مثلَ المسيحِ على الماءِ
لا ريحَ
تنفخُ
في
نارهم
يا إلهي!
أيزهونَ خمساً سِباعاً
يعودونَ مبتهجينَ بأسماءِ آبائهم
والهباءُ يضيءُ المكان
ويرفعُ عن كاهلي عبءَ أوصافهم
سوف الحنين بسطوته
سوف
يأتي
الحنينْ
سوف يأتي الحنين إلى ما يخلي الحنينَ
وصياً على نفسهِ
سوف يأتي الحنينْ.
سوف يأتي الخرابُ إلى حيثُ لا رأفةً بأحدْ.
سوف يأتي الخرابْ
سوف تأتي الضغينةُ
تصطك أسنانها كالمِقص
سوف تأتي الضغينةْ
سوف يأتي كما ضربةِ الماءِ دمٌ
ويغوي المعاني ذُعْرٌ طويلْ
وثمَّةَ وعدٌ بعيدٌ
سيخطف كالرعدِ أبصارنا
ثم يسري بنا
نحو ليلٍ على قدِّ أصفادنا.
وثمّةَ مرثيةٌ
ورفاقٌ طريُّونَ مِثل العجين.
وثمّةَ مَنْ ستتدلى رغائبُهُ رخوةً مثل أعضائهِ
وثمّةَ من سيهّيئ أخشابَهُ لسعيرٍ أخيرٍ
هنا
حيثُ
تطلقُ
أصواتَها
-كالطيور-
المآتمْ.
القصائدُ تبكي
ستبكي القصائدْ.
المنازلُ تبكي على أهلها
سوف تبكي المنازل.
النوافذ تبكي
ستبكي النوافذْ
توشِّحُ أخشابها بحفيفٍ خفيفٍ
يئنُّ
كما أنَّ في الريح صوتُ الذئابْ.
الجوامعُ تبكي
المدارسُ تبكي
قبابُ المآذنِ
بيتُ المسيحِ
كنائسُ أحفادِهِ
والصليبْ.
ومن شُرفةٍ في أعالي المجازِ
تصيح القصيدةُ بي
وأصيحُ بها:
سنعرف هذا الفتى من صفات ذويهِ
ومن ورقٍ أصفَرٍ يانعٍ في يديه
أعدني، إذنْ، يا مجازُ
أعدني إلى ماءِ روحي
أعدني إلى يقظتي يا قريبُ وسرْ بي
إلى ما يخلي الزنازين مفتوحةً للهواء، الزنازينُ
تَكْثُرُ في يرقاتِ المكانِ.
الحكيمُ سيمضي إلى بيتهِ
في مساكنَ خاليةٍ
من
بنيها
يُرتّبُ
حكمتهُ
ويؤنث في غُرَفٍ للكآبةِ سرَّ الوصايا التي لم تكنْ غير أسرارهِ:
(1) لا تخنْ!
(2) لا تسافر في الظنِّ!
(3) لا تتّقِ
نارَ
موقدةٍ في هجير الجسدْ!
(4) لا تنمْ في العراءِ
وحيداً!
ولا تدّعِ يقظةَ الأتقياءْ!
(5) لا تغبْ في المسافةِ مثل
الدخانْ!
(6) لا تغبْ في الزمانْ!
(7) (8) (9) (10) لا تصدق خؤوناً إذا (عدَّلَ الوضعَ)،
واستطيَبَ، الآنَ،
طعمَ الخيانةِ ثانيةً!
فاللغاتْ
(10) (99) (100) صفاتٌ تُكَشِّرُ
أنيابها كالذئابْ
وأيامنا،
مثل أشعارنا، حطبٌ
وأرواحنا
كالمواقدِ
مطفأةٌ بالهبابْ.
من حقنا، الآنَ، أن نستعيرَ، إذنْ
زماناً
ليمضي بنا حيث تمضي الظنونْ
فليس لنا في الوصيةِ
ماءٌ
ولا وردةٌ بين فخـذينِ قد هيّأت نفسها لقطافٍ حنونْ.
أبناءُ عمٍّ يجيئون سَبْعاً سباعاً
يعودونَ خمساً سباعاً
وفي اليمِّ متسعٌ كي نغادرَ أرضاً
بكتْ
في الزمان عليهم
ولم
تبكِ يوماً علينا.
أعِنِّي، إلهي، عليهم
أعنّي أعنّي
أعنْ خمسةً صاخبين
كيومِ الغديرِ
أعنْ شاعراً
صار يرفو العذوبةَ
بالعسلِ المرِّ
يرنو إلى طفلة اليأسِ
حانيةً
بيدينِ
تُخيطان وقتين:
وقتاً أصمَّ وأبكمْ
ووقتاً كأفعى ومبغى.
تخيلتُ وقتاً يُعيدُ إلى الناسِ أرواحهم لم أجدْ.
لم أجدْ في البلاد سوى ما يُذِلُّ العبادْ.
لم أجدْ
في العبادِ
سوى ما يذلُّ
البلادْ.
كأني أصطاد ضوءاً بماءٍ يفيض عليَّ أسيداً
كأني وريثُ الأغاني الجريحة، أمضي إلى صمت أيامي المستريبةِ
أمضي
كأنَّ الذي كان يمشي إليَّ سواي!
كأنّ أميرَ العذابِ له وحَدَه الحقُّ أن يصطفي عبده كي يراه!
كأني وحديَ أمضي إلى شهقةٍ في الأنين الطويلْ
أم
أنني
آخرُ الشعراءِ الذين مضوا نحو أسمائهم
وقد بدّلوا خبزهم بالغياب، ارتدوا صرخةً للمغيب، هنا،
حيثُ مرَّتْ على لغتي نكهةُ الناي حشرجةً وأنينا:
أُعِدُّ
لمائدةِ الوقتِ روحي، ردائي،
وأعضاءَ حنجرتي
ويتامايَ
أعدُّ لها ما استطعتُ:
كتاباً وأسماءَ قتلى، وقافلةً من حنينْ،
أرتّبُ من فتنةِ الوقتِ وقتاً كسيراً لخائبةٍ ورجاء.
ومن فائضِ الكلماتِ تحوكُ القصيدةُ
ما يَـتـَـيَسَّـرُ من سرها للعزاء:
وردةً –مثل ساقينِ- مفتوحةً للغريبِ
ومرصوفةً مثل حاشيتين:
واحدةً للخرابِ
وأخرى كذلك منذورةً للخراب!
من مواليد
سورية، 1951. شاعر ومترجم شعر، يقيم في صنعاء، أستاذ للأدب المقارن والحديث في
جامعتها. من أعماله الشعرية:
قصائد
صديقة - دراسة وتقديم 1980، أجزاء إبراهيم الجرادي -
قصائد وهموم 1981، رجل يستحم بامرأة - نصوص تشكيلية 1983، شهوة الضد - قصائد 1985،
موكبٌ من رذاذ المودة والشبهات - ريبورتاجات شعرية (بالاشتراك) 1986، أوجاع رسول حمزاتوف - ترجمة وتقديم 1988، عويل الحواس - ريبورتاجات شعرية
1985، دعِ الموتى يدفنون موتاهم - شعر، 2007، وغيرها.