متابعات
غونتر
غراس يروي سيرته الذاتية
()
بقلم: علـــي يحيـــى منصــور
قرأ الناس في ألمانيا أخيراً الجزء
الأول من سيرة غونتر غراس الذاتية في كتاب نُشرَ في الربع الأخير من عام 2006.
وتمتد الفترة التي يسرد فيها سيرته من طفولته (ولد في عام 1927) حتى ظهور
روايته "طبل الصفيح" في عام 1959. ويضم الكتاب 480 صفحة، قامت دار شتايدل
بنشرها. هبّت بعد ذلك بفترة وجيزة عاصفة مجنونة، شتماً وثناءً ولعنة ومديحاً،
وتوالت تعليقات غاضبة للشاتمين والأعداء (وغراس له رصيد كبير من أمثالهم)،
وقابلتها أصوات داعمة، بل فخورة بغراس، الكاتب الأعجوبة والإنسان الكبير.
يقول
غراس إنه بحث طويلاًً عن شكل مناسب لسرد ما سرد، وكان ذلك أصعب شيء في الأمر
كله. وحالفه الحظ أخيراً في العثور على العنوان: "أثناء تقشير البصل". الراوي
يسرد أحداث حياته الحافلة بما يستحق الذكر، كمن يقشر بصلة، ويجد الأحداث في
طياتها، طية بعد طية. وهذا أسلوب يستحق الثناء، ولعله مبتكر في دنيا الكتابة.
يصرح المؤلف، في تعليق له على الكتاب:
“الحقيقة
الثابتة هي أن ذكرياتنا، أو ما نرويه عن أنفسنا، قد يكون خداعاً، بل إنه غالباً
ما يكون كذلك... يحاول معظم كتاب السير الذاتية أن يعظوا القراء وأن يبينوا لهم
أن حدثاً ما جرى هكذا، وليس على صورة أخرى. أردت أن أصّور الأمر بصراحة أكثر.
ومن هنا برزت أهمية الشكل والإطار الضروريين لضم الأحداث".
ويؤكد
غراس أنه لم يكن يهدف إلى مجرد وصف ماضيه في فترة صباه أثناء الحرب العالمية
الثانية، بل أراد أن يروي ذكرياته عن تلك الفترة، وذلك هو شأنه: سرد القصص.
وجواباً على سؤال طرح عليه، بعد نشر سيرته، عن سبب إخفائه أمر انتمائه، في آخر
أشهرُ الحرب العالمية الثانية، إلى فرق الحماية (SS)، يقول الكاتب النوبلي، كان
إخفاء الأمر يضايقني لسكوتي كل هذه السنين. وهذا دفعني إلى كشف ذلك الأمر في
كتابي الجديد. نعم، كان عليّ أن أكشف الأمر نهائياً... وكان الدافع ذاتياً لوضع
حد لذلك العيب؛ نعم، كنت مقاتلاً في فرقة الـ(SS)، وليس جندياً للخدمات في
القوة الجوية، كما أعلنت سابقاً. وكتمت السر حتى عام 2006".
أثارت اعترافات غراس عاصفة من ردود الفعل في ألمانيا، كما في أماكن أخرى من
العالم. لكن المراقبين لم يجدوا تعليلاً مقنعاً لتلك العاصفة. حتى غراس نفسه
يترك قارئ السيرة لوحده، ولا يعينه على فهم الأمر بصورة مرضية. أما قول غراس
بإنه لم يكتب هذه السيرة إلا بعد صراع نفسي حاد، ولا يدري إن كان كشفُ تلك
الأسرار سيقود إلى الخلاص أم لا، فالمسألة في نظره ليست مسألة أخلاقية، بل إنها
مسألة جمالية. إن كتاب السيرة هذا يتسم بمصداقية فنية بامتياز. إن "أثناء تقشير
البصل" ليست بسيرة ذاتية بل "رواية عن حياة غونتر غراس". وتعد هذه الرواية أكبر
وأهم عمل من أعماله الأدبية منذ "ثلاثية دانتسيغ" المنشور تباعاً من 1959 حتى
1962. ودأب غراس بإصرار، عبر استخدام مجاز البصل والكهرمان، على القول إن
الذكريات خادعة. يقول غراس: "المجازان يحملان في طياتهما المكر والخداع. وهما
مبهمان. فالبصل لا لُب له، ولا يبقى منه سوى القشور الجافة فوق طاولة المطبخ،
موضوعة الفناء. وهي لا تختلف عن حجر الكهرمان، الذي يعدنا بالخلود، ولكنه يأخذ
الحياة ثمناً لذلك. الكهرمان نود التأكد لحظة الموت". لا يتهرب غراس من
الذكريات، ولا يحاول تجميلها بأي حال من الأحوال. لذا فإنه عالج، في كتابه،
الذنب والحياء والكتمان، باختصار نسبي واضح. بينما تحتل الذكريات الجوهرية، مثل
الخوف والجوع والحرمان، مكاناً أوسع في الكتاب، ويطلق لها المؤلف العنان بأسلوب
من ضاق صدره وسبر أغوار النفس. ويذهب غراس إلى القول بانعدام الحدود الواضحة
بين الحقيقة والخيال في أي سيرة أخرى. إن غراس في سرد ذكرياته يخرج مسرحية
أخلاقية، يظهر فيها بدورين: دور الـ"أنا" التجريبية ودور الـ"أنا" الشاعرية،
دور التابع المحاكي ودور المحلل، مذنباً ومخلصاً للذات عبر سلطان الكتابة
الأدبية، وعاملاً محفزاً عبر العمل الأدبي في معالجة فترة خدمته في فرقة الـ(SS)،
التي أثارت كل هذا اللغط في أرجاء الدنيا كلها. نصفه مفعم بالصفات وبالكثير من
المقاطع المبتذلة. أما توظيف المجاز فموجود في كل صفحة تقريباً. لكن ذلك لم
يدخل في أعماق حياة الكاتب بما يشبع فضول القراء. ولم تهدأ العاصفة على صفحات
الجرائد و الإذاعات و التلفزة، إلاّ في سبتمبر 2006. حتى أن الناقد كورت كستر
تحدث عن "معركة حول الشاعر الكبير"، شارك فيها كثير من الفنانين والمثقفين من
بلدان عديدة، بينهم كتاب زملاء لغراس، وآخرون من حملة جوائز السلام ونوبل.
يقول
الناقد شتيفان راينكي: "الانتماء إلى فرق الـ(SS) تعني السكوت عن الذنوب،
وإخفاء الكبائر. ففي مثل هذا المعيار الأخلاقي، تتلاشى الوقائع الدامغة وكذلك
الغامضة. إن غراس يخرق معاييره بنفسه، فهو قد كذب، ببساطة وهذا واقع لا شك
فيه". ويذهب الناقد كريستان زيملر إلى "أن التحاق الصبي غراس، وهو في السابعة
عشرة من عمره، بتنظيم إجرامي، وكتمان الأمر، يدل على أن غراس كان يخاف أن تنبذه
الأوساط اليسارية". لقد التزم الفاتيكان الصمت. وكذلك الناقد مارسيل رايش
رانيتسكي. ولم يصدر عن الكنيسة الكاثوليكية شيء، لا سلباً ولا إيجاباً. واكتفى
الناقد رانيتسكي بالقول: "لا أجد نفسي مجبراً على التعليق". ويعتبر الناقد
غوستاف زايبت، سلوك غراس حماقة، ولا يرى أي أمل في ظهور الحقيقة. ويقول توماس
شتاينفيلد: "تحول الأدب على يد غراس إلى رمز سياسي وتاريخي معاصر، حتى أصبح هذا
المؤلف في النهاية مرادفاً لكلمة ألمانيا". أما الناقد غيريت بارتلس فله رأي
مغاير؛ "علينا أن نعيد النظر في أعمال وتأثير غونتر غراس، على ضوء هذه الخلفية
الجديدة المتمثلة باعترافه، ونجري تقييماً جديداً لنتاجه الأدبي، وخاصة: ثلاثية
دانتسيغ". ويدافع الناقد تيلمان كراوزه عن غراس قائلاً: "لا الانتماء إلى الإس
إس ولا إخفاء ذلك السر لستين سنة، يمكن أن يؤثر على هذا الكاتب القدير". ويؤكد
كراوزه أن غراس إنما يحاكي نموذجاً كلاسيكياً (نموذج المؤلف في شبابه) حينما
يسرد كل تلك الاعترافات. وما علينا سوى إبداء الاحترام لهذا الكاتب، لأنه طرح
كل أحداث حياته دون تجميل أو تزويق، بأسلوب أدبي شيق لا ينقصه الخيال. ويبالغ
الناقد كلاوس هاربرشت ويقول: "نحن ننتظر وصول تسونامي حقيقي من الاعترافات
والوشايات، والشعور بالذنب والألم، مما يهدد بإغراقنا، بعد كشف فضيحة غراس".
لقد تعالت أصوات البعض، الداعية إلى استرجاع جائزة نوبل من غراس والتي حصل
عليها عام 1999. وسعى غراس في خضم الحملات الصحفية الشعواء إلى أن يؤكد للملأ
أنه كان دوماً يريد تصحيح ذلك الخطأ الذي اقترفه في شبابه المبكر، وأنه لا يعرف
سبباً لذلك. لكن عارفي روايات غراس يكتشفون بعض الإشارات التي وردت في روايته
"سنوات الكلاب"، وبالتحديد في النصف الثاني من هذه الرواية، عن رسائل غرامية
كتبها أحد أبطال الرواية إلى ابنة عم له، اسمها تولا، فيها ما يوحي بعلاقته
بفرقة الـ"الإس. أس" تلك الرواية التي نشرت في العام 1962. وهذا سيحمل الكثير
من القراء والنقاد على إعادة النظر في تقييم الأدب "الغراسي". وبهذا الصدد
يتوقع أن يستطيع كتاب سيرة غراس الخلاص نهائياً من تلك الفضيحة التي أثارتها
حكاية الـ"الإس. إس" ويلتفت الأعداء إلى ما أنجزه الكاتب الكبير من روايات
رائعة أغنت الأدب الألماني الحديث. ويرى الناقد إنغو أرنت، أن اعتراف غراس
المتأخر قد أثر سلباً على سمعة الثقافة الألمانية. ويستطرد الناقد مشيراً إلى
أن غراس طالما أشار إلى ذنب الألمان الجماعي في أهوال الحرب العالمية الثانية.
وتلك حقيقة تخفف من وطأة النقد المجنون الموجه إليه. وعودة إلى مجاز البصل الذي
استطاع غراس عبره أن يؤكد هشاشة قدرة الذاكرة. وقد آن أوان أن تلتفت
الأكاديميات إلى دراسة شاعرية الذاكرة عند غراس، فهي تنبئ الدارسين بالكثير عن
فعالية ذاكرته. ويدعو الناقد كلاوس هاربرشت إلى رمي تلك التعليقات والمداخلات،
البالغ عددها ألفاً وثلاثمائة، في سلة المهملات. ويتساءل: "هل تجاوزنا الأمر،
أم بَعُدَ؟". لقد تباينت التعليقات والمداخلات بحق فضيحة الـ"الإس. إس" بين
داعٍ إلى التفهم وداعٍ إلى سحب جائزة نوبل من غراس، كما سبق. وفي المقابل فإن
غراس أبدى تفهماً صادقاً لانتقادات المنفعلين، في كثير من المقابلات
التلفزيونية، أمام الملايين من المشاهدين. وبعد نقاش ساخن مع غراس، قال الناقد
أولرش فيكرت: "إن غراس ما زال مقيداً، وأن ما اعترف به في كتابه لا يمثل مجموع
ما يخفيه، وأن الكثير ما زال محفوظاً في كبسولة ذاكرته". وتؤيده في ذلك الناقدة
إينا هارتفغ، وتزيد على ذلك أن "العار الذي يدعي غراس أنه يشعر به جراء
الفضيحة، لا يتماشى مع ما يوحي به كلامه حول براءته". أَدْلت مجلة "دير شبيغل"
بدلوها في مناقشة هذه القضية، وأفردت عدداً يحمل على الصفحة الأولى صورة غراس،
قائلة: "ما هي الأحداث التي خاضها غراس أثناء خدمته في فرقة الإس إس حقاً وهو
لا يتذكرها بدقة؟ إن استعراضه لها مفعم بالغموض، وكيف يمكن تقييم آراء الآخرين
نحوها؟ لقد أساء غراس، الإله الأدبي، إلى كثير من الناس، وخاصة إلى كاتب سيرته،
ميشئيل يورغس.
ما
زال غراس يرُّد بعبارات ضبابية، وإشارات، دون ذكر الأسماء ولا التواريخ التي قد
تساعد على حل الرموز الواردة في مذكراته. فهو ينطلق بقرائه إلى بصلة يقشرها
ويتمادى في تقشيرها، ويخدع قراءه، لأنهم لا يعثرون في النهاية على أي لب".
وتنبري الناقدة إينا هارتفغ، في مقالها لسيرة غراس، بعنف وتقول: "يصارع غراس
نفسه، لا لكي يعترف بعاره، بل لمصارعة حكايته الذاتية. ويحاول التوفيق بين
التعتيم والعذاب ووخز الضمير، لكن دون جدوى". ولا يسعنا هنا إلا الإشادة
بمصداقية سرده لسيرته الذاتية. ينتفض غراس أمام كل تلك الهجمات في الإذاعة
والصحف والحوارات التلفزيونية على عادته صلداً، ثابتاً، متصدياً. هذه المرة مع
محرر إذاعة شمال ألمانيا شتيفان لور، ويقول: "كانت فكرة الاعتراف حاضرة في ذهني
على فترات، كانت موجودة، وحينما عثرت أخيراً على الإطار المناسب لسرد سيرتي،
وجدتُني مستعداً لكشف الأمر جاء الدافع من داخلي، وأجبرت نفسي على نشر الحكاية.
سأستمر على الكلام بصفتي كاتباً وبصفتي مواطناً، ولن أتراجع عن آرائي السياسية.
لقد كان طريقي إلى الحقيقة أدبياً، وليس نتيجة لدوافع أخلاقية".
ويذهب نقاد آخرون إلى أن غراس الكاتب قد حشر نفسه في قوقعته الشعرية، وليس لديه
أي جواب شافٍ على التحاقه بفرقة الـ"الإس. إس"، ولا لماذا هذا السكوت الطويل
على الأمر. يتساءل الناقد روبرشت سكازار فايس: "هل كان ما سرده غراس في سيرته
إقراراً أم اعترافاً دنيوياً؟ أية كلمة هي الأصلح للجواب؟ أم أن كل هذه الكلمات
قابلة للتداخل والتعويض؟ إن كل كلمة من هذه الكلمات لها أطيافها المتباينة،
وغراس لم يكن يوماً ما يكتم حماسة للنازيين، كما يؤكد الناقد كريستوف زيمس".
ويواصل
قوله: "كيف صارت البقية قبّة؟ كيف التهبت جمهورية ألمانيا الاتحادية بسببها؟
هذا وضعنا نحن الألمان، ماضينا ما زال ماثلاً أمامنا، والفضل يعود إلى غونتر
غراس في كشف هذه الحقيقة، ونحن مدينون له بالشكر". ويذهب الناقد أولرش غراينر
إلى أن "هذا الجدل البائس حول التحاق غراس بفرقة الـ(SS) لا يضيف الجديد إلى
صورة هذا الكاتبـ، بل يعود بنا إلى المهاترات التي سادت في السنوات الأولى
لجمهورية ألمانيا الاتحادية القديمة". وينزع الناقد غريغور دوتساور، إلى
الفلسفة، حين يعلق قائلاً: "بعد قراءة هذه السيرة الغراسية، يبدأ القارئ بالشك
في كل ما يقرأ، حتى في أبسط الجمل تركيباً، ويقترب هذا من الشك السقراطي. إن
غراس يعرف أنه لم يعد يعرف شيئاً". ويقول الناقد غيريت بارتلس، بنبرة منصفة
تجاه غراس: "لقد نجح غراس في تقديم عمل أدبي سعى عبره إلى البحث عن الخلاص من
شوائب ماضيه عن طريق الفن. كما أن سيرته الذاتية فتحت الأبواب أمام النقاد
والقراء لإلقاء الضوء مجدداً على أعماله الأدبية الكاملة. ويقول لسان حال غراس:
"إنني كاتب كبير ولكنني أتعذب أيضاً". ويشيد الناقد نوربرت ماير، بغراس،
معلقاً: "يطرح علينا غراس، بصفته نازياً ملتزماً، ذكريات طفولته وشبابه في إطار
تقشير البصل، ويعترف بأنه كان من أحد المهرولين خلف هتلر. وبهذا يفتح أمامنا
أبواباً وآفاقاً جديدة لتلقي أدبه، وفهمه من زوايا لم يعرفها النقاد من قبل. إن
السيرة، (كتاب الاعتراف)، معين كنوز لا ينضب لمواصلة ما ورد في: ثلاثية دانتسيغ،
وتأويلها من جديد". ويتناول الناقد ميشيل هامنيتر الأمر من زاوية مختلفة إذ
يقول: "إن مفهوماً مقنعاً يُشكل أساس هذا الكتاب: يتم سرد الذكريات طبقة بعد
طبقة. وتستمد الخطة الجمالية السليمة قيمتها الشعرية من التصوير الخيالي
للوقائع، من جهة، والتصوير الواقعي لما هو خيالي في الأحداث، من جهة أخرى. لقد
وظف غراس هذا المفهوم سابقاً في روايته "اللقاء في نيلغته" (1979)، وهو توظيف
رائع في كتاب رائع. مشاهد فظيعة وصف أمين يسبر أغوار أيام الحرب العالمية
الثانية. ويتناغم إيقاع السرد مع صورة مخططة بطباشير أحمر لبصلة على رأس كل
فصل، ليبرهن على قدرة الكاتب العالية. لكن وسائل الإعلام تبحث في الكتاب عن
حقيقة الإس إس، وليس عن مبدأ شعري، وهذا مع الأسف يرتد سلباً على الكتاب".
والأدهى من ذلك أن هذا المبدأ الذي يتبعه الكتاب، يحفز الأوساط الأدبية على
إعادة النظر، وأن مبدأ وحدة الحياة والعمل الأدبي المتمثل في مضاعفة الـ"أنا"،
يتعرض إلى التساؤل. فالمادة المروية توفر للكاتب شكلاً سردياً يسهل للروائي أن
يغير زاوية السرد من "أنا" إلى "هو"، باستمرار، وبالعكس. ومهما كانت الأحداث
التي تحدث عنها غراس في فترة الحرب العالمية من أهوال وفظائع على لسان جندي
يحمل في عنقه شارة الـ"SS"، فإن أسلوب غراس في السرد يبقى أدباً قوياً، مهيمناً
ودقيقاً، لا تزحزحه هذه الحملة الشعواء. إن كتاب "أثناء تقشير البصل" رواية تضع
بين أيدي كل قارئ صورة لجنون الحرب العالمية الثانية وآثارها القائمة حتى يومنا
هذا، كما نراها في هذه العاصفة الهوجاء حول غراس. أما النصف الثاني من هذه
السيرة المنشورة، فيبدو أن الآراء تتجه إلى التقليل من شأنه مقارنة بالنصف
الأول. في النصف الثاني يتطرق غراس إلى صراعه في الاختيار بين الفن المجسم
والفن المجرد. ويتحدث عن زوجته الأولى، ودعوته للانتماء إلى المجموعة 47، وهي
المحفل الأدبي الذي ضم معظم كتاب ألمانيا في العام 1947 تحت رعاية الكاتب
الألماني هانز فرنر ريشتر (1908-1993)، وعقدت أول جلسة لها في سبتمبر 1947،
بمدينة ميونخ. ويطرح سؤال محير نفسه على القارئ بعد قراءة النصف الثاني من
السيرة، وهو: ماذا لو كانت هذه السيرة قد نشرت بدون الاعتراف بقضية الـ(SS)؟
والجواب هو أن لا أحد يستطيع التكهن. ويحاول الناقد دينيس شيك الإجابة قائلاً:
"سواء أكان كاتباً في فرقة الإس إس، أم في أي فرقة نازية أخرى، فإن ذلك لا صلة
له أبداً بتقييم الجهود الفنية له. لقد طرح غراس كتاب مذكرات عجيباً، ذا وقع
بالغ التأثير، فضلاً عن كونه يكشف لنا كيف تنشأ المذكرات، وكيف يمكن لها أن
تخدعنا. إننا نجد هذا الكتاب من أبدع الكتب التي نشرت في جمهورية ألمانيا
الاتحادية". لقد وصلت نسخة باللغة الألمانية من سيرة غونتر غراس إلى صنعاء،
وطالعها عدد قليل ممن يجيدون الألمانية ويلمون بمسيرة تاريخ ألمانيا الحديث
خاصة. وانبرى عدد من الكتّاب والمفكرين اليمنيين للدفاع عن غونتر غراس أمام تلك
الحملة الظالمة، كما انظم إليهم عدد من زملائهم من العراق وسورية ومصر وتونس
ولبنان والكويت وفلسطين والجزائر والسعودية والبحرين وليبيا.
وفي رأيي أن الكثير من الأدباء والكتّاب والمفكرين العرب سينضمون إلى الفريق
الذي أطلق صيحته من اليمن، وخاصة بعد أن يأخذ أحد المترجمين العرب على عاتقه
ترجمة السيرة كاملة إلى العربية. ولكي لا يحرم القارئ العربي كلياً مما ورد في
السيرة حاول كاتب السطور تقديم مقتطفات منها وجدها تهم المثقفين والدارسين في
الوطن العربي، ولكي لا نبقى خارج هذه الضجة الأدبية – التاريخية، وهذا أضعف
الإيمان. يذكر غراس أنه ولد لأب ألماني وأم كاشوبية تنتمي إلى أقلية سلافية في
بولندا. ثار أحد أقاربه ضد الغزو الألماني لتلك البلاد عام 1939، فحُكم عليه
بالإعدام رميا بالرصاص من قبل الجستابو، وكتمت عائلة غراس الأمر خوفاً من
الاضطهاد. اليوم يظهر اسم ذلك القريب في قائمة قتلى الحرب الأبطال الذين سقطوا
في معركة منتسبي البريد البولندي ضد الجيش الألماني. ويقول عنه غراس في
مذكراته: "لم يُخلق فرانتس كراوزه بطلاً، لكنه مات بطلاً". ويروي غراس أنه بعد
الحرب ذهب لزيارة مدينة دانتسيغ وقابل والدة ذلك البطل، فاستقبلته كابنها.
وفيما يأتي بعض المقتطفات من السيرة على لسان غراس: "كنت أتمنى أن أدخل في خدمة
البحرية الألمانية ملاحاً في غواصة، لكن القدر لم يسعفني. كم أسفت لأن أبي انضم
إلى صفوف الحزب النازي وهو في السادسة والثلاثين من عمره! وكنت وأنا صبي
تستهويني البزة العسكرية، ولع بالأناشيد الوطنية في أيام الرايخ الثالث. كان
اسم والدي فيلهملم غراس واسم أمي هيلينه. اعتدت أن أدخر ما أحصل عليه من مكافآت
وأشتري بها أقلاماً وألواناً، وأوراقاً لممارسة الرسم وكتباً عن الحيوانات
البرية. كنت في طفولتي مدمناً على مشاهدة الأفلام في دور السينما. كان والداي
يديران متجراً صغيراً في الحي، وكلفاني بجمع الديون من الزبائن في أول كل شهر.
وكنت أدور على المنازل وأطرق الأبواب، مما أتاح لي التحدث مع الناس من كل
الأصناف، واكتسبت خبرة في الإقناع، واطلعت على أمور حياتهم. وسنعكس كل ذلك في
أعمالي الروائية فيما بعد". كلما أراد غراس أن يروي أحداثاً غريبة أو حساسة عن
نفسه بدل ضمير "الأنا" وتحدث عن "هو". وهذا أسلوب يبرع فيه حقاً ويسميه بـ
"لعبة الغميضة". فالصراع مستمر بين الشيخ الراوي غراس الآن والصبي غونتر آنذاك،
وطالما تمرد الصبي على الشيخ على صفحات السيرة. ولغراس ذكريات طيبة عن قوم أمه
الكاشوبيين أقربائه، وكان يحسن لغتهم.
لم
يكن الكاشوبيون ألماناً ولا بولنديين لكنهم تقربوا إلى الألمان أثناء الاحتلال
الألماني لبولندا في بداية الحرب وشملتهم الخدمة العسكرية. "...كنت أثناء
طفولتي عضواً في شبيبة هتلر، وهو تنظيم شبه عسكري يضم الأطفال اليافعين ليتلقوا
أسس التربية النازية ويرتدون ملابس الكشافة وعلى أذرعهم الصليب المعقوف، رمز
النازية. قمت بتوزيع المنشورات لمصلحة الحزب النازي. لم أكن استمع إلى النكات
التي كانت تروى للسخرية من النازيين في أوساط اليساريين، بل آمنت بأن الوطن
محاط بالأعداء وأن عليّ الدفاع عنه. ومن الأناشيد الوطنية التي كنا نطلقها
بأعلى صوت: إلى الأمام، إلى الأمام، تدوي الأبواق إلى الأمام، الشباب لا يهاب
المخاطر... تلقيت تربية كاثوليكية لأن أمي من تلك الطائفة ولكنها لم تكن تلحّ
عليّ بالذهاب إلى الكنيسة. لم أكن متديناً منذ الصغر ولكنني آمنت بالزعيم هتلر
(الفوهرر). لم يكن إيماني مسيحياً بل كان ذا طابع وثني. كنت ولهاً بمريم. لم
أقرأ الكتب الداعية للنازية لكنني كنت مولعاً بالمطالعة، فقرأت كل ما وجدته على
رف الكتب العائد لأمي، وكنت أستعير عدداً من الكتب في بدء موسم الصيف وآخذها
معي وأنكبُّ على قراءتها على ساحل بحر البلطيق وأنا قابع في إحدى سلال الشاطئ.
ومن الروايات التي قرأتها رواية الكاتبة فيكي باوم "أناس في الفندق". لكنني لم
أصبح أسيراً لأسلوبها في السرد. بلغت سن الحلم وتطوعت للخدمة في الجيش. متى؟
لماذا؟ كنت مع رفاقي الشباب نتلهى بحكايات عن الفتيات وعند حافة الغابة يقضي كل
واحد منا حاجته وهو بجوار رفيق له ولم يزعجني ذلك. وأثناء عودتي لزيارة والدي
وأمي في إجازة من المعسكر، لم أكن أغط في نوم عميق، مما أتاح لي سماع الهمس
والآهات واهتزاز السرير وكل ما له علاقة باللعبة العتيقة في غرفة الوالدين.
بدأت الأخبار السيئة تصلنا من جبهات القتال وتصاعدت عندنا لغة الدعاية الحربية
وانتشرت الشعارات النازية: لا يمكن أن نركع، أسوارنا لن تكسر قلوبنا... التحقت
بفرقة الإس إس في أشهر الحرب الأخيرة من عام 1945. جرى تدريبنا في غابات
بوهيميا. لم أكن أخجل من حمل شارة الإس إس، بل بالعكس. كان متطوعون أجانب
يلتحقون بفرقة الإس إس من فرنسا وهولندا والنرويج والدانمارك والسويد
(المحايدة)، للمشاركة في الحرب الدفاعية لصد الشيوعية ومنعها من السيطرة على
أوروبا. لقد ترددت في كشف هذا السر لعقود طويلة. وأشعر أني مسؤول قبل الآخرين
في القيادة العسكرية الألمانية عن الأحداث الجسيمة وحملات الإبادة التي حصلت
آنذاك. كانت الأحاديث في ذلك الوقت تدور حول صواريخ ف1، ف2، وعن السلاح
الأعجوبة لرفع معنويات الجيوش الألمانية وجماهير الشعب.
أقسمت مع رفاقي الآخرين قسم فرقة الـ(SS) ونحن ننشد: إن خان الجميع فسنبقى نحن
أوفياء. بدأت أحس بالنهاية المحتومة، هزيمة ألمانيا. بدأ الناس يتحدثون عن
تدمير مدينة دريزدن تحت قصف الأمريكان والإنجليز في عام 1945. انتحر هتلر في
برلين. أصبت في الجبهة ثم وقعت مع الكثيرين في الأسر وجيء بي إلى مستشفى عسكري
لأسرى الحرب وعلى صدري إشارة "أسير حرب". عانيت من الجوع وكنت أسمع قرقرة
معدتي. وقد تحدثت عن ألام الجوع فيما بعد في روايتي "سمكة موسى" جاء الجنود
الأمريكان وظننا أنهم رجال نزلوا من الفضاء. استسلمت ألمانيا دون قيد أو شرط
وتم إذلال الشعب الألماني. وطرح العنصري اليهودي، مورغنتا ومشروعه سيئ الصيت
بتجريد الشعب الألماني من السلاح وتحويله إلى شعب فلاحين. كل هذا يجري وأنا في
السابعة عشرة، راقد في مستشفى لأسرى الحرب تعتني بي ممرضة فنلندية. ما زلت أشم
عطرهن الفواح من مزيج رائحة الصابون ورحيق شجر البتولا. كنا نطلق عليهن اسم:
أزهار اللوتس الفنلندية. قد يسألني أحد عن مشاعري تجاه "يوم التحرير" في مايو
1945. فأقول له: إن أفكاري كانت منصبة على الفتيات وأشعر بجوع نحوهن. حظيت
بفلاحتين ولم تسلم في إحدى المرات نعجة عذراء من عبث ذلك الشاب المدعو: غونتر.
كنت أتحدث مع الآخرين عن الله وعن الدنيا وعن كل شيء. انتشرت إشاعات تفيد بأن
النية متجهة نحو نقلنا، نحن الأسرى الشباب، إلى معسكرات خاصة لغرض إعادة
تربيتنا. وسخر الأسرى الكبار منا وقالوا: إذاً إلى أمريكا حيث سيقتلع الأمريكان
من نفوسكم جذور النازية الفتية. ثم انتشرت إشاعة أخرى مفادها أن الأسرى
المسرّحين سيعادون إلى الجيش تحت قيادة أمريكية ويتم تسليحهم بدبابات شيرمان
لمواجهة المد الشيوعي الذي التهم أوروبا الشرقية بكاملها. ولكننا كنا قد خبرنا
إيفان (رمز السلطان الروسي) والأميز (مختصر الكلمة الإنجليزية أمريكانز)، إيفان
وشتاؤه والأميز لا علم لهم بشيء. كان الجنرال الأمريكي باتن من ألد أعداء الروس
وانتشرت إشاعة آنذاك أنه قتل في مؤامرة ولم يمت إثر حادث. وخاف الألمان
المهجرون من أوروبا الشرقية (بولندا وروسيا وغيرهما- وأنا منهم) من أن يسوقنا
الأمريكان إلى مواطننا السابقة. لم أتلق أي خبر عن والديّ وأختي، وشعرت باليتم،
بلا وطن وبلا جذور وأنا في حزن دائم. ومن حسن الحظ أن كان معي آخرون في الوضع
نفسه فصبرنا. كنا نفتقد كل شيء، بابا وماما، ويثير جنوننا كل ما تكور في جسد
أنثى. انقلب البعض إلى اللواط واتجه آخرون إلى لعبة الاستمناء العتيقة. كنت في
أيام معسكر أسرى الحرب أفضل حالاً من غيري، فقد نُقلت إلى مطبخ المعسكر لغسل
الصحون والطبخ وتنظيف الخضروات، وشعرت هناك وكأنني في جنة تنابلة السلطان.
لقينا في المعسكر بعض المضايقات من أسرى ألمان من اليهود وكانت بيننا عداوة وكم
كانوا يسخرون منا بصفتنا جنود هتلر النازي! كم كانوا يصيحون عالياً: اخرجوا من
ألمانيا! بسرعة! بسرعة! أغلقوا الأفواه! إلى غرف الغاز! ونحن نرد عليهم: أنتم
أيها الكلاب العوج! يا بولة الفراش! وكان حراس المعسكر من الجنود الأمريكان
يضحكون ويجدون متعة في متابعة تلك المعارك الكلامية التي تندلع من حين لآخر
بيننا وبين الأسرى اليهود. اعتاد الأمريكي المسؤول عن إعادة تربيتنا أن يرينا
صوراً فوتوغرافية عن فظائع معسكرات الاعتقال النازية والمقابر الجماعية، فكنا
نحتج عليه بأنها صور دعائية ضدنا. أطلق سراحي من المعتقل فبدأت فترة الحرية.
ولم أجبر على العمل في انجلترا لأنني من المصابين بشظايا أثناء الحرب تكلست في
كتفي اليسرى. قضيت بعض الوقت في زارلاند في جنوب غرب ألمانيا، وآلمني أن يقوم
الفرنسيون بالانتقام من السكان الألمان هناك لأنهم صوتوا لصالح الانضمام إلى
الرايخ الثالث في وقت سابق.
كانت
سنوات 1946-1947 سنوات قحط، مات الكثيرون جوعاً أو من البرد. قمت برحلة إلى
دانتسيغ والتقيت بأمي وأختي وهما في أشد البؤس، لقد سمعت منهن قصصاً مرعبة عن
فظائع الجيش الأحمر ضد السكان الألمان. لا أريد أن أخوض في التفاصيل فقد سمعت
من أختي أن أمي تعرضت مراراً للاغتصاب في قبو الدار وكانت أحياناً تعرض نفسها
بدلاً من أختي، على الجنود الروس. بدأت محاولاتي للالتحاق بأكاديمية الفنون في
دوسلدورف. لكن بداياتي كانت في الشعر ثم انتقلت إلى النثر. كنت أبدو في تلك
الأيام شاباً ذا عيون بنية وشعر داكن وسحنة جنوبية تشير إلى البلقان. وتعلقت
بالفلسفة الوجودية الشائعة آنذاك: شعر غوتفريد بن، فلسفة هايدغر، الخوف من
الموت الذري، الاستخفاف بكل ما هو قائم، البحث عن المعنى في اللامعنى، الفرد
والمجموع، الأنا الشعرية واللاشيئية القائمة، الانتحار... دخلت أكاديمية الفنون
في دوسلدورف لدراسة النحت على يد البروفسور سيب ماغيس. كان من بين أساتذة الرسم
قبل وصولي، باول كلي. لكن النازيين اضطهدوه فهرب للإقامة في باريس، وهو من أشهر
الرسامين بالألوان المائية. ماتت أمي في العام 1945 بالسرطان. ارتفعت في تلك
الأيام أصوات ألمانية ضد الاحتلال الأجنبي وكانت تسمع هتافات: أيها الأمريكي عد
إلى ديارك!. كان حبي الأول لفتاة دخلت أكاديمية الفنون معي لدراسة النحت. ولأول
مرة استطعت أن أستأجر غرفة صارت عشاً لغرامنا الجامح. كان اسم الحبيبة آنا روزه.
انتهى حبنا بالفراق بسبب سوء ظنون أمها بي. شددت الرحال مثل صعلوك ووصلت بشق
الأنفس إلى إيطاليا، موطن فن النحت. ومن ذكرياتي أنني عثرت على فتاة إيطالية
قبلت أن تجلس موديلاً لكي أنحت لها تمثالاً. وكانت كل جلسة تتم بحضور أخيها أو
جدتها. مر الوقت وكانت كل ليلة تبتلع النهار التالي لها. ثم زرت باريس وهمت
فيها. دخلت أختي الدير باحثة عن الرهبنة لكنها ما لبثت أن تركت الدير. حينما
ماتت أمي في العام 1945 تم دفنها في دانتسيغ وحضر أبي مع أختي مراسيم الدفن.
كان أبي فخوراً بي وخاصة بعد أن بدأت أنال الشهرة في عالم الأدب. بقيت علاقتي
بأبي جيدة حتى توفي في العام 1979 وهو في الثمانين. أما أختي فقد كانت تتذمر
دائماً حتى أثارت غضبي في إحدى المرات حين شكت وألحّت في الشكوى من وضعها فقلت
لها: يا إلهي! كُفِّي عن الشكوى! صيري مولّدة فهناك أطفال يولدون دائماً...
فالتحقت الأخت بدورة قابلات ونجحت في عملها وساعدت في ولادة أربعة آلاف طفل.
أصبحت ابنتي الصغرى قابلة أيضاً وهي غالباً ما تتحدث مع أختي حول انخفاض عدد
المواليد في ألمانيا وأنا أقول لهما: لا تخفن، فلحسن الحظ يوجد ما يكفي من
الأجانب في بلادنا وسيتكفلون بإنجاب الخلف لألمانيا. كنت مولعاً بنظم الشعر وقد
نشر لي فالتر هوللر، عدة قصائد في مجلة "اكتسنته". لكن رواياتي بدأت مع "طبل
الصفيح" في 1959 وانطلقت منذ تلك السنة إلى عالم الأدب في ألمانيا والخارج.
لكنني أجد نفسي بدون بصل وبدون رغبة لسرد سيرة حياتي بعد 1959".
هل
توقف غراس حقاً عن كتابة بقية سيرته؟ لا يوجد من يصدق كلماته الأخيرة في "أثناء
تقشير البصل". والأرجح أنه سيستمر بتقشير البصل وسيفاجئ العالم بالجزء الثاني
من سيرته؛ لأن ديدنه، كما يؤكد ذلك عن نفسه دائماً، أن يستمر في سرد القصص.
جامعة صنعاء - كلية اللغات
|