العدد الثاني - ربيع 2007م

   
 

متابعات
 

في الذكرى السابعة للروائي والقاص الراحل زيد مطيع دمَّاج (لقراءة المقال بصيغة أكروبات)

بقلم حاتم الصكر

 

 في إحدى قصصه، المعنونة بـ "المجنون"، يجعل الروائي والقاص الراحل زيد مطيع دمَّاج بطل قصته، "حُمادي"، يعيد ترتيب محصول القرية، ويساوي ليلاً حصص سادتها بالمهمشين فيها من مهنيين وفقراء، فتستيقظ القرية لترى ما لم تعتد عليه من توزيع، بينما هو يبتسم راضياً.

لكأن تلك القصة القصيرة تلخِّص ببلاغة منظور الراحل دماج للحياة والمجتمع. فقد حلم خلال عمره القصير وجسّد عبر عطائه الروائي والقصصي ما كان يرى أنه القاعدة وليس الاستثناء.

هكذا صوّر في رائعته الروائية "الرهينة" عالماً رمزياً من العسف والحَجْر والظلم، بمقابل حلمِ جيل يجسده "الرهينة" الذي يفر دون وجهة واضحة، تلاحقه لعنات مخدومته وسبابها وحجارتها، بينما هو يتجه إلى حرية لا يفقهها، وفضاء لا يعرفه، خارج أسوار "قلعة القاهرة" التي يحتجز فيها الإمام أبناء خصومه الحقيقيين والمتوقعين.

لقد كان إنجاز زيد مطيع دماج، في الرواية وفي القصة القصيرة، مؤثراً على وعي جيله، لصلة السرد بالحياة. لذا كان يؤرخ لمراحل في حياة وطنه (اليمن) وأمته، وانعكاس ذلك على الشخصيات. فهو لم يكتب السرد بمعناه التوثيقي أو حسّه التاريخي، بل كان يأخذ من الواقعة التاريخية أو الحدث مناسبةً لرصد انعكاساته على الأبطال والشخصيات والأمكنة والأزمنة أيضاً. وكما يتصل هو ذاته بأشياء وطنه ومفردات حياته وحقب السياسة التي مرت به، يتصل أشخاص قصصه ورواياته بالعالم. وهذا ما تعكسه قصة قصيرة أخرى بعنوان "المدفع الأصفر"، حيث يظل المقاتل مرتبطاً بمدفعه حتى بعد أن انتهت المعركة وانسحب –أو مات- رفاقه كلهم.

 يشخص الدكتور عبد العزيز المقالح، وهو يقدم أعمال الكاتب الراحل الكاملة تحت الطبع، ما يسميه "السمات الموضوعية" في إحدى مجموعات الراحل، فيرى أنها تمثلت في: "المحلية والريفية والثورية". ويمكن أن نعد تلك مفاتيح لقراءة أعمال زيد المتنوعة، وبدرجاتها الفنية المتفاوتة، طولاً وقصراً، واقعية أو تخيلاً.

أما أسلوب دماج فقد ظل تعبيراً عن ملامحه الموضوعية تلك. فهو يقص بهدوء وتدرج ونمو موضوعي يجذب قراءه ويعطيهم فرصة المشاركة في بناء عمله وتصور النهايات والخواتم وكذلك المصائر التي يراد لها أن تكون رؤى وأحلاماً طالما حلم بها الراحل العزيز وعمل على تجسيدها. وربما لم تغْرِ دماج الحداثات المجتلبة في السرد؛ لكنه لم يُغفِل أية تقنيات ممكنة، كالتداعيات والأحلام والحوارات النفسية واللمسات المكانية ذات الأبعاد الشاعرية. كما أنه رسم شخصياته بدقة وبأبعاد م كتملة: فنياً ونفسياً وتاريخياً. ولعل اهتمام القراء بما كتب، يوازي الاهتمام العالمي الذي ناله، حيث نُشرت أعماله مترجمة في عديد من لغات العالم المهمة، فضلاً عن طبعاتها العربية المتعددة. وما سيظل من المحصول السردي لزيد دماج هو مشروعه الروائي والقصصي المفتوح للقراءة محلياً وعربياً وعالمياً، وهو مهمة ستتولاها أجيال القراء والكتّاب على السواء.