العدد العاشر - ربيع 2010م

   
 

نصوص
 

في مديح اليأس (لقراءة المقال بصيغة أكروبات)

                                                        إبراهيم الجرادي
                                                        
شاعر من سوريا

ستخرجُ من قصيدتكَ الأخيرةِ نجمةٌ

ورياحٌ غاضبةٌ

وجانحةٌ

وقدِّيسونْ

إناثٌ مثل ماء النبعْ

فراشاتٌ

وأشباحٌ

عراةٌ نائمونَ على بساطِ البحثِ

جَلجلةٌ

ونائحةٌ

وكوكبةٌ من الشعراء يَسْتَعرون غيظاً من

جريرتكَ الأخيرة

يصطفُون النائي

يصطفقون كالأبواب

ينتشرون

في ليلِ القصيدة

كالسبايا

ثم

ينصرفونْ!

* * *

             ولي شفقٌ بهذا البيت

لي شفقٌ بسيرته

ولي شفقٌ بأسماء به تلهو بلوعتِها

ولي شجرٌ على الخابور

لي سقف وأسلاف، ولي نهر

سأحملهُ إلى قلبي

ليسكنه

ولي ما فرق الأضداد

لي جذر

سهوبٌ

أقحوانٌ مترفٌ يمتد بين الليل

والشُّبَّاك

ولي أفلاك

ولي في البيت قارعة

وفاجعة

ستحملني أنيناً في مديح اليأس

أحملها عصا العميان

ولي نسر الفجيعة، سرُّ زهوته

ولي ليل الغواية، وردةُ الأنقاض

لي فيه اللجاجة

عِفَّة المحروم

لي حمى اليتيم بليل يتمته

ولي أرض الظنون أو الـ... جنونْ

ولي هذا الصفيق السادرُ الملعون

ولي هذا الطليق

الشاعر المفتونُ بالشكوى

ولي البلوى

ولي نصف الخيانة حين تركضُ وردةُ

المأساةِ

بين

يديَّ

عاريةً

ولا أستنفر المأساة.

ولي موتى

ولي ما يشبه الموتى

ولي أحياء

أو ما يشبه الأحياء

ولي قتلى هنا وهناكْ

ولا شيءٌ يدلُّ عليّ غيرُ جنازتي

تراني صالحاً للموت..؟

قد تتغيرُ الأشياء

لكن الذي يبقى هنا في

تُدركه جنازته

ويدركه صرير الوقت محمولاً على

الأكتافْ.

هنا تستثمرُ السمواتُ، سبعاً بعد سبعٍ،

حكمة الغيّاب:

تيتمتِ القصيدةُ

فالمكانُ عديمُ فائدةٍ إذا فسد

المكان”.

* * *

              أحمل سيدَ البلوى على كتفي

وأهتفُ:

يا إلهي!

كم تحملتُ الضغينةَ منه!

من شبه يطاردني

إلى شبح أطارده

كأني لم أكنْ إلاه!

إلهي!

يا إله الناسِ!

ليس لديَّ ما يكفي من الأحزانِ

كي أرثيهْ..

أعني!

إن بي عطشاً ويأخذني هنا طيشٌ

إلى رمانة الفخذين

إلى امرأةٍ

تُقلمُ شهوتي كالعشبْ

فأسترضي ضلالتها

وأتبعها إلى ماءٍ وتتبعني

وتذهبُ في أنين خافتٍ لليل

تذهبُ بي.

* * *

أتعطي للأيائلِ سِرَّ شهوتها؟

سأتركُ شهوتي في الباب

مِثْلَ القِطِّ، تقعي خلفَ عفتها ولا تصل،

ولا تصلُ الملامةُ مثلما يصلُ:

دليلُ الخوف

ضلَّ طريقه في الدربْ!

هل نهضَ الذي يحيا لأقتله؟

وهل نهضَ الذي يُحيي ليقتلني؟

تقولُ لي القصيدةُ

ما يقولُ النهر للأشجار:

لا تدفع بنفسك نحو هاويتينْ:

هاويةِ الوقوف على حوافِّ الظنِّ،

هاويةٍ تداري نفسها بالخوفِ.

لا تيأسْ!

ستكتشفُ القصيدةُ سرَّ كاتبها

وتتركهُ يرتِّب نفسه لليأسِ،

يفتحُ في السماء نوافذَ الخذلانْ.

أتستدعي الفجيعةَ رغبةً في الشعر؟

كأني وردةٌ تنمو، هنا، في الرملْ

تنادي في السراب طيورَ وحشتها

أنا

لم أغلقِ الأبواب

لم أفتحْ طريقاً يابساً في اليمْ.

أنا... إبنُ الصفاتِ السبع

تقتلني لتنعم بالغنيمة يا وريث

الطين!

لو جرحتْ يديك مواسمُ العاقول

لو مرّ الفرات هنيهة لرددت عني

وحملتَ أسرار الشكيمةِ، توأمَ التحنان،

تحتَ سقيفة الكتمانِ...

جئتَ إلى القصيدة، منهكاً

تمشي على وهنٍ

كأنَّ بكَ الخسارةَ سيدٌ

فنصير مؤتلفين

يبتكران وقتاً كيفما شاءتْ عبيدُ الله

أنتَ تركتني وحدي، هنا، للظَّنِّ

للأشجارِ يابسةً

وللخنثى

وللأسمالِ

لا أهلٌ

ولا وطنٌ

عراةٌ نائمون على رصيفِ القحطِ

لا داعٍ...

ولا راعٍ...

ولا راءٍ...

مَراثٍ...

قُبّراتُ الحزنِ...

نائحتانِ تبتكرانِ غيماً للقصيدةِ

تمطرانِ الوزن والسلوى

وتشتعلان، من وقتٍ إلى وقتٍ، كما

شاءتْ ظلالةُ

أهلنِا

تتناقضانِ

وتذهبانِ إلى نسيس الروح...

من طين الكآبةِ تصنعانِ منازلَ الشعراءِ

نعطيها من الأوصاف ما يكفي

لأن نستدرجَ الشعراءَ للأوصاف!

أنا لم أفتح الأبواب

لم أغلقْ طريقاً سالكاً في اليمْ

لم أمسسْ سوى جمرٍ على جمر

ولم أمشِ، بلا كللٍ، على طللٍ صغيرٍ هدّهُ

الزلزالُ

مثلي مثلُ هذي الريح

أذهبُ غامضاً

وأعودُ، مثلَ الريحِ، مرتبكاً إلى بيتِ

العواصفِ

أطرقُ الأبوابَ

كي تفضي بي الأبوابُ

نحو خيانةٍ ترتاحُ في ميراثها!

* * *

أنا رجلُ الملامةِ كلها

أمضي إلى صدأ المكانِ مُضرّجاً

بقصيدتي

وأوزع المعنى، على علاتهِ، شرقاً وغربا

لأقول للأسلاف:

لا تتريثوا في الشعر!

لا ترثوا بساطاً تالفاً! لا تسمعوا الشعراءَ

يمتدحونَ كلبَ الوقت

أو يهجونَ كلباً ينبح الأغرابَ!

لا ترثوا

سوى ما ورَّث المستاء من أحكام!

* * *

              ستخرجُ من قصيدتكِ الأخيرةِ نجمةٌ

وعواءُ جائعةٍ

وعاصفةٌ

وممسوسون،

أسلافٌ، وأخلافٌ،

إناثٌ مثلُ قيظِ الصيفِ

أشباحٌ

وهجْراتٌ

غزاةُ نائمونَ على بساطِ الله،

فادحةٌ

ونائحةٌ

ومعْمعةٌ من السفهاءِ يَسْتَعِرونَ غيظاً من

قصيدتكِ الأخيرةِ

يشحذون الناب

يصطفون كالرتّاج

ينتشرونَ في ليلِ الخطايا كالبغايا

ثم

ينتحبون!