العدد العاشر - ربيع 2010م

   
 

نصوص
 

رائحة ماء بعيد  (لقراءة المقال بصيغة أكروبات)
 

                                                    طالب عبد العزيز
                                                  شاعر من العراق

أقترح البنفسج لحظة بيننا

وأحتفظُ برعشةِ يدكَ في صدري

بينما تنزلق عربة أبيك في المدى

ويعبر الهواء بيننا،

يعبر، حتى لم تعد تراني.

أنت بلا اسم، خيالٌ وظلٌّ

كيف أحصي النجوم التي ماتت

في الطريق إليك؟  

* * *

في مفازة النخل،

حيث تزدحم الريحُ في مفارق الأنهر

قواربُ من أسل وصفصاف

خرّقها الموج،

ستظل مدفونة في الشطآن 

هناك، حيث لا أحد يستبدل الحكاية.

أقمار كثيرة غمرها المدُّ هذا اليوم

كانت القدورُ تعبرُ..

ومن مسنّاة إلى أخرى

كنا نلتقطُ الجرارَ الطافيةَ.

ضفادعُ خضراءُ وسلاحفُ صغيرة

مثل أقداح الشاي

كانت تؤثث رحلتنا

وسْطَ الباقلاءِ والقصب والأشنات.

نحن صِبيَةٌ نكتهلُ أعالي الأنهار

وهذه الأيامُ تأخذ بياقاتِ آبائنا المسنين.

* * *

              

إن قمتَ من مكانكَ هذا

بقراتٌ كثيرة ستتبعكَ حتى مقيل الرعاة  

حيث لا يتشابه ثُغاء الحِملان.

على الشواطئ التي يأكلها المد 

بيوت الصيادين،

تنهشُ أخصاصَها الخنازير

ويبيضُ الإوز تحت الدلاء المقلوبة

نسّاجو الحكايات الذين لبّوا

دعوة أبيكَ البارحةَ

تفرّقوا في الأشرعة،

انكسرتْ في جباههم الشمس

سماءٌ بلون السمك المالح

كانت تعبر بهم.

* * *

              

أنت التُّوتُ الذي لا يكبر

وأنا اللوبياء، ألتفُّ على جذعك

وأغفو..

وحين يحلُّ الصيفُ

سأفتح أزرارَ قميصي

وأريكَ الزغبَ الذي تأبّى

أنْ ينموَ إلا بين راحتيك

أنا أقسمُ بالريح الخضراء التي بيننا

وأنت مع الشِباكِ والمجاديف

نائم، ويداك تخطّان في الماء

أسماءَ الفسائلِ الميتة.

أجاصة ٌبلون أساي، كانت تُرخي أغصانها

وأجنحةٌ كثيرةٌ رفـَّّت عليك.

* * *

                     

كنتُ ألتقطُ التمرَ معك

ومعكَ، حملتُ العذوقَ والحشفَ وأعناقَ اليقطين

حيث لا أحد يؤولُ انحناءَ القصبِ

لا أحد يؤول موتَ الفراشاتِ وسْطَ الشماريخ

كنتُ العرجونَ المنسي

والفراشاتِ التي تذبل في الظهيرة

وحين كنتُ أغيبُ في الجداول النائية

هناك.. مع طواشاتِ تمرِ أبيك

كنتَ وحْدكَ..

ولمّا كان النهارُ ينتصفُ على جِذعكِ التوت

كنتَ تمرِّرُ أصابعكَ على خصورهنَّ جميعا..

جرادلُ صدئةٌ، وأرشيةٌ من قِـنَّبٍ رَطْبٍ 

مناجلُ ومجاديفُ تركت على الرمل

حينَ ينحسرُ عنها الموجُ

ستسمعُ اصطفاقَ الزمنِ بالأشياء

ستشمُّ رائحةَ ماءٍ بعيدْ.

البصرة