العدد العاشر - ربيع 2010م

   
 

نصوص سردية
 

 مجنون الأظافر (لقراءة المقال بصيغة أكروبات)
 

                                                     ياسين أبو الهيثم
                                                     قاص من العراق

الأسبوع 28:

بسرعة، فتحتُ الجريدة. بحثتُ رأساً عن الملحق الثقافي. فتشته، فما وجدتُ شيئاً. رتبتُ أوراق الجريدة الصغيرة، ثم تصفحتها ثانية. لم ينشروها أيضاً هذا الأسبوع!

بالله عليكم، يا قرّاء الملحق الثقافي -على قلتكم- أن تجيبوني: أهذا الشيء الذي نشروا اليوم قصة؟! أم أنهم يفتحون أذرعهم فحسب لاحتضان الأدب النسائي؟

يخبر محمد برادة في مقدمة مجموعة قصصية(1) لمحمد شكري أن هذا الأخير دخل المجال الأدبي بعد أن نشرت له مجلة «الآداب» البيروتية قصة «العنف على الشاطئ» عام 1966. كان عمره (شكري) وقتئذ 31 سنة. وأنا -وأعوذ بالله من الأنا- نشرتُ قصتي «الرسّام» بـ»الآداب»، وفي الترتيب الأول سنة 2005 وعمري بالكاد 28 سنة. وكنتُ أستأهل، غالباً، بدوري، رسالة تحثني على مواصلة الكتابة، لولا أن كنتُ أحجم عن عرض سيرتي لرؤساء التحرير، تحشماً. وقد بان أن الدكتور سهيل إدريس يصبّ جام الاهتمام أو يتعامل مع كفايات النصّ لا غير، كان كاتبه من كان، فهل يخرج/ خرج من معطف والده سماح؟

لا أقارن نفسي بشكري، والمقارنة أصلاً غير منطقية. شكري لم يتقن القراءة والكتابة حتى بلغ العشرين. فحيث أن اللغة وعاء، ولأن الخطاب العالِم لا يتسع له إلاّ الحامل الواعي، فربّ حامل أدبٍ غير أديب، وربّ حامل إبداعٍ إلى من هو أبدع منه، وربّ قارئ مفترض لمقالة أوعى من كاتب المقالة. باختصار ومباشرة: قد تكون لغة شكري غير مسعفة إياه في يوم بحمل فكره المتسع العالم، وبتبليغ أغراضه الواعية البديعة.

ونشرتُ على منابر أخرى، وأدخلتُ عملة صعبة من طريق مكافآت رمزية دولارية. ومع ذلك، لا ينشرون لي في ملحق الـ... هذا، ولا يأذنون لي بعد حتى بدخول المجال الأدبي المغربي!

يكاد الناس، في المغرب، يقطعون في الأمر الآتي قطعاً: يتعين على لاعبي الكرة والمطربين وحتى على شيوخ القراءة أن ينتزعوا الاعتراف، تلو الاعتراف، من الخارج؛ فمطرب الحيّ لا يطرب.

 

الأسبوع 29:

لم ينشروا قصتي هذا الأسبوع أيضاً. وإذا لم تنشر في الأسبوع المقبل، فلن يحدث ذلك قبل شهر سبتمبر/ أيلول. وأنا أقلب بعصبية، مكابراً ألماً يكزني في أطراف أصابعي، صفحات الملحق الثقافي، تذكرتُ المثل السائر: «لا يدخل بين الأصبع والظفر إلاّ الوسخ»، فضحكت، وتذكرتُ مثلاً آخر: «كثرة الهمّ تضحِك». بعضهم ينشر طوال العام، ورغم ذلك لا يبيع من كتبه غير نسخ «تعدّ على رؤوس الأصابع» (تعبير جاهز، لاكته الألسن ومجته الأنفس، بيد أنه متوائم وقصتي). أولئك هم الذين كرّهوا الناسَ الأدب ونفروهم من الأدباء. كبُر زفزاف في نظري لمّا قرأتُ أنه لم يكن يتهافت على النشر في الملاحق الثقافية، وقال إنه يودّ ترك الفرصة للشباب. هؤلاء هم الكتاب الذين يؤمنون بأن سوق القراءة يتسع للجميع، وبأنهم مدينون بمجدهم للعبقرية، وليس لخلوّ الساحة ممن يجدر بهم التصدي للكتابة. لم أعد حقيقة أذكر، أيتعلق الأمر بزفزاف أم شكري! عموماً، كلاهما كبير في عيني.

أخشى ألاَّ يكون جواز السفر إلى الملحق إلاّ القبعة الفرنسية والرداء الروسي والسيجار الكوبي. وأخشى أن ينحصر الجواز في تصدير القصة بـ»إلى روح أبي القصة المغربي»، وختمها بـ»خريف هيلدسهايم» أو بـ»تمت بين عشائي أوسلو».

والبعض يتساءل عن حقيقة «لعنة جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب»: كلّ أو بالأحرى جُلّ من يفوز بها لا يواصل الطريق. مهمّ أن تمتدّ التوطئة إلى ما بعد منح الجائزة. والأهمّ أن قصصاً كمثل القصص المنشورة اليوم في الملحق تحرض على عدم التوقف. أما تلك القصص الأخرى، فالجميع يسعى دوماً للكتابة على دربها.

 

الأسبوع 30:

لن أنشر قبل سبتمبر/ أيلول المقبل.

وهذا الكاتب الدكتور، الذي من سورية أو العراق أو من حيث لا أدري، يبعث لهم كلّ أسبوعين أو ثلاثة بقصة جديدة. عفواً! المغرب بلد الثقافات والتنوع والحوار والانفتاح... من بوسعه أن يغرد خارج السرب؟! اللهم لا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به!

تحدث نجيب محفوظ في أحد حواراته، في مقام التشجيع، عن معاناة البداية. قال إنه كلما كانت ترجع إليه قصة زاد القلق وقلَّت الثقة في النفس. وهؤلاء يسبقون إلى اشتراط لاءاتهم (لا تعاد الأعمال إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر؛ لا تلزم الآراء الواردة في المقالات غير أصحابها؛ لا تكافئ المجلة إلاّ من كلف بإعداد مادة ما).

يتألف العام من 52 أسبوعاً، وإذا لم نحسب أسابيع شهر أغسطس/ آب يبقى 48 أسبوعاً فقط. أما المسؤول عن الملحق الثقافي فصاحب لسبعين كاتبة وكاتباً.

عطلة من الثقافة سعيدة، وموعدنا قد يكون في سبتمبر/ أيلول، وليس سبتمبر/ أيلول بقريب.

لا يسعني إلاّ الانتظار، فهل أنتم منتظرون؟

أما وإن نشرت هذه القصة التي بين أيديكم، بلا تملق وبلا ابتزاز، فلتذهب القصة الأخرى والملحق الثقافي وحتى الدخول الثقافي برمته، ولتذهب الأظافر التي قضمت من الغيظ إلى الجحيم!

فغداً، ستنبت لي الأظافر من جديد..

 

(1) ألمح إلى المجموعة «مجنون الورد». هذا، واشتهر عن شكري، فيما اشتهر من عجائبيته وطقوسه الغريبة، ولعه بأكل الورد.