العدد  الخامس - صيف 2008م

   
 

  أما بعد
 

هل من حل فكري للمكائد السياسية؟ (لقراءة المقال بصيغة أكروبات)


رسالة من محمود صغيري إلى الدكتور عبدالعزيز المقالح

الأستاذ القدير الدكتور عبد العزيز المقالح                                            المحترم

بعد خالص الاحترام لشخصكم العزيز:

 أرجو أن تسمحوا لي بعرض "المشكلة اليمنية" المأزومة حالياً بأسبابها، والتي نحلم جميعاً بحلها وندعو الله سبحانه أن يُلهم قادة اليمن الحكمة والإيمان اليمانيين ويرفع عنهم غفلة اليومي، لتشملهم مراقي التاريخ وازدهار اليمن. وإنه لأمر باعث على انقطاع المنطق والوعي بحقيقة الوجود اليمني ما يشعر به عدد غير قليل من أهل البلاغة، مواطنين ومفكرين، بأن "الحل" محكوم بالقادة السياسيين وقدراتهم في الحوار أو مداهم في النوايا.

 إن الحالة اليمنية "طائرة" نما فيها الحوار إلى اختلاف، وتحوَّل أو كاد يتحول إلى عراك، ليس بالأيدي والألسن، وإنما بالقنابل والصواريخ. وإنكم لتعلمون تماماً شعورنا بجواب بعض "الجهلة بالآثار" أو "عبثهم"، حين نسمع منهم كلاماً مثل: "ستفرج لوحدها"! أو "ما لنا وما لهم! الدماء ستكون من قلوبهم أو أجسادهم"...

محمود صغيري يتحدث إلى الدكتور عبد العزيز المقالح

محمود صغيري يتحدث مع الدكتور عبدالعزيز المقالح

 

 ولإدراكي تماماً بوعيكم بالمشكلة وجذورها وأسبابها، أؤكد فقط على احتمال "تضخم" الأمر؛ والله إن من يبدأ، أو تحلو له مبررات الرد، ليحطمن "اليمن" وجوداً إلى قرون، إضافة إلى أن هذا الاحتمال الكريه لو حدث (ولو من طرف آخر ثالث أو عاشر)، فإن حالات التمزق، في شقين أو أكثر، لن يكون أو تكون مشابهة لأي حالة قديمة في أحقاب اليمن.

 فهل بعد عراك مسلح في طائرة ستبقى الطائرة؟ واختصاراً أجد مناسباً عرض "المسكوت عنه" إلى اليوم في حوار من هم أصلاً "مصادر الأزمة وحلولها"، كما أرادوا أن نتصورهم. وبالصورة التي رسموها، علينا التعامل معهم و"الأمل" فيهم.

 والسؤال هو التالي: إذا كانوا -كما سمعنا ذلك منهم بأوضح التصريحات والتعبيرات- يريدون إقامة "دولة يمنية حديثة" و... يسود فيها القانون... وتزدهر فيه الحياة الاجتماعية الاقتصادية الثقافية في ميزان الحقوق والواجبات المتساوية بين اليمنيين كافة... نقول إذا كان المشروع الحضاري لليمن هو المطلوب، والنوايا توازي أو تطابق التعبيرات اللغوية، فلماذا لم نجد حتى اللحظة "كتاب" أو "دفتر" هذا المشروع؟ وتعلمون أن القصد ليس "البيان السياسي" أو "المنشور" أو "كلام النوايا"، إنما المعنى هو المشروع ذاته، بمحتوياته في شؤون الحياة كافة، اقتصادياً، اجتماعياً، تعليمياً، زراعياً، صناعياً... وقانونياً. والمشروع العلمي المطلوب أو "العلمي" هو الذي يقنعنا بأرقامه وبمعرفته بإمكاناتنا الحالية، وبقدراته على تصور هياكل وآليات ومنافع الدولة المستقبلية المطلوبة لليمن الحديث والمزدهر، الديمقراطي والواعي، المنتج والمستقر، في مختلف القطاعات والأنشطة، وهو المشروع الذي يجيب على الأسئلة الحقيقية لاختبار"علمية" و"جدية" واضعي المشروع. مثال ذلك: ما هو الاقتصاد اليمني المطلوب في فلسفته وآلياته لمجتمع مزدهر؟ ما هو شكل الدولة في قطاعتها... ودستورها؟ ولعل هذا السؤال، الثاني، أكثر قدرة على تقريب المراد: في كم سنة يستطيع المشروع (في أي قطاع) أن ينجز النسبة الأعظم من "الاكتفاء الذاتي" في الزراعة أو الصناعات الأساسية... أو حتى في "محو الأمية" أو "استئصال الأمراض المستوطنة"؟ في كم سنة...؟ وحجم التمويل...؟ ثم لا بد على الباحث في ذلك من أن يكون على "وعي" بالبرامج والأساليب والإمكانات، وكذا احتمالات ما يمكن أن يفرزه الواقع من "معوقات" للبرامج أو للأساليب أو "للاحتياجات المالية المطلوبة".

 لقد ذهب العقل من محنة اليمنيين قبل الانتخابات، حين أصدروا بيانات للنوايا الشعبية وأطلقوا عليها "برامج". ربما صدق أنها اتجاهات عامة لنواياهم، ولكنها لن تكون "برامج"، وفقاً للمعلوم عن "البرامج" في العلوم الإنسانية أو غيرها (حتى النظرية).

 وفي اليمن، ونظراً لقدرات اليمنيين على "إخفاء الأهداف"، جرى الاعتياد على أن الكثيرين يقولون بمصطلحاتٍ أو يعلنون عبارات نواياهم بطريقة مثيرة للعجب؛ فإما أنهم لم يدرسوا أصلاً هذه المصطلحات، في تطبيقاتها وتاريخها وآلياتها، وإما أنهم يقولون بها ولا يقصدون أصلاً العمل بها!

 وفي كلتا الحالتين لا بد أن نصطدم بظاهرة "الجهل بالآثار". فكم من أدوية على أوراقها الرسمية عبارات موحدة في العالم، وهي: "لا يستخدم هذا الدواء إلاَّ بعد استشارة الفيزيائي (الطبيب) المختص"! وبعض الأدوية لا نجد حالات الاستعمال فقط، ولكنها تحذر من مضاعفات أو انعكاسات لحالات مرضية لا يجوز فيها الدواء!

 إن عدم المعرفة (على الأقل من قبلنا) بـ"وصفات السياسيين"، إما لباطنية النوايا في قولها باللسان، وإما لاعتقادهم أن شعورهم بالقوة أو النفوذ يشمل أيضاً تفوقهم في معرفة أنواع العقاقير المطلوبة؛ ولهذا لم ولن نسمع بوجودهم بأي مرجعيات علمية أو فنية أو قانونية، وكذا تاريخية واجتماعية ونفسية لها قيمة، في أي مرحلة من مراحل صناعة القرار اليمني.

 ومعلوم أن "القرار" أو المعالجة الفاعلة أو الناجعة التي نفعها أعظم من انعكاساتها السلبية لا بد أن تخضع للمراحل الآتية:

 1- مرحلة مواجهة السياسي للمشكلة.

 2-  مرحلة إحالة السياسي للمشكلة إلى المختصين الأساسيين، لدراستها وفقاً لتاريخها وحجمها وآثارها على ضوء المعلومات الشاملة عنها.

 3- مرحلة تصورات المختصين لحل المشكلة في حلول أو بدائل، مع تصوير صحيح وترجيح علمي لكل إيجابيات وسلبيات هذا الحل البديل أو ذاك وإحالة المعلوم والحلول إلى السياسي.

 4-  مرحلة قرار السياسي بما يراه من تقدير لهذا الحل، على ضوء "السياسات العليا للدولة".

 وسنظل نؤكد على قول الطبيب الرازي رحمه الله: "إن الطبيب الذي لا يسأل مريضه عن مرضه كله، قاتل".

 ومؤلم أن كثيراً من سياسيي بلدان العالم غير المصنّف بعد الدرجة الثالثة ينهجون في التعامل مع شعوبهم باعتبارهم "كهنة المعبد"؛ هم يتلون ترانيم أو أناشيد صلواتهم، وعلينا "الترديد". وهم يحددون ما علينا أن نصنعه حين نمرض أو نبرد أو نتزوج... هم يحددون قوانين الحياة والموت، الجريمة والعقاب، والازدهار والخراب...

 فكيف تكون حالات العُبّاد خارج المعبد حين يختلف كهنة المعبد على مغانمه؟ والشعوب وحدها مصادر "المغانم" وعليها وحدها أعباء "المغارم".

 ولهذا، أستاذنا العزيز القدير الدكتور المقالح رعاكم الله، إن مركز الدراسات، وكذا جامعة صنعاء، لا بد أن يتحمل أحدهما مسؤولية الدعوة لتأكيد حضور "المختصين" في ندوة أو ندوات مختصة لدراسة ورسم المشروع الحضاري اليمني، في المحاور التي (نرى) بعدها شكل الدولة اليمنية الحديثة والمزدهرة المستقرة لقرون، والمستمرة في أمانها ونمو قدراتها الديمقراطية والقانونية.

 وحين يدرس ويرسم المختصون أنموذج اليمن الحديث هل تعتقدون أن السياسيين سيمنعون ذلك؟ حتى وإن حاولوا، فالمعارف ذمة في نفوس العارفين، وإننا فقط لم نحاول، وأكثر من ذلك أن العلم مطلوب لذاته، ففيه الكفاية لغيره، ولو رمينا الأمر حتى يصدروا في المحاولة أمرهم فإننا نكون فقط قد وقعنا في فخ "نواياهم في مراحل أمرهم".

 ويا أستاذنا القدير: الأزمات قادمة حتى وإن "حوصرت" الآن، لأنهم لا يقولون كل شيء، وربما لأنهم لا يعرفون كل ما ينبغي أن يُعرف.

 إن اليمن في خطر. وليس الأمر لندوة في إزالة الخطر الماثل، وإنما في صياغة علمية، هادفة لتحويل الأزمات إلى قضايا تدرس في احتمالات وقوعها أو علوم حلولها. ووحده المختص الذي سيرى حقيقة ونموذج الحالة المدروسة. أما السياسيون فلا. ويكفي! لقد جربناهم في نماذجهم التي سمعنا منهم مصطلحاتها: الديمقراطية، الوحدة، التحديث، القانون... وخذوا هذا مثالاً: في كم شكلاً خرج قانون الانتخابات في ظرف شهر من أوائل هذا العام؟ وفي أي معنى التقسيم الإداري؟ بل كم جرى من تقسيمات للدوائر على الخرائط النظرية؟ وكم الخلط الآن بين الإدارة المحلية والحكم المحلي والفدرالية والمركزية واللامركزية وغيرها؟! ويعلم الله أنني لا أكتم استغرابي من يقينهم بأن كل مصطلح عندهم له معنى واحد في بلاد الدنيا، ولو قالوا: "على ضوء واقعنا اليمني"، سنقول لهم: وهل تعلمون التاريخ والجغرافيا والأعراف و...؟! إنهم كهنة المعبد، في لحظة نما فيها التشاحن حتى بدا فيه "حمق جهلهم بالآثار" وهم يحشدون الشوارع والبيوت، في الداخل والخارج، لإعلان رسائلهم القادمة، وهي ألغام.

  لنحاول، ولو لمجرد المحاولة على الأقل، "سحب" ما بلغوه من تشاحن، لغرض تأصيل مرجعية العلم في اليمن؛ فهؤلاء الكهنة الذين تدخلوا حتى في الإحصاء السكاني واختلفوا عليه قبيل الانتخابات بدون أي وجه علمي غير "الأسس الكيدية"، وهم الذين ينزلون أو يرفعون ما يريدون من كلام ومفاهيم ويحددون للناس "ماذا يشعرون وماذا يقولون"؛ هؤلاء حان أن يتقوا الله في بلادهم، وفي علمائهم، وما أكثر العلماء في اليمن! وما أقل من تصح عليه صفة السياسي المتحضر الذي يرى غيره مختصاً أو إنساناً!

 ولا أحدد أنني مع أو ضد مفهوم هذا أو ذاك حول وجود ثوابت أو لا، حول نوع الوحدة وكيف تكون اندماجية وفدرالية، مركزية أو لا مركزية، اقتصادها له عملة الدرهم أو الريال، تدمج شركات الطيران أو لا. إنما المشكلة أكبر بكثير، إلى حد الشعور بالانحطاط الأخلاقي لدى شرائح هذه الجماهير التي لم تبلغ الرشد حتى اليوم.

 لماذا لم نسمع أحداً يقول كلمة واحدة حول الفدرالية ما بين يونيو 1990 وحتى أكتوبر 1993 إلاَّ الآن؟ من حق أي مواطن (دون الرعية أو في رأس الحكم) أن يقول رأيه في الحالات الطبيعة أو حتى غير الطبيعية. ولكن ما لن يدركه الآن بعض أهل اليمن هو أنهم دون مستوى المسؤولية، بل مسلوبون؛ بمجرد أن يقول سياسي كبير كلمة أو مفهوماً هم الذين "يتلون" بعده ما يحسبونه من تراتيل المعبد وأناشيده. كان الصحيح والمنطقي والنافع هو أن نجد المواطنين يطالبون -كل يوم- كل المختصين، بمعرفة أنظمة الحكمة، هل هناك نزعة تفكك في التاريخ اليمني، أسبابها وحلولها، كيف نرى أصل المشكلة: ليست هي في سيادة القانون، في تساوي المواطنة، ما هي آليات وبرامج وقوانين المواطنة الواحدة والحقوق والواجبات الواحدة والعادلة...

 ولكن من يقف مع هند أو عبلة من هؤلاء البعض هو لم يقصد المفهوم وإنما الموقف، لوهمه أن المفهوم هو الصحيح أو لتصوره أنه قد فهم الغاية المسكوت عنها في إعلان مفهوم ما. هلس... هلس، ولكن قاد إلى حافة الهاوية. ثم من قال إن "أهل الحل والعقد" هم السياسيون (مصادر الفتنة في اليمن من غير حجاب أو نفاق)؟ ففي معارف التاريخ كانوا مجالس شاملة للعالم والوزير والقائد والناصر والمحارب. لننظر إلى التاريخ، هل كانت المجتمعات الإسلامية في منـزلها أو في جيوش فتوحها تحكم من قادتها العسكريين أم من العلماء؟

 صحيح أن الخلفاء لبسوا دور الفقيه والولي والقائد والحاكم بأمره، كثيراً؛ ولكن كانوا غالباً من العلماء، غزت قلوبهم شهوات الدنيا على نعيم الآخرة وإيمان المطمئن. فهل هؤلاء من السياسيين الذين أرادوا -أو لم يريدوا– دفعنا إلى حافة هلاك اليمن، هم علماء القانون والمجتمع واتجاهات التاريخ ومشكلات الجغرافيا وأهل الأسحار وسلاطين المعارف لتحديد "اقتصاديات" وخطط برامج الصحة والتعليم والفنون؟ هل هم؟ وأين بحوثهم؟ بل إنني لا أكتمكم سراً إذا قلت: لن تستطيع إلاّ نخبة محدودة البرهان على الكتابة أو القول المفيد في موضوع واضح وجلي حول أنظمة الحكم، هذه المشكلة لليمن، وبسببهم.

  هل يمكن أن نرى القول المفيد -على الأقل لنطمئن- إنهم يعرفون ما يقولون أولاً، ويريدون ما نسمع منهم أخيراً؟

 ولأنهم لن يصنعوا إلاَّ المحنة، ببرهان ما نحن فيه، وبتقديم أهل الثقة عندهم قبل أهل الكفاءة؛ فإن المحنة لا بد تزداد.

 والصحة، يا أستاذنا القدير، لا تُعدي، إنما هو المرض والوباء، وأصل الوباء هو اضطرار السياسي إلى "سياسي مثله أو تحته"، ثقة في هيكل الدولة، ثم سلسلة من "النوايا" ظلت وستظل تعمل في خراب حتى ما يأملون هم أن يحققوه، ليسجل عنهم التاريخ شيئاً. ولكن ما يبنى على خطأ فهو الباطل أخيراً. ونحن في الباطل.

 بل اسمح لي أن أقول كلمة أخيرة، وهي انطلاقاً من الأثر الحكيم والمختبر: إن الساكت عن الحق شيطان أخرس. ولهذا لا بد –وهي تصبح هنا- أن يحاول المختصون من كل علوم الحياة والمجتمع، أن يقولوا كلمتهم. ولكن كيف؟ لا بد من إطار قانوني لبدايتهم لتكون شرعية، يدخل بابها المختصون، ليس باعتبارهم لجان حوار محدودة أو مفتوحة، وإنما لأنهم دارسون وباحثون.

 إن مفتاح البداية في جيب مركز الدراسات. فإذا لم يكن هذا من عمله فنياً أو وطنياً، أو كلاهما، فعلينا أن نجلس كعجائز ننتظر الرحمة في شكلها الدولي أو الإقليمي أو درجات مشاعر هذا أو ذاك بحالة إشباعه من تنازلات الآخر.

 محنة لن نخرج منها أبداً، حتى ولو جرت اتفاقات سياسية، وعلى طاولات سرية أو علنية، على أعين عرب أو عجم. باطل في باطل.

 ولكن إذا كان تقديركم أن الانشطار النفسي لم يعد بين السياسيين فقط وإنما قد غزا العلماء، وكل حزب بما لديه "مسطول" بفرحه أو ترحه، وتفصلت العقول العلمية على مقاس كل حزب؛ فإذاً هي اللحظة التاريخية الفاصلة بين شعب مأثرته القديمة قبل اليوم كانت في الإيمان والحكمة، و"مشبحته في ظلال التاريخ الحارقة بعد أسابيع أو شهور" هي "المـحْق" للعقل والمنطق ومكانتهما في الوجود الإنساني، والله سبحانه لم يكرم الإنسان عن الدابة أو البهيمة إلاَّ بالعقل.

 والعقل يقول اليوم: لا بد من محاولة لنختبر جميعاً:

 1- أن السياسي اليمني يكرّم العقول الخبيرة.

 2- وأنه يريد الخبر من مصادره العلمية وليس للكيد والخداع.

 3- وأن السياسي يأمل بصورة شاملة لدولة يمنية مدروسة وممكنة.

 وتأكدوا، لم أجد رغبة للكتابة على أحد من السياسيين، أو كلهم، في أطرافهم، لأنهم أصل المحنة. كما لم أجد من قبل الرغبة في نشر أي مقالة في أية جريدة كانت طوال هذه الفترة. فما يُكتب كشف عورات، وتلبُّس الجرائد لأدوار محاكم التفتيش. وأولئك الفرحون بما تنشره جرائدهم يحفرون قبر "النفس اليمنية"، إما لدوافع ثقافة "المقايل" وإما جهلاً بالآثار.

 وفي الأحوال كافة، يكفي السؤال: ألا يوجد حل فكري لحوار المكايد السياسية؟ وجزاكم الله ألف خير، الآن وفي الأجيال القادمة. والمحاولة تستحق مجرد التفكير بها. وإنها وحدها القناعة بالضرورة ستمنحنا جميعاً أن نقول بشجاعة: مهلاً! إن اليمن الحديث في نظر العلماء من كل الاختصاصات هو في الصورة والألوان والسمات التالية... هل نبدأ؟ الأيام تمر. والله الهادي.

  10/12/1993

إشـــارة  

الكاتب الأستاذ محمود صغيري واحد من علماء اليمن القلائل في مجال علوم الفيزياء والفلك. وهو يمتلك ثقافة عالية، وحساً أدبياً تجلى، كأفضل ما يكون، في روايته البديعة "الميناء القديم". ومحمود من المثقفين القلائل الذين يحملون الحب للجميع، ولا يضمرون لأحد سوءاً. وحرصه على تمثل هذا المبدأ جعله يعيش خارج البلاد لسنوات طويلة، حتى لا تدفعه الظروف إلى الاصطفاف في تيار سياسي يضعه -دون إرادته- في مواجهة لا يرتضيها مع تيارات سياسية أخرى.

وهذه الرسالة التي كتبها في أواخر عام 1993، قبل شهور قليلة من احتدام الصراع بين الإخوة الأعداء، وانفجار حرب صيف 1994، تكشف عن حيادية إيجابية لا تخفي محبته العالية للوطن الواحد.

 «غيمان»