العدد السابع - ربيع 2009م

فصلية تعنى بالكتابة الجديدة

   
 

أول الكلام
 

القدس عاصمة لثقافة الصمود ورفض الاحتلال (لقراءة المقال بصيغة أكروبات)

 عبد العزيز المقالح

كل كلام -في هذا الظرف العربي البائس- لا يبدأ من القدس ولا يقف عند غزة وما جرى ويجري عليها هو كلام غير عربي وغير إنساني، كلام لا يعد ناقصاً فحسب؛ بل خارج السياق الصحيح، فالقدس وهي عاصمة الثقافة العربية في هذا العام، هي عنوان كل يوم وكل عام. وغزة مدينة الألم والمأساة وساحة المذبحة التي لم تجف بعد، ولن تجف هي الأخرى. هي عنوان جارح في واقع الأمة وضميرها ويرمز لتشبث الإنسان بمكان يختلط فيه المقدس البشري والإنساني. ونحن في "غيمان" نشعر أنه من واجبنا أن لا نتجاهل القدس المحتلة المحاصرة لا بوصفها عاصمة للثقافة العربية كما أقرت هذا العام، وإنما لأنها عاصمة الحزن العربي والإنساني، كذلك لا ينبغي، بل لا يجوز أن ننسى ما حصل في غزة من جرائم وثَّقتها الصورة وفصّلتها وسائل الإعلام وهو جدير بان يظل في الذاكرة، ولا يمحو أثره نسيان أو تجاهل.

وفي مناسبة كهذه ثمة أسئلة علينا أن نسألها لأنفسنا ومنها ما الذي أفادته الثقافة العربية من إعلان المدن الرئيسية في الوطن العربي عواصم للثقافة؟ وكيف غدا حال واقعنا الثقافي بعد انحسار موجة الاحتفاء؟ ثم -وهذا هو السؤال الأهم- ما الذي سوف يتمخض عنه احتفاؤنا الاستثنائي والخاص هذا العام بالقدس عاصمة للثقافة العربية من مواقف أكثر إيجابية على الصعيد الفعلي والعملي؟ فالقدس في طريقها إلى التهويد الكامل، ومحتلوها يكملون الآن حفر الأنفاق تحت أرضية المسجد الأقصى ليس بحثاً عن أوهامهم وخرافاتهم التي أثبتت كل الحفريات خلو المنطقة من أي أثر يهودي يولد الخرافة، وإنما بقصد هدم المسجد وتعريضه للانهيار، وهو كمعلم ديني إسلامي رمز من أهم رموز الثقافة العربية العمرانية في التاريخ، ومكانته الروحية في قلوب العرب والمسلمين تفوق كل التصورات السياسية والثقافية. ولا تقبل الصمت والمساومة والتنازلات .

ومن المؤسف أن ينسى البعض أن الأدب، وموقف الأديب صاحب موقف أيضاً، وأنهما إذا لم يكونا كذلك فلا دور لهما ولا أهمية، وذلك ما لا نرضاه لهذه السلالة الطالعة من شجرة الأدب العربي المزهرة عبر العصور والتي وقف في ظلها الأدباء والشعراء الكبار والمفكرون العظام، وعُرفوا بجرأة مواقفهم ورؤاهم، الأمر الذي لا يليق معه ما يفعله البعض الآن من نشر المكائد وتصفية الخلافات على حساب المواقف التي تحسب في مسيرة الفكر والأدب وترصدها الأجيال ولا تغفر للمتهاونين والمتقاعسين والمترددين ممن يعلو لديهم باستمرار هاجس الكيد وينخفض هاجس الإبداع. ويعلنون أن الأديب لا تحميه من التشوهات سوى مواقفه المعلنة.

ونحن في غيمان إذ نُحيي تنصيب القدس عاصمة للثقافة العربية استكمالاً لدورها كعاصمة للصمود والكفاح ورفض الاحتلال، فإننا نتمنى أن تكون فعاليات هذه المناسبة -وقد توزعتها العواصم العربية لتعذر إحيائها في القدس المحتلة- تضامناً وتأييداً وإفصاحاً عن نبض الضمير العربي المثقل بالألم لما يحصل وحافزاً للمزيد من الإبداع والمواقف النبيلة في زمن الهزائم والخسائر ودافعاً للإصرار على الحرية والاستقلال ورفض المحتل بأية صورة جاء وتحت أي مسمى ظهر. ذلك أن فلسطين غدت قضية كل عربي، بل قضية كل إنسان منصف وصادق في إنسانيته، وهي وجع جارح تراكم عبر ستين عاماً ويزيد.