العدد الأول - شتاء 2007م

   
 

دراسات
 

التجربة الصوفية.. طريق المعرفة   (لقراءة المقال بصيغة أكروبات)

د. علي الحضرمي
ناقد وشاعر وأكاديمي من اليمن.

 

من أهم ما تتميّز به التجربة الصوفية، بما هي تجربة استجلاء معرفي للحقيقة، أنها تقوم على أساس من الربط بين المعرفة ومختلف النشاطات التي يسلكها الإنسان في علاقته بالعالم، مما يجعلها تجربة معرفية وحياتية في آن واحد. من أهم ما تتميّز به التجربة الصوفية، بما هي تجربة استجلاء معرفي للحقيقة، أنها تقوم على أساس من الربط بين المعرفة ومختلف النشاطات التي يسلكها الإنسان في علاقته بالعالم، مما يجعلها تجربة معرفية وحياتية في آن واحد.

ومع أنه لا توجد حتى اليوم صيغة متكاملة تتناول طبيعة التجربة في قيامها على هذا الأساس، فإننا سنحاول أن نلم بما يعنينا من ذلك من خلال تفهمنا لبعض الأفكار والعناصر التي اعتد بها الصوفية وعبّروا عنها في مواطن متفرقة.

وبداية نجد أن ثمة فكرتين يدخل في إطارهما كل ما عوّل عليه الصوفية في هذا المجال، هما: فكرة المحبة، وفكرة الحرية.

 

المحبــــــة

يقول القشيري (ت:465هـ): "المحبة توجب انتفاء المباينة"(1) وفيما يرويه عن السري (ت: 251هـ): "لا تصلح المحبة بين اثنين حتى يقول الواحد منهما للآخر يا أنا"(2) ويقول الحصري (ت:371هـ): "الحب استهلاك لا يبقى معه صفة"(3) ومعنى هذا أنه في حال المحبة تكف الذات عن أن ترى ما يفصلها عن الآخر من صفات الغيرية؛ حيث تدخل مع موضوعها في غمرة وجود واحد يضمهما معاً خارج محدودية القيمة العنصرية التي تتمايز بها الأشياء على نحو يفصل بعضها عن بعض.

ومن أهم ما ينبغي فهمه بشأن المحبة لدى الصوفية أنها لا تتجه من قِبل الذات نحو موضوع بعينه مثل شخص معين، أو شيء معين، وإنما تتجه نحو كل شيء في العالم. ذلك أن المحبوب الأوحد لدى الصوفية هو الحق الذي يوجد به كل شيء وبحسب إبن عربي فإن الحق يتحدد عبر كل ما يمكن أن تتحدد به الموجودات في تناغمها الحيوي الحر، دونما تعيّن(4). ومن هنا فإن كل ما يدخل في منظومة الحياة والعالم كونياً وإنسانياً، ينطوي على موضوع محبة لدى الصوفية، بحيث نفهم أنه إذا لوّح الصوفي بحبه لشخص ما، أو شيء ما، فإنه لا ينطلق عن تعلّقٍ بما يتميز به ذلك الشيء أو الشخص من صفات خاصة منفصلاً عن بقية الموجودات، وإنما ينطلق عمّا يشع به ذلك الشيء، في تناغمه مع جوهر الذات، من معاني القيمة الكلية للوجود.

وعلى أساس من هذا الفهم نجد أن ما توجبه المحبة من انتفاء المباينة يتم على مستوى كلي في علاقة الذات بالعالم على نحو يستجيب لما يتطلبه كمال المعرفة من سقوط رؤية التمييز بين الأشياء. وهو ما يفسر لنا ما نجده لدى الصوفية من تأكيد الارتباط بين المحبة والمعرفة على نحو يجعل كلاًّ منهما مرهوناً بحصول الآخر.

يقول النوري (ت: 295هـ): "المحبة هتك الأستار وكشف الأسرار"(5)، وفي ما يرويه القشيري: "كان سمنون (ت277هـ) يقدّم المحبة على المعرفة، والأكثرون يقدّمون المعرفة على المحبة"(6). وبصرف النظر عن مسألة التقديم والتأخير، فإن هذا ينبئ بأن المحبة تنتج المعرفة، كما أن المعرفة تنتج المحبة، وكلّما ازدادت المحبة ازدادت المعرفة، وكلّما ازدادت المعرفة ازدادت المحبة. وبالمقابل فإنه لا معرفة دون محبة، كما أنه لا محبة دون معرفة.

ولعلّه من الواضح أن المحبة في مفهومها هذا، لا تتطلب من المرء أن يبحث عن الآخر الذي يمكن أن يحبه، كما لا تتطلب منه أن يعرف كيف يمكن أن يكون محبوباً من قِبل الآخرين، وإنما تتطلب منه أن يعرف كيف يكون قادراً على المحبة.

وهنا تأتي أهمية الحرية. يقول السهروردي: "الذي أخذ في طريق المحبين حرٌّ من رق النفس"(7).

 

الحريــــــــة

الحرية كما يعرّفها القشيري هي: "أن لا يكون العبد تحت رق المخلوقات ولا يجري عليه سلطان المكونات، وعلامة صحته: سقوط رؤية التمييز عن قلبه بين الأشياء"(8). ومن أهم ما ينبغي ملاحظته هو أن ما توجبه المحبة من "انتفاء المباينة" يأتي هنا بوصفه علامة لصحة تحقق العارف بالحرية وهو "سقوط رؤية التمييز" مما يشير إلى أن المحبة والحرية وجهان لحقيقة واحدة في التجربة الصوفية. بحيث يمكن القول إنها تجربة محبة من حيث هي تجربة حرية، كما إنها تجربة حرية من حيث هي تجربة محبة ومن ثم فإن ما نجده في تعريف الحرية بـ"أن لا يكون العبد تحت رق المخلوقات ولا يجري عليه سلطان المكونات" لا يعني مفارقة الذات للعالم مفارقة قطعية ؛ وإنما يعني قدرة الذات على مفارقة ما يفرضه عليها نظام العالم الخارجي، في قيامه على أساس من الفصل والتمييز بين الأشياء، ودخولها -أي الذات- مع عناصر الوجود الخارجي في علاقة من نوع خاص، يختلف عن ذلك النوع من العلاقة الذي يتم بين الذات والعالم في إطار ما يقوم عليه نظام الألفة والعادة الذي يتبعه الإنسان في حياته اليومية، كما يختلف عن ذلك النوع من العلاقة الذي يتم بين الذات والعالم في إطار نظام المعرفة الحسية والعقلانية.

فالإنسان في علاقته بالأشياء في إطار نظام الألفة والعادة إنما يتجه نحو الأشياء، بدافع الضرورة المتعلقة بنزعاته ورغباته الغريزية الحسية، أو بدافع المصلحة والنشاط العملي المعتاد. وفي هذه الحال فإنه يظل أسيراً لما يفرضه عليه نظام الأشياء في استجابته لهذه الدوافع، ولما هو متواضع عليه عرفاً وشرعاً. كما أنه في علاقته بالأشياء، في إطار نظام المعرفة الحسية والعقلانية، يظل أسيراً لما تحيله إليه الحواس، في تفرقة وظائفها الإدراكية ومحدوديتها، من معاني القيمة العنصرية التي تتبدى بها الأشياء في تفرقة مظاهرها الخارجية المتمايزة والبادية بمظهر الثبات، ولما يمكن أن يقبله العقل في اعتماده على الحواس من معاني القيمة الموضوعية الخاضعة لمقاييس المنطق الخارجي، حيث لكل شيء حقيقته التي تفصله وتميّزه عن غيره على نحو ثابت لا يتغير ولا يتبدل.

ومن هنا جاء إلحاح الصوفية على الخروج من نظام الألفة والعادة وعدم القناعة بما هو ناجز، ومعروف، ومتواضع عليه، "قال رجل لأبي بكر البارزي: أوصني، فقال: احذر ألفتك وعادتك والسكون إلى راحتك"(9). ويقول أبو العباس أحمد بن عطاء (ت: 309هـ) "السكون إلى مألوفات الطبائع يقطع بصاحبها عن بلوغ درجات الحقائق"(10). كما نجدهم يؤكدون ضرورة المجاوزة لما تعطيه الحواس ويقبله العقل، يقول السهروردي: "فللكمال الإلهي جمال لا يدرك بالحواس، ولا يستنبط بالقياس"(11)، كما يقول: "الجمال الأزلي الإلهي منكشف للأرواح غير مكيف للعقل ولا مفسر للفهم"(12)، ويقول الغزالي: "ووراء العقل طور آخر تنفتح فيه عين أخرى يبصر بها الغيب ، وما سيكون في المستقبل، وأمور أخرى العقل معزول عنها "(13).

ولمّا كان الصوفية قد أدركوا أن الأسباب التي تجعل الذات رهن الخضوع لما يمليه عليها نظام الأشياء في العالم الخارجي، لا تعود إلى الموجودات، بما هي قائم حسي خارج الذات، بقدر ما تعود إلى الذات نفسها؛ فقد أكدوا أهمية الاتجاه نحو الذات وترويضها على مغالبة النزعات الغريزية والدوافع المصلحية، وعلى التأمل الحر للأشياء. وهنا تأتي أهمية الزهد والخلوة وغيرها من الأمور التي عوّل عليها الصوفية في هذا المجال مؤكدين في الوقت نفسه، وبخاصة كبار العارفين منهم، أن هذه الأمور ليست غاية في ذاتها وإنما تتخذ أهميتها بوصفها وسائل لترويض النفس على التحرر من دوافع المصلحة في سعيها إلى استجلاء الحقيقة، كما هو الحال لدى الشيخ الأكبر إذ يؤكد ضرورة ارتباط الخلوة بالتحصيل المعرفي:

 

فمن خلا ولم يجد فما خلا                    فهو طريق حكمها حكم البلى(14)  

 

فالإنسان إذ يتوخى ما يحقق لذاته نوعاً من الحرية في علاقته بالعالم ، لا يفارق العالم مفارقة قطعية، وإنما يفارق فيه دائرة المألوف والمعتاد، ليدخل مع الموجودات في علاقة من نوع خاص يقوم على أساس من الحرية والمحبة معاً، فهو يفارق المستويات السطحية في صورة الكون والحياة، من حيث يتغلغل في أعماق كل شيء في الكون والحياة.

وإذا كنا قد عرفنا أن الإنسان هو الذي يضفي القيمة على الموجودات بحيث لا يمكن أن تشف عن تجليات الحقيقة بمعزل عنه؛ فإن هذا يعني بالمقابل أن حرية الذات مما هو لبس في الأشياء مرهون بمدى قدرة الذات، نفسها، على التحرر مما هو لبس فيها هي، وهو ما يتمثل في نوازع الغريزة، ودوافع المنفعة، وعناصر التكوين الحسي والعقلاني في محدودية إدراكها وفي خضوعها لمعاني القيمة السكونية. وهذا هو ما سنحاول أن نتفهمه من خلال تفهمنا لما يسمى لدى الصوفية بالوجد.

 

الوجــــــد

يقول أبو سعيد بن الإعرابي (ت:341هـ) وهو من أهم من تحدث عن الوجد: "الوجد مباشرة روح، ومطالعة مزيد"(15)، ويقول: "أول الوجد رفع الحجاب، ومشاهدة الرقيب، وحضور الفهم، وملاحظة الغيب، ومحادثة السر، وإيناس المفقود، وهو فناؤك أنت من حيث أنت"(16). وفي هذا ما يكشف عن الطابع الحيوي للتجربة الصوفية، في قيامها بما تحمله من قيمة معرفية، على أساس من المحبة والحرية معاً، بوصفهما وجهين لحقيقة واحدة. فما نجده في التعريف الأول يعني أنه في حال الوجد يتحقق حضور الذات مع العالم بحيوية الجوهر الروحي على نحو يأتي معه الحصول المعرفي. وهذا يعني في المقابل تحقق حرية الذات من دوافع الغريزة والمصلحة التي تجعلها في ربقة الأشياء، ولو لم يكن الأمر كذلك ما حصل الوجد. إذ أنه كما يقول ابن الاعرابي: "يحجب عن الوجد رؤية آثار النفس والتعلق بالعلائق والأسباب لأن النفس محجوبة بأسبابها"(17) وهذا هو ما يقدمه لنا التعريف الثاني على نحو أكثر تفصيلاً، حيث يعرف الوجد من وجهين: فهو من وجه حال مجاوزة لحجاب المعلوم والظاهر إلى "الغيب" و"السر" و"المفقود"، وهو من وجه آخر: حال فناء الذات من حيث هي "أنا شخصية" و"رغبات حسية".

ونظراً لما تعرض له مفهوم "الفناء" من جراء الفهم الخاطئ لدى البعض ممن درج لديهم أن الفاني يتقمص روحاً علوية مفارقاً بشريته، أو أن الفناء حال مفارقة سلبية للناس وللحياة، فإنه يجدر بنا تفهم المسألة في حقيقة معناها الحيوي.

يقول الكلاباذي (ت:380هـ): "وليس الفاني بالصعق ولا المعتوه، ولا الزائل عنه أوصاف البشرية فيصير ملكاً أو روحاً ، ولكنه ممن فني عن شهود حظوظه"(18) ومعنى هذا أن الفناء ليس سوى تحرر الذات في علاقتها بالعالم من دوافع الغريزة والمنفعة، وهو ما يتلازم مع تصاعد حضورها الروحي. ولهذا يقترن مفهوم "الفناء" لدى الصوفية بمفهوم "البقاء"، على نحو يقضي باستحالة الفصل بينهما، فحال الفناء عن النفس هو من وجه آخر حال بقاء بالحق؛ إذ يرون أن الإنسان في ظاهره على صورة خلق، وفي باطنه على صورة الحق(19)، وهذا يعني أن فناء الذات ليس سوى خروجها من علائق القيمة العنصرية المتعلقة –في دوافعها المصلحية ونوازعها الشخصية- بتكوينها الحسي الذي هو على صورة خلق ، وحضورها مع الأغيار بحيوية جوهرها الروحي الذي هو على صورة الحق. "فالباقي بالحق الفاني عن نفسه، يفعل الأشياء لا لجر منفعة إلى نفسه، ولا لدفع مضرة عنها، بل على معنى: أنه لا يقصد في فعله جر المنفعة ودفع المضرة، قد سقطت عنه حظوظ نفسه ومطالبة منافعها، بمعنى القصد والنيّة"(20). والفناء بهذا المعنى لا يقتصر على ما يتعلق بدوافع الرغبة والمنفعة فحسب، بل يشمل كل مكونات الشخصية حسياً وعقلياً وثقافياً، في تعلقها بمعاني القيمة السكونية، بمعنى أن الذات في حال الفناء تتحرر من كل ما يتعلق بمعلوم سابق، بما في ذلك ما يحصل لها في أحوال وجدٍ مضت، بحيث تبقى بما هي عليه كينونتها الروحية في واقع الحال التي هي فيها، وفي إطار هذا المعنى يأتي قول صاحب اللمع: "ومعنى الفناء فناء صفة النفس، وفناء المنع والاسترواح إلى حال وقع"(21)، وقول الجنيد (ت: 297هـ): "أوصيك بقلّة الالتفات إلى الحال الماضية عند ورود الحال الكائنة"(22). وهنا ينبغي أن نتساءل هل يعني هذا تعطيل كل هذه العناصر من وظائفها الحيوية في علاقة الإنسان بالعالم؟ وإذا كان الأمر كذلك فبأي معنى يمكن أن يكون ثمة تواصل بين الذات والعالم؟ هنا ينبغي أن نتفهم ماذا يعنيه البقاء بحيوية الجوهر الروحي.

وأول ما ينبغي في هذا الشأن هو أن لا نتصور الروح قابعة في مكان معين من الذات فالروح هي قوام الحياة لكل خلايا البناء العضوي في الإنسان حساً وعقلاً، وليس ثمة من خلايا الكيان الإنساني ما يحيا بدون الروح، كما أن الروح لم تكن لتعبر عن نفسها بدون الحس، فالروح ليست نقيض الحس، كما أن الحس ليس نقيض الروح. ومن ثم فإنه لا ينبغي أن نتصور أن قيام أي من الروح أو الحس يتعارض مع قيام الآخر. الروح هي حياة الحس، والحس هو شكل الروح ولهذا يقول السراج: "مادام في العبد روح وهو حي لا يزول عنه الحس، لأن الحس مقرون بالحياة والروح"(23)، ويقول عمرو بن عثمان المكي (ت: 291هـ): "من قال إني لم أجد حساً عند غلبات الوجد فقد غلط لأنه لم يدرك فقد المحسوس إلا بحس"(24). والذي ينبغي أن نتفهمه هنا هو أن الجانب الحسي يتكون من عناصر متعددة كالعين والأذن واللسان والأنف، وكل عنصر من هذه العناصر له صفته العنصرية الحسية التي يتحدد بها مجال عمله على نحو لا يتعدى المجال العملي لعنصر آخر، فالأذن بطبيعة وظيفتها العنصرية مجالها السمع ولا يمكن أن تتعداه إلى النطق أو إلى الشم، والأنف بطبيعة وظيفته العنصرية مجاله الشم، ولا يمكن أن يتعداه إلى البصر أو السمع... وهكذا بقية الحواس. كما أن كل عنصر من هذه العناصر لا يتأثر في فاعليته ببقاء العنصر الآخر أو بزواله، فقد تتعرض الأذن للمحق، فيفقد الإنسان حاسة السمع فحسب دون أن يؤثر على حاسة البصر مثلاً أو غيرها من الحواس الأخرى. وهذا على خلاف الجانب الروحي الذي تمَّحي فيه حدود الفصل بين الصفات العنصرية. فالروح بها حياة كل عناصر البناء الحسي والعقلي في كينونة الذات؛ وإذا انطفأت الروح تكف كل العناصر عن العمل ويكف الإنسان عن الحياة.

ومن هنا فإن حال الفناء بما هي حال بقاء للذات بحيوية الجوهر الروحي لا تقوم على إلغاء القوى الحسية، والعقلية والخبرات، والمكونات الثقافية في الذات، وإذا كان منطق العقل يختفي، فإن هذا لا يعني إلغاء المعلومات العقلية وتعطيلها إلغاءً وتعطيلاً كلياً. يقول الغزالي: "فالعلوم العقلية غير كافية في سلامة القلب، وإن كان محتاجاً إليها"(25) وكذلك الخبرات، والمكونات الثقافية هي الأخرى لا يتم إلغاؤها، بل إنها تظل ذات أهمية في رفد الجانب الروحي. يقول القشيري: "فمن لا ورد له في ظاهره لا ورد في سرائره"(26) ويقول: "فكل من ازدادت وظائفه ازدادت من الله لطائفه"(27). وإذاً، ما يتم في حال الفناء هو أن الذات تنتقل في علاقتها بالعالم من مجال المواجهة الحسية والعقلية، في حدودها الضيقة، إلى مجال أعمق وأوسع وأغنى، مجال جوهري كلي. فالمكونات الثقافية، والخبرات، والتجارب السابقة، إذ تكف عن أن تعمل بوصفها معلوماً سابقاً يعيق الذات عن أن تتجاوز معلومها السابق، والقوى الحسية والعقلية، إذ تكف عن أن توجه الإدراك توجيهاً حسياً ومنطقياً صرفاً، فإنها جميعها، تعتمل في حركة وجود حيوي واحد حر، هي حركة الجوهر الكلي الذي يسمى بالجوهر الباطن أو الروحي. حيث تمّحي نقطة الفصل بين الشعور واللاشعور، أو لنقل بين الشعور الواعي والشعور اللاواعي؛ وحيث تتمازج صفات الحس، فلا تعود أي من الحواس تختص بوظيفتها الحسية المحدودة، بل تسري صفاتها بعضها في بعض، فتسمع العين، وتنطق الأذن، ويشاهد اللسان، حتى ليستدعي مدرك الحاسة الواحدة مدركات جميع الحواس في آن واحد، ذلك أن الذات، بحسب هذا التصور، تعود إلى بساطتها(28) فلا تظل تواجه العالم بقواها الحسية فحسب ولا بخبراتها فحسب، ولا بمكوناتها الثقافية فحسب، ولا بما تمليه عليها دوافع الغريزة فحسب، ولا بمفهوماتها العقلية فحسب؛ وإنما تواجه العالم بما هي جوهر كلي واحد، هو الذي يسمع، وهو الذي يبصر وهو الذي يتصوّر، بكلّيته الواحدة، حيث "تصير كل شعرة منه سمعاً، وكل ذرة منه بصراً، فيسمع الكل بالكل، ويبصر الكل بالكل"(29) وحيث تكون قد "امتزجت الأعمال القلبية والقالبية وانخرق الظاهر إلى الباطن والباطن إلى الظاهر"(30) ولهذا يقول الجنيد: "إذا فني الفناء عن أوصافه، أدرك البقاء بتمامه"(31) ويقول: "الفناء استعجام كلك عن أوصافك، واستعمال الكل منك بكليتك"(32).

وفي ضوء هذا المعنى لفكرة "الفناء" تتضح أهمية ما يرتبط بها من مسميات، كالنشوة والانخطاف والغيبة والسكر، وغيرها من المسميات التي تحمل معنى الغياب عما تتبدى به الأشياء في العالم الخارجي، من معاني القيمة العنصرية التي تفصل بعضها عن بعض، فالصوفية إذ يؤكدون أن "الفناء" لا يعني تعطيل قوى الحس والعقل، والخبرات وإلغاءها؛ يؤكدون في الوقت نفسه أن ما يصاحب هذه الحال من الانخطاف والسكر والغيبة والجذب، لا يعني المفارقة القطعية والغياب التام عن العالم، وإنما يعني الغياب عما ترتبط به الأشياء في وضعية نظامها الظاهري والمألوف من معاني القيمة العنصرية التي تفصل الأشياء بعضها عن بعض على نحو ثابت. يقول الكلاباذي: "السكر هو أن يغيب (العارف) عن تمييز الأشياء ولا يغيب عن الأشياء"(33) بحيث نفهم أن ما يتم في حال "الوجد" بما هي حال "فناء" من تحرر القوى الحسية والعقلية من قيود اختصاصاتها الوظيفية المحدودة ، ودخولها في غمرة الحركة الجوهرية الكلية للذات؛ يصاحبه تحرر العالم في إدراكنا له، من قيود القيمة السكونية المرتبطة بالأشياء في وضعية نظامها الظاهري والمألوف. حيث تدخل الأشياء في حركة تآلف حيوي حر تتعانق فيها الأطراف والمتفرقات على نحو يستجيب لنداءات العالم الكلي الباطن من الذات في احتضانه لأسرار الحقيقة المطلقة. وهو ما يتطلب، إلى جانب العناصر السابقة، قوة الخيال.

 

الخيـــــال

لم يلق الخيال، من قَبْل، ما لقيه لدى الصوفية من التقدير وسمو المكانة، فقد نظروا إليه على أنه أعظم ما أوجدته القدرة الإلهية. يقول ابن عربي: "ما أوجد الله أعظم منه منزلة، ولا أعم حكماً، يسري حكمه في جميع الموجودات والمعدومات، من محال وغيره،  فليس للقدرة الإلهية فيما أوجدته أعظم وجوداً من الخيال"(34).

وكلمة "الخيال" تتخذ أكثر من معنى لدى الصوفية وبخاصة لدى ابن عربي، فالخيال في توسطه بين النَفَس الإلهي وصور الممكنات، على النحو الذي تظهر به الوحدة على صور الكثرة المتفرقة، يسمى بالخيال المطلق(35) ومن ثم فإنه يتخذ أهميته بوصفه ملكة إدراكية لدى الإنسان تتوسط بين العالم الباطن من الذات الإنسانية وتحققات الوجود في العالم الخارجي على نحو تظهر فيه صور الكثرة المتفرقة في العالم الخارجي على صورة الوحدة الباطنة في الذات. وهو ما يسمى بالخيال المتصل، وبتعبير ابن عربي: "القوة المتخيلة في الإنسان وهو الخيال المتصل"(36).

ويتخذ الخيال، في مفهومه العام، أهميته في علاقة الذات بالعالم، من حيث هو حسٌّ باطن بين المعقول والمحسوس(37)  وهو بخاصيته هذه يجمع بين الإطلاق والتقيد، فقد جمع الخيال بين الإطلاق العام الذي لا إطلاق يشبهه، فإن له التصرف العام في الواجب والمحال والجائز... كما أن له التقيد الخاص المحض، فلا يقدر أن يصور أمراً من الأمور إلا في صورة حسية قد أخذها من الحس(38).

وهنا ينبغي أن نلاحظ ما نجده لدى الشيخ الأكبر، إذ يفرق بين نوعين من الخيال أحدهما منفصل والآخر متصل، فالأول في تقيده بالمادة الحسية يتقيد بما هي عليه في مظهرها الثابت وإن كان يضفي عليها صوراً روحانية متنوعة كأن نتخيل عدة أمور على صورة شيء بذاته أما الآخر وهو المتصل فإنه يتقيد بالمادة من حيث يشكل منها موضوعه المتخيل فحسب، وهو بهذا يخرجها من وضعيتها الثابتة التي يرتبط بها الخيال المنفصل.

وبوسعنا أن نتفهم هذه المسألة من خلال ما يقدمه لنا ابن عربي في طرحه للفرق بين الخيال المتصل والخيال المنفصل، والعلاقة بينهما. يقول الشيخ الأكبر: "الخيال وله حالان: حالة اتصال، وهذه الحال له بوجود الإنسان وبعض الحيوان، وحال انفصال، وهو ما يتعلق به الإدراك الظاهر منحازاً عنه في الأمر نفسه كجبريل في صورة دحية.. فالفرقان بين الخيال المتصل والخيال المنفصل أن المتصل يذهب بذهاب المتخيل، والمنفصل حضرة ذاتية قابلة للمعاني والأرواح فتجسدها بخاصيتها لا يكون غير ذلك، ومن هذا الخيال المنفصل يكون الخيال المتصل، والخيال المتصل على نوعين: منه ما يوجد عن تخيل ومنه ما لا يوجد عن تخيل كالنائم"(39).

ومفهوم الخيال المتصل يعني في إطار فهمنا العام للتجربة الصوفية، أنه يتصل بما هي عليه الذات في واقع وجودها الكلي الباطن المتغير باستمرار. أما في حال انفصاله فإنه يرتبط بمعلوم متعين في الذهن أو في العالم الخارجي بحيث نتخيل أمراً معقولاً أو غيبياً على صورة هذا المعلوم المتعين بوصفه كياناً مستقلاً بذاته غير متأثر بما هي عليه الذات المدركة في واقع وجودها النفسي الباطن. وهذا هو معنى قول الشيخ الأكبر: "هو ما يتعلق به الإدراك الظاهر منحازاً عنه في الأمر نفسه" وتزداد المسألة وضوحاً بما يقدمه الشيخ الأكبر في تمثيله للخيال المنفصل بتخيل "جبريل" في صورة "دحية"، فحين يتم تخيل "جبريل" على صورة "دحية" فإن الخيال يظل يتعلق بصورة "دحية" المعلومة، لدى الذات المتخيلة، بوصفها حقيقة موضوعية قائمة بذاتها غير متأثرة بما هي عليه الذات في عالمها النفسي الباطن، ولهذا نجد أن "المنفصل حضرة ذاتية قابلة للمعاني والأرواح فتجسدها بخاصيتها لا يكون غير ذلك". ومعنى هذا أن الخيال المنفصل بوصفه معلوماً متعيناً قائماً بذاته يقبل المعاني الروحية والمعنوية ويجسدها بخاصيته هو في استقلاليته عن الذات، وليس بما يتناغم مع باطن الذات المتغير باستمرار. فهذا هو ما يقوم به الخيال المتصل ولهذا نجد أنه – أي المتصل- يذهب بذهاب المتخيل. ذلك أن المتخيل، في حال الخيال المتصل، هو صورة العالم  الباطن من الذات، وبحكم تغير هذا العالم الباطن من حين إلى آخر، فإن صورته التي يتصل بها الخيال المتصل تذهب مع كل حركة تغيّر تطرأ على هذا العالم النفسي الباطن. فصورة هذا العالم التي قد يكون الخيال المتصل تعلق بها في وقت سابق قد ذهبت، والصورة التي يتصل بها، في لحظة الآن، في طريقها إلى الذهاب. والخيال المتصل، في تأثره بما هي عليه هذه الصورة في تغيّرها، يظل يذهب بذهابها. بحيث نفهم أن حركة التغير المستمر في واقع الوجود النفسي الباطن من الذات ينشأ عنها حركة تغيّر مستمر في الخيال المتصل بهذا العالم.

وحين يقول ابن عربي: "إن من الخيال المنفصل يكون الخيال المتصل"، فإن هذا يعني أن الخيال المتصل، في تجسيده لصورة العالم الباطن المتصل به، يأخذ مادته الحسية مما يقدمه له الخيال المنفصل من صور الموجودات المتعينة في الذهن أو في العالم الخارجي، وهو –أي الخيال المتصل- في أخذه مادته من الخيال المنفصل لا يظل يتقيّد بما هي عليه المادة في استقلاليتها عن الذات، وإنما يحرر هذه المادة مما تتقيد به، في انفصالها عن الذات، ويعيد تأليفها بما يتناغم مع صورة العالم الباطن من الذات. وبهذا فإنه يوحّد بين الكلي والجزئي، والروحي والمادي، والمطلق والمحدود، واللامرئي والمرئي، في حركة تضايف جدلي على مستوى الذات والعالم، يتشكل من خلالها الجزئي والمادي والمحدود والمرئي، بما ينفتح بنا على آفاق الكلي والروحي والمطلق واللامرئي.

وكما يقول ابن عربي في النص السابق فإن الخيال المتصل. "على نوعين، منه ما يوجد عن تخيّل، ومنه ما لا يوجد عن تخيل كالنائم" وكما يبدو فإن ما يوجد عن تخيل هو ما يحصل في حال الوجد بما هي حال فناء عن المستويات السطحية من الذات، وبقاء بحيوية الجوهر الروحي. بحيث نفهم أن حركة تصاعد الحيوية الروحية في حال الوجد، هي في الوقت ذاته حركة تصاعد حيوي للخيال المتصل. أما "ما لا يوجد عن تخيل كالنائم" فيتمثل في رؤيا الأحلام التي تحصل في حال النوم، وهو في الحالين يتصل بما هي عليه الذات في واقع وجودها النفسي الباطن.

 وفي ضوء ما تقدم نستطيع أن ننظر إلى التجربة الصوفية على أنها تجربة تأمل ذاتي حر يعتمد على الاستبطان والتخيل في علاقة تواصل جوهري بين الذات وتحققات الوجود في العالم الخارجي، وهو نوع من العلاقة تتحرر فيه الذات من علائق المعنى السكوني للوجود (الكون والحياة) في وضعية نظامه الظاهر والمألوف، لتتغلغل في أعماق الموجودات، حيث تدخل مع موضوعها في غمرة وجود واحد يضمهما معاً في حركة تناغم حيوي حر يصبح فيه الموجود مجلىً لأسرار الحقيقة بقدر ما يشف عنه، في تناغمه مع أسرار الذات وكوامنها الخفية، من حيث هي عالم نفسي باطن دائم التغير. ولهذا ارتبط مفهوم الأحوال لدى الصوفية بفكرة التغيّر والتبدّل في واقع العالم النفسي الباطن من الذات في تأثرها بما يطرأ عليها في علاقتها بالعالم الخارجي. يقول الغزالي: "والحال منزلة العبد في الحين فيصفو وقته، وقيل هو ما يتحول فيه العبد ويتغيّر مما يرد على قلبه، فإذا صفا تارة وتغيّر أخرى قيل له حال"(40)، وسئل "ذو النون المصري" عن العارف فقال: "كان ها هنا فذهب"(41) ومعنى هذا كما يقول صاحب "التعرف": "أنك لا تراه في وقتين بحالة واحدة"(42)، ويقول القشيري: "التلوين صفة أرباب الأحوال... وصاحب التلوين أبداً في الزيادة"(43). وعند هذه النقطة تتضح أهمية الالتقاء بين فكرة الباطن وفكرة السفر في التجربة الصوفية، حيث يجدر بنا أن نشير إلى أنه إذا كان الصوفية يسمون التصوف بعلم الباطن، فإنهم كذلك يسمونه بعلم السفر. يقول الغزالي: "والسفر سفران: سفر بظاهر البدن عن المستقر والوطن إلى الصحارى والفلوات، وسفر بسير القلب عن أسفل السافلين إلى ملكوت السماوات؛ وأشرف السفرين السفر الباطن، فإن الواقف على الحالة التي نشأ عليها عقب الولادة الجامد على ما تلقفه بالتقليد من الآباء والأجداد لازم درجة القصور، وقانع بمرتبة النقص"(44).

 ومعنى هذا أن التجربة الصوفية تظل تضعنا في حال مجاوزة مستمرة للمعلوم السابق، مما هو موروث ومما هو قائم، على مستوى المعرفة، كما على مستوى الحياة.

 إنها تجربة كشف مستمر، وتوهج مستمر، تجربة سفر معرفي لا حدود له، سفر في الذات، وسفر في الكون، في وقت واحد، كلما انفتح سرٌّ بدا مرتبطاً بأسرار أبعد وأعمق؛ لذا يبدو الصوفي، على الدوام قلقاً، منخطفاً، شاطحاً، لا يقر له قرار، يفتتح عوالمه ليتجاوزها، تدهشه حين يعانقها لأول مرة، فيظل يخلقها المرة بعد المرة، ليعيش دائماً في المدهش المفاجئ. وكما يقول السهروردي: "التصوف كله اضطراب، فإذا وقع السكون فلا تصوّف"(45).

 

الهـــوامـــــــش:

 (1) أبوالقاسم عبدالكريم القشيري: الرسالة القشيرية، ج2/624، تحقيق د. عبد الحليم محمود، محمود بن الشريف، دار الكتب الحديثة – مصر 1974م.

 (2) المصدر نفسه، 8.

 (3) أبو عبد الرحمن أحمد السلمي: طبقات الصوفية، 492، تحقيق نور الدين شريبة، دار الكتاب النفيس، حلب- سوريا 1986م.

 (4) انظر، ابن عربي، الفتوحات الملكية، ج3/ 470، وكذلك انظر نصوص الحكم، ج1/111.

 (5) القشيري: الرسالة، ج2/618.

 (6) المصدر نفسه، ج2/622.

 (7) السهروردي: عوارف المعارف، حاشية إحياء علوم الدين للغزالي، ج2/27،  مطبعة الحلبي – مصر – د.ت.

 (8) القشيري: الرسالة القشيرية، ج2/460.

 (9) السراج: اللُّمع، 334، تحقيق د. عبد الحليم محمود، عبد الباقي سرور، دار الكتب الحديثة، مصر، مكتبة المثنى – بغداد -1960 م.

 (10) السلمي: طبقات الصوفية، 272.

 (11) السهروردي: عوارف المعارف، حاشية إحياء علوم الدين للغزالي، ج2/205.

 (12) المصدر نفسه، ج2/205.

 (13) الغزالي: المنقذ من الظلال، ص148-149، تحقيق د. عبد الحليم محمود، دار الكتب الحديثة – مصر، د.ت.

 (14) ابن عربي: الفتوحات المكية، ج2/150.

 (15) السراج: اللُّمع، 382.

 (16) المصدر نفسه، 376.

 (17) المصدر نفسه، 376.

 (18) الكلاباذي: التعرف لمذهب أهل التصوف، 131، دار الكتب العلمية، بيروت 1400هـ/1980م.

 (19) انظر: ابن عربي، فصوص الحكمة، ج1/ 55، حققه: أبو العلاء عفيفي، ط2، دار الكتاب العربي – بيروت 1980م.

 (20) الكلاباذي: التعرف لمذهب أهل التصوف، 124.

 (21) السراج: اللمع، 417.

 (22) المصدر نفسه، 335.

 (23) المصدر نفسه، 553.

 (24) المصدر نفسه، 424.

 (25) أبو حامد الغزالي: إحياء علوم الدين، ج3/17.

 (26) القشيري: الرسالة، ج1 /217.

 (27) المصدر نفسه، ج1 /217.

 (28) انظر عاطف جودة نصر: شعر عمر بن الفارض، 297، وكذلك انظر عبد الخالق محمود: شعر ابن الفارض في ضوء النقد الأدبي الحديث، 80-81.

 (29) السهروردي: عوارف المعارف، حاشية إحياء علوم الدين للغزالي، ج1 /220.

 (30) المصدر نفسه، ج2/26.

 (31) السراج: اللمع، 285.

 (32) المصدر نفسه، 285.

 (33) الكلاباذي: التعرف لمذهب أهل التصوف ، ج1/220.

 (34) ابن عربي: الفتوحات المكية، ج3 /508.

 (35) المصدر نفسه، ج2 /311.

 (36) ابن عربي: المصدر نفسه.

 (37) المصدر نفسه، ج3/377.

 (38) المصدر نفسه، ج3/ 377.

 (39) المصدر نفسه، ج2/311.

 (40) الغزالي: الإملاء عن إشكالات الإحياء، حاشية إحياء علوم الدين، ج1/62.

 (41) الكلاباذي: التعرف لمذهب أهل التصوف، 138.

 (42) المصدر نفسه، 138.

 (43) القشيري: الرسالة، ج2 /506.

 (44) الغزالي: إحياء علوم الدين، ج2 /217.

 (45) السهروردي: عوارف المعارف، حاشية إحياء علوم الدين للغزالي، ج1 /291.