العدد الأول - شتاء 2007م

   
 

دراسات
 

ركائز التجديد في شعرية الحداثة (لقراءة المقال بصيغة أكروبات)

                                                                                    محمد عبد المطلب
                                                                                       ن
اقد وأكاديمي من مصر.

 
(1)

لقد سارت الشعرية العربية مخترقة الزمان والمكان، وكانت مسيرتها الطويلة مليئة بالتحولات الصاعدة والهابطة. وبرغم الصعود والهبوط فإنها أسست إبداعها على ركائز مركزية حافظت عليها في كل تحولاتها، وفي كل تنقلاتها في الزمان والمكان، حيث أصبحت هذه الركائز محددة لملامح الهوية الإبداعية للشعرية العربية. وهذه الركائز هي: الركيزة الأولى: "الإيقاع الموسيقي" الذي صاحب البدايات، وظل فطرياً إلى أن كشف عن قانونه الخليل بن أحمد في "علم العروض" بعبقريته الموسيقية، وظلت بحور الشعر على نسقها الموروث إلى أن أصابها نوع من الاهتزاز المحدود في "الموشحات والمخمسات والمربعات والمسدسات" ولم يكن الاهتزاز محدوداً فقط، بل كان مؤقتاً أيضاً، إذ سرعان ما استعادت البحور نسقها الخليلي، وحافظت على هذا النسق إلى أن جاءت مرحلة "التفعيلة" فكانت نوعاً من التمرد المنضبط على نظام البحر، ثم جاءت المرحلة الأخيرة التي مثلت هجرة شبه جماعية إلى "قصيدة النثر" التي استبعدت النظام العروضي من إبداعها.

الركيزة الثانية: "اللغة" أو بمعنى أدق "اللغة الشعرية" التي تخالف اللغة المثالية من حيث المستهدف الأصيل، إذ إن الهدف الأصيل للغة المثالية هو "التوصيل" بينما تخلت لغة الشعر عن هذا الهدف، أو أنها لم تجعله هدفاً مركزياً لها، فهدفها توصيل ذاتها بكل طاقتها الجمالية.

الركيزة الثالثة: "التخييل" أي: الطاقة الداخلية المنتجة للتوهم أو التوقع بكل توابعهما البلاغية من المجاز والاستعارة والكناية والتشبيه. وتتجلى أهمية هذه الركيزة في أن الفارابي أعطاها قدرة إنتاج الشعر، حيث يقول: "ويبتدئ مع نشوء الصناعات القياسية أو بعد نشأتها، استعمال مثالات المعاني وخيالاتها مفهمة لها، أو بدلاً منها، فتحدث المعاني الشعرية، ولا يزال ينمو ذلك قليلاً قليلاً إلى أن يحدث الشعر"(1).

الركيزة الرابعة: "المعنى" وقد جاءت رابعة، لأن أهمية المعنى ليست أهمية ذاتية وإنما أهمية المعنى في كيفية إنتاجه، ولعل ذلك كان وراء مقولة الجاحظ التي احتفى بها عبدالقاهر الجرجاني احتفاء بالغاً: "المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي، والقروي والبدوي، وإنما الشأن في إقامة الوزن، وتخير اللفظ، وسهولة المخرج، وصحة الطبع، وكثرة الماء، وجودة السبك. وإنما الشعر صياغة وضرب من التصوير"(2).

لقد صاحبت هذه الركائز الشعرية العربية في مسيرتها الطويلة دون أن تحجب بعض التوابع من التدخل في إنتاج هذه الشعرية، ويمكن القول إن كل مرحلة شعرية قد حافظت على هذه الركائز جملة، ومعظم مغامراتها التجديدية كانت في إعادة ترتيبها حسب عقيدتها الإبداعية.

وقراءة المدونة التراثية للشعر العربي تؤكد تقدم ركيزة "الإيقاع الموسيقي" على غيرها من الركائز، وكان الشعراء أنفسهم على وعي بهذا التقدم وأهميته، وفي ذلك يقول عبيد بن الأبرص:

سل الشعراء هل سبحوا كسبحي

بحور الشعر أو غاصوا مغاصي

لساني بالقريض وبالقوافي

وبالأشعار أمهر في الغواصِ(3)

بل إن الشاعر القديم كان يؤثر التجاوز اللغوي على التجاوز العروضي، وهو ما سنتناوله عند الحديث عن "الضرورة الشعرية"، وقد انتقل الوعي بأهمية الموسيقى للشعر إلى النقاد، فعندما تحدّث "قدامة" عن الشعر جعل ركائزه أقساماً، ورتبها حسب أهميتها عنده، وهذه الأقسام: "قسم ينسب إلى علم عروضه ووزنه، وعلم ينسب إلى علم قوافيه، وقسم ينسب إلى علم غريبه ولغته، وقسم ينسب إلى علم معانيه والمقصد به، وقسم ينسب إلى علم جيده ورديئه"(4).

وقد ظلت موسيقى الشعر محافظة على التقدم في الترتيب مع مرحلة "الإحياء"، وقد عبر عن ذلك حافظ إبراهيم في تحيته لأحمد شوقي:

الشعر في أوزانه لو قسته

لظلمته بالدُّرِّ في ميزانِهِ(5)

م جاءت مرحلة "الرومانسية" التي أطلق عليها الدكتور عبد القادر القط "الوجدانية"، وهي التسمية الأنسب من وجهة نظرنا، جاءت وعدلت ترتيب هذه الركائز مقدمة "الخيال" على سواه تبعاً للعقيدة الإبداعية لهذا الحلف الشعري، وقد عبر خليل مطران عن هذه العقيدة في قوله:

إن كان بعض الشعر هذا شأنه

ما الشعر؟ كل الشعر محض خيالِ

ثم جاءت مرحلة "التفعيلة" لتحدث تعديلاً مزدوجاً، فجعلت التفعيلة بديلاً عن البحر، ثم قدمت اللغة على سواها من الركائز. وفي مرحلة الحداثة ومولودها الجديد (قصيدة النثر) لم يحدث تعديل كما حدث في المراحل السابقة، وإنما حدث إسقاط وحذف، حيث أسقطت قصيدة النثر "الموسيقى العروضية" نهائياً واعتمدت ركيزتين فقط: اللغة والتخييل.

 

(2)

برغم تقدم ركيزة الموسيقى العروضية في المدونة التراثية، فإن اللغة كانت تزاحم هذه الركيزة في مكانتها ووعي الشعراء بتقدمها. يقول "البحتري" كاشفاً عن هذا الوعي في عملية "الاختيار" اللغوي في بناء الشعر:.

بمنقوشة نقش الدنانير ينتقى

لها اللفظ مختاراً كما ينتقى التبر(6)

وهي العملية التي كانت مساحة لفخر المتنبي:

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي

وأسمعت كلماتي من به صممُ

أنام ملء جفوني عن شواردها

ويسهر الخلق جرّاها ويختصمُ(7)

والوعي بأهمية اللغة ودورها في إنتاج الشعرية كان له صداه عند النقاد القدامى، وتمثل ذلك في إدراكهم لخصوصية اللغة الشعرية، يقول "خلف الأحمر": "إذا كان الشعر مستكرهاً، وكانت ألفاظ البيت من الشعر لا يقع بعضها مماثلاً لبعض، وكان بينها من التنافر ما بين أولاد العلاّت، وإذا كانت الكلمة ليس موقعها إلى جنب أختها مرضياً موافقاً؛ كان على اللسان عند إنشاد ذلك الشعر مؤونة"(8).

لقد كان كلام "خلف" وأمثاله في هذه المرحلة المبكرة مقدمة لنتيجة لازمت الشعر حتى اليوم هي "لغة الشعر" المغايرة لـ"لغة النثر"، وقد تحددت هذه المغايرة إجرائياً في مصطلح موغل في تراثيته هو "الضرورة الشعرية" الذي ضبط حدوده المعرفية "ابن عصفور" في قوله: "اعلم أن الشعر لما كان كلاماً موزوناً يخرجه الزيادة فيه والنقص منه عن صحة الوزن، ويحيله عن طريق الشعر، أجازت العرب فيه ما لا يجوز في الكلام، اضطروا لذلك أو لم يضطروا إليه"(9).

وإذا كانت "الضرورة" تمثل قانوناً خاصاً للغة الشعر، فإن هذه اللغة خضعت لقانون عام هو "قانون التطور" الذي يلاحق اللغة في عمومها، وقد رصد هذا القانون -تنفيذياً- واحد من اللغويين الأوائل هو "أبو عمرو بن العلاء" في قوله: "اللسان الذي نزل به القرآن، وتكلمت به العرب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، عربية أخرى غير كلامنا هذا"(10).

إن كل ذلك يؤكد خصوصية لغة الشعر، وأن للشعراء حقوقاً لغوية ليست لسواهم من المبدعين، وقد تبلورت هذه الحقوق في "الجملة التراثية": "الشعراء أمراء الكلام، يقصرون الممدود، ولا يمدّون المقصور، ويقدمون ويؤخرون، ويومئون ويشيرون، ويختلسون، ويعيرون ويستعيرون"(11)

من الواضح أن ركيزة اللغة وصلت إلى العصر الحديث، ثم مرحلة الحداثة، محملة بركام كبير من ميراثها القديم، ومحملة ببعض هوامش القداسة، نتيجة لارتباطها بالنص المقدس. لكنها استطاعت الخلاص من بعض هذا وذاك، بل إنها تخلصت من بعض هوامشها الاستعمالية، مما أتاح لها قدرة إضافية في إنتاج دلالتها (الإشارية) التي تمايزت من خطاب إلى آخر، ومن مبدع إلى آخر. كما أتاح لها مساحة واسعة في تشكيل علاقة الدال بالمدلول جزئياً وكليا،ً حتى يمكن القول إنها أصبحت "لغة مجازية" موغلة في "الحقيقة"، وأصبح لها معجم طارئ له مواضعاته الجديدة التي قد تخالف المعجم المحفوظ في قليل أو كثير. ذلك أن المحفوظ لا ينتج إلا محفوظاً، والشعرية تتعالى على المحفوظ الذي ابتذله الاستعمال.

ومن الممكن أن نرد جانباً من هذه القدرات التي حازتها اللغة إلى وعي حداثي يؤمن بتداخل مستويين، كان -وما يزال- بينهما فصل منهجي، هما: "مستوى اللغة" و"مستوى الكلام". ذلك أن اللغة، برغم فوقيتها ليست إلا ناتجاً للكلام برغم تحتيته. وقد ساعد هذا الإدراك على تلاشي الفارق بين المستويين نوعاً ما، وقد تدخل الشعراء بإبداعهم لإزالة هذا الفارق نهائياً، فما كان من اللغة صار كلاماً، وما كان من الكلام صار لغة. ذلك أن الشعراء لم يلتزموا بموروثهم اللغوي الذي وصل إليهم، وإنما تحركوا فيه وبه، حركة واسعة، فاستحدثوا مواضعات لغوية حال إنتاجهم للكلام، وامتدت حركة الشعراء إلى مجمل الأبنية الصوتية والمعجمية والنحوية، ووصل الأمر إلى أن بعض الشعراء قدموا إبداعهم بوصفه مقترحات معجمية، على نحو ما فعل المتصوفة في إنتاج معجمهم الخاص، بل في إنتاج لغتهم الخاصة.

وعلى هذا النحو تأتي نبوءة أحمد الشهاوي في أحاديثه بامتلاك "لغة جديدة" يقول في نبوءته:

سيأتيكمو – فجأة – حياً وميتاً

فادخلوه

أوسدوا القلب نجماً

والروح برقاً

والعقل فاتحة من نيازك

ولا تسألوه

سيفيض بحراً

هو عارف لغة جديدة(12)

وقد أخذت اللغة الجديدة تعلن عن نفسها في مطلع الدفقة عندما جمعت النقيضين: الحياة والموت، في كائن واحد. ثم توالت خلخلة المواضعة المحفوظة في الجمع بين: القلب والنجم، ثم الروح والبرق، ثم العقل والنيزك، وهي ثنائيات لا يتقبلها العقل في حالة توحد أو تكامل. أما بشارة النبوءة فكانت في السطر قبل الأخير، حيث يكون البحر مداداً لهذه اللغة.

معنى هذا أن شعرية الحداثة تنظر إلى اللغة بوصفها إحدى مبتكراتها، لا بوصفها ميراثاً فوقياً يجب أن تخضع لقوانينه. ويبدو أن هذه النظرة الحداثية تمتُّ بصلة نسب للشعرية التراثية ومغامراتها التي بلغت ذروتها مع أبي تمام، حتى إن ابن الأعرابي عندما كان يستمع لبعض أشعاره يقول: "إن كان هذا شعراً، فما قالته العرب باطل". وهذه المغامرة التجريبية هي التي دفعت "أبا سعيد المكفوف" أن يقول لهذا الشاعر: "يا أبا تمام لم لا تقول من الشعر ما يفهم؟!"، وهو الأمر الذي دفع "أبا إسحاق الموصلي" أن يقول له: "ما أشد ما تتكئ على نفسك!"(13)، يعني أنه لا يسلك مسلك الشعراء قبله، وإنما يستقي من نفسه.

إن شعرية الحداثة لم تكتف بإزالة الفاصل التقديري بين اللغة والكلام، بل إنها سعت إلى التعالي عليهما معاً، عندما اتجهت للتعامل مع تقنيات غير لغوية، مجلوبة من فنون غير لغوية مثل تقنيات الفنون التشكيلية في الرسم والنحت والتصوير، وتقنيات "الصورة المتحركة" مثل: السيناريو، المونتاج، والصورة المكبرة والمصغرة والقريبة والبعيدة والمواجهة والجانبية.

ويبدو أن الشعرية في اندفاعها إلى التجريب وتطلعها إلى البكارة أهملت بعض ظواهر "الجمالية"، وهي المظهر الذي قدسته الكلاسيكية، وحافظت عليه الرومانسية، واحترمته الواقعية. وكان هذا الإهمال واضحاً في شعرية جيل السبعينيات وما تلاه، وقد أرهق هذا الإهمال المتلقي العام والخاص على حد سواء.

وبرغم ذلك فقد احتفظت الحداثة بتقديم ركيزة اللغة، لكن بوعي مخالف؛ إذ إن اللغة كانت -دائماً-  وسيطاً بين المبدع والمتلقي، لكن مع الحداثة تحول الوسيط إلى طرف أصيل، فأصبحت مهمة الشعر توصيل اللغة ذاتها، فالذي ينطق ويتكلم في الشعر هو الأبنية الصياغية التي تقدم نفسها مباشرة تقديماً فريداً، إذ إن الجماعي تحول إلى فردي موغل في فرديته. وبحكم هذه الفردية أصبح من حق المبدع أن يغامر مع اللغة، ودفعها إلى التعبير عمّا لم تتعوده، ويطوعها لأداء مهام ليست من مهامها الأصلية. وأصبح عند المبدع يقين أنه من العبث توظيف اللغة شعرياً فيما يمكن أن يتحقق في صيغة نثرية، أو توظيفها في إنتاج معلبات دلالية فقدت شرط الصلاحية؛ ذلك أن المشاعر المألوفة، والانفعالات الفضفاضة، والعواطف المبتذلة، والأفكار المستهلكة، كلها تدخل دائرة الإبداع شعراً ونثراً، ومن ثم تجنبها شعراء الحداثة لأنهم يستهدفون الخصوصية، وبلوغ مناطق تستعصي على النثرية الخالصة، وبسبب ذلك نفرت شعرية الحداثة من "التجربة" بمفهومها الرومانسي والواقعي، وسعت إلى التجلي في مناطق "الحال والموقف والمقام" بكل مردودها العرفاني، وهي مناطق تخلص للداخل الذي لم يعد ينتظر واردات الخارج، لأن هذه الواردات تعتمد "المركزية"، والمركزية عليها تحفُّظ من أجيال الحداثة، وبديلها هو "الشك والتأجيل" أو "الاحتمال" الذي لا يعرف قانون الحسم على مستوى المدرك العقلي والواقع الموازي له؛ ولهذا لاحظنا في شعرية الحداثة عموماً، وقصيدة النثر خصوصاً إقبالها على "المجرد" و"المطلق" و"المجهول" و"الفراغ"، واختراقها قوانين الوجود في الزمان والمكان، والشعراء في ذلك أشبه بالمتصوفة الذين أدركوا أن وراء العالم المعلوم عالماً غائباً أو مجهولاً، يجب أن يقاربوه بالملاينة واللطف حيناً، والاقتحام العنيف حيناً آخر.

لقد لاحظنا سابقاً إقدام شعراء الحداثة على التعالي اللغوي باستعارة تقنيات فنون غير لغوية، ونلاحظ هنا أن هذا التعالي يأخذ نسقاً مغايراً، باتجاه هؤلاء الشعراء إلى امتصاص الخطابات الأخرى غير الشعرية، وبخاصة الخطاب "الصوفي"، حيث جاء الامتصاص كلياً وجزئياً باستخلاص طبيعته اللاعقلية، وعندما أجهزوا عليه، تحركوا إلى خطابات السحر والشعبذة، ثم صعدوا إلى عالم الفلك والكواكب.

يقول محمد فريد أبو سعدة:

كان العاشق نائماً، وكانت جالسة تشاهد

أحلامه، عندما ظهر لها رجل من القصدير

انحنى أمامها ثم دار حول العاشق بعصاه

………

قالت: وأين شهدائيل

أشار، فوجدت قبة من نور أبيض وأخضر ولها بابان، على كل باب ثلاثة أعوان وستة ألوية بستة ألوان، وعلى يسار القبة ملك طويل جداً هو صلحائيل رئيس الأعوان.

قالت: تبارك المشتري، والساكن بفلكه، الآخذ بناصية خدام يومه: الحاء – الآنك، البارد الرطب السعد المحض(14).

لاشك في أن هذه المغامرة مع اللغة وفي اللغة حررت الشعرية من موروثها الشفهي الذي كان يبحث عن الصدى الفوري عند المتلقي. أي إن الشعرية أصبحت شعرية الكتابة، بمفهوم بارت، لا شعرية الإنشاد بالمفهوم التراثي، وشعرية الحرية لا شعرية القيود، والشعرية المفتوحة لا المنغلقة؛ وتبعاً لذلك أسقطت الجدار العازل بين المباح وغير المباح، وأزالت الخيط الفاصل بين البياض والسواد، وكشفت عن كم وافر من شكوكها في مجموعة القيم الموروثة والمستحدثة، وبخاصة ما يتصل باللغة بوصفها كائناً قابلاً للانتهاك الذي يلاحق مراجعها الواقعية والعرفية والوضعية، فلا مرجعية للنص إلا ذاته.

لقد توافق إهدار المرجعية مع الخروج من الشفاهة. فإذا كانت شعرية التراث تنال صك الاعتراف بشعريتها على الفور، فإن ذلك يرجع إلى أنها وحدت بين لحظة الإبداع ولحظة التلقي، أما خطاب الحداثة فإنه لم يعتمد هذا التوحد، وإنما اعتمد "الوحدة" النافية لكل ظواهر الاحتفال الإنشادي تأسيساً على تخليص اللغة من طبيعتها المشتركة، وتحويلها إلى أداة فردية بوصفها الأداة والغاية على صعيد واحد.

وبحق هذه الفردية سمحت شعرية الحداثة لنفسها باستحداث بلاغة تختص بها تجاوباً مع إيقاعاتها المفارقة للإيقاع الموسيقي المحفوظ، ويبدو أنها أوغلت في مستحدثاتها البلاغية حتى دخلت إلى "اللادلالة" على معنى أن المتلقي ليس من حقه أن يطالب النص بمقولة، ومحاولة قهره على القول؛ ستكون ضد طبيعته الروّاغة، فهو أشبه بـ"الأخرس" الذي لا تدل صوتيته على معنى من المعاني، ومن يريد التواصل معه، عليه أن يتعامل مع ما ينتجه من إشارات وحركات وأصوات غير منطوقة، أي إنه سوف يتعامل مع صمته لا مع صوته.

وعلى هذا التأسيس النظري نقرأ نصاً لقاسم حداد بعنوان "لغة" يقول فيه:

جعلت هذه اللغة ملكة تخدم العبيد

جعلت البريق الباقي بوابات ليس لها عد

مفتوحة على كل الطرق

وأرخت لخيول أحلامي دهشة السهول

وعشب المخيلة

هذه اللغة ليست لسواي.. إلا شراك

تحسن الهجوم والمؤامرات(15)

يصحب النص اللغة إلى دائرة "المفارقة" الصاعدة إلى ذروة السلطة الأرضية "ملكة"، والهابطة إلى منحدر "العبيد" بل المنحدرة إلى "خدم العبيد" لكن هذه المفارقة تتسرب، وتخف حدتها عندما تنفتح اللغة على بوابات بلا حدود، ومن ثم تأخذ حركتها طبيعة عشوائية تآمرية.

عند هذه المنطقة الصياغية تدرك الذات المتكلمة أن اللغة لم تعد قادرة على إنتاج المعنى الذي حفظته من المواضعة الأولى، وهي مواضعة اكتسبت قداسة غير مبررة، ثم هي مواضعة لصيقة بحالة اليقظة بعيداً عن المخيلة، ومن ثم أسرعت الذات إلى مغادرة حالة اليقظة لتلحق بحالتها الأثيرة (المخيلة) ولواحقها الحلمية، حيث تستولي المخيلة على كل وظائف اللغة، وتصبح صاحبة الحق الأوحد في إنتاج المعنى خارج قيود المواضعة.

وتصل الدفقة الشعرية إلى ما نقصده من "تغييب الدلالة"، وحجبها عن الآخر، بوصف اللغة من ممتلكات الذات دون شريك، فهي منتجة المعنى ومستقبلته في الآن نفسه، وهو ما يعني أن جماعية اللغة قد آلت إلى فردية على مستوى الإنتاج وعلى مستوى التلقي، ومحاولة الآخر اختراق هذه اللغة سوف تقوده إلى مجموعة من المؤامرات الدلالية التي لا قبل له بها، فما عليه إلا أن يرضى من الغنيمة بالإياب. وهنا يمكن أن يسأل سائل: لقد ادعيت أن النص لم يعد مطالباً بأن يقول شيئاً، وكيف يصح هذا الادعاء مع كل هذه المستخلصات الدلالية بالسلب أو الإيجاب؟

والإجابة: إن ما طرحناه من مستخلصات، هو من مقولنا الذي حملناه على النص، وهو مقول احتمالي خاضع للرفض والقبول، وخاضع للجرح والتعديل.

 

(3)

لاشك في أن أكبر مغامرات شعرية الحداثة كانت مع "الموسيقى العروضية" حيث أهدرتها تماماً مع "قصيدة النثر"، وإن ظلت حاضرة في رحاب الشعرية العربية في بنائها العمودي والتفعيلي.

ومن الواضح أن الجيل الأخير من شعراء الحداثة لم يعد يعطي اهتماماً كافياً لموسيقى العروض، لأنه يرى فيها قيداً على شعريته يحاصر طاقتها الإبداعية، كما يرى فيه هيئة صورية غير محققة للتمايز بين المبدعين من ناحية، وغير قادرة على استيعاب مغامراتهم من ناحية أخرى.

وأعتقد أن المقدمات التي صاحبت الشعرية في القرن العشرين كانت تنبئ بهذه النتيجة التي نلحظها مسيطرة في شعرية الحداثة، وبخاصة في منجزات "قصيدة النثر"؛ فقد أخذت الشعرية في انتهاك الموسيقى العروضية منذ بداياتها الأولى. ونحن نرجح أن ما رصده الخليل من ظواهر الزحاف والعلة والشطر والجزء والنهك، هي نوع من الخروج على النسق المثالي للبحور كما رصدها الخليل، وهو خروج لحساب الشعرية الحقة، إذ إن هذه الشعرية من خواصها الملازمة لها: التمرد على القيود والقوانين السابقة، ذلك أن هذه القيود أدت إلى صدام بين البنية الصرفية والبنية العروضية، ثم بينهما وعملية إنتاج المعنى، ومن التزيد أن نعيد رصد نماذج التجاوزات العروضية التي ارتكبها كبار الشعراء وصغارهم في القديم والحديث.

بل إن الذي نرجحه أن الخليل لم يكتشف قانون البحور موسيقياً إلا بعد أن انتهك الشعراء هذا القانون، إذ إن التصور التقديري يدرك أن البحور كان لها صورة تنفيذية مثالية قبل أن تلحقها الزحافات والعلل، ثم أخذ الشعراء يغامرون للخلاص من هذه المثالية بكل قيودها دون أن يكون لديهم معرفة بقانون العروض، وتجسدت المغامرات في انتهاكات موسيقية متتالية شبيهة بانتهاكات قانون اللغة فيما سمي بـ"الضرورات الشعرية"، فالضرورات نوع من انتهاك قانون اللغة، والزحاف والعلة نوع من انتهاك قانون العروض، وكلاهما لم يكن له قوانين محفوظة في القديم، لكنهما كانا في الوعي الفطري للشعراء.

وقد استمر الانتهاك العروضي مصاحباً لمسيرة الشعرية وصولاً إلى مرحلة "التفعيلة"، حيث استخدم بعض الشعراء التفعيليين تفاعيل لم يعرفها العروض الخليلي، وبتروا بعض التفاعيل وداخلوا بينها على نحو غير مسبوق، أي إن الجيل الأخير من شعراء الحداثة وجد أمامه دعوة خفية إلى مواصلة مغامرة الانتهاك بوصفه حقاً شرعياً مارسه السابقون جميعاً في القديم والحديث، وبما أنه لم يجد أمامه مساحة يمارس فيها هذا الحق الشرعي، أقدم على هجر التفعيلة جملة، رافعاً مقولة أبي العتاهية: "أنا أكبر من العروض".

لقد كان إقدام أصحاب قصيدة النثر على هجر الموسيقى العروضية أمراً فرضته المقدمات التي سبقته، إذ الملحوظ أن كل مرحلة شعرية كان لها منطقة انطلاق ومنطقة وصول، وبينهما مارست مغامرتها التجديدية، في اعتدال حيناً، وفي غلو حيناً آخر. فالإحيائية تراجعت بمنطقة انطلاقها إلى الموروث الشعري، واستعادت قوالبه وتقاليده وبخاصة "وحدة الوزن والقافية" مع فضل إضافة تجديدية محدودة، وكانت منطقة البدء هي منطقة الوصول عند هذه المرحلة. ومن منطقة الوصول السابقة بدأ الرومانسيون الوجدانيون مغامرتهم مع الإيقاع الموسيقي بالنظر فيما بين أيديهم من شعر الإحيائيين، فتركوا الوزن على حاله التي كان عليها، ووجهوا تجديدهم إلى القافية وتجاوزوها في حماية مصطلح "المقطوعية" الذي أتاح لهذه القافية بعضاً من الحرية التي كانت قد اكتسبتها قديماً في حماية "المربعات والمخمسات والمسدسات" ومن ثم لم تكن المغامرة في هذا الإطار ذات خصوصية، وإنما جاءت الخصوصية في حماية مصطلح آخر هو "الشعر المرسل" الذي غابت فيه وحدة القافية تماماً، وقد مارست "مدرسة الديوان" الإبداع على هذا النحو، وإن تحفظت عليه نظرياً، فقد آزره "العقاد" أولاً ثم تراجع عنه بعد حين، كما آزرته "مدرسة أبولو" نظرياً في كثير من كتابات "أبي شادي"، أي إن الرومانسيين بدأوا حركتهم من "وحدة الوزن والقافية" لكي يصلوا إلى الحفاظ على الوزن وانتهاك القافية.

وجاءت مرحلة التفعيلة لتبدأ مغامرتها من منطقة الوصول السابقة عليها، فوثقت ما سبقها عن تحرر القافية وتنوعها، وانتهكت الوزن باستحداث نظام "التفعيلة"، وبالحق نعاود القول إنها لم تحترم التفعيلة احتراماً كاملاً. وجاء الجيل الأخير من الشعراء فوجدوا أن المغامرات السابقة قد انتهكت كلاًّ من الوزن والقافية، ومن ثم انغلقت أمامهم مساحة المغامرة، فأقدموا على هجرهما معاً في ظلال "قصيدة النثر".

ويجب التنبيه إلى أن تحديدنا لمناطق الانطلاق ومناطق الوصول لكل مرحلة شعرية، ليس تحديداً صارماً، وإنما هو تحديد قابل للاختراق، على معنى أن كل مرحلة كانت تتضمن إرهاصات بالمرحلة القادمة، بل إنها قد تتضمن جانباً من مغامرة المرحلة القادمة(16)

لكن ليس معنى هذا أن الحداثيين قد هجروا العروض لمجرد تحقيق المغايرة مع السابقين؛ لأن هذه الهجرة كانت مؤسسة على عقيدتهم الإبداعية، حيث نظروا إلى الموسيقى العروضية على أنها بناء استهلك نفسه في تكرارية لم تعد تشغلهم إبداعياً، لأن شاغلهم الأساسي هو "التفاعل الداخلي" وتسلطه على العالم الغائب والحاضر على سواء، تم تسلطه على أنساق الصياغة وتطويعها لإنتاج المعنى. وخلال هذا التسلط كان شعراء الحداثة يؤسسون لإيقاع مغاير للإيقاع الموروث الذي يعتمد "الحركة والسكون في البدء والختام". والمغايرة تمثلت في الخلاص من الختام، فالإيقاع الحداثي لا يعرف إلا البدايات التي تسلم إلى سواها من بدايات.

ولا يعني هذا أن قصيدة النثر ترفض الإيقاع مطلقاً، ولكن يعني أن كل إبداع يختار الإيقاع الذي يناسبه، والتناسب مشروط بأن يكون الإيقاع شديد الالتحام بالبناء التركيبي والدلالي، لا أن يكون سابقاً ولا لاحقاً عليه.

وعلى هذا الأساس رأى أصحاب قصيدة النثر ومن شايعهم من النقاد أنه لا يمكن حصر الإيقاع في النظام العروضي وحده، لأنه قد يتنافر أحياناً مع البناء التركيبي، وأحياناً مع الناتج الدلالي، وهذا التنافر يدفع النص إلى الترهل البالغ، أو الانكماش الشديد، وفي هذا وذاك يتلوث النص بكثير من النتوءات "الصوت دلالية" التي تهدر جانباً من شعريته، بل إنها قد تهدر جانباً من لغويته، وما الرخص العروضية والضرورات الشعرية إلا صورة من هذه النتوءات.

إن شعرية الحداثة لا تنظر للإيقاع العروضي بوصفه هدفاً في ذاته، إذ لو صح كونه هدفاً لكانت "ألفية ابن مالك" أعظم عمل شعري في العربية. ومن ثم فإنها تنظر في العروض بوصفه أداة لإنتاج الإيقاع، فالإيقاع هو المستهدف، ومن حق الشعرية أن تختار الأدوات التي تحقق لها هذا الإيقاع، سواء أكان ذلك بالتفاعيل، أم بسواها من الأدوات المنتجة للإيقاع، وهي أدوات متنوعة، فهناك الأبنية الإفرادية والأبنية التركيبية والأبنية الصرفية والحرفية والبديعية، وكلها أدوات تحتاج إلى الصبر في متابعتها كمَّاً وكيفاً لتحديد وظائفها الإيقاعية ومدى مشاركتها في إنتاج الشعرية. ونقول إنها في حاجة إلى الصبر، لأن المتابعة تتسلط على المستوى الكتابي، أو بمعنى أدق: على اللغة الصامتة، ومن ثم فإن المتابعة تحتاج إلى نقل المكتوب إلى منطوق لتحديد ركائز الإيقاع ومدى تواترها وانتظامها، وكيفية توزعها أفقياً ورأسياً. وأعتقد أن مثل هذه المتابعة تمثل المبدأ البنيوي للإيقاع الشعري، من حيث توثيق الصدام بين "صمت الكتابة بالفعل" و"صوتية نطقها بالقوة" ولكي يكون التوثيق إيقاعياً، فإنه يحتاج إلى قدر من الانتظام، وإلا استحال إلى نوع من الضوضاء التي تحدثها آلة خربة، تزداد ضوضاؤها تارة، وتهدأ أخرى، وقد يتوقف تماماً، وهذه إشارة عدم الصلاحية.

إن النظر في مجموع الظواهر الصوتية التي تحتضنها اللغة، يؤكد أن الشعرية لا يمكن أن تحصر نفسها في قالب إيقاعي بعينه، بل إن لها الحق المشروع في التعامل مع الأنظمة الإيقاعية التي تناسبها، وهي أنظمة تعتمد "الصوتية" اعتماداً أساسياً.

وإذا كانت الصوتية التراثية قد استراحت إلى نظام التفعيلة العروضية، فإن الحداثة قد وسعت دائرة الصوتية لاستيعاب مجموع الأبنية التعبيرية التي يحتضنها النص الشعري عند انفراده بنفسه، أو عند امتزاجه بالنثرية. على معنى أن مبدأ "التكافؤ الصوتي" أصبح بديلاً عن "التكافؤ العروضي"، على أن يؤخذ في الاعتبار أن تغييب الإيقاع نهائياً سوف يدفع بقصيدة النثر إلى النثرية الخالصة، كما أن الإيغال في الإيقاع سوف يدفع بها إلى منطقة القصيدة بعيداً عن النثرية، ومن ثم يمكن القول إن هذا النوع الأدبي يجمع بين الإيقاع وعدم الإيقاع، ونقصد بعدم الإيقاع هنا غياب الانتظام في الترجيع الصوتي.

ونقدم في هذا السياق ما نقصد بالانتظام وغياب الانتظام خلال رصد ظاهرة واحدة يمكن أن يقاس عليها غيرها من الظواهر الصوتية، ونعني بها "توظيف الحرف" بوصفه بنية مفرغة من الدلالة، وخالصة للصوتية، وبهذا يكون أداة من أدوات إنتاج الإيقاع إذا دخل دائرة "الترجيع التراكمي المنتظم".

ومن المسلمات أن توظيف الحرف صوتياً ظاهرة مغرقة في القدم، ومغرقة في ملازمتها للشعرية، ونظرة سريعة على المدونة التراثية للشعر العربي توثق هذا الادعاء، ونكتفي هنا بنموذج شعري منسوب لامرئ القيس يعتمد الحرف اعتماداً مطلقاً، وما اعتمده امرؤ القيس "لا ترى شاعراً يكاد يفلت من حبائله". كما يقول ابن رشيق(17).

يقول امرؤ القيس:

فهي هي وهي هي ثم هي هي وهي وهي

منى لي من الدنيا من الناس بالجملْ

ألا لا ألا إلا لآلاء لابث

ولا لا ألا إلا لآلاء من رحلْ

فكم كم وكم كم ثم كم كم وكم كم

قطعت الفيافي والمهامه لم أملْ

وكاف وكفكاف وكفي بكفها

وكاف كفوف الودق من كفها  نهلْ(18)

ومن نافلة القول أن نتناول غواية أصحاب "المقامات" مع الحرفية وسيطرتها على مجمل أبنيتهم الصياغية، وقد انتقلت الظاهرة إلى بعض شعراء الأندلس بوصفها نوعاً من المغامرة الصوتية داخل اللغة.

ولا نحب أن ننساق وراء بعض الآراء التي ربطت الظاهرة الحرفية بمراحل الضعف التي مر بها الأدب العربي، إذ إنها تكاد تكون حاضرة في تاريخ الأدبية عموماً والشعرية خصوصاً حتى في أكثر مراحلها ازدهاراً. ولا يعني هذا أننا ننحاز إلى الصوتية الحرفية انحيازاً مطلقاً، وإنما معناه أن ننظر في النص: هل أفاد منها على المستوى الشكلي، وعلى مستوى إنتاج المعنى؟ وهل أفاد منها ما يؤكد شعريته؟

إن غواية الحداثيين مع الحرفية تتوافق إلى حد كبير مع توجهاتهم العرفانية، إذ إن العرفانيين حولوا الحرف من مجرد بنية صوتية إلى نسق ثقافي، ولعل هذه النسقية هي التي جعلت "الرازي" يدخل الحروف منطقة الفكر والنفس، بوصفها حروفاً فكرية ولفظية وخطية، "فالحروف الفكرية هي: صور روحانية في أفكار النفوس، مصورة في جوهرها قبل إخراجها، معانيها الألفاظ. والحروف اللفظية هي: أصوات محمولة في الهواء، مدركة بطريق الأذنين، بالقوة السامعة. والحروف الخطية هي: نقوش خطت بالأقلام في وجوه الألواح وبطون الطوامير، مدركة بالقوة الناظرة، بطريق العينين، والحروف الخطية وضعت ليدل بها على الحروف اللفظية، والحروف اللفظية وضعت ليدل بها على الحروف الفكرية التي هي الأصل"(19).

وتتابع السالكون في التصوف موثقين "ثقافية الحروف" بجانب بعدها الصوتي. لكن قبل ذلك كله احتل الحرف مكانة قريبة من القداسة قبل الإسلام بوظيفته الصوتية في سجع الكهان، ثم حافظ على هذه المكانة بعد الإسلام عندما أصبح مفتتحاً لبعض السور القرآنية، ثم تأكد ذلك ببعض الأحاديث النبوية، مثل حديث ابن مسعود: "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف"(20).

لهذا وسواه جاءت غواية الحداثيين مع الحروف حتى إن واحداً من ألمعهم هو الشاعر حسن طلب بنى ديواناً بأكمله على "حرف الجيم" هو "آية جيم". وقد اتجهت الصوتية الحرفية في بعض منجزاتها إلى "حرف المد"، الذي يسميه علماء الأصوات "الحركة الطويلة"، ويبلغ هذا الاتجاه ذروته مع قصيدة النثر، وقراءة ديوان الشاعر رفعت سلام "وردة الفوضى الجميلة" تؤكد ذلك، فمجموع مفردات هذا الديوان (وهو من قصيدة النثر) تبلغ ألفين وتسعمائة وستة دوال، تدخل الحركة الطويلة في ألف وتسعمائة وواحد وثلاثين دالاً، بنسبة تبلغ 67% تقريباً، وهي نسبة مرتفعة، تجاوز نسب التردد في الخطاب اللغوي عموماً، إذ تبلغ نسبة حروفه الصامتة 52%، والصائتة 48%(21).

وبرغم حدة الإيقاع الحرفي، فإن الشعرية لم تحصر نفسها في إطاره، بل إنها تجاوزته إلى غيره من الإيقاعات الصرفية والبديعية والنحوية. لكن الأذن العربية لم تتعود على هذا الإيقاع لحاجته إلى حسن الإنصات للإحساس به، ولأن هذه الأذن خضعت للإيقاع الخليلي زمناً طويلاً حتى اعتادته، بل إنها أضفت عليه نوعاً من القداسة بحكم هذا الامتداد الزمني حتى أصبح الخروج عليه انتهاكاً للتاريخ والعروبة.

وبرغم ذلك فمن الخطأ الفادح تصور انفصال الإيقاع في قصيدة النثر انفصالاً كاملاً عن إيقاع الشعر العربي، فمهما ارتفع الإيقاع في الشعر عامة، وانخفض في قصيدة النثر خاصة، فإنه لن يخرج عن نطاق "الحركة والسكون" وتحولاتهما في القرب والبعد والتداخل، وهذه التحولات مسموعة بوضوح في الشعر، لكنها خافتة في قصيدة النثر، ومن ثم فهي في حاجة إلى أن تحل في وسط هادئ حتى يمكن الإحساس بها، ولأننا لا نحسن الإنصات، أحياناً، أصدرنا الحكم الفوري بغياب الإيقاع تماماً من قصيدة النثر.

إن المتابعة المنصفة لموقف هذه القصيدة من الإيقاع، تلاحظ إهمالها لأبنية الإيقاع الجزئية، وعنايتها الواضحة بالبنية الكلية للإيقاع، وهي في ذلك تتوافق مع الإيقاع الكلي للعالم، حيث تغيب إيقاعيته إذا ركزنا المتابعة على مفردات الإيقاع الجزئية. فعندما نتأمل لوحة تشكيلية تأملاً جزئياً، فسوف نفتقد فيها التناسق، بل ربما تجلت أمامنا نموذجاً للتنافر، إذ لن نجد تناسقاً بين "منزل" بجواره "كائن بشري أو حيواني" وبينهما "شجرة" متشعبة الفروع؛ لكن تجميع هذه المفردات على نحو مخصوص من القرب والبعد، والصغر والكبر، هو الذي يحقق لها الاتساق والانتظام. وأعتقد أن إيقاع قصيدة النثر شيء قريب من هذا التشكيل.

إن كل ذلك يقفنا على أمر غاية في الأهمية، وهو أن قصيدة النثر لم تعد حريصة على "الأمثل"، أو "الأفضل" كما هو السائد المأمول في مسيرة الشعرية العربية، وإنما هي حريصة على "الأنسب"، وهو ما يسمح لها بالابتعاد النسبي عن "المثال" الفني، ومقاربة الواقع التنفيذي، ومن ثم فإنها تؤثر "الصحة الجمالية" على "الصحة اللغوية"، وتؤثر "الصحة الإيقاعية" على "الصحة الموسيقية".

ونحترس هنا حتى لا يدخل علينا الظن بأن إيثار الصحة الجمالية على الصحة اللغوية، معناه أنها تسمح لنفسها بالخطأ اللغوي، وهذا غير صحيح، فإن عقيدة شعراء قصيدة النثر عدم مقاربة هذا الخطأ، بل إنهم ينفرون من مصطلح "الضرورة" الذي آثرته الشعرية التراثية حرصاً منها على "الصحة الموسيقية".

 

(4)

رحل الشعر في الزمن العربي محاطاً بهالة قريبة من القداسة بوصفه "ديوان العرب" أي "الذاكرة العربية". وعلل لذلك ابن رشيق في عمدته بأن العرب "احتاجت إلى الغناء بمكارم أخلاقها، وطيب أعراقها، وذكر أيامها الصالحة، وأوطانها النازحة، وفرسانها الأنجاد، وسمائحها الأجواد، لتهز أنفسها إلى الكرم، وتدل أبناءها على حسن الشيم، فتوهموا أعاريض جعلوها موازين الكلام، فلما تم لهم وزنه سموه شعراً"(22).

ولا شك في أن هذا الوعي بالوظيفة الحضارية للشعر كان نتاجاً للواقع الثقافي السائد في البيئة العربية، وهو ما لحظه ابن سلاّم في قوله: "للشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم والصناعات، منها ما تثقفه العين، ومنها ما تثقفه الأذن، ومنها ما تثقفه اليد، ومنها ما يثقفه اللسان"(23).

ولا شك أيضاً أن الواقع الحضاري القديم يغاير واقعنا الحضاري اليوم، ومن ثم فإن الجملة التراثية "الشعر ديوان العرب" قد داخلها شيء من التعديل، إذ إن الواقع الحاضر له تقنياته التي تستدعي ذلك، فكثير من أدوات الحضارة الحديثة يمكن أن تؤدي الوظيفة السابقة التي لحظها ابن رشيق على نحو دقيق ومؤثر معاً.

ذلك أننا نعيش "زمن الصورة" بكل أجهزتها المعرفية والجمالية، وبكل طاقتها التسجيلية والتخزينية، وهو ما أحدث تعديلاً في ذائقة المتلقي، وبخاصة متلقي الفنون القولية. وتعديل الذائقة استدعى أشكالاً طارئة تناسبها، وتفرض وجودها الإبداعي بوصفها إضافة استدعتها الضرورة الحضارية، لا بوصفها بديلاً يلغي سواها. من هذه الأشكال الطارئة "قصيدة النثر" التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، وهو انشغال بانتمائها الأدبي، أكثر منه انشغالاً بمفهومها المعرفي، على الرغم من عمرها القصير نسبياً، لكنه برغم قصره ولد عدة إشارات كاشفة صاحبت البدايات وما زالت مصاحبة حتى اللحظة الحاضرة.

وأعتقد أن الإشارة الأولى التي يمكن أن تقودنا إلى الأفق النوعي لقصيدة النثر، تتمثل في "عقيدتها الإبداعية"؛ إذ المألوف في تاريخ الشعرية، أن تتوجه إلى العالم لتنقله من واقعه الوجودي إلى واقعه الجمالي، أو بمعنى آخر: إنها تسعى "لتشعير العالم". وقد قدمت الشعرية إنجازات لافتة في كل مرحلة من مراحلها في القديم والحديث، لكن قصيدة النثر رفضت السير في هذا الطريق المطروق، وآثرت أن تبحث عن المناطق الشعرية في العالم، لكي تستصفيها لنفسها، وتمارس فيها إبداعيتها، فلم يعد من همها نقل الواقع إلى الشعر، وإنما همها "فحص" المناطق الشعرية في الواقع والوصول إليها ثم الوقوف عندها، وفرق واضح بين الأمرين، إذ في الاتجاه الأول تبدأ الحركة من الإبداع لتصل إلى العالم فتنقله إليها، أما في الاتجاه الآخر، فإن الحركة تبدأ من الإبداع أيضاً لكي تصل إلى العالم، لكنها تستبقيه في موضعه لتمارس شعريتها في بعض مكوناته الشعرية.

هذه الإشارة الأولى تقودنا إلى الإشارة الثانية، والغريب فيها أنها تكاد تكون منافية للمنجز الحداثي، ذلك أن الحداثة أوغلت في اعتماد المتلقي اعتماداً مركزياً، بينما استبعدت قصيدة النثر هذا المتلقي من حساباتها استبعاداً مؤقتاً، وتبرر ذلك بأنها حريصة على أن تكون صادقة مع نفسها أكثر من صدقها مع الآخر، بل إنها لا تأنف من صدم هذا الآخر في بعض ركائزه الثقافية والمعرفية.

معنى هذا أن المتلقي لم يعد له حقوق قبل قصيدة النثر، ولم يعد متاحاً له ممارسة سلطته عليها وإخضاعها لاحتياجاته الخاصة والعامة، لكن ليس معنى ذلك أنها تسعى لاستعادة الزمن الرومانسي بكل ذاتيته المفرطة، فذلك ينافي طبيعتها الإبداعية التي تعتمد "النصية" وإعطاءها استقلالية تتعالى على نفوذ كل المتعاملين معها، بعد أن ظل النص يتأرجح إلى جانب المبدع تارة، وإلى جانب المتلقي تارة أخرى.

الإشارة الثالثة هي: نفور قصيدة النثر من "الانضباط الصارم" على كل المستويات: إيقاعياً وزخرفياً ودلالياً؛ لأن هذه الصرامة أفقدت كثيراً من الأشكال الإبداعية جمالياتها بدخول دائرة التكرار التي استهلكت بكارتها، وحولتها إلى قوالب محفوظة.

ولا نقصد بذلك مجموع الأشكال البديعية، لأن مثل هذه الأشكال وجدت لها محلاً في قصيدة النثر بوصفها أبنية تركيبية وإفرادية تحمل طاقة جمالية مسموعة ومرئية ومدركة على صعيد واحد؛ وإنما المقصود تلك الأبنية الحاكمة لهندسة الصياغة والدلالة لإنتاج الشكل الهندسي المنضبط (بالشطر والبيت) لأن هذا الشكل لم يعد من احتياجات قصيدة النثر، لأن احتياجها محصور في جوهر الشعرية وحقيقتها النصية.

ويبدو أن مفارقة قصيدة النثر لمثل هذه الأشكال المنضبطة قد لازمه مفارقة "النقاء العرفي" و"الصفاء اللغوي"، إذ هما ينتميان إلى "مثال" لم يعد هذا أوانه، فالزمن "زمن الهجنة" واختلاط الأنساب الإبداعية، وتداخل المعايير الجمالية، وامتزاج التقاليد والأعراف، وأصبح من العسير الفصل بين "النقي والمشوب" و"الصافي والعكر" لتغير المقاييس التي يقاس بها هذا وذاك، أي إن "الصفاء والنقاء" أصبحا نوعين من القوالب المعلبة التي فقدت شرط الصلاحية.

وقد تبع مفارقة الصفاء والنقاء الخروج من قوالب "الثنائيات" الجاهزة مثل: ديني ودنيوي، تقدمي ورجعي، ظاهر وباطن، حقيقي ومتخيل، اتساق وفوضى، ذاتي وموضوعي، فردي وجماعي،جميل وقبيح؛ وكان ذلك كله تمهيداً للخروج من الثنائية المقدسة: شعر ونثر.

إن تمرد قصيدة النثر على مثل هذه القوالب كان متوافقاً مع مصدر إنتاجها الذي تمرد على مفهوم "التجربة" كما سبق أن ذكرنا والذي اعتمد "المشاهدة" بكل بعدها العرفاني، وهذه المشاهدة مغايرة لـ"الرؤية"، لأن الرؤية تتسلط على العالم جملة، لكن المشاهدة تتسلط على الجوهري في هذا العالم، أو لنقل إنها تتعلق بـ"المادة الأولية" عندما كانت الشعرية هي العالم والعالم هو الشعرية. إن اعتماد المشاهدة بوصفها مصدر إنتاج لقصيدة النثر، عدل شيئاً ما من وظيفة الشعرية، فلم تعد وظيفتها رؤية العالم ورصد حركته كماً وكيفاً، وإنما أصبحت الوظيفة إفساح الطريق أمام هذه الحركة.

وأعتقد أن قصيدة النثر قد حققت بهذه الإشارات ما كانت تستهدفه من التوحد بالعالم في مناطقه الشعرية، فأصبحت هي العالم في شعريته، أو هي الشعر في عالميته، حيث انكسرت على أبوابها الحواجز النوعية، وتداخلت الأجناس القولية وغير القولية، وأصبح مألوفاً أن تحل الشعرية في نصوص غير شعرية، وأن تحل النثرية في نصوص شعرية، وأصبح مألوفاً أن نتابع في النص كماً وافراً من تقنيات السرد والحوار، مجاورة لكم وافر من الغنائية الذاتية، وأصبح مألوفاً حضور التفاصيل اليومية والمفردات الحياتية والهموم الوقتية، خلال أبنية المجاز والرمز والإشارة، أي إن مساحة المشترك أصبحت أوسع من مساحة الخاص.

لقد كان اتساع مساحة المشترك نوعاً من مقاربة "سيولة العالم" وذوبان الحدود الفارقة، ومن ثم ظهر ما يسمى بـ"أدبيات العولمة" التي كانت موازية للحضارة التكنولوجية، لكنها موازاة من طراز خاص، لأنها تستهدف الجمع بين الخصوص والعموم، بين احترام التراث، وعصرية الحاضر، أي إن قصيدة النثر كانت تقنية أدبية في إطار تقنيات العولمة، لها آليات إنتاج، ولها معايير جمالية يمكن أن تضيف للشعرية إضافات لم تكن تحوزها من قبل.

 

(5)

أوضحنا في متابعتنا لإشارات قصيدة النثر ابتعادها عن "الصفاء اللغوي". ونضيف هنا أن هذا الابتعاد قد قادها إلى "التداولي" لإحساس أصحابها بأن مفردات اللغة أصبحت عاجزة عن حمل معانيهم، نتيجة لهذه المفردات قد استنفدت طاقتها الدلالية، وكأنها أصبحت مفردات صوتية مفرغة من المعنى، ومن ثم سعى الحداثيون إلى مغادرة هذا المعجم المستهلك، والقفز إلى "التداولي"، لكن المفاجأة أن هذا التداولي قد أصابه ما أصاب اللغة الصافية، بل ربما كان أكثر منها إرهاقاً لالتحامه بالممارسة الحياتية اليومية، وكان الخروج من هذا المأزق اللغوي بتصعيد التداولي إلى أفق الصافي خلال سياق خاص قادر على إكسابه نوعاً من "البكارة" المصنعة بمهارة حتى لا ينتبه المتلقي إلى هذا الإحلال والتبديل، وكل ما يدركه أنه في مواجهة لغة إبداعية تجمع بين الصافي والتداولي على صعيد واحد.

ويمكن متابعة هذه الشعرية الصاعدة الهابطة بين الصافي والتداولي في نص أمجد ناصر "منفى" يقول فيه:

وربما لم نتغير أبداً

جلسات القرفصاء

الغسيل المحتشد أمام البيوت

الأولاد المعفرون بالتراب

الشاي المنعنع في المساءات

النميمة المنعشة

الرضا بالقليل

الأخذ بالثأر(24)

 

هنا تقدم الدفقة واقعة حياتية تضخمت حتى صارت واقعة ثقافية تستحضر الواقع المعيش بكل عفويته الحياتية خلال كم من المفردات التداولية التي ارتفع بها السياق إلى أفق الجمالية الشعرية، حيث تحضر مفردة "القرفصاء" الموغلة في صفائها والموغلة في تداولها، ثم مفردة "الغسيل" الموغلة في تداولها لرصد عالم المهمشين المتجمعين في مفردة "الأولاد" وتوابعها من "المعفرين" و"التراب"، وتصل التداولية إلى أفقها الحياتي في "الشاي المنعنع"، تمهيداً للصعود المحدود في "الرضا بالقليل" و"الأخذ بالثأر".

إن السياق وحده هو الذي أخذ التداولي إلى أفق الصافي، مستعيناً بالمخيلة المنتجة للمجاز في "الغسيل المحتشد أمام البيوت" و"النميمة المنعشة"، ويؤازر المجاز نوع من التمرد على عناصر السبك والحبك، حتى إن الأسطر كانت تتوالى مغيبة أداة الربط، بحيث أصبح كل سطر شحنة دلالية لها استقلالها الذي لا يفقدها صلتها بما يسبقها أو يلحقها من دلالة.

والمتلقي، في كل ذلك لا يكاد يعي الفارق بين الصافي والتداولي، إنما الذي يعيه أنه أمام دفقة شعرية بالغة النعومة تشاهد واقعة ثقافية وتعبر عنها باللغة التي تناسبها.

إن المتلقي، في كل ذلك لا يكاد يعي هذه التداولية التي تحكمت في الاختيار الصياغي، وإنما الذي يعيه: أن هناك دفقة شعرية تشاهد واقعة ثقافية، وتراها منطقة شعرية تصلح أن تحل فيها بكل مفرداتها التي لا تتميز فهي بين التداولي والصافي.

وفي نزول شعرية الحداثة إلى التداولي، تقارب "القبيح"، لكنها لا تستبقيه في السياق الذي قبحه، وإنما تصعد به إلى أفق الجمالي، على نحو ما فعلته مع التداولي.

والملحوظ أن شعرية الحداثة لم تكن سباقة في مقاربة القبيح، بل إن شعراء التراث كانوا الأسبق، فقد أقدم عليه أمير شعراء العربية امرؤ القيس في مثل توظيف "بعر الآرام" بوصفه خطا جمالياً في لوحته الطللية في قوله:

ترى بعر الأرام في عرصاتها

وقيعانها كأنه حب فلفلِ

 

ويطول بنا الأمر لو رحنا نرصد نماذج "القبيح" في المدونة الشعرية التراثية، ذلك أن الذي نهتم له كيفية الصعود بهذا القبيح إلى أفق الجمالي على نحو ما أقدم عليه امرؤ القيس وأضرابه.

يقول عز الدين المناصرة في "خطبة أعالي الليل":

أما نحن المحتشدين كالغبار

فقد مددنا لهم ألسنتنا

توالت البصقات من أعيننا

على أقفائهم المرطرطة من التعب(25)

في هذا الاجتزاء المحدود نزلت الشعرية إلى "القبيح" التداولي مرتين، الأولى في "البصقات"، لكنها ارتفعت بهذا القبيح إلى أفق الجمالي عندما جعلت مصدر البصقات "العيون" بدلاً من الفم، ثم جعلت مصبها "الأقفية"، والمفردة بين المصدر والمصب تدخل "المجاز"، ثم ما تلبث أن تغادره إلى "الحقيقة" حتى تتمكن من الالتحام بالمفردة الثانية "المرطرطة" لكي ترفعها معها إلى أفق الجمال بعد تفريغها من مرجعيتها الوضعية "بقية الشيء" وتملأها بدلالة سياقية طارئة هي: تقبل الأقفية للإهانات المتوالية حتى بلغت مرحلة التعب الجسدي والنفسي.

إن تخلي قصيدة النثر عن الصفاء اللغوي والنزول للقبيح تارة والتداولي تارة أخرى، قد صاحبه نوع من هدم المكونات الصياغية لحساب الجمالية، والجمالية عند الحداثيين تعني مراوغة المتلقي ليكون وصوله إلى الناتج نوعاً من المجاهدة الذهنية والنفسية.

وهذا الهدم يكاد يكون جماعياً، حيث يتصادم كل تركيب مع ما يسبقه وما يلحقه، وبخاصة عندما يعتمد النص "الجمل غير المرجعية" أي التي لا يمكن أن نقع لها على مرجع واقعي تستند إليه الدلالة، فعندما تقول ميسون صقر في نص "هما":

يفتحان جذوة الرمز

يصهران سرهما

ويختبئان

الهموم على رأسيهما رتاج

ينغمسان في لجة الفيضان

ينحتان الصخر من جسديهما

حبلاً من مسد

وينهمران

وحين يتكثفان

تكون في شكل جنونها الأليف

وهو شكل لملامح السكون(26)

نلحظ غياب المرجعية، وأولها مرجعية الضمائر، حيث توالى "ضمير المثنى" دون مرجع يكشف عنه، وثانيهما غياب مرجعية التراكيب، فأين مرجع "جذوة الرمز" و"السر المنصهر" و"الهموم المغلقة" و"الجسد الصخري" و"الجنون الأليف" و"ملامح السكون".

إن المجاز يكاد يقف عاجزاً أمام هذه المتوالية التركيبية التي لا تسعى لتوصيل معنى ما، وإنما تسعى لتوصيل لغتها بكل بكورتها ومفارقتها للمألوف رغم الهدم الصياغي الذي جاء من غيبة المراجع عامة.

ويكاد يكون الهدم أكثر تجلياً في متوالية أخرى تعتمد قطع العلائق بين الأبنية التركيبية، وبين الأسطر الشعرية، وربما كان اعتماد هذه الظاهرة إشارة ندرك منها أن الإبداع يريد أن يقول أكثر مما قال، وقد أدى ذلك إلى تداخل المقول مع المسكوت عنه، فجاءت هذه الخلخلة التركيبية الهدمية.

يقول علي المقري في "ساعة متأخرة":

سيل عرق الذاكرة من قصبة القلب

الأعوام

والتعب المنسوج بالصمت والكلام

البنات

والضجر

والندم

خلس نفسه من نفسه

ثرثر إلى ساعة متأخرة من العمر

ونام

المراثي أبقى من الأصدقاء(27)

إن النص يقدم نفسه لمتلقيه معتمداً على إثارته وهز ثقته في المعنى، وفي سبيل ذلك يقطع العلاقات بين الأسطر، فيستحضر أداة الربط تارة، ويغيبها أخرى.

وهذا القطع الدلالي يلاحق المفردات أيضاً، حيث نفتقد العلاقة السياقية بين معظم المفردات، وكأن المفردات تتسابق لدخول السياق دون أن تعطي اهتماماً لما يسبقها أو يلحقها من مفردات.

ويلاحق القطع الشكل الطباعي، فلا توازن بين الأسطر، فبعضها يمتد إلى ست مفردات، وبعضها ينكمش إلى مفردة واحدة، وهذا الانكماش البالغ واحد من تقنيات الحداثة التي أعطت المفردة حقوق التركيب، وأتاحت لها أن تستقل بالسطر الطباعي.

ويبدو أن هذه الظاهرة كانت إشارة واضحة إلى أن الإبداع يريد أن يقول أكثر مما قال، أو لنقل إن الإبداع، غالباً ما يعيش محاصراً بين المسموح به والمسكوت عنه.

وفي تصورنا أن ظواهر الهدم الصياغي تعود إلى اعتماد شعرية الحداثة على "المفردة" اعتماداً بالغاً. وبالرغم من أن الدرسين: اللغوي والبلاغي، القديمين قد أخرجاها من دائرة "الإفادة"، فإن شعراء الحداثة وقفوا على مساحة التحدي لهذا الموروث اللغوي والبلاغي، ومن ثم أعطوا المفردة حقوقاً لم تكن لها عند القدامى والمحدثين.

لقد كانت المفردة رهينة السياق الذي يحتويها، رهينة ما يسبقها وما يلحقها من دوال، لكن شعراء الحداثة حرروا المفردة من هذا السياق، وأعطوها الحق في الاستقلال بإنتاج المعنى، أي إنها أصبحت مساوية للتركيب في هذا الإنتاج.

ولا شك أن هذا الوعي الطارئ بحقوق المفردة كان ابناً شرعياً للعقيدة الإبداعية لشعرية الحداثة، إذ إنها لم تعد تثق في ارتباط الدال بالمدلول الواقعي، ولم تعد تثق في مقولة "المحاكاة" على مستوياتها المختلفة، إن الذي تثق فيه: إن كل مفردة تنتج مرجعيتها دون نظر إلى الواقع الفعلي، وإنما ينحصر نظرها في مستهدفاتها الجمالية أكثر من الدلالية، معنى هذا أن "الدال والمدلول" يتحركان حركة حرة، فقد يتباعدان، وقد يتقاربان، وقد يتحدان حسب المهمة الفنية المطلوبة، ولعل هذا كان وراء استقلال المفردة بالسطر أو الجملة الشعرية إعلاناً عن وظيفتها الطارئة.

يقول سيف الرحبي في "أنثى باذخة":

الماء ينسكب من خاصرة الجبل

ماؤه الماسي

خفقة نسيمه تهب على الإنسان الأول

هلوساته

وهذه الشجرة الظمأى من قرون

تسكن أحلامه كأنثى باذخة

وربما لم يكن هنالك نبع ولا شجرة

فقط

هذا الخيال المأخوذ بصدمة الغياب(28)

تتخذ الدفقة ("النبع"، المضمر في السطر الأول) ركيزة إنتاج شعريتها، فترصد ملامحه الخارجية "انسكابه الجبلي" "ماءه الماسي"، ثم ترصد هوامشه المصاحبة "خفقة النسيم" القادمة من زمن البكارة (الإنسان الأول) إلى أن تصل الشعرية للسطر الرابع، فتقدم مفردة واحدة "هلوساته" لكنها مفردة مشحونة بطاقة تركيبية مكتملة الدلالة، حيث جاءت على صيغة (الجمع)، ثم لحق بها "الضمير" لكي يتحول السطر إلى كتلة مفعمة بالاضطراب الذهني والنفسي، موغلة في العمق الخرافي والأسطوري.

وفي سياق هذه "الهلوسات" تحضر "الشجرة الأسطورية" بوصفها إسقاطاً للذات المكتملة في ظمئها الأزلي للسكنى إلى "الأنثى" الغائبة عن الواقع، والحاضرة في الحلم، وحضورها في الحلم ليس إلا استمراراً لغيابها.

ويستقل السطر الثامن بالظرف (فقط)، لكن برغم الاستقلال الصياغي، فإن نفوذ الظرف قد تسلط على ما سبقه وما لحقه، حيث أكد النفي السابق عليه في السطر السابع، ومهد لحضور الخيال في السطر التاسع، واللافت هنا أن استقلال المفردة بإنتاج المعنى لم يوثقه استحواذها على السطر أو الجملة الشعرية فحسب، بل إنها قد تشارك غيرها من المفردات في السطر، أو مجموع الأسطر دون أن ينتقص ذلك من استقلالها بإنتاج المعنى.

 

(6)

إن الحوار حول قصيدة النثر لم يتوقف، وفي كل مرة يتجدد فيها الحوار تحضر مقولة "الشكل" أي "البناء الموسيقي"، فمعظم رافضي قصيدة النثر أسسوا رفضهم على الربط بين الشكل والموسيقى، فإذا غابت الموسيقى غاب الشكل، وإذا غاب الشكل غابت الموسيقى، وهو ما يعني أن الإيقاع الموسيقي أصبح هدفاً في ذاته، وفي يقيني أن هذه العقيدة الإبداعية تنافي العقيدة الشعرية في العربية منذ أن كانت "ديوان العرب" حتى اليوم، إذ إن هذه العقيدة قدمت الإيقاع الموسيقي على سواه من الركائز بوصفه "أداة" لا بوصفه هدفاً، ومن حق كل شاعر أن يختار الأداة التي تناسب عزفه، إذ لو صحت العقيدة بأن الموسيقى هدف في ذاته، لكانت "ألفية ابن مالك" أعظم النصوص الشعرية في مسيرة الأدبية العربية – كما سبق أن ذكرنا – والشيء اللافت في هذا السياق أن شعراء كل مرحلة شعرية يتسابقون في تجاربهم ومغامراتهم، وعندما يشعرون أن المغامرة حققت أهدافها، يتوقفون، ثم يطالبون غيرهم بالتوقف عند الحدود التي بلغوها، وكأن المغامرة والتجربة وقف عليهم وحدهم، وكل من اجترأ على فعل ما فعلوه اتهموا بالمروق، مستعيدين بعض مواقف النقد القديم والحديث، مثل موقف ابن أبي أسحق والأصمعي من الفرزدقمن توقف وأطال الوقوف في رحابها مثل نزار قباني الذي أنتج في هذا الرحاب ديوان "رسالة حب" سنة 1970م.

وإذا كان نزار قد أطال الوقوف، فإن محمود درويش قد توقف توقفاً مؤقتاً أنتج فيه قصدته "مزامير" من ديوانه "أحبك أو لا أحبك" سنة 1972م، وهي قصيدة طويلة تبلغ أربع مئة وتسعين سطراً، وهو ما عادل ديواناً كاملاً من دواوين النثر.

وهناك بعض الشعراء الراسخين في التفعيلة قد وقعوا في هذه الغواية، وأصبحوا أصحاب القصيدة الواحدة، منهم عبد المنعم عواد يوسف في قصيدته "لقاء معه"، وفاروق شوشة في "أوراق لندنية" ومحمد إبراهيم أبو سنة في "رسالة إلى الحزن" من ديوانه "تأملات في الحجرية" سنة 1979م.

واضح، إذن أن قصيدة النثر لها غواية عند الشعراء جميعاً، وهذه الغواية سيطرت على السبعينيين ومن تلاهم فاستقروا فيها، وهذه الغواية جذبت بعض الشعراء على نحو مؤقت، مثل أصحاب المطولات، وهناك الشعراء العابرون عليها، وهم أصحاب القصيدة الواحدة، ولو أتبع كل منهم بأخرى لعددناه في فحول قصيدة النثر، وذلك على الرغم من أن العابرين هم أخطر شعراء قصيدة النثر من أصحاب الرداءة، لأنهم، في الأصل رافضون لقصيدة الاختلاف، ومن ثم عبورهم لإثبات ذاتهم، وإثبات صحة حكمهم على النوع الذي مارسوه من باب "التجربة" الفنية التي تدفعهم إلى العودة لما كانوا عليه.

أقول قولي هذا، وفي يقيني أن "قصيدة النثر" ليست نهاية المطاف في مسيرة الشعرية العربية، فهي شعرية لم تعرف التوقف عند تقاليد ثابتة، فمنذ بدأت سفرها الطويل، وهي دائمة التطور في الشكل والمضمون، ومن ثم يكون الرفض نوعاً من المصادرة، ودعوة للتجمد، وإن هذا الرفض إذا تسلط على قصيدة النثر، فإنه بالضرورة سوف يلاحق ما يتلوها من تحولات، أي إن الرفض سوف يصبح عقيدة تطلب لذاتها.

إن الموضوعية تقتضينا أن نتوقف مؤقتاً مع جمهرة شعراء قصيدة النثر، حيث أوغل بعضهم في المغامرة التجريبية، وبخاصة الجيل الأخير، ظناً منهم أن هذا الإيغال سوف يعيق خصوصيتهم، لكن الإيغال تحول إلى "انفلات" وهو ما يمكن أن يقود هذا الإبداع إلى "العشوائية" وهي أخطر من الرداءة على قصيدة النثر، وجاءت مقاربة العشوائية في تمردها على نفسها، على الرغم من أنها

ما زالت في ميعة شبابها، وهذا التمرد إرهاص بمرحلة جديدة، وخطورة ذلك أن المرحلة الحاضرة لم تقدم كل عطائها الذي ننتظره منها، ومن ثم يكون ذلك حكماً ضمنياً بأن قصيدة النثر قد بلغت مرحلة الشيخوخة وهي في ميعة الشباب.

ويمكن، في هذا السياق أن أعرض بعض ما داخلني عن قصيدة النثر في لحظتها الحضورية، فإن المصطلح الذي يحتويها مكون من دالين تجمعهما علاقة "الإضافة"، وهذه العلاقة توجه حركة المعنى في المصطلح، فهي تتيح للمضاف (قصيدة) أن يستحوذ على بعض خواص المضاف إليه (النثر)، وهو ما يعني أن أصحاب قصيدة النثر قد أقدموا عليها بوصفها (قصيدة) شعرية، لكن الإقدام تجاوز الشعرية العمودية والتفعيلية، ليصل إلى "النثر" وامتصاص بعض مواصفاته، أي إن قصيدة النثر اعتمدت الشعر مدخلاً لها، ثم خصبته ببعض الخواص النثرية، مع السعي لإحداث مصالحة بين الطرفين خلال تنازل كل منهما عن بعض خواصه الفارقة، ليتأتى اللقاء بينهما في منطقة محايدة تعيد إنتاجهما في مزيج يصعب فيه الفصل بين ما هو شعري، وما هو نثري، وهذا المزيج يقدم نوعاً إبداعياً يجمع بين الازدواج والتوحد على صعيد واحد.

لكن الملاحظ في الزمن الأخير لقصيدة النثر، اهتزاز العلاقة بين طرفيها حتى وصل الأمر إلى عكس القضية؛ حيث تحول المصطلح من "قصيدة النثر" إلى "نثر القصيدة"، وبعد أن كانت العقيدة الإبداعية: إنتاج نص شعري مشبع بطاقة نثرية، أصبحت العقيدة: إنتاج نص نثري مشبع بطاقة شعرية، وبعد أن كان الطرف الأول (قصيدة) يستمد من الطرف الثاني (النثر) طاقته التعبيرية والجمالية، أصبح الطرف الأول هو (النثر) هو الذي يستمد طاقته الجمالية من الطرف الثاني (قصيدة).

لقد داخلني هذا الإحساس خلال متابعتي لكم وافر من إبداعات قصيدة النثر في زمنها الأخير، حيث وقع في يقيني أن معظم هذه الإبداعات قد عدلت مسارها الجمالي، وأوغلت في النثرية، مستثمرة كثيراً من تقنياتها على حساب تقنيات "القصيدة"، فمع غياب الموسيقى غياباً مطلقاً، أخذ "التخييل" في الانحسار، وتبعهما المعنى، حيث استحال إلى إمكانية لغوية ذهنية تكاد تكون مغلقة على منتجها.

وفي تصوري أن النصوص الأخيرة قد تمادت في عدائها للمتلقي، ودفعته دفعاً إلى رفض قصيدة النثر خلال عملية يمكن أن ننظر إليها بوصفها نوعاً من الإسقاط النفسي، فبدلاً من أن يكون النص معادياً للمتلقي يصبح المتلقي هو المعادي له.

إن اقتراب "قصيدة النثر" من النثر على هذا النحو قد دفعها أكثر إلى الانشغال باليومي والحياتي بكل تفصيلاته المركزية والهامشية، وأصبحت اللحظة الآنية هي صاحبة الحظوة، وخطورة ذلك كله أنه لا يحتاج إلى الدخول في الحالة الشعرية، ذلك أن الانشغال بالوقائع المباشرة يعتمد "المحاكاة" وفي رأينا أن المحاكاة لا تنتج إبداعاً صحيحاً، لأن وظيفتها هي "الإثارة" فحسب.

إن الإيغال في النثرية جعل "السرد" في مقدمة تقنيات قصيدة النثر، بعد أن كان مجرد تقنية من تقنياتها ليس له تقدم عليها، وتقديم السرد على هذا النحو ساعد على إزالة الفارق بين الشعري والنثري، لأن السرد في حقيقته لا يحسن التعامل إلا مع ثنائيات: العلة والمعلول، السبب والمسبب، والمقدمة والنتيجة؛ أي إنه يهتم بالتسلسل والتتابع الذي يحكمه العقل والمنطق والزمن للوصول إلى المتلقي من أقصر الطرق، فإذا تم نقل كل ذلك إلى الشعرية، هبطت إلى النثرية المباشرة، لأن الشعرية تنفر من المنطقية العقلية، وتؤثر الفجوات والفراغات وتباعد العلاقات، وإذا كان السرد يستريح إلى الصياغة المسبوكة المحبوكة، فإن الشعرية تهز في عنف عناصر السبك والحبك، وتتمرد على عناصر الربط والارتباط.

أقول قولي هذا بعد أن عشت مرحلة زمنية تقرب من ربع قرن مع الشعرية العربية عامة، وشعرية الحداثة خاصة، وقصيدة النثر على وجه أخص، قرأت ما قرأت من هذا الشعر في محبة خالصة، ومن المؤكد أن هذه القراءة لن تتوقف، والمحبة لن تفتر، دليلي على ذلك ما أقدمه الآن، فهو نوع من الحب الملازم لطول العشرة، وما زلت عند رأيي في أن الواقع العام للشعرية عموماً، وقصيدة النثر خصوصاً، صحيح في جملته، وهذه الصحة تفرض علينا طبيعة السؤال الذي يجب أن نطرحه في مواجهة أي إبداع شعري: هل هذا شعر أم غير شعر؟ كما تفرض علينا السؤال الذي يجب أن نتخلص منه: هل هذا النص موزون أم غير موزون؟

 

الهـــوامـــــــش:

(1) كتاب الحروف – الفارابي – تحقيق محسن مهدي – دار الشروق – بيروت سنة 1969: 142.

(2) دلائل الإعجاز – عبد القاهر الجرجاني – قراءة شاكر – الخانجي بالقاهرة سنة 1984: 256.

(3) ديوان عبيد بن الأبرص – تحقيق د. حسين نصار – البابي الحلبي سنة 1957: 76، 77.

(4) نقد الشعر – قدامة بن جعفر – تحقيق مصطفى كمال – الخانجي سنة 1979: 15.

(5) ديوان حافظ إبراهيم – ضبط أحمد أمين وآخرين – الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1980: 1/ 101.

(6) ديوان البحتري – ضبط البرقوقي – هندية بمصر سنة 1911: 2/ 11.

(7) ديوان أبي الطيب المتنبي – تحقيق د.عبد الوهاب عزام – الهيئة العامة لقصور الثقافة سنة 1995: 323.

(8) البيان والتبيين – الجاحظ – تحقيق هارون – لجنة التأليف والترجمة والنشر سنة 1948: 1/ 66.

(9) ضرائر الشعر  –ابن عصفور – تحقيق السيد إبراهيم محمد – دار الأندلس سنة 1982: 13.

(10) طبقات فحول الشعراء – ابن سلام الجمحي – قراءة شاكر – الهيئة العامة لقصور الثقافة لسنة 2000: 1/ 10.

(11) الصاحبي – ابن فارس – تحقيق السيد أحمد صقر – عيسى الحلبي سنة 1977: 468، وقد ذكر القاضي الجرجاني في الوساطة مضمون الجملة، ونسبها العاملي في "الكشكول" للخليل بن أحمد.

(12) الأحاديث – السفر الثاني – أحمد الشهاوي – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1993: 160.

(13) الموشح – المرزباني – المطبعة السلفية سنة 1385هـ: 274، 293، 294.

(14) ذاكرة الوعل – محمد فريد أبو سعدة – الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1997: 59.

(15) عزلة الكلمات – قاسم حداد – كتاب كلمات – البحرين – 1991: 52.

(16) انظر النص المشكل د. محمد عبد المطلب – الهيئة العامة لقصور الثقافة سنة 1999: 105 – 117.

(17) العمدة – ابن رشيق – أمين هندية بمصر سنة 1925: 1/67.

(18) ديوان امرئ القيس – دار كرم – دمشق: 130، 131.

(19) ثلاثة كتب في الحروف – للخليل وابن السكيت والرازي – تحقيق د. رمضان عبد التواب – الخانجي والرفاعي سنة 1982: 147.

(20) الإتقان في علوم القرآن -  السيوطي – مطبعة حجازي بالقاهرة سنة 1941: 1/ 121.

(21) هكذا تكلم النص – د. محمد عبد المطلب – الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1997: 243، 244.

(22) العمدة: 1/ 5.

(23) طبقات فحول الشعراء: 1/ 5.

(24) الأعمال الشعرية – رعاة العزلة – أمجد ناصر – المؤسسة العربية – الأردن 2002: 185.

(25) الأعمال الشعرية – قمر جرش كان حزيناً – عز الدين المناصرة – المؤسسة العربية للدراسات والنشر سنة 2001: 326.

(26) الريهقان – ميسون صقر سنة 1992: 55.

(27) ترميمات – علي المقري – الهيئة العامة للكتاب – اليمن – 1999: 41.

(28) مقبرة السلالة – سيف الرحبي – منشورات الجمل سنة 2003:90.