العدد السادس - شتاء 2008م

   
 

دراسات
 

 من إشكاليات النص (الخلط بين التراث الشعبي والتاريخ)  الجزء الثاني (لقراءة المقال بصيغة أكروبات)

 

صبري الحيقي
كاتب وتشكيلي من اليمن.

 

تطرقنا في الجزء الأول من هذه الدراسة إلى بعض إشكاليات النص نظرياً مع نماذج تطبيقية من المسرح اليمني، وهاهو الجزء الثاني يستكمل  الدراسة بعرض نماذج تطبيقية لواحدة من إشكاليات النص ألا وهي: التاريخ في النص الإبداعي.

(ب) المحاكاة غير المباشرة للتاريخ في النص

وهي النصوص التي تعتمد على أفكار وحقائق تاريخية ولكن بفكرة ورؤية إبداعية خاصة بالمبدع:

1-3 نصوص تنطلق من الواقع وتعود إلى التاريخ تستحضره وقد تعبر فيه أزمنة وأمكنة متعددة، كما في: نص "الفار في قفص الاتهام" لـعبدالكافي محمد سعيد، ونص "مع الشمس يجيئون" لـ القرشي عبد الرحيم سلام، و"الصراخ في محكمة الصمت" لـحسن اللوزي.

2-3 نصوص تتناول شخصيات وأحداثاً مستوحاة من سياق تاريخي، كما في نص "الفتى منصور المنصور" لـعبد المجيد القاضي.

3-3 مسرحيات تعرض الزمان والمكان التاريخي ببعض أحداثه وبعض شخصياته، كما في نص "موتى بلا أكفان" لـمحمد الشرفي.

(4-3) مسرحيات تنطلق من الواقع وتعود إلى التاريخ

            هذا النوع من النصوص يستحضر التاريخ، وقد يعبر فيه أزمنة وأمكنة متعددة كما في: نص "الفار في قفص الاتهام" لـعبد الكافي محمد سعيد. ونص "مع الشمس يجيئون" لـالقرشي عبد الرحيم سلام. إذ يدور ملخص أحداث النص الأول في الزمن الحاضر، من خلال استرجاع شخصيات من عدة أزمنة مختلفة. وهو يتركز في محاكمة "الفأر" الذي تسبب في انهيار سد "مأرب". ويأتي الشهود، وهم شخصيات تاريخية معروفة (الملكة بلقيس، أبرهة الحبشي، الملك سيف بن ذي يزن، الأسود العنسي)، وتوجه التهم إلى "الفأر": الملكة "بلقيس" تتهمه بهدم السد، أبرهة الحبشي يقدم شهادة إدانة بشكل آخر، حيث يفيد بأنه لم يستطع أن يحتل اليمن ويحكمها لولا مساعدة "الفأر" له، ويتهمه "سيف بن ذي يزن" بأنه هو الذي جلب الغزاة إلى اليمن ضد حكمه، وساعدهم -بخيانته وعمالته- على اختراق التحصينات وهزيمة مملكة "سيف"، ويأتي في الأخير "الأسود العنسي" ليقول إنه ثائر ومناضل ضد الظلم والاستبداد، وأنه لم يدَّع النبوة، إنما "الفأر" هو الذي أشاع ذلك، وأن "الفأر" تآمر مع الفرس ومع زوجته الفارسية على "الأسود العنسي" وتخلصوا منه. وتُجمِع الإدانات على أن "الفأر" هو سبب المؤامرات والفساد الذي لحق باليمن. وقبل النطق بالحكم يكتشف الجميع أن "الفأر" قد هرب من المحكمة. ويختم المؤلف المسرحية بطريقة البداية نفسها، وذلك بشخصية "التاريخ" وهو يلقي بنصائحه وتحذيراته من الفساد والمفسدين.

أما في نص "مع الشمس يجيئون" فعرض لأمجاد اليمانين عبر التاريخ: بناء السد، الثورة على الظلم؛ مثل طرد الأحباش من اليمن. كما يشير إلى عهود تاريخية مهمة، مثل عهد "بلقيس"، بما تميز به من ديمقراطية، وعهد سيف بن ذي يزن، والكوارث والغزوات التي تلاحقت على اليمن؛ بما فيها فترات الحكم العثماني ونشأة الإقطاع في عهدهم. ويصل النص إلى عرض سمات فترة الإمامة، ابتداءً من عهد الإمام يحيى حميد الدين الذي حكم اليمن في حوالى النصف الأول من القرن العشرين، ومروراً بابنه الإمام "أحمد" الذي حكم اليمن بعد قتل أبيه في عام 1948، إلى عام 1962، حيث قُتل بفعل الثورة. وانتهى النص بالإشارة إلى الإمام "البدر" الذي خلف أباه لفترة وجيزة جداً وكان أنموذجاً من أبيه في اللهو والظلم. وقد سمَّى النص بعض شخصياته بالاسم، مثل شخصية "أمير الجيش العثماني" وشخصية "الإقطاع"، وشخصية "الإمام يحيى" و"الإمام أحمد" و"الإمام البدر". وينتهي النص بمجيء الثورة.

نص "الفأر في قفص الاتهام" بين المصدر التاريخي ورؤية المؤلف

تدور أحداث النص في مستويين زمنيين مختلفين:

1– مستوى الحاضر، والذي يدخل فيه رجل معاصر إلى حضرة "التاريخ" والمتجسد في شخصية بالاسم نفسه، ويتم الحوار بينهما على أساس دعوة "التاريخ" للرجل لمعرفة تاريخه، من أجل إصلاح حاضره وبناء مستقبله.

«التاريخ: إذا عرفت ماضيك تيسر لك إصلاح حاضرك وبناء مستقبلك»(1).

2- مستوى الماضي، وفيه تتداخل الأزمنة أثناء المحاكمة؛ وزمن المحاكمة زمن افتراضي غير محدد. أما أزمنة شهود المحاكمة فهي أزمنة محددة: زمن بناء السد وانهياره - وقد جاء وصفياً من خلال كلام شخصية "التاريخ"، شهادة الملكة "بلقيس"(2) وزمنها قبل الميلاد، شهادة "أبرهة الحبشي" وزمنه، القرن السادس الميلادي، شهادة "سيف بن ذي يزن" وهو أيضاً عاش في القرن السادس الميلادي، "الأسود العنسي" وعاش في السنة العاشرة للهجرة. وهذا المستوى يقدَّم خلال محاكمة الفأر، التي تقع بين منظر البداية ومنظر النهاية، وبالتالي فإن المحاكمة تقع في زمن غير محدد؛ ولكن من خلال وصف الملابس والديكور فهو زمن غير الزمن الحاضر: "قاعة المحكمة... رجال الأمن وهم يرتدون الزي الرسمي للدولة... وهي عبارة عن ملابس يمنية قديمة. خلف المنصة يتدلى علم، وفوقه لوحة ضخمة برسوم عليها شعار الدولة... وهي عبارة عن نسر يبدو وكأنه على وشك الانطلاق إلى السماء من على صخرة عالية، وقد حمل بمنقاره غصن شجرة العنب يتدلى منه عنقود عنب"(3).

ومع هذا فهناك إشارة أخرى في الحوار، في سياق محاكمة "الأسود العنسي"، تؤكد أن زمن المحاكمة هو القرن العشرين والزمن الحاضر أيضاً:

"الحاكم: عمرك؟

 العنسي: ألف وثلاثمائة وتسعون عاماً"(4).

أي في زمن كتابة النص تقريباً. والحقيقة أن الأحداث والشخصيات التاريخية التي وردت في النص، لها خصوصية توظيف من خلال فكرة المؤلف التي تختلف أحياناً عن تأويل الحقائق التاريخية اختلافاً كبيراً، كما جاء في رؤيته لشخصية "الأسود العنسي" الذي صوره كبطل وثائر على الظلم.

"(صوت من خارج المسرح) البطل اليمني الكبير، الأسود العنسي!

 (يقف الجميع، يدخل رجل معتدل القوام، بهي الخلقة، جميل المُحَيّا، وذو مهابة نادرة)..."(5).

وقد حمّل الكاتب هذه الشخصية رؤية خاصة بالنص تختلف عمّا وجده الباحث في المراجع التاريخية المتوفرة لديه، كما يشير أحد هذه المراجع بما يلي:

"وكان للوجود النصراني في نجران وكعبتها «يعنون بها كبرى كنائس اليمن»، وكيد يهود اليمن المنتشرين بين "صنعاء" و"نجران" وداخلهما، وتمخض كل ذلك عن خروج الكاهن "عبهلة" المعروف بالأسود العنسي، من بلاد "أرحب" بـ"الجوف" و"نجران"، وادعى النبوة، وعرفه الناس بالأسود الكذاب..."(6).

حيث جعل النص "الأسود العنسي" ضحية من ضحايا "الفأر" (التخريب والظلم والفساد) على اعتبار أن "الفأر" هو الذي أشاع عنه ادعاء النبوة والكفر... إن وقوف الجميع عند دخول شخصية "الأسود العنسي" دالّ على تأكيد رؤية المؤلف في تعظيم هذه الشخصية وتقديمها كبطل قومي، إضافة إلى الأوصاف المتميزة للشخصية والتي فاقت وصف كل الشخصيات في النص.

"معتدل القوام، بهي الخلقة، جميل المحيا، ذو مهابة نادرة، يرتدي ملابس يمنية قديمة، يمشي بخطى ثابتة؛ دلالة الأنفة والشمم..."(7).

إذاً، لدينا مجموعة دوال تاريخية خضعت لتأويل المؤلف، وحمّلها رؤيته في فهم التاريخ، من ناحية، ورؤيته الإبداعية في النص، وهي خلق شخصية رمزية (الفأر) هي رمز للفساد، من ناحية أخرى، وهي -كما يطرح النص- موجودة في كل زمان ومكان. والنص قد حرص على فرض تأويله الخاص للتاريخ، خاصة من خلال شخصية "الأسود العنسي"، وهذا جزء من آثار النص على المتلقي. والخلاصة المهمة هي التحذير من التخريب الذي يقوم به الفساد (الفأر).

نص "مع الشمس يجيئون" بين المصدر التاريخي ورؤية المؤلف

            يبدأ النص بمشهد فيه من المجاز والتجريد أكثر مما فيه من التصريح والتجسيد. فهو يقدم مناجاة شعرية تحمل قيماً عامة عن التوق للنور.

"الفتاة: لليل عيونٌ كحلى تغري العشاق.

 والليل طريق الرحلة نحو النور، والنور دليل الإشراق.

 الفتى: وأنا مشتاق مشتاق!

 الفتاة: أرأيت منافذ فجر الفعل وكيف تمد ذراعيها للأرض؟

 الفتى: رأيت الشوك المزروع على أحداق النجمات"(8).

في هذا المشهد الزمن غير محدد، وكذلك في المشهد الثاني، الذي يقدم أيضاً الفتاة والفتى وقد تقدم بهما العمر، باللغة الشعرية والإشارات المعممة نفسها.

"الراوي: حل المساء والظلام يمد جناحيه،

 يكتم أنفاس فجر اليمانيين

 من خلف المدى جاء سيل من الحقد...

 تآزر جند الغزاة وجند الوباء...

 وصارت مواسم أفراحنا الخضر ليل المآتم..." (9).

"من خلف المدى جاء سيل من الحقد". هل الإشارة هنا إلى سيل "العرم"، الذي بسببه تشرد اليمنيون وتهدم السد؟ إن مشكلة اللغة الشعرية أنها تفتح الدلالة على مساحات التأويل غير المحدودة. والباحث هنا لا يستطيع أن يثبت أو ينفي حقيقة تاريخية ما في سياق مثل هذا النص. ولكن اجتهاده في التأويل يفترض مبدئياً أن المقصود هنا هو مجموعة الكوارث التي جلبت معها "الوباء، واليباب، وتحول مواسم الفرح إلى مآتم"، وهي تتشابه مع الفترة اللاحقة لانهيار السد، كما تتشابه مع الفترة التي أعقبت سقوط اليمن تحت حكم الأحباش وحتى مجيء العثمانيين الذين جلبوا معهم مثل هذه الصفات. وفي إشارة إلى طلب العون من الفرس لإخراج الأحباش من اليمن، وهو ما قام به "سيف بن ذي يزن"(10):

"الفتاة: ولديَّ الرأي إذا شئتم!

الغاية سامية، والرحلة أطول مما في الذهن؛

 فلماذا لا نسعى من أجل العون...

من خصم للغازي وعدو

من قوم دينهم تأليه النار!؟

الفتى: والنار سلاح الأحرار لغسل العار

 النار سلاح للثار!

الفتاة: وعليك السير لتحقيق مهمة

 توفير العون"(11).

وفي المشهد الثالث يصف المؤلف قادماً جاء بالبشارة (بشارة النصر)، وكأنه يشير إلى "سيف بن ذي يزن".

"الثاني: وهو النابت من صلب التراب

 من أب مات شهيداً،

 قبل أن يولد

كان الأب فلاحاً... وفلاحاً أجيرا..."(12).

وفي شخصية الفتاة نكاد نلمح الملكة "بلقيس" في هذا القول:

"الفتاة: أمرنا شورى، وهذا الاحتمال

وارد... فأفصح...

 ففي الرأي السديد..."(13).

 وهو قول يستند إلى الآية الكريمة في القرآن الكريم:

 {يا َأيُّهَا الملؤَُافْتُوني في أَمري ما كنتُ قاطعةً أمرًا حتى تشهدون} (النمل: 32).

هناك إشارات إلى أحداث تاريخية في سياق شعري يتجاوز الحقائق التاريخية إلى القيم العامة التي تحكم هذه الحقائق، أي إلى القيم الفنية الإبداعية، وهي هنا تحرير الأرض من الغازي. كما وجد الباحث إشارات إلى أهل الأخدود الذين أحرقهم "ذو نواس".

"الراوي:... بعد أن كان المسيح/ الرب محظوراً

وفي نيران ذي نواس مات المؤمنون"(14).

إضافة إلى اعتناق اليمنيين للمسيحية، وبعدها الإسلام، "عاد دين الرب والابن ليبقى زمناً... ثم جاء الدين إسلاماً ومن أبواب مكة"(15). هكذا يكثف المؤلف التاريخ في جملة واحدة، ليعبر حقباً شتى. وهي تكثيفات لا تقبل المقارنة بين المصدر والنص؛ لأنها هنا مجرد إشارات خبرية لحقائق تاريخية عامة. ثم يبدأ الفصل الثاني بهذه الكلمات:

"الفتى: غزو آخر بسم الإسلام

 الباب العالي أطماع أخرى،

 تدمي الأيام...

 من أجل الخيرات ولا شك

 طمعاً في استغلال الأرض

وقهر الإنسان

 لكنا لن نذعن أبداً... مهما كان"(16).

 هكذا ينتقل المؤلف إلى فترة الحكم العثماني (الباب العالي) في اليمن. والمعروف أن العثمانيين شنوا ثلاث حملات على اليمن، وحكموا اليمن فترات متقطعة امتدت في الحملة الأولى بين 1538 و1568، ثم في الحملة الثانية بين 1570 و1636، ثم في الحملة الثالثة بين 1890 و1904(17).

إن المؤلف هنا يمسُّ الطابع العام لهذه الفترات. وهو في هذه الفترة يشير إلى ظهور الإقطاع من خلال شخصية من شخصيات المسرحية بالاسم نفسه.

 "السيد: ساعة تأتي اللحظة،

 تمسك كفي بعنان السلطة...

 يحميني الجيش العثماني

 والويل الويل لمن عاداني!

الإقطاع: والشعب الطيب -

يا سيدي الآمر- طائع.

 وأنا أعلن للدنيا أنى بايعتك.

السيد: ومقابل هذي البيعة

 أقطعتك أرضاً حبلى بالخصب"(18).

 إن "الفتاة" شخصية رمزية تتجدد، فتارة تتخذ سمات الملكة "بلقيس"، وتارة تجسد هموم وطموح اليمنيين فترمز إلى اليمن، وفي الفصل الثاني يأمر "أمير الجيش العثماني" بإحراقها، ولكنها ترجع بصوتها من جديد.

"أمير الجيش العثماني:

هذا الصوت الموتور سيكتم...

وسيصمت هذا الهذيان الأحمق.

لكن... قولوا لي! أو لم تحرق!؟

 صوت الفتاة: الشعب أقوى...

الشعب أقوى لا يموت"(19).

 إنها تعود وكأنها شخصية أسطورية تتجدد. ثم يشير المؤلف إلى ثورة اليمنيين، وإلى الكمائن والمعارك التي كبّدتْ العثمانيين الكثير من الخسائر المادية والبشرية، مما اضطرهم في الآخر إلى الانسحاب نهائياً من اليمن.

"الإقطاعي: مولاي! أجرنا! مولاي!

 أجراء الأرض الفقراء يثورون

 قتلوا أعداداً من جيش السلطان

نهب الأوغاد سلاح الجند القتلى..."(20).

في الفصل الثالث يعرض المؤلف للفترة الإمامية في القرن العشرين، أي منذ الإمام "يحيى" الذي استلم الحكم بعد إخراج الأتراك من اليمن في بداية القرن العشرين.

"الإمام يحيى: دعوات تأتينا، ومطالب تدعو للشورى والدستور!

 هل خرج الأتراك بفضل الشعب أو الدستور!؟

 من أجلاهم بالسيف وبالقوة!؟

 الجميع: مولانا! المنصور جلالتكم"(21).

إن النص هنا يشير -من ناحية- إلى دعوات الأحرار التي أسسها كل من "النعمان" و"الزبيري" في عام 1944، كما سبقت الإشارة بمرجع تاريخي لهذه النقطة في سياق نص "الغائب يعود". كما يشير الاستشهاد السابق إلى دور الإمام في تحرير اليمن من الأتراك. ثم يشير (النص) إلى بعض الصفات التي وُصِف بها الإمام "يحيى" وأورثها ابنه "أحمد"، وذلك بتجهيل الناس، وممارسة المحرمات التي يحلها لنفسه.

" الإمام يحيى: والآن، تعال لكي نرتاح

 الراح شفاء الأرواح

 والراح لمولاك مباح،

 والمتعة بالغيد مساء صباح...

 أسمعت دقائق ما تم وآمنت؟

الجليس: قصة إطلاق الجن

من الأغلال...

 آمنت وصدقت...

وأسلمت لكم وجهي"(22).

وهذه الإشارات إلى تجهيل الناس، وإشاعة قدرة "الإمام" على السيطرة على الجن، أشار إليها أيضاً محمد الشرفي، خاصة في نص "الانتظار لن يطول"، ونص "العجل في بطن الإمام". وسيشير الباحث إلى معالجة "الشرفي" لهذه السِمَة في شخصية الإمام في سياق الفصل الثالث.

 

نص «الصراخ في محكمة الصمت» بين المصدر التاريخي ورؤية المؤلف

رغم كون أحداثه تدور في الزمن الواقعي لكتابته، إلا أنه يعود إلى شخصيات تاريخية في ثلاثة مشاهد:

المشهد الأول في الفصل الأول، حيث يظهر الإمام "أحمد" من خلال موقفين: الأول وهو يستعجل مجيء المنجّم ليسأله عن أخبار طالعه، ثم أمره بسحق المتمردين:

«الإمام: ماذا وجدت؟!

 المنجم: بعض القبائل –سيدي- لم تمتثل لطاعتك

 لكنها مهما بغت وتمردت

 يا ويلها من غضبتك

 ولقد رأيتك –سيدي- وقد انتصرت...

 قائد الحرس: مولاي إمام العصر!

 نفذنا الأمر

 وقتلنا الشبانا

 وتركنا من كانوا منا وإلينا/ وسحقنا الأطفال"(23).

والموقف الثاني يجسد مجون الإمام. وهو موقف تناوله قبله القرشي عبد الرحيم سلام في نص "مع الشمس يجيئون" (1977)، وكذلك محمد الشرفي في نص "الانتظار لن يطول" (1976)، كما أشار الباحث في سياق تحليلهما.

"الإمام: مهلاً! واختر من تلك الفتيات الأحلى، والأجمل...

 فأنا مجنون بالشبق إليهن"(24).

أما المشهد الثاني، الذي عاد فيه النص إلى التاريخ، فهو في الفصل الثاني، حيث يقدم مشهداً مكثفاً عن ظلم أحد أعتى طغاة حكام اليمن في العهد العباسي، وهو إسحاق بن عباس.

"إسحاق:... ما اسمك؟

 الآخر: حمير بن معد.

 إسحاق: هذا أيضاً فليؤخذ كي يصلب. (امرأة تصرخ وتبكي) جروها فلتشرب

 دمه

 وإذا رفضت فلتقتل معه. (للآخر) ما اسمك؟

الآخر (في خوف شديد): لا اسم لي وإنما أنا مولى بني العباس.

إسحاق: فلتذهب"(25).

وإسحاق بن عباس عُرفَ بحقده على اليمنيين، وقتل كل من ينتسب إلى حِمْيَر. ويرى أحد المؤرخين: "ولعله كان مهووساً، فقد كان يكره سماع شيء من خبر حميـَر، حتى المنتسبين إليهم كانت عقوبتهم عنده إزهاق أرواحهم... وبلغ به الهوَس في كراهيته لحميَر أن أمر بقلع الخوخ الحميري. ولم تسترح منه اليمن إلا بوفاته سنة 216هـ، وقد تولى أمرها مرتين"(26).

والمشهد الثالث في الفصل الثاني نفسه، من خلال مشهد مقتضب عن فترة حكم المطهر.

"المطهر:... إني الحق

 إمام الدين،

 إمام الصدق

 ولتوي جئتُ إليكم من

 معركة فاصلة بين الباطل والحق

 طهرت بسيفي فيها البلد من

 البغي وأصناف العصيان

 وسحقت الأشرار

 والآن لي السلطان.

... (يدخل موكب من الرجال...

يسمع صوتهم وهم ينشدون)

 حرب ظلم دمع دم...

حرب ظلم دمع دم..."(27).

و"المطهر" قاد معارك كثيرة جداً ضد العثمانيين. وكانت فترته في القرن السادس عشر، حيث حرر اليمن من الاحتلال العثماني بعد حروب طويلة، كان آخرها المعركة الفاصلة التي أشار إليها النص، وجاء ذكرها في أحد المصادر التاريخية بالشكل التالي:

"... حتى كانت معركة "شعوب" على أبواب صنعاء سنة 975هـ (1568م) هي المعركة الفاصلة، وقد انتصرت فيها قوات المطهر انتصاراً رائعاً... بعدها كان جلاء الأتراك من أرض اليمن"(28).

الجدير بالذكر أن نص "الصراخ في محكمة الصمت" ينتهي بالدعوة للميثاق.

"الثالث: الكل هنا مسؤول أن يبدأ

 كي يكتب تاريخا آخر

 نبدأه بسطور الميثاق.

الجميع (يكررون العبارة نفسها)..."(29).

 والميثاق هو النظرية التي تمخض عنها المؤتمر الشعبي العام، الذي بدأ فيه الرئيس علي عبد الله صالح عهداً سياسياً جديداً في اليمن، والذي دعا إليه كل القوى السياسية للائتلاف تحت مشروع موحد هو "الميثاق الوطني" وهو يمثل نظرية الحزب الحاكم الآن (المؤتمر الشعبي العام). التناقض الذي لفت نظر الباحث، هو أن النص أرَّخ لفترة كتابته بـ"سنة 1968"(30)، في حين أن أحداث نهايته تعود إلى بدية العهد السياسي للرئيس علي عبد الله صالح، في نهاية السبعينيات، وبعد كتابة الميثاق المشار إليه؛ وهذا يكشف عدم مصداقية المؤلف.

5-3 مسرحيات تتناول شخصيات وأحداثاً مستوحاة من سياق تاريخي

كما في نص "الفتى منصور المنصور" لـعبد المجيد القاضي. وهذا النص له خصوصية في مصادره، فهو يعالج أحداثاً تاريخية مستوحاة من نهاية حكم السلاطين وجلاء الإنجليز من جنوب اليمن. وقد رأى الباحث أن تكون دراسة مصادر هذا النص في سياق التاريخ. وفي كل الأحوال فإن ما يهم هذه الدراسة هو الرؤية التي ينتجها النص، وما المقارنة التي ترد عادة بين المصدر والنص إلا لتوضيح رؤية النص وتصنيف مصادر النصوص. تدور أحداث هذا النص حول أحد السلاطين مع نهاية فترة الاستعمار البريطاني في جنوب اليمن، الذي امتد من سنة 1839 إلى عام 1967. وهو نموذج لأحد المتسلطين الغارقين في متعهم وتسخير سلطاتهم لقهر العامة في سبيل إشباع أطماعهم وطموحهم؛ ورغبته في الزواج من "بلقيس" الفاتنة والتي هي مخطوبة لابن عمها؛ في حبكة مشابهة لحبكة نص "بنت الدودحي" التي نجد فيها شخصية "الشيخ عسير" توازي شخصية "السلطان" في مكره واحتياله ودسائسه، للحصول على "هيفاء" (بنت الدودحي) والمخطوبة لابن عمها أيضاً، مثل شخصية "بلقيس" في هذا النص والتي يعمل أخوها "منصور المنصور" لدى السلطان، فيسعى السلطان لامتلاكها بكل السبل غير الشرعية، وبعد حيل قمعية سافرة، ومن خلال تهمة ملفقة لـ"منصور المنصور" أيضاً، يجبر أهلها على تزويجه بها. وحين يتم له ذلك تتصاعد الأحداث بسرعة، فيُقتل أتباعه، ويجيء ضابط إنجليزي ينبهه إلى أنهم سينسحبون، وأن على "السلطان" أن يهرب. وقبل أن يتمكن من الهرب يسيطر عليه الثوار بقيادة "منصور المنصور" الذي يستعيد أخته، ويسدل الستار على صوت النشيد الوطني للثورة.

 

نص «الفتى منصور المنصور» بين المصدر التاريخي ورؤية المؤلف

لعل ما يميز كثيراً من النصوص الدرامية التاريخية اليمنية أنها تكاد تكون تكريساً لإدانة الماضي، وتمجيداً للثورة. وهذا النص، رغم أنه من هذا النوع من النصوص كما يبدو في ظاهره، إلاّ أنه يظل، برؤيته الإبداعية، يحمل قيماً واضحة في رفض الظلم بأي شكل كان. هكذا نلمس هذه الرؤية من أول كلمات النص:

"مرجان: لا حيلة لي يا إخوان! لص يسرق لصاً! وهناك مقولة فحواها: العبد على دين سيده، هه... هه! ولكن هل أنا لص بالمعنى السلاطيني المعروف؟ أبداً! أما هم فيسرقون جهرة، يسرقون دون خوف أو خشية عقاب... وأي شيء يسرقون!؟ يسرقون حرية وأتعاب شعب بأكمله، هه... هه! وندعوهم مع ذلك أسياداً ها...ها...ها! أليس هذا بعجيب!؟"(31).

إن النص من البداية يوضح أن السلاطين يسرقون الشعب، إضافة إلى انتهاك حريات الناس، من خلال محاولة السلطان الزواج من فتاة مخطوبة لابن عمها، في الوقت الذي لم يمض على زواجه من أول زوجاته الأربع سبعة أشهر.

"هدهد: على أن تحسب حسابك، فالفتاة مخطوبة وعلى وشك الزفاف...

السلطان (يقول للأمير): اشرب! ستكون الزوجة السابعة

 لهذا العام بأي ثمن... أرأيت أظرف من هدهدنا!؟"(32).

وحبكة السلطان وأطماعه توازيها حبكة النضال السياسي غير المباشرة، التي تتكاثف في أن أخا الفتاة، والذي كان يعمل سائساً عند السلطان، يكون من المناضلين الأحرار، وأن يبعثه "السلطان" إلى الإمام في شمال اليمن، كمبرر لترقيته إلى ضابط، من ناحية، ومن ناحية أخرى لإبعاده عن البيت، لينفرد بزيارة أخته "بلقيس"، ويرى "الفتى منصور" أنها فرصة للقاء الأحرار، في تعز، والذين تكاثفت أعمالهم مما يبشر بالنجاح.

"بلقيس: سيمر بتعز، حسب قوله، وهناك سيلتقي برجال مهمين.

 الأم: ممن يدعوهم برفاق الكفاح... أنا لا أعلم إلى أين!

 بلقيس: تكاثفت الأعمال الفدائية هذه الأيام، مما يبشر بالنجاح.

 ولا خوف على منصور؛ لقد تمرس على هذه الأعمال"(33).

وهذا يتفق مع حقائق تاريخية معروفة، وهي لقاء الأحرار والمناضلين ضد الإمامة والاستعمار في "تعز"، وهي مدينة تقع بين "صنعاء" و"عدن". كما يكشف النص موقف الإنجليز من السلاطين حينما يقررون الانسحاب سنة 1967.

" البريطاني: هكومة صاحبة الجلالة كررت رفء كوائدها من بلادكم

 وترككم تدبرون شؤونكم بنفوسكم. لقد أجبرت على هذا الكرار...

السلطان: ولكنكم ملتزمون بحمايتنا نحن السلاطين..."(34).

بهذا الشكل استطاع النص أن ينسج أحداثاً مستوحاة من أحداث تاريخية تصب في تجسيد ظلم وفساد السلاطين الذين حماهم الاستعمار البريطاني وسقطوا بسقوطه. وبالتالي كانت الثورة في النص لها مبررات خاصة (ذاتية). والمؤلف هنا يلمس نقطة مهمة جداً، وهي ربط الثورة، بانتقام المظلومين؛ وبالتالي فإن الدوافع هنا مبرراتها قوية وواضحة؛ رغم أن الثورة تاريخياً لم تحكمها دوافع شخصية، إنما فرضتها حتمية تاريخية احتشد لها كل أبناء اليمن.

(3- 3) مسرحيات تعرض الزمان والمكان التاريخي ببعض أحداثه وبعض شخصياته

كما فعل محمد الشرفي في نص "موتى بلا أكفان". يلجأ المؤلف إلى بعض أحداث التاريخ أو بعض شخصياته أو كليهما معاً، عادة في حالة الإسقاط السياسي، كما سبقت الإشارة. وهذا النص يبدأ بتجمع الناس بسبب الوباء والجوع اللذين يحصدان الناس، بعضهم يطالب بعمل مظاهرة، وبعضهم يتقاعس، والمدسوس عليهم يزعم أن هذا عقاب عليهم من الله لكثرة معاصيهم. وتكون المشكلة محددة في طلب أكفان للموتى وعلاج للمرضى وطعام للجوعى. ويكون الهدف مقابلة نائب الإمام "أحمد"، لسد احتياجاتهم، ولكنه يطلب منهم التعاون فيما بينهم، فيساعد أغنياؤهم فقراءهم. ثم يأتي صحفي يسعى لتحقيق سبق في مقابلة الإمام، كأول صحفي يخترق العزلة التي يعيشها البلد، فينصحونه بأنه لن يستطيع أن يقابل الإمام إلا إذا نادى أنه سيقدم نذراً للإمام، وهي الوسيلة التي يسمح الإمام بمقابلته بسببها، لأنه سينال عطية من صاحبها، والصحفي لا يدرك هذا المعنى، مما يوقعه في بعض المفارقات التي تنتهي بتجريده من أدواته وملابسه من بعض الناس. وهنا نجد النص يجعل الناس هم الذين يسلبون الصحفي أدواته وليس السلطة!!! ويجعل الواشي يكيد للصحفي عند النائب، فيتهمه بالتآمر. وينتهي النص بقناعة الناس بضرورة الثورة.

 

نص «موتى بلا أكفان» بين المصدر التاريخي ورؤية المؤلف

أشار الباحث إلى أن نص "موتى بلا أكفان" قد بنى أحداثه على أحداث تاريخية تعود إلى بداية الأربعينيات من القرن العشرين، حين انتشرت المجاعة والأمراض، وحصد الموت أرواح الكثير من فقراء الشعب اليمني.

"... عام 1941، وكانت الأوضاع فيها متردية، استشرى فيها الفقر والمرض، ولم يقم الحكام بواجبهم نحو مكافحة هذين البلاءين. وزاد الأمر سوءاً انتشار الجهل وانتصار حكام اليمن له. فأذهل هذا الوضع الزبيري، فصرخ متألماً:

ماذا دها قحطان؟ في لحظاتهم بؤس وفي كلماتهــــم آلامُ

جهـل وأمراض وظلـم فــادح ومخافة ومجاعـة وإمام"(35).

وقد بدأ النص من تلك النقطة التي تماست مع قول "الزبيري"، والتي تصف حال الناس، مع إضافة فيها بعض المبالغة بخصوص الموتى بلا أكفان، وكذلك فكرة التظاهر، التي لم تكن واردة في ذلك التاريخ؛ مما يؤكد فكرة الإسقاط التي يحملها النص.

"الشاب: لا بد من خروج المدينة في مظاهرة... الوباء والجوع يحصدان الناس، لا بد أن نرفع صوتنا عالياً حتى تسمع الحكومة... أسمعوا الدولة شكواكم وضركم"(36).

 الملاحظ، هنا أن النص يتحدث عن دولة، في الوقت الذي كانت التسمية حينها "المملكة المتوكلية"، وفي موضع آخر يشير إلى منع الناس من التجمع، وهي نقطة مهمة فيها علاقة مشتركة بين زمن كتابة النص (السبعينيات) وزمن أحداثه (بداية الأربعينيات).

"المبلغ:... مولانا يقول: التجمع في المساجد فقط، وممنوع التجمع أمام

 دار الحكومة لأكثر من ثلاثة... مولانا مهتم بالمصالح العليا للدولة... وهو يحتاج إلى الهدوء"(37).

كما أن هناك الكثير من الكتابات التي أشارت إلى جور الحكم الإمامي.

"وهو أن الأمير الحسن ابن الإمام يحيى حميد الدين حين عُـيّن نائباً للإمام... وصل إليه أن المزارعين يشكون جور وظلم الخراصين والكاشفين والملتزمين... ويتوسلون إليه التخفيف عنهم في جباية الزكاة، إلا أنه أرسل الجنود والقيود والأغلال، وأرسل غالبيتهم إلى السجون، وظل أبناء "إب" في ذلك العام يعيشون في فقر وجوع ومجاعة شديدة"(38).

ومن الحقائق التاريخية التي تتشابه مع الحقائق الواقعية، وهو ما يجعل الإسقاط مناسباً مثل هذه التشابهات.

"الشاب2:... تصور أن عاقل القرية يمكنه أن يتمرد على الإمام، ولا تطاله يد السلطة، ويمكن للمواطن العادي أن يقتل ويهرب إلى القرية أخرى ولا يمس بسوء... المهم أن يدخل تحت حماية القرية الأخرى.

الشاب: في بلادنا، الناس والوباء والجهل والظلم لا مركزيين، كل واحد منهم يحكم نفسه بنفسه من أجل الشعب...

الشاب1: أولاً الغناء والرقص حرام... أهملنا المطبعة الوحيدة التي بناها الأتراك، ومنعنا دخول الراديو والكتب والمجلات إلى بلادنا"(39).

هنا بعض الإغراق في حقائق الماضي، مثل منع الغناء والرقص، وإهمال المطبعة الوحيدة، ومنع الكتب والمجلات والراديو، وكل هذه الأشياء تشتت أثر الإسقاط، كما أشار الباحث سلفاً.

 

خاتمة

(أ) الإسقاط السياسي: في نص "موتى بلا أكفان" لـمحمد الشرفي إسقاط فترة تخلي السلطة عن مهامها في عهد الإمام يحيى، في بداية أربعينيات القرن العشرين، على فترة كتابة النص في السبعينيات.

(ب) العبرة من التاريخ: عرض مفاسد على مرَّ التاريخ، لهدف التعلم منها والحذر من الوقوع في مثلها، حرصاً على بناء المجتمعات، إضافة إلى ترجيح تأويلات تاريخية في شخصية "العنسي"، مدعي النبوة في اليمن، والذي قدمه النص كبطل وطني، في نص "الفأر في قفص الاتهام" لـعبد الكافي محمد سعيد، وللتعلم من تجارب الأقدمين دروس النضال والتحرر، وأن الخيانة لا تربح إلا الخسارة، في نص "مع الشمس يجيئون" ونص "الفتى منصور المنصور".

(جـ) إدانة شخصيات تاريخية: في نص "الصراخ في محكمة الصمت" الذي أدان فترة الإمامة في القرن العشرين وفترة الدموية القمعية في العهد العباسي في القرن الثالث الهجري، والإثقال على الشعب بالحروب في عهد المطهر في القرن السادس عشر الميلادي.

موجز

اجتهد الباحث في تصنيف علاقة النص بمصدره، من خلال المحاكاة المباشرة والمحاكاة غير المباشرة للمصدر في النص. فالمحاكاة المباشرة للمصدر هي التي تتطابق فيها فكرة النص مع مصدره، كما في نص “الملكة أروى” لـمحمد عبده غانم، الذي حاكى الأحداث والشخصيات التاريخية كاملة، لتمجيد الملكة "أروى" كملكة قديرة في إدارة شؤون الدولة والحروب والعلاقات الاجتماعية، ونصي: "الانتظار لن يطول"، و"الغائب يعود" لـمحمد الشرفي، الذي حاكى الأفكار التاريخية كما هي في الحقيقة ولكن من خلال معالجة درامية خاصة به، لتمجيد محمد محمود الزبيري كشاعر ومناضل حريص على حقوق الشــعب مقارعا للإمامة في النص الأول، صوفياً زاهداً ومختلفاً مع قيادة الثورة في الحرص على مصالح الشعب في النص الثاني. والمحاكاة غير المباشرة هي التي تختلف فيها فكرة ورؤية النص عن فكرة وحقيقة المصدر. وقد جاءت في عينة البحث من خلال ثلاثة مستويات:

1- نصوص تنطلق من الواقع وتعود إلى التاريخ تستحضره وقد تعبر فيه أزمنة وأمكنة متعددة، كما في: نص "الفار في قفص الاتهام" لـعبد الكافي محمد سعيد؛ للعبرة من التاريخ، عرض مفاسد على مرَّ التاريخ لهدف التعلم منها والحذر من الوقوع في مثلها حرصاً على بناء المجتمعات، إضافة إلى ترجيح تأويلات تاريخية في شخصية "العنسي" مدعي النبوة في اليمن والذي قدمه النص كبطل وطني. ونص "مع الشمس يجيئون" لـ القرشي عبد الرحيم سلام؛ للتعلم من تجارب الأقدمين دروس النضال والتحرر، وأن الخيانة لا تربح إلا الخسارة. ونص "الصراخ في محكمة الصمت" لـحسن اللوزي، والذي جاء لإدانة فترة الإمامة في القرن العشرين، وفترة الدموية القمعية في العهد العباسي في القرن الثالث الهجري، والإثقال على الشعب بالحروب في عهد المطهر في القرن السادس عشر الميلادي.

2-  نصوص تتناول شخصيات وأحداثاً مستوحاة من سياق تاريخي، كما في نص "الفتى منصور المنصور" لـ عبد المجيد القاضي، بما حمل من قيم التحرر وأن الخيانة لا تربح إلا الخسارة.

3-  نصوص تعرض الزمان والمكان التاريخي ببعض أحداثه وبعض شخصياته، كما في نص "موتى بلا أكفان" لـمحمد الشرفي، الذي أسقط فترة تخلي السلطة عن مهامها في عهد الإمام "يحيى"، في بداية أربعينيات القرن العشرين، على فترة كتابة النص في السبعينيات.

 

الهـــوامـــــــش:

(1 ) عبد الكافي محمد سعيد: الفار في قفص الاتهام، دار الهمداني- عدن، 1984، ص5.

(2 ) الملكة "بلقيس" الأولى حكمت قبل الميلاد، و"بلقيس بنت الهدهاد" الملكة الثانية حكمت في القرن الرابع الميلادي.

(3 ) المصدر السابق، ص9.

(4 ) المصدر السابق، ص49.

(5 ) المصدر السابق، ص50.

(6 ) عبد الرحمن طيب بعكر الحضرمي: نظرات في التاريخ العام لليمن، مركز عبادي ودار الكتب اليمنية - صنعاء، 2002، ص93.

(7 ) عبد الكافي محمد سعيد: الفأر في قفص الإتهام، مصدر سابق، ص48.

(8 ) القرشي عبد الرحيم سلام: مع الشمس يجيئون، مؤسسة "14اكتوبر" - عدن، 1977، ص39.

(9 ) المصدر السابق، ص50.

(10 ) ابن هشام: السيرة النبوية، CD الموسوعة الشعرية، المجمع الثقافي – أبو ظبي، 2003، ص104- 112.

(11 ) المصدر السابق، ص53 – 54.

(12 ) المصدر السابق، ص57.

(13 ) المصدر السابق، ص59.

(14 ) المصدر السابق، 61 – 62.

(15 ) المصدر السابق، 61 – 62.

(16 ) المصدر السابق، ص 62.

(17 ) أحمد حسين شرف الدين: اليمن عبر التاريخ، (بدون دار نشر)، 1963.

(18 ) القرشي عبد الرحيم سلام: مع الشمس يجيئون، مصدر سابق، ص66.

(19 ) المصدر السابق، ص 74.

(20 ) المصدر السابق، ص75.

(21 ) المصدر السابق، ص80.

(22 ) المصدر السابق، ص 83.

(23 ) حسن اللوزي: الصراخ في محكمة الصمت، دار العودة - بيروت، 1981، ص19- 20.

(24 ) المصدر السابق، ص 21.

(25 ) المصدر السابق، ص42-43.

(26 ) عبد الرحمن طيب بعكر الحضرمي: نظرات في التاريخ العام لليمن، مصدر سابق، ص113.

(27 ) حسن اللوزي: الصراخ في محكمة الصمت، مصدر سابق، ص46-47.

(28 ) أحمد حسن شرف الدين: اليمن عبر التاريخ، (بدون دار نشر)، 1963، ص263.

(29 ) حسن اللوزي: الصراخ في محكمة الصمت، مصدر سابق، ص 88.

(30 ) المصدر السابق، ص 88.

(31 ) المصدر السابق، ص 118.

(32 ) المصدر السابق، ص 128.

(33 ) المصدر السابق، ص 23- 24.

(34 ) عبد المجيد القاضي: الفتى منصور المنصور، مصدر سابق، ص 180-181.

(35 )  http://www.khayma.com/nuzhatalmutaqin/she3r/zbirycv.html

(36 ) محمد الشرفي: موتى بلا أكفان، مصدر سابق، ص117.

(37 ) المصدر السابق، ص126.

(38 )  http://www.26september.com/pageP.asp?ID=1317 عبد الله فروان.

(39 ) محمد الشرفي: موتى بلا أكفان، مصدر سابق، ص129، 130، 131.