|
|
|
||
العدد الثالث - خريف2007م |
|
|||
الحديقة
شوقي بغدادي (سوريا)
شوقي بغدادي لم يكن ثمّة غيري كانت الأشجار تشكو عريها والريح تصطاد بقايا الروح في أذرعها المرفوعة الأيدي إلى الله وكان المقعد الخاوي الذي اخترتُ غريقاً في حطام الورق اليابس والبركة حوضاً للنفايات وطين الأرض ألواحاً من المعدن والوحشة، والحزن المبعثر.
* * * لم يكن ثمّة غيري فإذا مرّ خيال امرأة أو رجل لم أتأكد فإذا ما جلسا قربي تنهدت، وثرثرت كأني لم أزل وحدي وكان البرد يحميني من الأشياء والأشخاص والرد على مَن يشتهي كسر جليد الصمت إذ يلقي شكاواه عليّ الرجل الجالس قربي فتهب الريح من أطرافه كي لا أرى غير احتمالات حضور الأنس في الصوت المكسّر .
* * * لم يكن ثمّة غيري وتراب من خلاياهم كأني لم أزل أبصرهم صفاً إلى جانب صف في قبور من رخام رُحّلت لكنها لما تزل حاضرة في هذه الخلوة تدعوني إلى التفكير في الموت فلا أحفل إلا بنشيدي صاعداً أصغي له وحدي فأصفو في سياق يتعكّر.
* * * قلت للأشجار: لا تبكي! وللمقعد: لا تعبأ! وللمعدن: لا تصدأ! وللعشاق: لا تختبئوا! وللجالس قربي: لا تُرَعْ قلت لهم إني إذا خالفتهم في الرأي فالأسباب في قلبي وفي جهلي مزايا الحزن أكبر.
* * * قلت في نفسي كلاماً يشبه الورد وداعبت نثار اليبس الطافح من حولي بحرص وعلى المقعد أجلست رفاقاً لم يجيئوا وفتاة كنت ألقاها هنا ثم تحدثت طويلاً معهم ثم اخترعت الحب في فاكهة ناضجة فوق الفم المفتوح عن خوخ ورمان وزعتر.
* * * إيه يا وقع الثواني ليس يخبو وادعاً تحتضن المشهد موسيقاه في أرض تغني وأنا أصغي لأنفاسي سعيداً بدمي الجاري وريعان غصوني كيف عادت لي كما كانت وما جدّ على الأصفر حتى صار أخضر؟
* * * إنني أشرب من نبع خفي واثباً من آخر الصخر على أرض رحاها شغفي بالحكمة الأولى أراها الآن بالرغم من الخوف الذي صار اعتياداً ودماء لطخت ذاكرتي أوحالها هل كان في وسعي أن أنسى وفي لحظتها أن أتذكّر؟!
* * * أنا لا أعرف سر الفرح الساذج إلا أن في هسهسة الأوراق ما يشرح والريح التي تلعب ما يُفرح والثقب الذي ينسلّ منه الطفل نحوي ما يسلي ها هم الآن وقد صاح بهم صائحهم يخترقون الأسيجة ثم يمضون إلى ملعبهم من خلف ظهري كان غيري حاضراً حين توهمت بأني كنت وحدي لم أكن وحدي ولا غيري تأخر .
* * * كلهم كانوا هنا كنت أناديهم وأستحضر كان الوقت في صالحهم كي أتأنى في تصاويري وأختار التفاصيل التي تعجبني فيهم جبيناً واسعاً أبيض من فوق تقاسيم لوجه صارم فوضى من الشعَّر على الرأس وخصلات تدلت فوق عينيه سواداً مزمناً ما بين سبابته والإصبع الوسطى وسيجارة طاتلي في فم أسنانه بنية اللون انتفاخ الجسد العملاق ضحّاكاً كطفل كلما خاطبه أهلوه كركر.
* * * ما الذي يجري هنا؟! ماذا على الأشجار أن تصنع كي تصدمني أكثر مما صنعت ثم إذا بي لا أرى إلا الذي أحلم أن أبصره فيها؟! وماذا ينبغي للعشب إذ يمعن في الشكوى ليستجدي دموعي وأنا أضحك في سري لا.. بل ضحك العشب الذي يبزغ مثل الزغب النامي على جلد ربيع يتحضّر
* * * كانت الدهشة في أعينهم حين تنبّهت لهم ماذا يرى هذا الفتى الأبيض في العشرين والأسود في السبعين كي يغرق في بهجته من دوننا؟! أوّاه.. لو يفتح في السور لنا شقاً إلى رؤياه كي ندخل في لعبته! قلت: ادخلوا.. الأرض ليست لي ولا الزرع الذي فيها أنا أخترع الأشجار لا أغرسها أضفي عليها ورقاً أخضر من مكتبتي من لهفتي والأرض مثلي كلما داعبتها شبّت مهار في عروق التربة الميتة فانشقّت عن الماء وعن كون فسيح مثل قلبي! أيُّ تشبيه سخيف عندما أحشر قلبي في سياق اللغة الضيقة الحمقاء في كونٍ كما يُروى كبيرٍ وخيالي منه أكبر.
* * * صبّحيني واصدقيني يا بساتين وقولي لي: هل أخطأت في تلوين أشكالك؟ ما أغزرها! أم في الزيارات التي اخترت مواعيدي لها؟ ما أضيق الوقت! وهل بالغت في حبي فلم أكتشف العيب على الوجه الذي أحببت؟ ما أجمله! سيّان.. إن النهر يجري وأنا أجري مع النهر فإن جفّ تطوّعت لأروي ظمأ الأرض أنا النهر أنا الأشجار والأزهار والعشب أنا الجمرة والخضرة والصفرة الخالق والمخلوق لا ينفد حتى يتكرّر.
عبده وازن
في حفرة أعمق من الليل كانت الجثث أكثر من التوابيت عندما جمعوها. لم يجدوا قبراً. حفروا في الأرض ما يشبه الخندق الطويل. لم يكن الخندق عميقاً لكنه كان يكفي ليضم الأجساد المثقوبة بالشظايا. وضعوا في كل تابوت جثتين وربما أكثر. الموتى المجهولون لم يتذمروا عندما لفّوهم بالأوراق اللامعة وكتبوا عليها أرقاماً بدل الأسماء. لم يكن هناك من أكفان. صلّوا عليهم ورموهم في الحفرة. لم يرفع أي ميت صوته. قد يكون الموتى غافلين عما يجري. لكنهم كانوا مطمئنين، عقبان السماء لن تنقض عليهم والذئاب لن تلتهم لحمهم. كانوا مطمئنين، الليل سيضمهم وعظامهم ستزهر في التراب. لقد وجدوا قبراً ولو ضيقاً في هذه الأرض المنهوبة. سقطة القبر لم تكن أليمة لأنهم كانوا كثيرين. تعانقوا وسقطوا معاً. ثم فتحوا عيونهم، كما تقول الكتب، ليبصروا ما لم يبصره أحد، ليسمعوا ما لم يسمعوه من قبل. ولكن لم يدرِ أحد ماذا أبصروا وماذا سمعوا. الذين دفنوهم لم يعتادوا حفر القبور. نفضوا التراب عن أيديهم ولم يسمعوا جلبة ولا صوت استغاثة. صلّوا عليهم وغادروا بسرعة. في عزلتهم كان الموتى يشعلون شموعاً تشق أمامهم الطريق في تلك الحفرة التي أدركوا وحدهم أنها أعمق من الليل. أولئك الذين قتلوا مرتين كانوا يرفعون التوابيت على الأكف ويسيرون بهدوء في جنازة لم يُدع إليها أحد. عيونهم تحدّق في السماء، في أعماقها تبرق نار الخوف. عندما سقطت القذائف تفرّقوا، التوابيت وقعت على الأرض، والجثث تدحرجت على التراب. لم ترحم القذائف الجثث الراقدة تحت شمس تموز، لكن الجثث لم تئن، وحدها رائحة الموت كانت تهبّ منها. المشيّعون تواروا خلف الأشجار ولم يبق على الطريق سوى التوابيت المخلّعة وبقايا أناس قتلوا مرتين. المخطوفون ليسوا أحياء لكنهم لم يموتوا إنهم يحيون في جهة من الليل في عيون أمهاتهم اللواتي يحدّقن في السماء كل ليلة. إنهم الخط الأخير للحرب التي عبرت بقتلاها وأسمالها بالصرخات التي ما برحت ترتفع. كان عليهم ألا يعودوا لئلا تدخل الحرب كتاب الذاكرة لئلا يلتئم الجرح السري للأرض. إنهم الأخيرون الذين لم يعودوا يتركون زهرة غيابهم على حافة النافذة لا أحد يقول إنهم ماتوا في الحفر أو وراء القضبان في الغرف العفنة أمهاتهم يضئن شمعة كل مساء بأصابعهن اليابسة مثلما فعلت أم البحّار في قصيدة كفافيس. إنهم المخطوفون هكذا يسمّونهم صورهم تدل عليهم هم الذين لا يزالون مثلما غابوا بالأسود والأبيض بالألوان الباهتة لم يكبروا لحظة وجوههم لم تتغضّن وعيونهم تبرق بفرح! إنهم المخطوفون الذين قد يعودون ولو متأخرين في نوم أهلهم بأحذية مهترئة وندوب لم تمّحِ بألم يشق ظهورهم! ليسوا أحياء لكنهم لم يموتوا الحرب غالباً ما تحتاج إليهم لتظل بلا نهاية لتظل ستارتها مثقوبة برصاص القدر.
محمد الغُزي لماذا لم يعد من أرض أفريقية الرسل اليمانيون لا أحد رأى مصباحهم متخافقاً في الليل لا أحد رأى راياتهم تعلو سألنا القافلين من الشمال فأطرقوا وأشاح أهل الليل عنا ما الذي سنقول للفقراء في أبواب نجد ما الذي سنقول للغرباء هل نمضي فننبئهم؟ وهل نفضي لهم بالسر؟ كلا، سوف نهتف أنهم عادوا سنهتف أننا في الليل أبصرنا الخيول تخوض ماء النهر والرايات تعلو في رباط البحر والرسل اليمانيين ينحدرون من أسوار وجدة يحملون لأهلنا البشرى بلى، قلنا سنبلغ نحن تلك الأرض نحن سلالة الفوضى ونسل الفتنة الكبرى وأمشاج الخوارج من تقاذفت الدروب بهم وأنكرهم رجال الليل قلنا: نحن لن نستوقد النيران في ظلماتها، لن نسأل القُصّاد نحن سنهتدي بالشم كالذؤبان نادينا إذن فليهبط الشذاذ والإخلاط والملأ العظيم ليهبط الغرباء والفقراء والموتى ليهبط كل من جاعوا على أسوار حوران وفي أبواب شاطبة ليهبط كل أغراب الحواضر، كل رافضة الأعاجم، كل مرجئة العراق فلن تخيب فراسة التاريخ والأرض التي رأينا سوف نبلغها وكالعقبان تنشب في السماء عيونها سرنا ولم نسأل رعاة الليل لم نستفت أهل الرأي قلنا: نحن لم نترك سوى صمت عضوض خلفنا وقبائل قد أثخنت فينا وصحراء تهر بليلها الغربان فلنأخذ عن الأنهار حكمتها القديمة ولنسر حتى تلوح الأرض لن نستوقد النيران في طرقاتها لن نسأل القُصَّاد نحن سنهتدي بالشم كالذؤبان وها أنّا وقد دارت بنا السنوات مازلنا نطوّف في دروب الليل مازلنا نخوِّض في مياه النهر مازلنا نقلّب في الظلام عيوننا والأرض ما بانت لقاصدنا ولا انعطفت إلى بيت الينابيع الخيول. على أبواب أفريقية احتشد اليمانيون كانت أرض فاس تختفي شفافة كالماء والأسواق تقفر أين منزلنا الذي في العدوة الأخرى؟ وأين نساء قرطبة؟ سألنا القافلين من الشمال فما ألمَّوا في الطريق بنا وأعرض أهلنا الرعيان عن رد الجواب أجل عينيك وأنظر كيف يخذلنا روافض هذه الأمصار؟ كيف يخذلنا أشاعرة الجبال وعابرو الرؤيا وأهل الحكمة الرعيان؟ نحن المسترابين في كل أرض قد خسرنا كل شيء هذه راياتنا مزق وتلك رؤوسنا مرفوعة فوق الأسنة والذي خلناه بيتاً كان مختبأ إلى حين اجل عينيك في هذا الظلام وأصغي للذؤبان تعوي بين أنقاض المنازل ولتقل ماذا جنينا بعد هذا؟ فيم خانتنا البصيرة؟ كيف لم ندرك ضلالة ما فعلنا؟ كيف صدقنا رعاة النبع؟ عادت من جبال المغرب الرسل اليمانيون لم يجلوا لنا سراً ولاحملوا إلى أحفادنا البشرى هتفنا: ربما ساخت مدائن قد أقمنا ربما خابت فراستنا القديمة ربما عدنا إلى الصحراء تسفع وجهنا شمس الجزيرة غير أنّا سوف نبقى مثلما الطاعون نسكن أحلام السلالة سوف نبقى مثلما الذؤبان نعوي في الظلام ولن نكف عن العواء.
شوقي شفيق -1- بأقل من جسدي سأمضي في شراكة ما يضيء خرائبي، وأُسرُّ للأيام بعضي، ثم أزهو في تضاريس الكلام. بأقل من جسدي سأحرق بعض أضلاعي الـ تناوئني، سأمشي في ضجيجي، كي يقولوا ما يطيب لهم، وأمشي في بكاء الموج، أعدو في ضفائر جثتي. بأقل من نصفي سأحقن مهرتي كيلا تضيع رسائلي وحدود أيامي. سأُسرجني طرياً في غموض الحلم، عند جنازتي، وأُعد بعضاً من طلاقي. أستطيل على مفاتيح الكلام.
-2- بأقل مني أو بنصفي ليس من شرك سوى جسدي، وحكمة جدتي: «الصبر مفتاح الـ»، لذلك أكسر المفتاح ثم أفيض في حربي على حربي وأبتدئ الكلام. لم يعد ثمة ما يجمعنا أنت تمضي نحو مُلك عاثر، فرداً وحيداً وأنا أفتح ضوضائي على نبض التواريخ التي تجمعني في الحلم متبوعاً بزهر الوعي. تهوي نحو عليائك يسر، وأمضي في خلاصات الخطاب الصحو نحو الرجعيات التي تستدني. لم يعد ثمة ما يجمعنا الآن سوى الفرقة، تمضي نحو مُلك عاثر، فرداً وحيداً وأنا أفتح ضوضائي إلى آخرها».
-3- بأقل من نصفي أموت على هواي. بأقل من ضلع يناوئني ويستعدي على صدري ضلوعي الباقيات أقص أحلامي وأرميها سدى. بأقل من جسدي أرد على نداي. وأصيح، يُرجعني الصدى.
-4- بأقل من جسدي سأبتدئ الكلام.
محمد زينو شومان قصائد من المجموعة الشعرية التي ستصدر قريباً عن دار الفارابي بعنوان «لا تعاودي العبث!». لهاث الشعر سأمرُّ بعد العصرِ كي أضع الغيوم مكانها رفاً على رفٍّ وأفرح، كاللقيط، إذا تبسَّم شارع لي بعدما اصطكّت ضلوع قصيدتي عطشاً.
خذي نصف الفضاءِ، ونصف أحلامي، لأعرف حصّتي من هذه الدُّنيا خذي قدحي الأخير من الشُّجون لتسبري جَلَدي خذي بدماثةٍ طرفَ الشَّفقْ وتصرَّفي ببقيّةِ الميراث من أملي كما شئت التصرّفَ، لن أكون مغالياً كي أستبدَّ بمتعةٍ وحدي
ألا تتذكّرين تمنُّعي بالأمسِ كيف عزفتُ عن قطف المباهج رشوةً، أو منَّةً؟ كيف انتشلتكِ من يَدَيْ جشعي، جلدتُ غرائزي جوراً أمام العابرينَ.. ولم أقايض كذبةً بنبوءةٍ؟ خفتُ انقشاع الوهمِ خفتُ تجسُّد الرؤيا فقلتُ لصانع الأقفال: «أغلقني!» وقلتُ لكِ: «استعدِّي للحصار!ْ». .......................... .......................... من أين آتي بـ(النقائض) كي أفسّر ما يداخلني من الأهواءِ؟
أسئلتي تكرِّر نفسها، والشِّعر يلهثُ في الطريقْ.
عودة القطا قبل الكتابة لم أكن شيئاً وهذا القلب لم يذرف، على ورقٍ غمائمهُ أكنت إذاً على وشك التكوُّنِ؟ حائراً أو خائفاً مما أصيرُ.. ألم أشأ أن أقطن الجسد الذي في حوزتي؟ أم أنني أستطلع الدُّنيا على مهلٍ كمن يستأخر الأقدار أياماً ليخرج كالسَّجينِ إلى فِناء قصيدةٍ؟ عشُّ السَّماء كأنه خالٍ فأين مضى القطا؟ من سوف يثقب حفرةً في الذَّاكرةْ ويشجِّع الأسرى على فعل التأمُّلِ؟ قد أحنُّ إلى مصافحة الصَّدى فليزحفِ البرق المريرُ إلى ملاقاة الرغائبِ لا أريد من الرَّدى إلا التذكُّرَ: حرقتي سالت على ورد الحكايةِ، والبداية أخلفت بوعودها، والريح تلهمني شجوني.
لملمتُ أطراف الهديل عن السُّطوحِ، وقلت للأسماء: «لا تتنكّري لي!». مطَّ المشرَّد عُنْق دهشته، وأومأ للفلكْ فتنفَّس الصُّعَداء باب كان ينهرني ويغسل كاحليهِ بحفنة من ماء قافيتي، وبشَّرني بعودته القطا حتى كأنَّ النصَّ ينفضُ عن سوالفه الحَلَكْ.
لوائح العوز تعُوزني ساقا نعامةٍ لكي أدرك في مشقَّةِ السِّباقِ عِيْرَ الرَّغباتْ.
تعُوزني العصا إذا ما رمت نخلةً معنَّقةْ أطول من هواجسي وحِمْلُها التِّرياق والفرجْ.
تعوزني نباهة الملاَّح كلما امتطيتُ الموجَ مبحراً من ساحلِ الحبر إلى الحياةْ.
يعوزني ضلعان من أبي لأحفظ الأشجان ميراثاً لمن يخلفني وأستطيع السَّير تحت وطأة الوديعةْ تعوزني، بعدُ، امرأة تطعمني أشواقها قصيدةً قصيدةً، وتحلب السَّماء لي إن طالعت في مقلتيَّ غُبرةَ الظَّمأْ.
تعوزني في آخر الأنفاسِ محبرة أعصر فيها ما تبقَّى من حشاشتي، ومن نجيعِ الكلماتْ.
فوزية السندي إلى روح الشاعر العراقي: سركون بولص من غيرك يثق بغدر الغيم من غيرك ينحسر، هكذا، بلا مبرر من غيرك يفقد نعليه خارج الباب من غيرك يفسر برد الورق بأتونك من غيرك يزجّ الكون نحوك من غيرك ليس له من مثلك يا جسد. هكذا، تنعطف عنهم بصرامة شارع، لئلا تصل لينكب حذاؤك القاسي على درس يجهلك وما أن تتفنن بحجارته اللئيمة حتى تحترف انحدارك كمن يذود بمعطفه عن ثلج تأخر تتحدر هكذا، تنهي نهار انتحارك؟ ليلاً ينهض عنك النوم يبتعد أقرب ماءٍ للقدح كأنك الصحراء، تستنزف أحابيل السراب محاصراً بحقل نياق وممرات خيام تطارح هلكة العطش والماء كله، يغرق في دورق يؤنّب الطاولة ليلاً، لك كل ذلك.. ليلاً! مرتدياً عنف ذاتك تفتش عن نومٍ يخلو منك. وحدك، أو وحدك بصحبة عائلة تدّعيك حولك تنضح هندسة الجير مكاناً مشمولاً بسياج عنيد يردد نباح الليل بيت كغيره من ملاهي الريح يبدأ برخام عتبات تعتب عليك هذا النهار بالذات، تعثرت، غافلاً بغموض ضباب يلهث منفعلاً وضجيج المعدن لا يخفي مداه فجأة اندفعت للوراء، لم ترها تقافزت كضفدع مسّه الموت أدرت طعنة المفتاح بخجل الباب ودسست باطن وجعك في راحة البلاط حينها تشجرت أعضاؤك في فسيح جنتك، حينها تنفست ملء عظامك وأدرت نهر البكاء.. فما كنتَ هناك. أنت ما ينتابك ما يفجع راحة وجنتيك كلما غادرت كجنين هالك لحديد حياة لا يروق لك. على عُلوٍ عنها تختلس تفاصيلها المسننة منحنياً على متراس الشرفة تزاحم نداوة أجنحة تواسي شفتيك عالم يترع لك مخالب لا تحصى تجترح هداياه، متحسراً عليه، تدير نحوك عينيك. كالبنفسج تسرد عطر يومك منزوعاً كطينةٍ لا تعرف تتوارى بما تجهل. مأخوذاً بشاغل الغجر وهم يعصمون صدوغاً تتفلت وهم يتنفضون رقصاً على لسع الجمر وهم يتناهبون المعدن لنقش الحجر. ملتهياً بقرابين تجزّها روحك المبتلاة تضلل أجراساً لا تؤجل القداس بحثاً عنك. كحجرٍ ذاق نحت الرياح بأقصى القمم لا تقبل حدود السفح موطئاً لجثتك لا ترض القبر شريكاً لك، لجسدٍ اصطفاه الليل مجاوراً عداء الدروع معلماً الجب قرابة الحب. موهناً ورقاً يحترق بعمر يندكُّ موكلاً لفضاء الرأس فصد ما مضاك لم تفصح لأحد لم تترو لم تمت قبل الموت لم تخن خطايا يديك صرت لطواف اللهيب، تستثير حصوات الرجم شاعراً يهاتف الآلهة مبدداً ما يتمجّد به راع هناك عاص على رعية هنا هكذا دمت. عندما البكاء يسرق الماء بعيداً عنك لتبدو بحيرة يؤلمها نَحْتُ الملح تلجأ لك ورقة ورقة تسقط عنك. تئنُ حروفاً لا يرحمها من لا يجيد حس النبات، من لا يتحلى بصفات النار. لا تلم أحداً أغلق ياقة القلب وغادر باقة الصدر لتحتمل هواء يَحارُ بكَ وأرضاً تُحاربكْ لا تدعك تبتعد عنك هم هناك في عسل النعاس وهنا أنت مُصدع بالكوابيس هم هناك في غابة العدل وهنا أنت ملام على الموت يتحاشونك حرفة تشعل الخط يخافونك حافة تصعق الخطو.
|
||||
|