العدد الثالث - خريف 2007م

   
 

متابعات
 

الشاعر محمد عبد السلام منصور في تجلياته الإبداعية - قراءة نفسية تحليلية في الإبداع  (لقراءة المقال بصيغة أكروبات)

                                                                                        عبده علي الجسماني
                                                                 أستاذ علم النفس في كلية الآداب - جامعة صنعاء.

 

عندما يكتب الشاعر أو الأديب بلغة صافية مختارة، وشجن مشمس، ووجدان كشاف، لا يسع قارئه إلاّ أن ينداح في فلك تجلياته، ليستكشف ما وراءها من نوابض وجدانه، ونوافح حياته.

والسؤال اللاحق في هذا السياق: هل الشاعر أو الأديب يقدِّم نفسه للقراءة، أم إبداعه هو الذي يكشف عن هوية مبدعه فيستهوي الجمهور؟

أحسب الإثنين معاً؛ ذلك أن لا إبداع من غير مبدع، فهذه بدهيّة، وأن ما ينتجه المبدع إنما يعكس فاعليته النفسية في مجمل تكوينه. والشاعر المبدع دائماً «يتوخى حدة الرؤية وحداثة الفن ليناسب مكانتها الرفيعة...»(1)، على حد تعبير الشاعر محمد عبد السلام نفسه في: «الديوان الغربي للشاعر الشرقي... إيقاع على شرقيات جوته»، الجزء الأول.

قسّم الشاعر محمد عبدالسلام ديوانه هذا، المترجم إلى الألمانية، إلى أبواب ثلاث، أو كتب ثلاثة، كما أسماها هو:

- كتاب الحنين (15 قصيدة).

- كتاب الأغاني (14 قصيدة).

- كتاب الولادة      (12 قصيدة).

الديوان مخطَّط له بمنهجية فكرية قويمة، وقصائده تتراءى مترابطة وإن جاءت تحت مسميات ثلاثة. وكما هو معلوم فإن جوته (1749-1832) الذي يعتبر أعظم الشعراء الألمان في جميع العصور، كتب ديوانه الشرقي(2) بوجدان غربي أصيل، فأراد محمد عبد السلام وفاء الوجدان بالوجدان، ومكافأة البيان بكفله من البيان، وهذا ما يمكن أن أسميه «التهاجن الوجداني عبر فكر الإنسان». ولعل في هذا ما يؤصِّل للحضارات. ففي كتاب الحنين نقرأ للشاعر محمد عبد السلام «إبنة النهر»، وهي القصيدة الرابعة عشرة:

            يا ابنةَ النهر، سيدتي!

            آهِ! ضمي جراحك، لا تيأسي

            أنتِ تأتين من رحمةِ الماءِ

            فانبثقي من يديه هوىً

            يزهرِ العاشقون

            إلزمي كرمة الصبرِ

            واعتصمي بالتوقُّدِ تحت رماد الثلوج

            ستأتي المواسمُ من يبس الوقتِ

            حتى اخضرارِ الأغاني..

            المواسم تأتي    

                        إذا ما ارتخت غيمة

                                    فوقَ فرشِ الزبد.

لو رُسمت كلمات القصيدة هذه على شكل صورة لخرج كل واحد يراها ويتملاها بجواب يسقط فيه ذاته. فلعل واحداً يقول إنها الحياة (وجعلنا من الماء كل شيء حي). وقد يقول آخر إنها الروح. وربما يذهب ثالث إلى أنها نسمة الخيال. وربما ينتهي رابع إلى أنها مناجاة النفس، مستوحاة من قصص حورية النهر أو البحر.

وأيّاً كان التأويل فإن القصيدة تفوح منها أنسام (نياسم) الحياة، ومنها تتراءى للقارئ مخايل الفكر حين يريد التخلص من قيود المحسوسات.

وفي «كتاب الأغاني»، من الديوان نفسه، نقرأ تحت «ترنيمة الماء: عرشه على الماء»:

أنا الخِصْبُ

أطلع من رحم الأرض شفّاً

أحلِّقُ في الأفق

يرمُقني ظمأُ الأرضِ

أطوي السماوات في غيمةٍ

ثم أهطلني طاعناً في اللّظى

                        غاطساً في الرَّواءِ…

إنه وصف حسي يستهوي القارئ. وصف صيغ بمفردات شعرية تنتظمها ترنيمة شاعرية.

وفي «كتاب الولادة» من الديوان نفسه يقول محمد عبد السلام في القصيدة التاسعة «سر الماء»:

يا أبانا

الذي جاء من جسدِ الأرضِ

يخرجنا آهةً من جواهُ

                        على شهقة من لظاها

وينشر في الأرض

                        أحزاننا القاصرة..

كيف مدَّ البنفسج سرَّاً من الماءِ

            حتى جرى الرُّوحُ مِلءَ الترائبِ

                        يجمع غيماتِك النافرة؟

فالقصيدة بجرسها وتفعيلتها وتركيبتها تذكِّرنا وتستعيد إلى وعينا سر الحياة وسيرورة مراحل خَلْقِ الإنسان. بيد أنه وصف وجيز بألفاظ شعرية مختارة تجتذب القارئ ولا تنفِّره. وعندي أنها بالكلمات مجبولة، هي في الذوقين الشرقي والغربي مقبولة. ومن هنا تبزغ براعة غير منكورة.

«اسم الشاعر مشتق من الشعور… وكما ينطبق ذلك على شجون القلب والوجدان، ينطبق أيضاً على شؤون الحياة الهامة؛ فإن الشاعر –مثل غيره- يخوض غمار الحياة، ويقطف تجاربها، ويكتوي بنارها، فيخرج مشاعره التي هي خلاصة تجاربه الحارة، ويصوغها لنا في قالب جميل فيه المتعة والفائدة معاً»(3)...»؛ ذلك أن الشاعر يقدِّم في إنتاجه الشعري ثقافة فكرية مضافة ومتجددة، ويقدم ما يكون المجتمع بحاجة إليه من إسهامات وروحانيات. وفي حلبة ذلك تنسلك إسهامات الشاعر محمد عبد السلام.

ومن يتابع النهضة الفكرية التجديدية في اليمن يقف إزاءها مبهوراً بما اشتملت عليه من عمق وأصالة، إلى جانب الوفرة النوعية؛ نهضة فيها تجلت أصالة حمل مشاعلها عمالقة في الشعر والنثر والنقد، منهم مثلاً: الشاعر الزبيري حتى عهد قريب، الشاعر الدكتور عبدالعزيز المقالح، والشاعر عبدالله البردوني.

فالشاعر عندما تلح عليه رؤاه من أجل إبداع جديد يقدمه للناس، فإنه يشرع يحفر في أعماق الذاكرة وفي أخاديد الفكر، كاشفاً بذلك عن لواعج وجدانه وخوالج نفسه. ولكل شيءٍ في حياة الإنسان بعامة، وفي حياة الأديب والشاعر بخاصة، مناسبة فاصلة. ففي مقدمة كتابه، بل ديوانه «الهزيم الأخير من الوقت» يقول محمد عبد السلام:

«... أثناء دراستي في كلية الحقوق –جامعة القاهرة، التي بدأت سنة 1974، اتسع اهتمامي بالشعر، قراءة ومتابعة وكتابة، في ظل الأجواء الأدبية التي أحياها الشاعر الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح بمنزله، حيث انتظمت أسبوعياً ندوة أدبية ضمت العديد من الشعراء والنقاد والمثقفين العرب واليمنيين»(4).

فالشاعر، إنسان، بخَلْقهِ مكوّن بيولوجياً ونفسياً واجتماعياً، فضلاً عما يكوِّنه لذاته من معارف علمية وأدبية تغني ثقافته وتعبّر عن قصده المعرفي. ففي مقدمته المطولة لديوانه «الهزيم الأخير من الوقت»، شرح محمد عبد السلام معالم رحلة طويلة له في معارج الشعر وتعاريجه، وكلها أكسبته تجارب ثقافية، وألهمته خبرات حياتية تنمي الذات وتُرهف الإحساس. احتوى الديوان هذا على 32 قصيدة، ما بين قصيرة ومتوسطة ومطولة بعض الشيء. كما احتوى الديوان على رسوم توضيحية.

فمن هذه المطولات «الهزيم الأخير من الوقت»، وفيها يقول الشاعر محمد عبدالسلام:

رشَّ الفضاء جبينها بالضوء

فانتعشت قليلاً

وتثاءبت غبشاً

تُرَتِّب حُلْمها رؤيا

فرؤيا

طرفها الملموم

تعركه كسولاً

فتنفس التفّاحُ في دمها

على الشفتين عطرُ البنِّ

أشعل في محياها السراب...

ففي كل قصيدة من قصائد الديوان يقرأ المرء شيئاً جديداً، فلا تكرار ممل، ولا انحدار في المعنى منفِّر. ففي كل قصيدة لون نفسي، ومعنى لغوي، واستهواء جذّاب: «نبض الهوى»... «باقة ضوء»، «صبوة»... إلخ. فالديوان، كما كتب عنه الأستاذ خالد عبدالله الرويشان، رئيس الهيئة العامة للكتاب، «الهزيم الأخير من الحكم، الضوء الأول من القصيدة، فاكهة الإبداع تأتي في أوانها، ناضجة، مكملة، عبر تجربة إبداعية جاوزت ربع قرن من تأملات الشاعر وأحلامه وأحزانه. هذه القصائد، باقة أولى من بستان الورد الساحر، من حديقة البهاء المغمور»(5).

الشاعر في نظر أبي ماضي «.. من حيث هو شاعر كالكهرباء في خفائها وظهورها، وهو ذاك الذي حباه الإله القدرة على ملاحقة خفايا الأشياء، فكأنه لا يرتضي بظواهرها، بل يروح متسائلاً عما وراء المنظور...»(6).

و«...عما وراء المنظور» نقرؤه في ديوان الشاعر محمد عبد السلام المعنون

بـ «إيقاعات على خُطى النِّفَّري». وفي مقدمة تحليلية مستفيضة للديوان إيّاه، كتبت الدكتورة وجدان عبد الإله الصائغ، الأستاذ في جامعة ذمار، أننا حينما نقرأ متضمنات الديوان ننتقل إلى «مناخات مخضلة بالابتكار، لنستشعر أن النفري قد تموضع في العنونة فحسب؛ في حين أن المتن برمته قد أضاء ملامح محمد عبد السلام منصور وحركة أنامله وهي تنحت، من امتزاج الفلسفي بالشعري بالصوفي، فراديس جديدة للوجد الإلهي، وحركة عينيه وهي تتجول بحركة دائرية بين مواقف النفري واللحظة الراهنة الراعفة التي تشهد عذابات لا تنتهي للإنسان المعاصر، وصولاً إلى امتلاك لغة شعرية تنفذ إلى صميم الطقس الصوفي بمسانده التاريخية والجمالية المعاصرة لتعكس ملامح الذات الباحثة عن الخلاص المقدس والنور المطلق في زمن الشتات والتشظي»(7).

انطوى الديوان على عشرين موقفاً، بدأها الشاعر محمد عبد السلام بـ «موقف العِزّ» وانتهى بها إلى «موقف بيته المعمور». وكل موقف يتراءى للذات المدركة وللنفس العارفة ارتكازاً إلى شفافية الروح، وإلى ماضي التجربة الإنسانية في كل من محراب الإيمان ومعترك الحياة.

نقرأ في «موقف العِزّ» قول الشاعر محمد عبد السلام:

أوقفني في العِزِّ وقال:

العِزُّ أنا

روحي ويدي وضيائي

بيد العِزِّ أخذ من الأرض تراباً

ونفخت وميضاً روحي فيه

انشقَّ أديم الأرض وكان الإنسان.

العِزّةُ روحُك،

روحي بَيْتُكَ فاسكنها،

لا تَهْجرْ رُوحَكَ يوماً فتذل،

إن كنت عزيزاً...

وهكذا ينداح القارئ في سياحة روحية، وفي نشوة نفسية في كل موقف: «موقف القُرْب»، «موقف الكبرياء»، «موقف أنت معنى الكون»، «موقف الأدب»، «موقف التذكرة»... إلخ. والحق أن الديوان بصفحاته البالغة خمساً وأربعين صفحة بعد المائتين، يستوقف المرء في كل موقف من مواقفه العشرين: مواقف تنبه الإنسان إلى الأنا العليا التي هي خير قانون نفسي لو احتكم إليه بإنصاف. إنها مواقف تردع الإنسان عن «الإثمية العصابية»(8) وتعلمه بحق «معنى الخطيئة»(9) كما يرشد إلى ذلك علم النفس الديني.

وإبداع آخر لمحمد عبدالسلام منصور، هو ديوان بعنوان: «من تجليات حي بن يقظان»، ديوان انتظم ستاً وعشرين قصيدة، أطولها قصيدة «من تجليات حي بن يقظان» وهي عنوان كل الديوان. القصيدة مكونة من تسعة عشر مقطعاً، تكاد مقاطعها تتساوى في الأشطر والأسطر. سبعة مقاطع منها تنتهي بحرف القاف: وأتلق، واحترق، والشفق، والغسق... إلخ، وإثنا عشر مقطعاً منها تقف عند حرف الدال: جسدْ، الزَّبَدْ، الأشدْ، الأحدْ، انفردْ، إتقدْ...إلخ. يستهل الشاعر القصيدة بقوله:

لا تقلقي! إني أتيت على قلق.

حملتْ عذابي دمعةٌ

فكتمتُها، ومضيتُ يحرقُني هَجِيرُ

الصَّمْتِ، أركُضُ، فوق رملِ

الحزن، نَحْوَكِ يا ملاذَ العاشقِ

المجنونِ من يطويْ ليالي العُمْرِ

مرتحلاً إلى شطآنِ همسكِ، ضائعَ

الخُطوات، في وَهْمِ المسافةِ؛ فاشعليْ

برقين في عَيْنَيْكِ؛ كي آتيك، من

نوريهما، حبّاً تجدّدَ، وَأْتلق...

إن المبدع قد يعيش مثخناً بجراح إبداعه؛ ذلك أنّ الإبداع معاناة. وهذا يسمح لنا بالقول إن محمد عبدالسلام كم عانى من هواجس النفس وأطياف الخيال، ليرمق كل هذه التجليات المتمثلة في كل قصيدة، وكل قصيدة منها تتطلب فكراً جديداً، ومفردات متخيَّرة لتُطَمْئِنَ نفس الشاعر وترضي مشرب القارئ! والقارئ الذواقة يحسب ذلك كله إنجازاً وهّاجاً دون جدال.

قصة حي بن يقظان التي كتبها أبو بكر محمد بن طفيل (1100-1185م) حاول فيها التوفيق بين الفلسفة والدين. لكن محمد عبد السلام جعل من حي بن يقظان، انطلاقة له روحية تحمل النفس بعيداً عن إسار الحاضر، محمولة على جناح الخيال المشبّع بآهات الزمن في عصر الإنسانية الراهن.

الأديب المبدع لا يتواطأ مع الصمت، ولا يركن إلى الكسل، وإنما هو في حالة انسياب نفسي دائب مع حركة الواقع وكينونة الوجود. وأي شاعر أو أديب يستخف بهذا المنهج، لا يستحق التصنيف إطلاقاً في حلبة فرسان القلم. فتحت «مقامات عراقية» في تجليات حي بن يقظان، يُسكنُ محمد عبد السلام هواه «ما بين دجلة والخليج»:

دارُ السلام أتت هوىً واستدرجتْ

عين المها

ما بين دجلة والخليجْ

هذا الهوى العربي جُرْحٌ نازفٌ

يحتل ذاكِرَتيْ

يُصلّي بين قلبي والنَّشيجْ...

يعزِّز محمد عبد السلام نشيجه وما في قلبه لبغداد وأهلها من حب، بـ «مواويل بغدادية»، وهي أحدث قصيدة عمودية له:

هواي إليكِ عذبني وراقا

لقلبٍ رقَّ واشتعل اشتياقا

مسستِ خفوقَهُ ببريق طرفٍ

عراقيِّ الغرام سناهُ فاقا

تلألأ والنخيلُ يرفُّ ظـــــلاً

يغالب دمعةً تسَعُ العراقا

تأنّق حزنها بالصمت تُخفي

غراماً زاده العَتَبُ ائتناقا

تهادى القَلْبُ يمسحها كسيراً

فأسكره الغرامُ وما أفاقا

«مواويل بغداية» هذه، المنظومة من ثلاثة وعشرين بيتاً عمودياً، وكلها أعمدة متراصة يؤازر بعضها بعضاً، ظاهرها مواجيد، وتحتها مواجع. ميزتنا الإنسانية، نحن البشر، هي أننا نحاول أن نتجنّب الألم، ونجتهد ما وسعنا الاجتهاد أن نبحث عن السلام النفسي. والإنسان وجداني وبطبيعته يريد أن يكون سوياً. فوجدانية الإنسان السوي شبيهة بمستودع تنصهر فيه جميع الأحداث. والأحداث من شأنها أن تخلق توابع نفسية لدى الإنسان. والإنسان يريد لها أن تتواصل بسلام وأمان واطمئنان، ليتحقق الاندماج السوي في مستودع الوجدانية السوية(10) العام (العام هنا وصف للمستودع الوجداني).

والسؤال الشاخص الآن: هل تتسالم طبيعة العصر هذا مع ما يتوق الإنسان إليه في حياته من أمنيات؟ فدواهم الحياة الآن ما أكثرها! ومعها تكاثرت آهات الإنسان، وتفاقمت شكواه؛ فانبرى الشعراء والأدباء تنفيساً عما تعاني الإنسانية وما يكابده الإنسان من تباريح في دنياه.

ثقافة الشاعر تمكنه من أن يستوعي فواعل النفس، ويستوحي رؤى الخيال، فيطلق النفس على سجيتها فتمتاح جديداً بعد جديد من مخزون ذاته الثقافي. وفي سياق الثقافة هذا استطاع محمد عبد السلام منصور أن يترجم –شعراً- رائعة توماس إيليوت (1888- 1965) «الأرض اليباب»(11). وإيليوت شاعر وروائي وناقد يعتبر أحد أبرز ممثلي الشعر الحر، يقسم أسلوبه بالدقة والعمق في الشعر والرواية على حد سواء.

قصيدته «الأرض اليباب»، ترجمها بعضهم بـ «الأرض الخراب»، وعدد أبياتها 433 بيتاً، فضلاً عن التوطئة والشروح. وقد وجدتُ ترجمة الشاعر محمد عبد السلام منصور أدق الترجمات وأجودها؛ ذلك أنه قابل كل شطرٍ بالإنجليزية بما يستنطقه في العربية، مع المواءمة المعنوية المفعمة بالنفحة الشعرية.

أما بعد، فإن الأديب أو الشاعر، بأصابعه الذاتية يكوِّن لذاته ولنفسه وقاءً يحاول من ورائه تحقيق غرض مزدوج: أن يحقق كينونة ذاته من ناحية، ومن زاوية أخرى يريد أن يتقي تنِّين الحياة الذي يستشعره بفعل إحساسه المرهف.

وقبل هذا كله، فإن الأديب المتمكن والشاعر المبدع يرى بثاقب بصيرته أن عليه رسالة في الحياة الإنسانية والاجتماعية لا مندوحة له إلاّ أن ينجزها، لتستقر بذلك نفسه المتوهجة بإشعاع الإبداع، وبهذا يطمئن أنه «يمنح نفسه لفنه، ويقدِّم نفسه للناس»(12).

وهكذا، وفي هذه الأجواء المواتية، واصل الشاعر محمد عبد السلام منصور ويواصل متابعاته الأدبية، وانطلاقاته الشعرية، ونفحاته الروحية، ضمن فضاء العطاء الفكري، النثر الشعري منه والأدبي، في رحاب اليمن الجديد المتجدد.

 

الهـــوامـــــــش:

1. محمد عبد السلام منصور، «الديوان الغربي»، الجزء الأول، المقدمة، صنعاء، 2007، ص5.

2. جوته، «الديوان الشرقي»، حققه الدكتور عبد الرحمن بدوي.

3. عبد الله الجعيش، «في الشعر الجيد حكم وتجارب للوقاية من أمراض النفس»، جريدة «الرياض»، 7 شعبان 1428هـ، 20 أغسطس 2007م، ص30.

4. محمد عبد السلام منصور، «الهزيم الأخير من الوقت»، الهيئة العامة للكتاب، صنعاء، وزارة الثقافة، 1997، ص10.

5. خالد عبد الله الرويشان، الغلاف الأخير لديوان «الهزيم الأخير من الوقت».

6. إيليا أبو ماضي، مقدمة الديوان، منشورات عويدات، بيروت، ص47.

7. وجدان عبد الإله الصائغ، مقدمة لديوان محمد عبد السلام منصور، «إيقاعات على خطى النفري»، دار جامعة عدن للطباعة والنشر، عدن، اليمن، 2005، ص4.

8. پيير داكو، «انتصارات التحليل»، ترجمة وجيه أسعد، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1994، الجزء الأول، ص19-20.

9. پيير داكو، «الانتصارات المذهلة لعلم النفس الحديث»، ترجمة وجيه أسعد، مؤسسة الرسالة، بيروت (د.ت)، ص190.

10. محمد عبد السلام منصور، «الأرض اليباب»، الترجمة، منشورات دار الحكايات، بيروت (د.ت).

11. د. خليل أحمد خليل، «موسوعة أعلام العرب المبدعين في القرن العشرين»، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الاولى، بيروت، 2001، الجزء الثاني، ص1208.