العدد الثالث - خريف 2007م

   
 

متابعات
 

ملاحظات أولية عن "مهرجان صنعاء السينمائي الأول"  (لقراءة المقال بصيغة أكروبات)

                                             جمال جبران
                                            قاص ومترجم من اليمن.

  (1)

منذ أن تم الإعلان رسمياً عن مشروع "مهرجان صنعاء السينمائي الأول" ولا شيء يحدث على أرض الواقع. لا شيء سوى كلام منشور هنا أو هناك عن المهرجان من قبل طرفيه: وزير الثقافة اليمني من جهة، ومنسق المهرجان الأول من جهة أخرى. موعد إقامة المهرجان يقترب، بحلول نهاية 2008، مع ارتفاع وتيرة التصريحات الصحفية الخاصة به، مبتعدة عن أرضية الواقع والتي تقول إمكانيات وزارة الثقافة وقدرتها على جعل مثل هكذا مهرجان حقيقة ملموسة في واقع وبيئة غير متصالحين أساساً مع شيء يدعى "الفن السابع". يكفي النظر فقط للحالة التي صارت عليها دور العرض السينمائية الأربع التي كانت مفتوحة في العاصمة صنعاء إلى ما قبل 1995. ثلاث منها تم إغلاقها، فيما ما تزال الرابعة تقاوم موتها المحتوم.

لست متشائماً هنا. لقد كتبت ومنذ أربع أو خمس سنوات في صحيفة "الثقافية" اليمنية، وفي غيرها، حول إمكانية قيام سينما يمنية.

وأعترف الآن أني كنت حالماً وخارج نطاق أرضية الواقع. التمني شيء والواقع شيء آخر. ما حدث قبل وأثناء تصدير فيلم "يوم جديد في صنعاء القديمة" للمخرج بدر الحرسي، جعلني أؤمن بهذا، جعلني أتيقن من احتياج هذه البلاد لفترة زمنية ليست بالقليلة حتى تتم عملية مصالحة أولية بينها وبين الفن السابع وأبجدياته.

  (2)

وعليه ينبغي أن نتحلى بالصبر، وأن نتمسك بالأمل. يلزمنا الوقوف عند الحد المعقول وعند حواف الممكن. قد يجدي هذا كيما نستطيع، بعد عشرة أو خمسة عشر عاماً على الأقل، ملامسة شكل أولي لمهرجان سينمائي يمني أول.

لا يمكننا القفز على كل معطيات واقعنا هذا، مطلقين العنان لألستنا قائلين بإمكانية قيام مهرجان سينمائي يمني أول خلال الفترة المحصورة بين تاريخ الإعلان الرسمي عن المهرجان وبين تاريخ افتتاحه.

لنقرأ هنا، على سبيل المثال، ما جاء في حوار صحافي واحد مع منسق "مهرجان صنعاء السينمائي الأول"، المخرج اليمني حميد عقبي، والمنشور يوم 8 أكتوبر قبل الفائت على موقع "إيلاف" الإلكتروني، كيما ندلِّل على الفارق الهائل بين القول المتمنى وبين الواقع الصريح.

قال المخرج عقبي إن "مهرجان صنعاء السينمائي الأول" يتضمن عدة برامج، منها: تفعيل السينما اليمنية وإيجاد بيئة فنية سينمائية وتنشيط المؤسسات التي لها اهتمام بالفنون السمعية والبصرية وإحداث نوع من الحراك والتفاعل وتشجيع المواهب وتأصيلها عبر برنامج الملتقيات السينمائية وبرامج التدريب والتأهيل. (عُقد ملتقى وحيد حتى الآن بدعم من مؤسسة مدنية تشجع إنتاج أفلام سينمائية). ولهذا الغرض طرح مشروع متكامل حول هذا الموضوع الذي يمكن تحقيقه عبر عمل مسابقات في السيناريو وفحص السيناريوهات التي ستصل، ودعم الأفكار والأفلام الجيدة التي سيتم اختيارها من قبل لجان التحكيم. سيكون للأفلام اليمنية السابقة واللاحقة أولوية عرضها في المهرجان. ستكون المسابقة الرسمية محصورة في الأفلام التي سيتم إنتاجها خلال فترة عام واحد تقريباً من موعد انعقاد المهرجان، والمتوقع أن تكون من أفلام الطلبة والأفلام التي سيتم إنتاجها عبر المهرجان أي برنامج الدعم الفني، ويتوقع أن يصل عددها إلى نحو 100 فيلم تقريباً (في حال تم تطبيق البرنامج المطروح). سيكون هناك ملتقى سينمائي يمني- خليجي، وملتقى سينمائي يمني- عربي، وكذا ملتقى يمني- فرنسي. ومع كل ملتقى ستقام ورش تدريب في مختلف المجالات السينمائية، وسيتم خلالها نقاش وطرح أفكار تقدم بتأسيس وبناء بنية سينمائية، مثل معالجة مشكلة دور العرض وطرح مشاريع أكاديمية مثل المعهد العالي للسينما والمسرح وإصدار مجلة سينمائية أكاديمية وتشجيع إصدار الكتب السينمائية وتوفيرها، البحث في الأرشيف السينمائي اليمني وتوثيقه وعرضه في الداخل والخارج. سيكون هناك أفلام ستعرض على الشاشة الكبيرة أو في المهرجان المفتوح. سيكون لدينا ثلاث قاعات عرض سينمائية على الأقل. كما تم طرح مشروع بناء مجمع سينمائي خاص بوزارة الثقافة. وكل هذا في انتظار التمويل.

إلى هنا ينتهي بعض مما طرحه منسق المهرجان الأول وفي حوار واحد فقط.

  (3)

بمراجعة بسيطة لما جاء عاليه لا نجد صعوبة في اكتشافنا أن الأمر كله لا يبتعد كثيراً عن حدود الكلام المجرد وجغرافيته. يبدو هكذا غير محاذٍ لأي كيان عملي يمكن تحقيقه وتنفيذه خلال الفترة المعلن عنها فيما يخص موعد انطلاق الدورة الأولى للمهرجان.

ما نحتاجه فقط، عوضاً عن هذا كله، ومن أجل وضع لبنة أولى في بناء سينما يمنية، ما نحتاجه هو أن نكون على أرض الواقع، نراه بعين مفتوحة، نقرؤه بتمعن، نلامسه بصدق؛ وهذا كيما نكتشف أن برنامج "مهرجان صنعاء السينمائي الأول" بحاجة لإعادة النظر.