العدد  السادس - شتاء 2008م

   
 

  متابعات
 

شذرات من المشهد الروائي اليمني (لقراءة المقال بصيغة أكروبات)

                        سمير عبد الفتاح
                          روائي من اليمن

هاجس الرواية

تظل الدهشة والاستفهام يلازمان المتابع للأدب اليمني، عندما تتم الإشارة إلى الرواية في اليمن؛ استفهام نابع من خفوت الصوت الروائي، خفوتاً إلى درجة التغيّب، رغم ما أصبحت الرواية تمثله -حالياً- في الأدب العربي والعالمي؛ فالرواية تعد -بنظر الكثيرين- الثقل الأساسي في آداب الشعوب، إلى درجة الإيعاز بأن الرواية هي ضمير الشعوب، ومع تنوع الأشكال التي تكتب بها الرواية (بداية من الأشكال الهزلية وانتهاءً بروايات التجريب)، ولا يوجد موضوع لم تتناوله الرواية مستهدفةً طيفاً واسعاً من القراء.

 في المقابل هاجس كتابة الرواية يراود الجميع، شعراء وكتاب قصة ونقاداً ومسرحيين ومفكرين؛ وذلك للإمكانيات التي توفرها الرواية بأكثر مما هو متاح في الأنواع الأدبية الأخرى. كما يصاحب الرواية -إضافة للاهتمام في الكتابة والقراءة- اهتمام نقدي كبير. فهناك جهد نقدي يشرح ويفسر ويروج للرواية، بحيث تبدو دائرة الرواية أضخم الدوائر الأدبية.

 لذا فظهور الرواية، في أي مكان، هو الوضع الطبيعي. وعدم وجودها هو المؤدي للدهشة والتساؤل. 

 أيضاً الرواية -في أي مكان- تحتاج لمقومات وشروط متعددة لتظهر وتزدهر؛ مقومات تبدأ من المناخ العام، مروراً بقدرات وثقافة الروائي. وعبر هذه المقومات نستطيع تلمس ظهور وتطور الرواية من عدمه. وبهذا المقياس يمكن إرجاع الكثير من تأخر بروز الرواية في اليمن إلى عوامل المناخ العام الذي لم يساعد في ظهورها إلا في فترات متأخرة وعلى سنوات متباعدة.

 افتتاحية الغياب

 ظهرت الرواية في الوطن العربي متأخرة عن زمن ظهورها كفنّ أدبي غربي يعود إلى فترات تاريخية تعود لما قبل القرن السابع عشر الميلادي.

 وككل الإشكاليات التي تصاحب –عادة- البدايات، نتيجة لغياب التوثيق الدقيق، تتقاطع جهود الباحثين في تحديد تاريخ بداية ظهور الرواية. فتظهر نتيجة لهذا أكثر من رواية وأكثر من زمن تدور حوله النقطة التي يمكن تحديدها كبداية.

 وما ظهر في إشكالية بداية الرواية العربية انعكس على تاريخية الرواية اليمنية، أو -بمعنى أكثر دقة- على ما أُصدر تحت مسمى "رواية". فقد ساد لفترة طويلة اسم رواية "سعيد" لـمحمد علي لقمان، التي حملت تاريخ 1939، والصادرة في عدن كأول رواية يمنية. ومؤخراً فقط حُملت رواية "فتاة قاروت" لأحمد السقاف، الصادرة عام 1927، في إحدى جزر جنوب شرق آسيا.

 فبحسب بيلوجرافيا الرواية اليمنية، التي أعدها زيد الفقيه، ورصد فيها الإصدارات الروائية اليمنية منذ البداية حتى منتصف العام 2007، ظهرت رواية "فتاة قاروت" في التصنيف كأول رواية يمنية. وفي البيلوجرافيا أيضاً (التي اعتمدناها كمرجع هنا، كونها أحدث بيلوجرافيا ترصد الرواية، وصعوبة العثور على بيلوجرافيا أخرى ترصد الإصدارات الروائية اليمنية) نجد أن الرواية الثالثة هي: "يوميات مبرشت" للطيب أرسلان، وصدرت بعد تسع سنوات، في العام 1948، في عدن. وتمرّ أكثر من عشر سنوات قبل صدور الرواية الرابعة "حصان العربة" لعلي محمد عبده، والتي صدرت على شكل حلقات مسلسلة في صحيفة "الكفاح" في عدن عام  1959.

 بعد ذلك نجد أن الفترة الزمنية بين صدور كل رواية والأخرى تقل تدريجياً. فظهرت في العام 1960 رواية "مأساة واق الواق" للشاعر محمد محمود الزبيري، التي طبعت في القاهرة.

 وهكذا ظهر خلال الفترة 1927 – 1969، في البيلوجرافيا، سبع روايات فقط، من ضمنها رواية لعلي أحمد باكثير في 1969 تحت اسم "ملحمة عمر". وهنا نشير إلى ظهور خمس روايات لعلي أحمد باكثير، صنفها معدّ البيلوجرافيا زيد الفقيه كروايات يمنية، وهي: "ملحمة عمر" (1969)، "واإسلاماه" (1974)، "ليلة النهر" (1978)، "الثائر الأحمر" (1985)، و"الفارس الجميل" (1993).

 بداية انطلاق الإصدار الروائي

وحملت الفترة 1970 – 1980 ما يمكن تسميته ببداية عصر الإصدار الروائي. فقد تم إصدار 14 رواية، بدأت برواية "يموتون غرباء" لمحمد أحمد عبد الولي، التي نشرت كحلقات مسلسلة في صحيفة "الشرارة" عام 1970، وانتهاءً برواية "قرية البتول" عام 1979 لمحمد حنيبر.

وفي هذه الفترة صدرت روايتان لمحمد عبد الولي: "يموتون غرباء" (1970)، و"صنعاء مدينة مفتوحة" (1978).

وهنا نشير إلى أن معدّ البيلوجرافيا قد أدخل الأعمال القصصية "الأرض يا سلمى" (1978)، "شيء اسمه الحنين" (1986)، و"عمنا صالح العمراني" (1986)، لمحمد عبد الولي، ضمن الإصدارات الروائية، مستنداً إلى أن هذه الأعمال صدرت عن دار العودة بيروت 1986، وظهرت على أغلفتها كروايات. ونحن هنا استنزلناها من الإحصائيات الخاصة بالرواية، باعتبار هذه الأعمال تنتمي بشكل واضح لفن القصة.

وهذا الزخم في فترة السبعينيات قابله تراجع في الفترة اللاحقة الممتدة من العام 1981 حتى 1990، فقد تم إصدار 13 رواية فقط. وقد صدرت خلال هذه الفترة رواية "الرهينة" لزيد مطيع دماج في العام 1984، والتي تعد من أشهر الروايات اليمنية، وتم ترجمتها إلى عدد من اللغات الأجنبية.

أما في الفترة من عام 1991 إلى 2000 فقد صدرت 18 رواية.

ويتقاطع داخل الفترة الممتدة من عام 1970 إلى 2000، ست روايات لم تتضمن تاريخاً محدداً للنشر، تضاف لما تم إصداره من الرواية اليمنية، ليصبح عدد ما تم إصداره 57 رواية خلال الفترة 1927 – 2000.

وهذا الرقم ليس نهائياً، ونتوقع وجود روايات نشرت خلال الفترة لم يتم الإشارة إليها في البيلوجرافيا بسبب غياب التوثيق وعدم وجود إمكانيات لمتابعة الإصدارات اليمنية التي صدرت في الداخل والخارج. ولا ينعكس هذا على الرواية، بل يمتد إلى الشعر والقصة وبقية الفنون.

عقد الرواية

وأخذت حركة الإصدار الروائي في الازدهار، فقد تصاعدت خلال الفترة التي تغطي المدة من العام 2001 حتى منتصف العام 2007. فقد صدرت 59 رواية، بما يتجاوز حجم الإصدار الروائي خلال الفترة 1927 – 2000. وهذا التصاعد يوحي بأن ما سيصدر خلال الفترة 2001 - 2007 سيتجاوز بكثير ما تم إصداره خلال أكثر من 70 عاماً.

الرواية اليمنية بين البدايات والتطور

نحن هنا لسنا في مجال الحكم على ما صدر من روايات، من الناحية الفنية، أو طريقة تقبل الآخرين لها. لكن يجب الإشارة إلى أن الرواية اليمنية، مع الألفية الثالثة، بدأت تظهر فيها الخطوط المتعددة التي تفترضها الرواية الحديثة. أيضاً تعددت الأشكال المتبعة في كتابتها، وتلاشى -إلى حد بعيد- الخطوط الأيديولوجية، السياسية والاجتماعية، المباشرة، التي ميّزت الروايات الصادرة قبل تسعينيات القرن العشرين.

وهذا التطور يعود –أولاً- إلى تراكم الخبرات الروائية. فالتجارب الروائية الأولى يحسب لها الريادة في اقتحام هذا المجال. لكن يلاحظ في الروايات الأولى تداخل الأجناس الأدبية فيها. فنجد فيها الكثير من مقومات القصة والحكاية. أيضاً نجد ضعفاً في الخط الروائي وعدم اتساقه مع الأحداث التي تبنيها الرواية. وتعد رواية "مأساة واق الواق" (1960) أبرز النماذج لهذا، فقد تداخلت فيها الأجناس الأدبية، من شعر ونثر وخطابة، ضمن المتن الروائي. وكان الهاجس الثوري المباشر طاغياً على الجانب الفني المفترض لها كرواية. ويعود سبب هذا إلى كونها –أساساً- تروّج للفكر الثوري لدى محمد محمود الزبيري، أكثر مما تهتم بانتمائها لعالم الرواية، ووقوع الزبيري -في تلك الفترة- ضمن دائرة الإعداد والتحريض على الثورة.

لتأتي بعد ذلك روايات محمد عبد الولي، الذي تطورت على يديه الأدوات الفنية، في نهاية الستينيات وبدايات السبعينيات من القرن العشرين، وذلك في كتابته للقصة والرواية. وتعد روايته أنضج التجارب في حينه. وتسلم الزمام بعد ذلك أحمد سالم باصديق، وعبدالله باوزير؛ لتكتمل هذه المرحلة برواية "الرهينة" (1984) التي تجاوزت الكثير من القصور الذي شاب رواية "مأساة واق الواق"، رغم أنها تصب في الإطار نفسه. فقد استطاع زيد مطيع دماج إدماج الهاجس الثوري بالهاجس الاجتماعي وإخراج رواية أكثر فنية، مستفيداً من تجربته في كتابة القصة واختفاء الضغط المباشر الذي تعرض له الزبيري عند كتابته لروايته.

ومع ازدياد تراكم الإصدارات الروائية خلال السنوات التالية بدأت تظهر نماذج جيدة للرواية اليمنية. ويمكن عدّ الفضل الأكبر في هذا إلى أن معظم الروايات الصادرة مؤخراً تنتمي لمن يكتبون القصة، الذين استفادوا من تجربتهم في كتابة القصة للدخول في دائرة الرواية، وهذا ساعد في وصول إصداراتهم الروائية إلى مستوى فني أعلى، وإن لم يتخلصوا تماماً من تأثير القصة أثناء كتابتهم للرواية. 

وكما قلنا سابقاً، هذا ليس حكماً على الروايات الصادرة، ولكنه عرض سريع لأهم المحطات الروائية.

مؤشرات على الطريق

لم تستطع الرواية اليمنية إيجاد نقاد لها. ربما يتمثل الأمر بداهةً في قلة النقاد، لكن أيضاً تتمثل أجزاء أخرى من الأسباب في قلة الأعمال الروائية، سواءً في عددها أم في عدد النسخ التي تطبع من كلٍّ منها. وهذا يؤدي إلى ضعف إمكانية التواصل معها نقدياً. أيضاً عدم وجود المعايير اللازمة في عدد من تلك الإصدارات ليمكن وضعها على طاولة النقد.

أيضاً تتركز مهام النقد الأدبي في ركيزتين: الأولى: الاهتمام بالعمل الأدبي وعرضه وإبرازه أمام جمهور القراء، ليزداد الإقبال عليه وتتوسع دائرة توزيعه. والركيزة الثانية: تحليل العمل الأدبي وإبراز جوانب القوة والضعف الفني فيه، ليتمكن المؤلف من معالجة القصور وتطوير أدواته الفنية في أعماله اللاحقة.

وعند إسقاط وظائف النقد على الإصدارات الروائية اليمنية نجد أن محدودية نشر الإصدارات الروائية تجعل الركيزة الأولى غير هامة؛ فلا توجد أعمال معروضة أمام جمهور القراء. والركيزة الثانية تعاني أيضاً من القصور، فمعظم من كتب الرواية اكتفى بإصدار رواية واحدة. ويبقى فقط النقد الأكاديمي، الذي عادةً ما يكون محصوراً داخل نطاق ضيق ويتناول مواضيع معينة، بحسب ظروف النقد الأكاديمي واهتماماته.

أيضاً نشير إلى ظهور عدد من الدراسات النقدية التي تناولت الرواية. وقد حظيت روايتا "الرهينة"، و"صنعاء مدينة مفتوحة" بالعدد الأكبر من الدراسات النقدية، من نقاد يمنيين وعرب. كذلك تم مؤخراً تحضير عدد من الرسائل للحصول على درجات الماجستير والدكتوراه في مواضيع متعددة تخص الرواية.

أيضاً تم عقد ملتقى للرواية العربية الألمانية عام 2004، بمشاركة واسعة من أبرز الروائيين العرب والألمان. كذلك تم ترتيب ورشة عمل لمجموعة من كُتّاب الرواية اليمنيين، عبر اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين. ومن المتوقع أيضاً تنظيم مهرجان روائي في اليمن بين نهاية العام 2007 وبداية العام 2008 عبر اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.

وهذا الاهتمام المتزايد بالرواية مؤشر مشجع (بالإضافة لازدياد الإصدارات الروائية) على أن الفترة القادمة.