العدد  السابع - ربيع 2009م

   
 

  متابعات
 

د. عبده علي الجسماني... وداعاً!
نخلة عراقية تذوي بعيداً عن بلد النخيل
(لقراءة المقال بصيغة أكروبات)

                                                   عبد الرزاق الربيعي
                                                                             
مسقط                     

كان الصباح هادئاً ومشمساً جداً في مسقط، وكأن الصيف عاد بقوة. في طريقي للجريدة فجأة اهتز هاتفي معلناً وصول رسالة، وقد اعتدت أن أستقبل رسائل الـ"جمعة مباركة" في مثل هذا الصباح لكن الرسالة التي كانت من الدكتور سعيد الزبيدي بدأت  بأبيات تنذر بحدث جلل:

هذي الحياة مصيرها لفراقِ

والمرء في يدها أسير وثاقِ

تساءلت: يا ترى هل حدث مكروه لـ"عمو بابا" الذي يرقد في أحد مستشفيات مسقط لإجراء عملية جراحية!؟

حاولت أن أكمل قراءة بقية الأبيات بسرعة حتى وقع نظري على: "عظَّم الله أجرك بوفاة د. عبده علي الجسماني رحمه الله".

 كان الخبر صاعقاً وحزيناً.

إذن، رحل هذا العالم الذي درست طروحاته في أقسام علم النفس في الجامعات العربية وعُدَّ من أبرز المتخصصين بعلم النفس، وقد ربط بين علم النفس والأدب، مؤكداً أن "ما ينتجه المبدع إنما يعكس فاعليته النفسية في مجمل تكوينه"، حيث أن الشاعر "إنسان، بخَلْقهِ، مكوّن بيولوجياً ونفسياً واجتماعياً، فضلاً عما يكوِّنه لذاته من معارف علمية وأدبية تغني ثقافته وتعبّر عن قصده المعرفي" كما جاء في دراسة له نشرها في العدد الثالث من مجلة "غيمان" وحملت عنوان "الشاعر محمد عبدالسلام منصور في تجلياته الإبداعية - قراءة نفسية تحليلية في الإبداع".

رحل عبد علي الجسماني المولود بكربلاء عام 1925 مخلفاً عشرات الكتب ومئات البحوث، التي أبرزها: "الطفل السوي وبعض انحرافاته"، "مأدبة أفلاطون"، "المدخل إلى علم النفس الحديث"، "الأسس الفلسفية في التربية" (ترجمة), "سايكيولوجية الطفولة والمراهقة"... إلخ.

رحل هذا الرجل الطيب والإنسان المتواضع، الذي حين يتكلم معك يحني قامته المديدة ليهمس في أذنك وكأنه يستودع سراً!!

أعادني الخبر الى أيام صنعاء، حين كنا نجتمع في الأسبوع أحيانا أكثر من مرة، في مجلس الدكتور عبدالعزيز المقالح وفي جامعة صنعاء وفي لقاءات أخرى؛ فهو قطب من أقطاب الدائرة القريبة من المقالح، والتي كانت تضم المرحوم وسليمان العيسى والدكتور شاكر خصباك وخالد الرويشان ومحمد عبدالسلام منصور ود. عبدالرضا علي ود. حاتم الصكر ود. علي جعفر العلاق... وكنتُ مع صديقي وأخي الشاعر فضل خلف من ضمن هذه الدائرة خلال سنوات إقامتنا بصنعاء في التسعينيات, وظل تواصلي مع أفراد هذه الدائرة مستمراً. وكنت أتابع أخبار الراحل، فعلمت أنه بعد أن أصدر موسوعة في علم النفس والقرآن بدأ الاشتغال بمعجم إسلامي بعلم النفس، لكن القدر لم يمهله، حيث رحل بعد إجراء عملية جراحية بصمام القلب قبل أسبوعين، بأحد مستشفيات صنعاء، فنجحت، لكن نتج عنها مضاعفات في الرئة أدت الى وفاته؛ لتذوي نخلة عراقية معطاءة بعيداً عن وطن النخيل، وليدفن في صنعاء، التي احتضنت غربته منذ مطلع التسعينيات، كما أوصى، لنفتح في "خزيمة" فرعاً جديداً لمقبرة العراقيين الغرباء!!