العدد  السابع - ربيع 2009م

  متابعات
 

"موسيقى طعنتني من الخلف" لفتحي أبو النصر
الشاعر متلصص على ذاته ()

                     جمال جبران

بعد عمله الشعري الأول "نسيانات اقل قسوة"(2004)، يظهر الشاعر اليمني فتحي أبو النصر في جديده "موسيقى.. طعنتني من الخلف"، يظهر محملا بأشياء ثقيلة. بداية من الأسماء الكثيرة التي قام بإهداء عمله الجديد إليها، وليس انتهاءاً بتلك النصوص الكثيرة أيضا التي احتواها عمله والتي كان بإمكان فتحي، لو امتلك الصبر وحاز موهبة الانتظار والتريث، لكانت تعمل أكثر من ديوان شعري وأكثر من كتاب نثري. لكنه كقصائده "لا يأبه". لكنه كحياته المستعجلة والراكضة نحو أشياء لا يراها.. غيره.

هو فتحي أبو النصر أيضاً، الذي يكتب جملته النثرية حيث لا يبدو مرتبكا أو قليل حيلة تجاه هذه الكتابة الجديدة، الأجد. يكتب جملته التي لا تبدو غريبة أبداً عن حياته ذاتها. لكأن فتحي أبو النصر هو ما يبدو عليه في الشعر كما في الحياة. كما ولا يبحث، حال يكتب، عن شرعية انتماء ما يكتبه لما يسمى "قصيدة النثر". هو "لا يأبه"، كما في حياته، لأية قواعد أو لوائح لها أمر تنظيم قصائده\ حياته.

"من قال أن الشعر يأتي من الشعر" (عباس بيضون). حيث يأتي الشعر من الشعر ومن سواه، من الثقافة ومن الواقع ومن الظرف والمرحلة ومن التجربة.

وفوق هذا نجد أن فتحي يكتب قصيدته معتمدا على براءة مفرطة لها أن تنسجم، بلا شك، مع ذاته الحقيقية.

"أراوغ الغموض بأمومة الضجر

كيف يمكن أن أجذبني إلى نهاية القصيدة بلا خسائر؟

سنوات تائهة بلا أعناق..

أوجاع سعيدة ومقابر ولا ندري ماذا نطارد بالضبط"(ص 182).

وفتحي أبو النصر في قصيدته "شاعر مهووس وبقدر ما هو في القوة بقدر ما هو في الذعر" بحسب قوله في الكتاب\ الديوان.

 وهو فتحي، لا يكترث بالتسميات أو الرسمي الجاهز والمحنط. وحتى و إن حاول التسمية وقال أن قصيدة النثر هي "صيادة العمق أو ثمرة الشعرية البشرية "، فهو يعمل ضدها وضده. ولذلك يكتفي بلعنها" لأنها غير مسقوفة ولا حد لها فيما لا ترحم وطأة اندفاع شاعرها فيها".

"سأغمض عينيّ وأسبح

حين أتذكر ضحكتك

يتقافز البحر إلى غرفتي"(ص23).

هي لحظة شعرية هنا يتقن فتحي أبو النصر الإمساك بها أثناء التصاق عينيه بشاشة الكمبيوتر، وأصابعه على لوحة المفاتيح (الكيبورد). لا يتقن إمساك اللحظة فقط بل و إتقان كيفية هذا الإمساك الذي يفعله وتحويله إلى جملة شعرية خالصة، ومضة، تُزرع على الشاشة المنتصبة أمامه. وهو ما يحفظ لشعر فتحي تلقائيته ولحظته ومزاجه الرائق على طول الخط كما وطراوته. معظم قصائد ونصوص هذا العمل كُتبت بهذه الطريقة. وهي ميزة ينفرد بها فتحي أبو النصر عن غيره من شعراء القصيدة اليمنية الجديدة.

"البلاد التي في نشرة الأخبار ليست البلاد التي تعيش بوجبة واحدة فقط وهؤلاء العشاق الذين لا يرفعون أصواتهم بالأغاني. يشبهون الشعراء الذين لم يكتبوا قصيدة النثر بعد، كلاهما من الأسباب الرئيسية لمعاقبتنا بصور الزعيم المنتشرة في كل مكان"(ص32).

و ينطلق فتحي أبو النصر في قصيدته المباغتة مستندا على جملة مفردات يمكن اكتشاف التصاقها بتفاصيل اليومي والعادي عنده.التصاقها بيومياته الشخصية. الأشياء المتروكة\السائرة على شارع، اللافتات المعلقة هناك، صور المرشحين إلى الانتخابات العامة،إعلانات السمن والصابون، "واجهات مطاعم تتفرج عليّ ببلاهة".(ص208).

"دروب تركض في إطارات سيارات مجنونة"، أو "الأغنية الملقاة بإهمال في الزاوية لا تريد أن تكون أغنية فقط"(ص78).

ويروح فتحي أبو النصر، مدعوما من الذاتي، وبشكل دائم. من تفاصيل حياته الخاصة جدا. فتحها على الجميع. فتح حياته على الجميع، مكتوبة، في عمل كثير. كما ويستحق أكثر من قراءة.. وكتابة.