متابعات
الكاتبة
الصامتة النمساوية أيلفريده يلينِك
()
د. علي يحيى منصور
أستاذ في كلية اللغات - جامعة صنعاء
وقع
اختيار الأكاديمية
السويدية على
الكاتبة النمساوية
أيلفريده يلينِك
لنيل جائزة
نوبل للآداب
للعام 2004. ويكون بهذا
نصيب الأدب
الألماني خلال
أربع سنوات
جائزتين نوبليتين،
بعد أن
حصل قبلها جونتر
جراس على
الجائزة في
العام
1999. تكاد
الكاتبة أن
تبقى مغمورة
الاسم في
العالم، حتى
بعد تلك
الجائزة الحلم.
ثارت
ثائرة
النقاد
في
النمسا
وخارجها
بعد
إعلان
خبر
المنح،
وانصبت
ألسنة
اللهب
من
الأقلام
على
صفحات
الصحف
والمجلات،
حتى
ظن
القراء
أن
حريقاً
قد
شب
ليأتي
على
الأخضر
واليابس.
نعم،
قالت
صحيفة
"دي
تسايت"
الألمانية
في
ملحقها
الأدبي،
إن
منح
أيلفريده
يلينِك
جائزة
نوبل
يمثل
صدمة
لم
يفق
منها
أحد
بعد.
وتصاعدت
الأصوات
الساخطة
من
كل
صوب،
بينما
ضاعت
الأصوات
المنصفة،
على
قلتها،
أمام
هدير
جوقة
الغاضبين.
والواقع
أن
الحدث
النوبلي
قد
شق
الصفوف
في
الجهات
كافة.
تأتأ
المهنئون
أثناء
نطق
المديح
لأيلفريده،
فجاءت
شعارات
دفاعهم
متضاربة
ومقتضبة.
قالوا
إن
الكاتبة
يلينِك:
مزعجة،
جريئة،
جسورة،
مليئة
بالهواجس،
وجبارة
في
اللغة.
قالوها
بنبرة
لا
تخلو
من
التردد
الواضح.
وتوقف
عالم
النشر
أياماً
عديدة
حتى
عن
ذكر
أهم
الأعمال
الأدبية،
واضطربت
لغة
صحافة
القاذورات
في
النمسا،
وفقدت
اتزانها
وانحدرت
إلى
مستوى
التشفي
البذيء.
وحتى
أيلفريده
يلينِك
نفسها
بدا
عليها
اليأس،
كما
لو
أنها
تفضل
أن
تناول
جائزة
نوبل
للكاتب
النمساوي
بيتر
هاندكه.
إذاً
ما
الذي
كانت
تفكر
فيه
الأكاديمية
السويدية
حينما
تجاهلت
كبار
الكتاب
العالميين
-من
أمثال
جوزيف
روت
ومايروكر
وليز
موراي
وبنتشون
ودون
دليللو
وأبدايك
واوتس
وبيتوف-
لتمنح
أرقى
جائزة
أدبية
في
العالم
لبطلة
شجاعة
وجسورة
للمقاومة
النمساوية
الداخلية؟
يبدو
القرار
غريباً
بمقاييس
الأمور
المتعارف
عليها.
إن
أيلفريده
يلينِك
ليست
سوى
قديسة
مذابح
بشرية،
وتستحق
الثناء
والتكريم
لأنها
دأبت
في
أعمالها
بكل
صدق
وحرارة
على
إبراز
ما
يقيم
سلبياً
في
دواخل
النفس
البشرية.
لكن
الجبهة
المعادية
لهذه
الكاتبة
تشبّه
منح
الجائزة
لها
بمن
قدم
أغلى
جائزة
عالمية
ليربوع،
بدلاً
من
تقديمها
لرياضي
محترف
في
ركض
المسافات
الطويلة.
ويقول
ناقد
آخر
مدافعاً
عن
الكاتبة:
"هذا
سوء
فهم
بامتياز،
والكاتبة
يلينِك
بريئة
منه
كلياً،
كما
أن
سوء
الفهم
هذا
ألقى
بظلاله
على
أعمالها
الأدبية
منذ
زمن
طويل".
لقد
قيم
بعض
النقاد
نتاج
يلينِك
الأدبي
بأنه
يتسم
بالبراءة
الخالصة
وقوة
الأسلوب
وتعددية
الطبقات
والثراء
الواسع. وقالت
إحدى
الكاتبات
مرة
بإعجاب
بارد:
"إن
إيلفريده
يلينِك
لا
تكتب
كتباً
بل
تكتب
ملء
كتب".
لكن
الفريق
الآخر
يرى
العكس،
ويذهب
إلى
أن
روايات
يلينِك
خالية،
وهكذا
ينبغي
أن
تبقى،
إنها
خالية
من
العواطف
وخالية
من
الشاعرية،
ليس
فيها
سماء
ولا
حب
ولا
أفكار
ولا
ألوان
ولا
أنغام
ولا
روائح
ولا
نور،
وليس
فيها
عالم
دنيوي
ولا
عالم
غيبي،
إن
فيها
مادة
واحدة
فحسب،
ومن
هذه
المادة
مواد
احتياطية
لا
تعد
ولا
تحصى:
قمامة،
قمامة
بشر،
قمامة
طبيعة،
قمامة
علاقات،
قمامة
حب،
قمامة
عوائل،
قمامة
وسائل
إعلام،
قمامة
لغة...
فما
إن
يدخل
المرء
فضاء
الروايات
اليلينِكية
يتغير
العالم
كله
بومضة
عين
إلى
مجرى
مرحاض؛
الرجال
يصبحون
خنازير
شهوانية
متوحشة،
والنساء
يصبحن
خنزيرات
شبقات
خانعات،
ويتحول
الريف
الجميل
إلى
مقبرة
جثث.
فهل
تريد
يلينِك
هكذا
أن
تصور
-بكثير
من
المبالغة-
وطنها
النمسا
أمام
الدنيا؟
هل
يمكن
أن
يصل
وضع
المجتمع
النمساوي
إلى
هذا
الحضيض؟
يثني
بعض
النقاد
من
أعماق
قلوبهم
على
صراع
أيلفريده
يلينِك
المرير
ضد
مظاهر
العجرفة
الرجعية
وضد
النمسا
ومادية
تجارة
الإعلام
في
عالم
الرياضة
وأوقات
اللهو
والتزمت
البرجوازي
وصناعة
أفلام
الخلاعة
وهيمنة
نظام
الأبوة.
لكن
النقاد
ذاتهم
ينتقدون
الكاتبة
على
نزعتها
العدوانية
والعناد
المتطرف
في
أسلوب
الكتابة.
كما
يتهم
آخرون
الكاتبة
بالجهل
المطبق
بمسار
الحياة
على
أرض
الواقع.
وترد
هي
قائلة:
"في
الواقع
لا
أعرف
الكثير
عن
الحياة،
لكنني
غير
مجبرة
أبداً
على
معرفتها،
لأنني
أعرف
كيف
تسير
الحياة".
ويعني
هذا
أن
الأكاديمية
السويدية
كانت
على
خطأ
حينما
سلمت
جائزتها
لهذه
الكاتبة
التي
تكثر
الحديث
في
رواياتها
عن
أشخاص
ديدنهم
العنف
والعبثية.
لذا
فإن
ما
تكتبه،
كما
يقول
المعادون
لها،
أخلاقياً:
إصابة
مباشرة،
وجمالياً:
استسلام
تام،
وأدبياً:
إقليمي
بحت
ليس
إلاَّ.
هكذا
هو
أدب
أيلفريده
يلينِك:
أدب
معاد
للوطن،
ولكنه
يعد
أدباً
في
كل
الأحوال.
ووازع
الكاتبة
الجوهري
هو
نزع
القناع
بعنف
عن
المجتمع
الكاثوليكي
المتزمت
في
النمسا.
ويذهب
بعض
محللي
أدب
هذه
الكاتبة
إلى
أن
النمسا
بلد
صغير
جداً
وأن
أيلفريده
يلينِك
كاتبة
إقليمية
كبيرة
جدا.
يشير
محللون
آخرون
إلى
فوضى
موتيفات
العوالم
التي
تخلقها
يلينِك
في
كتاباتها
دون
حساب
ولا
عد؛
موتيفات
يجهلها
معظم
القراء.
يتساءل
أحد
العارفين
للأدب
اليلينِكي:
"هل
توجد
قارئة
مجرية
أو
أمريكية
تستطيع
أن
تفهم
معنى
الأعضاء
الجنسية
المقطعة
إرباً
وقرابين
السائل
المنوي
والمتزلجين
من
محترفي
اغتصاب
النساء؟
وهل
تفهمان
سجادة
الموتيفات
اليلينِكية
المتناثرة
في
روايات
الكاتبة
حول
التدمير
وجاكتات
الجوخ
والعفونة
والسراويل
الجلدية
وصور
التلفاز
ومشاهد
سفر
الرؤيا؟".
ما
الدوافع
التي
حملت
الأكاديمية
السويدية
على
اختيار
يلينِك؟
دأبت
الأكاديمية
على
تسويغ
منح
جوائزها
بدقة
واختصار،
وهذا
ما
قالته
بحق
هذه
الكاتبة
النمساوية:
"لقد
انهالت
أيلفريده
يلينِك
بالسوط
على
النمسا
ذما
وتشنيعا،
بغيظ
محتدم
وسخط
جارف.
وتجسد
رواياتها
("العاشقات"
و"المعزولون"
و"عازفة
البيانو")
عالما
دون
رحمة".
يعلق
نقاد
آخرون
على
بيان
الأكاديمية
قائلا:
"لعل
الأمر
مختلف
تماماً،
وأن
أيلفريده
يلينِك
لا
تجسد
في
رواياتها
أي
عالم،
وأنها
ليست
مغتاظة
أصلاً،
بل
على
الأرجح
بائسة
وتائهة
تجاه
كل
نوع
من
العوالم.
وفي
حوار
مع
الكاتب
اندريه
مولر
قالت
يلينِك
مرة
إن
أثـقل
ذنب
اقترفته
هو
تقاعسها
عن
المشاركة
في
الحياة
بل
متابعة
الحياة
بأسلوب
غير
مباشر،
وأن
هذه
الحياة
ليست
حقا
ذلك
العالم
السطحي
الموحي
بالكثير
أمام
باب
دارها،
بل
عالم
الصور
الهزلية
العنيف
الذي
تعرضه
شاشة
التلفاز.
هذا
هو
العالم
الذي
تصوب
نحوه
آلة
لغتها
القوية".
وتقول
يلينِك
في
روايتها
الرائعة
"أبناء
الأموات":
"إن
الواقع
يأتي
ناضجاً
وجاهزاً
من
شاشة
التلفاز
بعد
أن
صار
في
داخله
ببطء
مقرمشاً
بني
اللون".
وحين
سُـئلت
عن
أفضل
مكان
تود
العيش
فيه
جاء
ردها
السريع:
"أمام
التلفاز،
والويل
لمن
يجرؤ
على
إغلاقه!".
تتناول
أيلفريده
يلينِك
في
روايتها
"عازفة
البيانو"
(ربما
الأفضل
بين
أعمالها)
حياة
شابة،
البطلة،
ابنة
أمها،
تلتصق
مثل
ذبابة
بتلابيب
مجتمع
رأسمالية
ما
بعد
الحرب،
سادت
فيه
قيم
حياة
عبثية.
تسرد
الرواية
أحداث
حبس
الأم
والابنة
تحت
ناقوس
زجاجي
على
شكل
قطعة
جبن
ضخمة،
ولا
تستطيعان
الخلاص
من
هذه
المصيدة
إلاَّ
إذا
جاء
أحد
ورفع
الناقوس
من
مقبض
في
أعلاه.
ولا
يأتي
رافع
الناقوس
هذا
أبداً.
تجلس
الإبنة
بثبات
وتبدأ
بتقطيع
نفسها
وجدار
عالم
ناقوسها
الزجاجي
بشفرات
حلاقة
حادة
في
عملية
مضنية،
كما
تؤكد،
لكنها
دون
ألم.
هذه
هي
العوالم
التي
تجسدها
لنا
أيلفريده
يلينِك
في
رواياتها:
عوالم
غرائبية
تذكرنا
دون
عناء
بغرائبيات
عوالم
فرانز
كافكاً،
صاحب
"المسخ"
و"المحاكمة"
و"القلعة".
تبقى
أيلفريده
يلينِك
مجهولة
لدى
القراء
العرب،
في
انتظار
من
يسارع
إلى
ترجمة
شيء
من
أعمالها
الروائية. |