العدد الأول - شتاء 2007م

   
 

نصوص

شظايا  (لقراءة المقال بصيغة أكروبات)
                                                        جودت فخر الدين   

       1-  طريق

طريق إلى بيتنا في الجنوب

سلكتهُ الحروبُ كثيراً

ونحن نُرمِّمه كل يومٍ

نرمِّم أعمارنا  فوقهُ،

لنتابع سيْرَ الحروبْ

 

        2- سماء

السماءُ التي انبثقت من جحيم المخاوف،

لم ترتفعْ

سقطت كلُّها في الحديقةِ،

وانتثرت كالزجاج المحطم،

عاصفةُ القصف ألقتْ ببعض النوافذ،

فوق تراب الحديقةِ،

فارتعشت نجمةٌ في السياج،

الذي صار كالافق

صار السياجُ حدود السماءْ

 

        3- تين

شجرٌ نالنا منه كلُّ الوفاءِ،

نشأنا على حبِّهِ،

كان يقوى على يأسنا، كلّما نالنا اليأسُ،

تصفرُّ أثمارهُ إذ يرى خوفنا،

فنرى عطفهُ وصفاء سريرتهِ...

إنه التينُ، أصل الحديقةِ،

تيْبس أغصانهُ،

فيُفرِّخ جذعُ الحديقة من أصلهِ.

إنه بهجةُ الصيفِ،

يحملهُ، ويتيهُ به في النهارِ،

وفي الليل يهمسُ في أذنهِ،

فيُثير نسائمه...

إنه التينُ، أصل الحديقة، بهجتُها.

عندما جاءه القصفُ،

أطرق مُنخطفاً، لا يقولْ.

ثمّ أومأ للصيفِ،

أن يتنكّر كالمتشرِّد بين الحقولْ.

 

        4- نحلة

نحلةٌ جثمتْ قرب حوض الزهور التي ذبلتْ.

والطنينُ الذي أطفأتهُ الشظايا،

تململ كالشوك، فوق الترابْ.

 

        5- ضباب

إلى من تحدّث ذاك الضبابُ؟

ضبابُ الوهاد التي تتنفسُ فجراً.

إلى من تحدّث حين أتى

وتبيّن وجه القرى غائراً في حطام البيوتِ

التي انقبضت كالأجنةِ ؟

هل ضاع فوق الدروبِ،

يحاول أن يتلاشى، فلا يستطيعُ ؟...

ضبابٌ أضاع الجهاتِ،

أضاع وجوه القرى،

وتقوَّض بين الحطام،

تقوَّض مختنقاً مثل فجرِ الوهادْ.

 

        6- شرفة

شرفةٌ هزَّها العصفُ،

كادت تنوءُ بأهوال ما شهدتهُ،

ولكنها صمدت في مكانٍ لها مشرفٍ

فتراءى لها السهلُ، والليلُ،

والشجرُ المستباحُ، وعشبٌ

يُقاوم في كلِّ منعطفٍ.

وتراءى لها الخوف، والبأسُ،

واليأسُ، والأمل المتجدِّد

في كلِّ خوف، وفي كلِّ يأسٍ.

تراءى لها كل شيء، ولم ترَ شيئاً.

وظلّت هنالك، من حيث تشرفُ،

تهفو لظلٍ، لغصنٍ، لطيرٍ...

تحدِّق في السهل بين الشروق وبين الغروبِ،

تحدِّق في الليل بين الغروب وبين الشروقِ،

فلا السهلُ سهلٌ،

ولا الليلُ ليلٌ.

تراءى لها كل شيء، ولم ترَ شيئاً.

وظلّت تطل ُّ، وتهفو...

يمرُّ بها زمنٌ عطلتهُ الحروبُ،

فتعلو عليه،

وتسبح في غيم وحشتها...

شرفةٌ هالها العصفُ،

لكنها صمدت في مكانٍ لها مشرفٍ،

صمدتْ في الزمان المعطّلِ،

ظلَّت تطلُّ، وتهفو، وتعلو...

لعلَّ زماناً جديداً يلامسُ وحشتها العاليةْ.

شرفةٌ تتقصى الحياة،

فتصعدُ في برهةٍ نائيةْ...