العدد الثالث - خريف 2007م

   
 

نصوص
 

                                     الغمامة  (لقراءة المقال بصيغة أكروبات)

عبد الودود سيف

افتحوا أبواب «طروادة»

 كي أعيدَ ترتيب أبراجها

 ومقاصيرها

 واسماءها

 وأخلع «هيلينا» من عرشها العاج

 وألحقها في وصائف «أزاد» التبابعيات.

 * * *

لقد ملأتني «هيلينا» بسهوب الأناضول

وعطر «أثينا»

و«صدف» «طشقند»

واجترتني إلى هوّة عتيقة من حبي

وها أنا أخلع جديلتها الإغريقية من قلبي

وبسمة النيروز في عينيها

وأدخل مخفوراً بتاج بطريرك «صقلي» مهادن

إلى عرش «أزاد»

وألحق ذمتي في عنق «ألأبناء».

 * * *

 

«أزاد».. هذه القُبلة المحلّقة في الهواء

والطعنة الأثيرة،

والرمش الصيني المنساب حتى الأرض

والقائم على خدمته سبعة من حراس «كسرى»

المعممين بالنار

وسبعة من سدنة معبد «بوذا» المعمرين.

وهي النفق المائي المحفور ما بين قرطبة

وصحراء المغول

والحدائق المعلقة في أسوار قلبي.

«أزاد».. الأرضُ الحرام في رغبتي

تهبط الآن فجأة.

ألمح حدائق قلبي تتهدل فجأة

وثمة معبداً يسرج أنواره

وبوابة من الماء على شكل برزخ تتفيأ في أعضائي

وأراني التممتُ على شكل فقاعة صغيرة محدَّبة.

 

تفتح عينيها

فأتصبب عرقاً

وتتخلع السهوب العتيقة من مفاصلي

وتنداح كل العطور المقدسة والصدف المتراكم في شراييني

وأضمحل

    أضمحل

 أعود إلى طبيعتي:

             فلاحاً سبئياً يختزل في جسمه أدوات الحرث

             -المتعددة- بأداة واحدة.. هي عدة المحراث

 فلأكن –أنا الفلاح السبئي الممنطق برمح الشهوة في بدني-

 دميةَ لهوها في لحظات السأم الملكي.

 ولتنطبق كل الأجرام السماوية على شفتي... وأُشْهِرُ راية البلاهة السوداء.

 * * *  

          

أيها الماء الزلال

 يا حبات الحنطة التي كنتُ أتذوق حلاوتها فتدير رأسي

 ويا خمر الأسلاف، كفي عن الدوران!

 اخلعي عليَّ من رتابة الزمن الممدود في خطوات الحبيبة

 وشاحاً يطوِّح بكل الأصداف البلهاء في قشرتي.

 وأنتَ يا صوتي فلتنخفض دفعةً

 ولتحني أعرافَها كلُّ الجياد الشامخة في عنقي

 ولأبدأ من آخر الخطوات

 وأتسلق أسوار هذه السماء الإلهية الشاهقة.

 * * *

إنها التواريخ –الواحدة- المكرورة في سيرتي.. بعد أن نهضتْ

واستلّتْ في طياتها عاطفَتها وتراتبها المنطقي المهندم

وهي فأْلي حين أقدم الأضاحي على معبد القمر

وبكارة الحرث

وأغنية الحصاد.

وأنا فلاح.. و«قيل»

يعصف اسمها في مسمعي فتملأني بأذان الصلاة.

* * *  

اطلقي قبرتي في الفضاء المهوّم في عينيكِ

 سأشبكُ في جدائلكِ قرنفلة أرض الميعاد

 وأطلعُ من حدائق جفنيكِ

 سنابلَ تغنيكِ عن حقول الجنتين وكرمة بابل

 واغسليني بماء الطهارة في دهشتك

 أهبْكِ –في طرفة عين- تفاح «البلقان»

 وقمح بلاد «الفلمنك».

 * * *

أيُهّا الصرح الممرد بأعقاب «الجنابي» الإلهية المحكمة

وأقواس العقيق المرصَّع بسهوب الشرود المقدس في شوارد ظني

تشابكتُ في هجسكِ

فلأفتح لقوافل الحجاج -إذن- طريقاً من بين أصابعك

واسبّح بأسمائها في الغدو والآصال

أصابعكِ:

            هذهَ الكواكبُ العشرةُ التي أحاطتْ بما وراء قلبي

            وناشتْ ثيابي في سجداتي قبالة محرابكِ

            ونحرتْ كل الطيوف المحلقة في طريقي إليكِ

            فهلاَّ رفعتِ رمشكِ قليلاً وأحطتِ بما في داخل قلبي!

سأنذر لمطلع كوكب زحل

ما تبقى من عريي

وهذا الخواءَ المكّومَ في رأسي

وأخلع كل أعتاب فؤادي

وأفرشها سجاجيد ذهول تحت قدميك

وأنت تطايرينَ رذاذ غبار موكبك الأرجواني تحت نافذتي!

* * *

أنا المدلّهُ بالخطيئة

 والمرابطُ –منذ بدء الخليقة- في أحزان «يعقوب»

 وفي الخوف المتطاير بأخدار النساء.. عند اقتحامها عنوةً

 وأنا الأرضُ المروعة بالشبهات.. منذ ولادتي

 والهدهد السبئي المنكوب بسوسة عصا الملك سليمان

 وطائر العنقاء المسافر في الأرض.

 أنا حجارة سد مأرب.

 ونوارس شطوط «سقطرى» وأرض كنعان.

                    

                         وأنتِ..

                         خيولُ النار المدوية في قوسيَ الحجري

                         وقرن الثور -الحزين- الذي تقوم عليه أركان الأرض

                         والدخان المتطاير من حرائق غابات مدار الجدي

                         وخط الاستواء.

                         أنتِ الريح التي أتصاعد في معراجها

                         وأنسج من بؤرها الأعاصير والعواصف والشهوات.

                         أنتِ الحجر «النواسي» المغنّي.. إذا ثمل

                         والبهلوان الذي يكسر أضلاعه خارج دائرة المخاض.

 فلنعقد كفينا

 وندخل في لحن الجناز المهيب

 ونسير في موكب استسقاء إلى جبل الرب.. في بلاد الأحقاف

 فنصلي هناك صلاة حضورنا الواحد

 فعلّنا.. لا نتيه ثانيةً.

 نهار من الشك يتمنطق في هواجسي

 وكوكبة من عذارى «الترك» و«الأرمن»

 يغنّين في ساحتي...

 وأنا المطحونُ في أصواتهن.. إلى حبة الخال في رأس عنقي

 أُخالسهنَّ النظرات

 وحين يشفع لي قلبي، وتُحني إحدى العذارى نظرتها إلى الأرض،

 ألتمع كعنق الغراب

 وأطبق الأرض بغتةً.. ثم آتي إليكِ.

 * * *

كم قطعتُ في أسفاري إليك من وهاد وآكام،

وتقشعتُ في كل الغيوم والهبوات التي أحاطت بعنقي..

بدءاً من ذي نواس ومن يليه من الأقيال، وحتى عبد الودود سيف..

وها أنتِ للمرة الــ... لست أدري تغشينني في أحلامي!

* * *

         

مدورة أنتِ وغنوجة

 وأفراس الجوف وسائد لولبيةٌ في ردفيك.

 فاقشعي عن عيني أطمار البلاهة التي كومتُها فوق جسدي الرث

 وارسميني نقشاً على صحن عنقك.. أو بوابة دارك، لا فرق

 وأعيدي إليَّ التماع أوثاني.

 إنكِ ستقلعين من أضلاعي كل الأحراش الاستوائية

 والأرض المملحة الكاسدة

 وستعيدين –لو فعلت- ما تهدم من معابد روما الغريقة

 وتلتئم -ثانية- فجوة الأخدود الفاصل بين تهامة

 وبلاد السودان

 وسترفعين على كوكب الأرض راية قارة سابعة.

 * * *

 

يا حريري الموشَّى بأشجار المُرّ والزعفران

ويا شجرة الحناء المخلوقة باسمي

إنني أدخل مخفوراً بآخر ما تبقى من «مخاليف» أحلامي

في رحاب مملكتك

            ثم أخرُّ..

                        وأقرأ فأْلي في عينيك

وأتناول الكأس..

                                    وأجرعها للمرة الــ...

                                                حلمِ المهدل في خطوي.