العدد الخامس - صيف 2008م

   
 

نصوص
 

العشب (لقراءة المقال بصيغة أكروبات)

                                                                                    

                                                                                    وسام هاشم
                                                                                    شاعر من العراق

العشب الذي يأكل الأرض، غطى مقابر

بأبنائها ذوي العظام والرؤوس وآثار طعنات السكاكين

ورماد الحروب العديدة

صار مراً، ومن أجل ذلك رأيت حياتي

وحيدة تنام عليه، رطباً وحزينة.

العشب ما نحاول احتمال أن تعلكه الخراف

ينقر أضلاعنا مسبباً الألم الوحيد.

 

العشب، لا تأخذيه إلى البيت

لأنه في المساء سينهض من تربته ويلتف

على أبوابنا كالتنين.

العشب سيجعل من منزلنا سجناً للسنوات

وسيقضم رسائلنا لتتحول خضراء

وسيعود أبناؤنا على البهجة العجوز.

العشب لا تأخذيه إلى البيت...

البيت، دمرت حياتي من أجله ودمرته من أجل لا شيء.

البيت لا أحمل منه سوى مفاتيحه وفاتورة الكهرباء

وورقة التموين وأخطائي التي ارتكبتها فوق سرير هزيل

نصبناه منذ عمر كسيح كشاهدة.

البيت والعشب مؤامرتان على مؤامراتنا

التي يطلق عليها آباؤنا تسمية حياة.

البيت والعشب والحياة

أفزعتهن القنابل

 

البيت والعشب والحياة والقنابل

وهن يرممن الثقب الأوسع فيَّ -أعني الحرب،

أنا من أردت إخفاء الثقب الأضيق- وهو الحرب أيضاً.

 

حين كنت أتحدث مع الزقاق الذي ظل يعرج منذ

الصاروخ، يشتمني العشب،

ويمرح بي كأنني كرة.

يا لي من عاقل!

يا لنا من نحن!

يا للحياة من بيوت!

يا للبيوت من عشب!

ويا للعشب من نفسه!

العشب واحد يجثم على عظام قتلى البابات

التي لم تأتِ بالسرقات بل بأوراق الطحين

الأسمر وازدهار الشاي.

الشاي يزدهر لأن الحياة سوداء

السكر يشحّ لأنها ليست كذلك،

أنا أحدثك لأن قلبي أخذته العاصفة

ولم يبق سوى إصبع للرمي.

قلت لك: إن "باريس والآخرين" فيم

يتحدث عن خلافاتنا تماماً

وعن البصرة بالتحديد

أنا أمجد العشب بسبب الصحراء

 

وبسبب زرقة البحر أُعلي شأن بياضك

الخرطوشة الحمراء لوثت شالك

الزيت عِلق بالطفولة

وبسببها أمجد المذبحة

المذبحة التي تزدهر هي الأخرى

بسبب العشب

أمس، وأنا ألهث، حلمت بالدجاجتين

الباردتين، وحلمت أيضاً بالشبابيك

التي تشبهك

كنت أعصر المنزل فينزّ

هوياتنا العشر لا تساوي عشر علب سجائر

والرز ينفد يا عاقلة!

الرز ليس من العشب

الرز من أنواع القنابل

والصحيح، الرز طيارة تهدر أول الليل.