العدد السابع - ربيع 2009م

   
 

نصوص
 

حديث الهدهد (لقراءة المقال بصيغة أكروبات)
لجبر الرجل، للطائف، للرجل الطائف

 

محمد الحربي
شاعر من السعودية

1. جَبْرَة* 

 

أحنُّ إلى جنَّةٍ لم تكنْ آخرَ الغابراتِ

جنانُ ندى

كـ"جبال الهدا"**

طيلةَ العمرِ تسحبُني للحجازِ

إلى خبلٍ في الحجازِ

وطفلٍ له العمرُ،

والعنبُ الطائفيّ الشّفيفْ.

 

أحنُّ إلى بسمتي للرغيفْ.

 

أحنّ إليك.. أحنُّ إليهِ

ومغترباً لست أدري

لماذا يزلزلني الوقتُ

ذاكَ الغنيُّ الكريمُ

وهذا البخيلُ المخيفْ.

 

أحنُّ إلى هدهدٍ عالمٍ بالحياة

اصطفيتُ له الموتَ عصريّةً

عصرَ "جَبْرةَ"

والعمرُ طفلٌ

ووحدي أصوّب برداً حديداً

على الخضرة البكرِ والماءِ

والهدهدُ المطمئنُّ إلى حكمةٍ

يتهادى على ماءِ حكمتِهِِ

وأصوّبُ

أستغفرُ اللهَ

كنت صغيراً بما بي من الجهل

خلفَ اختباءِ المياهِ

وكان عظيماً بما يعدلُ العالمونَ بصمتٍ

وكان الملك.

 

وأستغفر الله ما أقبل العمرُ

أنّي اختصرتُ المسافة

بين الحياة وبين المماتِ،

وبين الفراشاتِ ينظرْنَ من هيْبةِ اللّونِ

والهدهدُ المستفيقُ على طلقةٍ في الضمير

يخرُّ على الماءِ

يلقي مهابةَ عمْرٍ على الماءِ في لحظةٍ

وهو يهْتفُ

ما كان عدلاً، وما كان حكماً

وما كان من حكمةٍ في المماتِ على طلقةٍ..

كان جمعٌ من الشجر الآدميِّ بطرفي

يغضّون طرفاً عن الهاءِ

كانت نساء من النّغم الشجريِّ الحزين

وكانت أصابع من ندمٍ خلفَ روح الولد

آهِ! كانَ الولدْ

يُحاول أن يُرجع الماءَ

والهدهدَ المتعاليَ

والأغنياتِ على فرحٍ

والفراشَ إلى غيمةٍ في المساءِ

و"جَبْرَةََ"  

كان الولد..

وكان الزمان جميلاً

لكم كان طفلاً جميلاً

وكان بخيلاً على طلقةٍ عند "جَبْرَةَ"

ألاَّ تَئدْ...

 

 2. عودة الهدهد

 

كنت قتلتك طفلاً

على شِقوةٍ عصرَ "جبرةَ"

وارتدّ لي بصري

ففطنتُ:

أواريك! قلتُ: جوارَ غديرٍ بـ"جبرةَ"

وامتدّ عمْرٌ

وما عدتُ أذكر ميتتك النادرة.

 

كيف مرّ الزمانُ

وآن الأوانُ

لكيما تعود إلى وحشتي

وتطلّ عليّ بمكرٍ

وتسأل عن صحتي

بعينين داهمتين

ومِن عُرْف زهوك تقطع مني الوتينِ؟!

 

فمن أين جئتَ؟!

وكيف انطلقت من العقلِ؟!

قد كنت أحكمته

كنت أحكمت بالجهلِ دفنك.

من أين جئت؟

أمن يمنٍ لم يعد بالسعيد

وباعد ربٌّ مسافاته

قضّه السيل والفقر؟

هل جئتَ من سبأٍ باليقين؟!

هل أتيت به فارداً جانحيك مع الغيم؟

أم من عراقِ الخراب وغربانه

بدّل الله ُمنه السوادَ بخضرتهِ

فاكتفى بالسواد؟

 

يا صديقي اللدود أجبني!

أمن سِفْر بابلَ جئتَ إليّ

من السحر أقبلتَ؟

كيف اتساقٌ؟!

وكيف التفرّق في لحظةٍ عابرة؟!

 

هل أتيت تعذبني

أيها الهدهد العذب!؟

قد كنت طفلاً

فكيف على آخر العمر تأتي

تهدد بالصحو نومي

تبعثر أرجاء مملكتي

وتسن النبال بنظرتك الماكرة؟!

 

هل تريد انتقاماً من الأعين القتلتك صغيراً؟

هل أتيت إليَّ لتقتلني

آخذاً للهداهد بالثأر؟

هل جئت تأسرني؟

قد فعلتَ بحسنك

عند الغدير

أتذكر؟!

في الطائف المتأرجح بين بقايا القبائلِ

والتركِ

والفطنة النادرة.

 

 هل ستذكرُ

كيف انتزعتك من بهجة الحسنِ يا صاحبي!؟

كيف حلّ بك القتل؟

كانت رصاصةَ حلمٍ كحبةِ قمحٍ

فكيف تعود من الموت؟!

كيف أتيت إليّ من الغابرين؟!

وكيف التربّصُ؟

من قاد عينيك نحو اشتعالٍ بعينيّ يا هدهدي!؟

هل أتيت لتخبرني عن بلاد فُتِنَّا بها؟

كم شقينا بوجدٍ عليها!

أتْعَبتْ يا القتيل اليدان، اكتفينا

سأخبرك الآن عن قصتي فارْوِها،

أخبر الناس

أخبر سليمان أنّا

تقطّعت الأرض من حولنا

ومادت بنا السفن الغاديات

وما أثمرت سحبنا بالرّواحِ

وما كان فينا يهودٌ

لكي تتشابه أبقار تلك القرى

ما اعتدينا بسبتٍٍ

لكي نتمزّق في التيهِ.

سبحانَهُ!

كيف ضاعت بلادٌ تعبنا على فتح أسوارها!؟

كيف صرنا أسارى!؟

متى يثمر الله فينا المطرْ؟!

سليمانُ ماتَ

 أتذكر؟!

والجنّ مُستعبَدٌ رأسهم

وهْمُهم

فكيف غدونا على الوهمِ مستعبداتٍ ضمائرنا

وما من قيود لتحجب عزتنا!؟

نحن قومٌ لنا الأرض طاهرة

والصفوف لنا كانتظامِ ملائكةٍ للإلهِ

فأطلق خيالك يا قاتلي العذب

شد انتباهي

وإن شئت قتلي

وإن شئت عفواً

فمرّ عليّ كثيراً

لتسألَ عن صحتي

أقم قرب بيتي

هناك أقِمْ

واستعد صفو روحي

ومن دون قتلٍ

أعد جذوةً للحياةِ بحكمتك الباهرة.

 


* "جَبْرَةَ": ماءٌ على بعدِ شجرٍ من الطائف، كان يزورها محفوفاً بالطفولة، مشياً على العيْن.

** جبال السراة.