|
|
|
||
العدد السابع - ربيع 2009م |
|
|||
نصوص
حسين حبش يونغفراو([i]) (العذراء)
انبثقتُ من بين زندين شامخين في أعالي جبال الألب وهمستُ: أنا فراشة الثلج النائمة في عرين البياض. أنا ناثرة البنفسج والقبلات والعناق المقدس هنا وهناك. أنا طائر الفلامنكو الذي يطير ويطير ولا يحطُّ إلا على ندف الثلج السخية دوماً. أنا قبة سويسرا وقمتها، أنا سرَّتها وعذوبتها التي تُذَوِّب بأيقونتها الفضية المشهد بأكمله. أنا الرقيقة التي تجذب إليها السماء بنجومها وأقمارها. أنا تردد الفصول الأربعة في اللحظة ذاتها. أنا المرآة التي تعكس الملائكة في وجهها، والبحيرة التي تفيض بالحبِّ في اخضرارها العميق. أنا المتلألئة التي تغري السيَّاح بالابتهال أمام نهديها وفخذيها السامقين. أنا حرفة الضوء، وينبوع الأسرار، وجوهر الأرواح في خفَّتها... أنا "إيڤا: المطلَّة من الغواية، و"مادونا" العارية بغمامها ورخامها. أنا المرأة العذراء التي تجذب العشاق إلى أسفارها. أنا البدء والأزل. أنا الأمُّ الشامخة دوماً... سأبقى تاج القمم وفتنتها.
إنترلاكن 17/ 6/ 2008
المسافرة!
حقيبتان مملؤتان بالدموع تتدحرجان أمامها وشاح أسود يفتك بعنقها الطويل... قبعة مائلة تخبئ عن رأسها الذكرى نظارة سميكة تكتم أنفاس عينيها الجميلتين، وتقود خطواتها إلى المحطَّة. بقدمين خائرتين تصعد إلى القطار وبيد حائرة تلوِّح للمدينة تلويحتها الأخيرة تسند رأسها الخائب على حقيبتيها المملؤتين بالدموع ولا تدري أين ستكون محطتها الأخيرة! إنترلاكن 18/ 6/ 2008
نحلة لوتسيرن
تهب البرودة من غرَّة الجبل وتنعش الجسد البضَّ الذي يحتضن بفتنته مواهب الشمس. يلفت انتباه قلبي ويجذب إليه نحلة العين الجائعة. أقترب منه، وأرهف السمع إلى أنينه وخطاياه... نهدان مثيران، شجرة كرز، ووردة تتفتح في الهذيان. أهب حواسي لندائه وأشمُّ رائحة عطوره يومئ إليَّ دون غضاضة: ادخل أيها الغريب وخذ رحيقي، أدهنْ شفتيك بلذائذه وتمتع ما شئت من شهواته! ادخل أيها الغريب فلستَ بغريبٍ في حقلي وبستاني.
لوتسيرن 22/ 6/ 2008
لأجلها...
امرأة ضاعفت من نبضات قلبها لأجلي وأنا ضاعفت من بقائي لأجلها. رأيت الجنَّة تضاعف أزهارها لأجلنا. جنيف 24/ 6/ 2008
عصافير
العصفور الذي رقد على عشب قلبي كان عصفورك والذي نقر نبضاته أيضاً كان عصفورك والذي طار بعيداً عنه دون التفاتٍ أيضاً وأيضاً كان عصفورك. جنيف 24/ 6/ 2008
الطقس في برينز([ii])
القطار ينزل الهوينا من الجبل. السفينة تعود من نزهتها عبر البحيرة. يلتقي كلاهما أمام زند الماء.
بمودة يتصفاحان.
العاشق ينزل من القطار والعاشقة تودِّع السفينة يركضان بلهفة إلى بعضهما.
بحرارة يتعانقان.
قرية برينز 25/ 6/ 2008
مغارة بياتوس([iii])وجذع غوته
الدهشة أن تكتم أنفاسك وتصعد الوعورة إلى مغارة بياتوس المهيبة في الأعالي أن تحيي من حولك الأشجار الكثيفة... أن تومئ للبحيرة الزرقاء التي تسند ظهرك وتصفق للنهر الذي ينسرب من بين أصابعك كعقد لؤلؤ أن تقرأ على إحدى الجذوع القديمة انبهارات غوته، الذي مرَّ من هناك قبلك. الدهشة أن تتأبط قلبك وكأنك خارج للتوِّ من بدائيتك أن تطأ سلالم الجنون أمام باب المغارة وتغور إلى قلبها في غفلة منك، أن تقدح عينيك وتغرف من عجائب جدتنا: الطبيعة، أن ترى تمساحاً صخرياً يرنو لفريسته منذ آلاف السنين وسلحفاة ترفع رأسها بتحدٍّ وسنجاباً يهفهف على غصن حجريٍ، أن ترى أشباحاً وتنانين مرعبة تملأ العتمة بالذهول والهذيان، أن ترى حزم التماثيل المتناثرة في المرايا الغابرة وتخال نفسك ريشة الريح والمطر والماء التي رسمت هناك. الدهشة أن تقول دليلتك السويسرية ألاَّ أسماك تعيش هنا في الماء ولا عصافير تعشش في الجدران لا ديدان ولا حيوانات... وأن تلتفت إليك هامسة كأنها في صلاة: انظر! ها هي العذراء تحتضن ابنها الصغير الذي كوَّنته فقط قطرات الماء!!. الدهشة أن تنتهي من جولتك العجيبة تلك، وتخرج إلى الضوء ترى غوته يحمل جذع الحبِّ على كتفيه وهو بانتظارك، وتلمح القديس بياتوس منكبَّاً على خرائطه دون أن يلمحك.
مغارة بياتوس 25/ 6/ 2008
( ([i]يونغفراو: العذراء، قمة من قمم جبال الألب، ترتفع عن سطح البحر 4000 كم مغطاة بالثلوج دوماً. (([ii] برينز: قرية سويسرية، اكتشفتها بالصدفة، وهي مسقط رأس الشاعر ألبرت شترايش. (([iii] مغارة بياتوس: مغارة طبيعية طولها 1000 متر، قريبة من مدينة إنترلاكن السويسرية، كان قد زارها الشاعر الألماني غوته، وكتب عنها في يومياته.
|
||||
|