العدد الثامن - صيف 2009م

   
 

نصوص
 

فصلٌ من سيرة الولد الخُرافي  (لقراءة المقال بصيغة أكروبات)

عبد الكريم الرازحي

(1)

طفلاً غادرتَ القريةَ

أذكرُ يومَ رحلتَ

أتذكر حينَ تشبّثت بصدرِ الأُمِّ

حينَ بكيتَ من المجهولِ

فراقِ الأهلِ

أذكرُ أنَّ الوقتَ صباحُ الاثنينِ

أن الجوَّ ضبابٌ

والصبحَ غيومُ.

 

(2)

طفلاً كنتَ بلا وطنٍ

وبلا أملٍ

من صدرِ الأُمِّ انتزعتكَ أيادٍ

من قريتكَ المزروعةِ فوق الغيمِ

إلى "عدنٍ" أنت أُخِذْتَ

إلى فُرْنٍ

في الصيفِ جحيم.

 

(3)

في "عدنٍ" جَبَليٌّ أنتَ

"يا جبلي"!

يناديكَ الولدُ العَدَنيُّ

يسخرُ منكَ

تتألَّمُ كنتَ

تزعلُ منهُ، تهاجمهُ

تخدشهُ خدشاً في الوجهِ

لكنَّ الخدشَ الأكبرَ فيكَ

الخدش أليمُ.

 

(4)

في "صنعاءَ" "تَلَغْلَغْتَ"

لُغْ  لُغْ

لُغْ  لُغْ

"يا لُغْلُغِي"!

نادتكَ البنتُ الحلوةُ

إبنةُ صاحبةِ البيتِ

من الأُمِّ زعلتَ

هيَ أرْمَلَةٌ

صنعت رجلاً منكَ

بابنتها كنتَ تهيمُ.

 

(5)

في "عدنٍ" أنت شماليٌ

في "صنعاءَ" جنوبيٌ

في مدنِ الشطرينِ تشطَّرتَ

غريباً عشتَ

مشكوكاً فيهِ

في شطرِ الرعبِ تُقيمُ.

 

(6)

بعد خروجِ المستعمرِ منها

بعد دخولِ الثوارِ إليها

في زمنِ الغليانِ الثوريِّ

رحلتَ شمالاً

غادرتَ البحرَ

الفرنَ

الدرسَ...

من "عدنٍ" أنتَ فررتَ

قلتَ: سآوي إلى جبلٍ يعصمني من هذا الطوفانِ

إلى "صنعاءَ" توجَّهتَ

وفي "صنعاءَ" تشكَّلتَ

عرفتَ البردَ

الجوعَ

الخوفَ

الرعبَ

القمعَ

السجنَ

الحبَّ

الحزنَ...

حزنكَ كنزكَ كانَ

الكنزُ عظيمُ.

 

(7)

في "صنعاءَ" تعشَّقْتَ الوحدةَ

صارت حُلماً

همّاً

همتَ بها

سِرّاً في البدءِ دعوتَ لها

جهراً جُرْجِرْت إلى السجنِ

إلى غرفِ التأديبِ

التعذيبِ

إلهي قلتَ: السجنُ أحبُّ إليَّ من الأصنامِ

الأوثانِ

براميلِ التشطيرِ

السجنُ رحيمُ.

 

(8)

في "سجنِ القلعةِ " هُمْ حبسوكَ

في "المَنْصُوْرَةِ" كانَ أخوكَ

من ضيقِ الوطنِ السجنِ تمنيتَ

لو أنَّ الوحدةَ بين السجنينِ تقومُ.

 

(9)

الحاجةُ أُمُّ الإبداعِ

إلى الوحدةِ أنتَ احْتجتَ

من داخلِ برميلِ التشطيرِ

من داخلِ برميلِ السجنِ

من داخلِ برميلِ التنكيلِ

تطلَّعتَ إليها

أبدعتَ الحُلمَ

أثناءَ التحقيقِ حَلمتَ بها

تحت التعذيبِ

محموماً كنتَ بها تهذي

محمومينَ اخترعوا البرميلَ

أجهزةَ القمعِ

المعتقلاتِ

آلاتِ القتلِ

أصنافَ التعذيبِ...

اخترعوا الحربَ

الموتَ

"أحداثَ ينايرَ"

قبائلَ كانوا

إبن مزارع كنتَ

بيتكَ في الخطِّ الساخنِ

في خطِّ النارِ

قريباً من برميلِ التشطيرِ

أغنامُكَ ترعى وسْطَ حقولِ الألغامِ

حقلكَ محشورٌ بينَ الحقلينِ المشتعلينِ

ثوركَ في فُوَّهةِ المدفعِ

في مرمى نارِ الشطرينِ

حمارُكَ مُتَّهمٌ بالتخريبِ، عميلٌ

يُضربُ كان من الجنبينِ

تُضربُ كنتَ من الشقينِ

في السلمِ تُخوَّنُ

في الحربِ تُصوَّبُ

في"الفَيْدِ" تصومُ.

 

(10)

بُعَيدَ خروجكَ من ليلِ السجنِ تغيَّرتَ

ذئباً صرتَ

كنتَ تخافُ الشرطةَ

تخشى الأصحابَ

تتهرَّبُ منهم

بالناسِ تشكُّ

تبعدُ عنهم

أذكر في إحدى المراتِ

استأجرتَ مكاناً... قبواً

وسْطَ محلٍّ قفرٍ

عصراً كان الوقتُ

مطرٌ يهطلُ

وحلاً تُمْطِرُ

وحشاً كنتَ

حين رأيتَ فتاةَ المطرِ السمراءِ

حين رأتكَ البنتُ في الوحلِ تعومُ.

 

(11)

أذكرُ أن فتاةَ المطرِ السمراءِ اقتربتْ منكَ

سألتكَ بودٍّ:

من أيِّ بلادٍ أنتَ؟

لحظتها، في الحبِّ وقعتَ

من أشجارِ الوحلِ طلعتَ

دخلتَ القبوَ

دخلتْ فيكَ

اسْتأنسْتَ وتأنْسَنْتَ

أضاءَ القبوُ

تحوَّلَ قصراً

"صنع" أحببتَ

أحببتَ الناسَ

السجانينَ

غفرتَ لهم

الجلادينَ تسامحتَ

سامحتَ "خَمِيْسَ"

أولادَ "خَمِيْسٍ"

عن كلِّ جَلاوِزَةِ التعذيبِ عفوتَ

أشفقتَ عليهم

تعرفُ كنتَ الجلادينَ

الجلادُ تقولُ:

رجلٌ فحْلٌ في أقبيةِ التعذيبِ، شجاعٌ

في قبوِ الحبِّ عَلِيلٌ

عِنِّينٌ

وعقيمُ.

 

(12)

ليلتها، نمتَ بدونِ كوابيس

نامت "صنعاءُ"

ونامت "عدنُ"

نام البحرُ ونام الجبلُ

في قبوِ الحبِّ

نام الذئبُ ونام الحملُ

الليلُ جنونٌ

والصبحُ جنينُ.

 

(13)

بجَنِينِ الوحدةِ أنتَ فرحتَ

بنشوبِ الحربِ الملعونةِ أنتَ فُجِعْتَ

في صُحُفِ الحائطِ أنتَ كتبتَ:

إن الوحدةَ بالعدلِ

وليست بالحربِ تدومُ.

 

(14)

بُعَيْدَ الحربِ الملعونةِ

ضاق الوطنُ الحُلمُ

واتَّسعَ النهبُ الوطنيُّ

للنهبِ حدودٌ

نهَّابونَ بدونِ حدودٍ

نهبوا وطناً في عزِّ الظهرِ

والربُّ كريمُ.

 

(15)

أشهدُ عند قيامِ الوحدةِ

صرتَ وحيداً

تجلسُ وحدكْ

أشهدُ أن الكلَّ توحَّدَ

أصبحَ ضدكْ

حُـبَّاً فيها

اخترتَ الوُحْدةَ

قاطعتَ حضورَ ولائمها

لم تحضر -كنتَ- موالدها

لم تفتحْ دكاناً في شارعها

لم تحلُبْها في سنواتِ الخصبِ

لم تلْعَنْها في سنواتِ الجَدبِ

لم تجْرَحْها في عامِ الحربِ

لم تنْهَبْها في زمنِِ النهبِ

لم تقتُلها باسمِ الحبِّ

الوحدةُ كانت عِشقاً

والعشقُ قديمُ.

 

(16)

لو عادت -لا سمحَ الشعبُ- براميلُ التشطيرِ

"نَصَعَ" مُشتركاً سوف تصيرُ

تَنَكاً يتدحْرَجُ بين براميلِ التزويرِ

برميلٌ

إثنانِ

أربعةٌ

للبرميلِ الواحدِ جيشٌ

ولهُ علمٌ ونشيدٌ

تلفزيونٌ

سجنٌ حُرٌ

حزبٌ بغلٌ معلوفٌ

وزعيمٌ فذٌ معصومُ...

 

(17)

سيكونُ هناكَ

براميلٌ

وسلاطينٌ

وكراتينٌ

أُمراءٌ

وشيوخٌ

وزعاماتٌ

عاهاتٌ

دولٌ وإماراتٌ حاراتٌ

من برميلٍ تنشأُ سَلْطَنَةٌ

من آخر تطلعُ مشيَخةٌ

تسطعُ، تطفحُ مزبلةٌ

والكلُّ زعيمُ.

 

(18)

ولكلٍّ برميلٌ سوفَ يكونُ

كلٌّ يبحثُ عن برميلٍ ينظمُّ إليهِ

عن مِخْلاَفٍ يسطو عليهِ

عن سلطانٍ كرتونٍ

عن شيخٍ يبحثُ عن"قُبْعٍ"

عن نِصفِ إمَامٍ

عن رُبْعٍ

عن وطنٍ تبحثُ أنتَ

البحثُ عقيمُ.

 

(19)

ملعوناً سوف تكونُ ومنبوذاً

إبليساً يُطرَدُ من "عدنٍ"

شيطاناً تُرْجَمُ في "صنعاءَ"

في "صعدةَ" أنتَ رجيمُ.

 

(20)

في وجهكَ سوف تُسَدُّ الأبوابُ
 
وتَفتحُ باباً عليكَ
وتَفتحُ
باباً عليهم
وتَفت