العدد التاسع - شتاء 2009م

   
 

نصوص
 

 الغضا (لقراءة المقال بصيغة أكروبات)

 محمد جميح
شاعر من اليمن

الغضا شجر نابت في دمانا وعشبٌ نما تحت أجفاننا

والغضا فكرة قشرتها مواجيدنا، زهرة ضرجتها مواويل أحزاننا

بذرة قذفتها الفراديس فارتعشت تربة الأرض وارتج شوق دفينْ.

* * *

الغضا نهر عشبٍ يفجر ذاكرة كلما لاح برق تشظت خواطرها

كلما بزغت جمرة أرختِ الروح أحزانها

كلما أرقل الطيفُ شدَّ المواجيد نحو الغضا، والغضا كلأُ الروح في سافيات السنين.

* * *

الغضا ناقة الراحلين على حمرهم للبلاد التي نبت الحلم في قاعها وتثعب فيها الصباح

والغضا خضرة الروح مدت إلى الماء أشواقها، والمياه تسافر في غيمةٍ تتعثر فيها البروق وترتد عنها الرياحْ.

* * *

يا غضا الروح منك خرجنا ومنك تفتق تأريخنا

منك نكهة أوجاعنا، منك فجرت العيسُ لون قصائدنا عندما رحلت نحو وادي الغضا، فوقها قربة من سرابْ.

* * *

يا غضا الروح بالجمر غلَّفت أشواقنا، ثم سرجت ليل جوانحنا

وتقطعت في موسم العشب بزاً لأحزاننا، ثم طوحتنا في المواجيد وابتدأت رحلة الذاهبين إلى شرفات السحابْ.

* * *

يا غضا! هل تذكرت عيساً محملة بالزمان مضت من هنا

أو قطاراً من الدمع والشوق كان يحط لديك، ويمضي إلى مقلةٍ فلق العشبُ حبتها، وتدلت سنابلها وانجلت عن بكاء دفينْ؟

هل تذكرت ماءً تجيء القصيدة كل مساءٍ إليه، تغسل أشواقها فيهِ؟

أم هل تذكرتنا يوم جئناك كي نصطلي أو لتمنحنا قبساً من حنينْ؟

هل نسيت علاماتنا: شُحنةً هضمتها المسافاتُ، عيناً يباعد سهدُ الترحُّل ما بين أهدابها، وارتعاشة صوتٍ تخضِّلهُ زفةٌ من أنين؟

* * *

نحن كنا هنا ذات شوقٍ نسامر جمر القصيدة

كنا هنا والقفار التي انسرحت تحت أجفاننا شهدت حزننا

والركاب التي حملتنا هي اليوم ترعى الطيوف التي أعشبت فوق أكبادنا وارتوت بالحنينْ.

* * *

من هنا عبر الذاهبون إلى الحلم راياتهم عشبهم.

من هنا ركبوا لجةً من خواطر تسري إذا أسدل الليلُ أشباحه.

من هنا قدحوا برقهم فأضاء المسافة ما بين آخر حلم وأول جرحٍ كساه الغضا حُلة من جمارْ.

* * *

والمحبون ساروا على هدي أشواقهم من هنا

وزعوا خبزهم للجياع ورشوا روائحهم ثم ساروا إلى دهشة خلف أسياف وادي الغضا

وتواروا هنالك خلف سراب يغسِّل عشب القفارْ.

* * *

يا غضا، يا شعار المحبين! كم سار في الدرب من شجنٍ!؟

كم طيوفٍ سرت تحت جنح البراري!؟

وكم رعشةٍ خبئت عن عيون النهارْ!؟

* * *

من بكاء المحبين جمر الغضا عالق بين أهدابهم،

من صدى بوحهم فاح عرفٌ لهم في تجاعيد أرواحهم خبأ العشبُ أشواقه،

والقبور التي علقت في فضاءات أحزانهم نبتت حولها غابة من دموعٍ يرف بها العشب في شُحنةٍ من شحوب حزينْ.

* * *

أين منا الغضا والطريق طويل، ونجدُ ملبدة بالشجون؟!

أين منا الغضا والرؤى صنعتها السوافي التي امتلأت من رؤاها العيونْ؟!

أين منا عرائشه والمحبون فيها على موعد الشوق، والليل خيمته ضُربت في تراب الأساطير، والحب معنى دقيق يعيد إلى اللفظ طعم الجنونْ!؟

* * *

يا غضا! ها هو الحب ملقى تلوك البراري غضاضته، والقلوب التي كنت جمر تولهها ثلجتَ في الصفيح،

وهذي العيون التي كنت في جفنها حلماً لم يعد غير شيء من الدمع في جفنها أو بقايا غبارْ.

* * *

لم يعد للمحبة في القلب معنى ولا للغضا أي نارْ.

لم يعد في المضارب غير بقايا رمادٍ لأرواح احترقت بالمحبة.

أما المحبون فارتحلوا في المتاهات خلف البحارْ.

* * *

يا غضا الروح أرواحنا فقدت ماءها

أين منا الغضا يتساقط في آخر الوجد منه الندى والقصيدْ،

كلما قُطفت عشبةٌ فاح عرْفُ القصيدة في مهمهٍ غائرٍ في خيالٍ بعيدْ.

* * *

أيها الجمر: جمر الغضا! كيف نخرج منك حدائقنا؟! كيف نخرج ماءً لصخرة أرواحنا واخضراراً

لصفرة أعيننا؟!

كيف نخرج أحلامنا منك في زمنٍ يتساقط في حفرةٍ من رمادٍ وطين؟!

كيف نأتيك عشباً لأرواحنا، واخضراراً لأجفاننا؟!

كيف نأتيك ظلاً إذا انفجر القيظ والتمعت بالسراب الظنون؟!