سؤال العدد
واقع السينما في
اليمن...
()
تواصل «غيمان»
سؤال الكتابة حول قضايا الفن والأدب. وفي هذا العدد تطرح سؤال واقع
السينما في اليمن وغيابها سواء كمؤسسات إنتاج أم دور عرض، خاصة بعد
المحاولات المتواضعة التي شهدتها الساحة اليمنية مؤخرا. ويجيب عن
السؤال عدد من النقاد والمهتمين بالفن السابع.
*أم
الفنون... ما أشبهها بأحلامنا
خالد
الصباحي
إذا كان المسرح هو أبا الفنون فإن السينما هي أم
الفنون، وراجع الصدى عندها غير مباشر، أما المسرح فراجع الصدى عنده مباشر. وجزء
من البنية التحتية للسينما والمسرح، هو التعريف بأهمية هذه البنية للمجتمع، وقد
نحتاج إلى التبسيط حتى يصل مفهوم ما تقوم به السينما والمسرح للمجتمع. وعند
الحديث عن البنية التحتية للسينما والمسرح يجب معرفة عنصر واحد على الأقل قبل
التنفيذ، وهو الحكاية أو القصة أو الموضوع الذي تتناوله السينما أو المسرح.
النص السينمائي:
الموضوع فيه هو عبارة عن السيناريو. والسيناريو: يعتبر عملاً فنياً ناقصاً
لا يكتمل ويصبح عملاً فنياً كاملاً إلا بتنفيذه وتحويله بجميع العناصر الخاصة
بالسينما: من إخراج, تصوير, مونتاج, صوت, تمثيل, ديكور, ملابس, موسيقى... إلخ،
وبهذا يتحول السيناريو على الشاشة فقط إلى عمل فني كامل.
النص المسرحي:
النص في حد ذاته هو عمل فني أدبي متكامل، حتى وإن لم يتجسد على المسرح، فإن
مجرد قراءة المسرحية تكمل الرؤية الفنية التي أراد أن يوصلها كاتب المسرحية لكل
من يقرؤها وبطريقته وفهمه الخاص لهذا النص.
وعندما يتم تجسيد هذا النص المسرحي على المسرح فإن المخرج ينقل هذا النص بوجهة
نظره في النص المسرحي الأدبي إلى العمل الفني الذي يقوم على مفردات خاصة بلغة
المسرح، ومنها: الميزانسين، الديكورات، توجيه الممثلين، الإضاءة, الملابس,
الموسيقى, وغيرها من مفردات المسرح.
إذاً يصبح النص المسرحي المكتوب عملاً أدبياً فنياً متكاملاً عند قراءته. أما
السينما فالنص السينمائي المكتوب فيه مفردات متخصصة بفن السينما، لا يفهمها
القارئ العادي، ولهذا فإن السيناريو كنص يعتبر عملاً فنياً ناقصاً.
هناك من يرى أن السينما والمسرح في اليمن ليس لها أي أهمية، بل ويسخر من مجرد
ذكر اسمها، ويعتقد أن كل الناس في اليمن يفكرون بطريقته نفسها، والدليل لديه هو
اختفاء دور العرض السينمائي والتي تقوم عليها العروض المسرحية، فهو لا يؤمن أن
هناك جمهوراً للسينما والمسرح. وفي اعتقادي أن هذه المقولة وغيرها إنما تصدر
ممن يشكك حتى في الجمهور وإقباله على السينما والمسرح.
فنعود قليلا بالذاكرة إلى الستينيات والسبعينيات وبداية الثمانينات، كان
للسينما جمهور حتى على مستوى الأسرة، وكان يحرص على متابعة الأعمال السينمائية
داخل دور العرض. وإذا نظرنا إلى زمننا هذا فقد اختفت جميع دور العرض وتحول
البعض منها إلى أسواق وأخرى إلى مبانٍ.
وبرغم ذلك فإن الجمهور بقي وسيبقى متابعا للأعمال السينمائية والمسرحية القادمة
من الخارج؛ إذاً فهو متعطش لأي أعمال سينمائية ومسرحية من البيئة اليمنية، بشرط
أن تكون على مستوى فهمه وإدراكه ومتابعته لهما.
البنية التحتية للمسرح في اليمن:
الجمهور اليمني كما قلنا متعطش للعمل المسرحي اليمني، ولكن لا بد وأن يكون
هذا العمل على مستوى هذا الجمهور المدرك والمتابع للأعمال الجيدة.
إن ازدهار وتطور المسرح في اليمن يتم من خلال:
1- الإيمان بأهمية المسرح للمجتمع في جميع مجالات الحياة: السياسية,
الاقتصادية, الاجتماعية, والثقافية. كما قيل: أعطني مسرحا أعطيك شعبا مثقفا.
2- ترجمة هذا الإيمان إلى خطة عمل من قبل الدولة تدخل فيها الكثير من الجهات
مثل وزارات التربية، التعليم العالي، الثقافة، الإعلام، الشؤون الاجتماعية،
التوجيه المعنوي، المؤسسات العامة والخاصة، الجامعات، المعاهد، والمدارس...
ويجب على هذه الجهات أن تتبنى المسرح على المستوى الخاص لنقل أهدافها
وطموحاتها، وعلى المستوى العام، للمساهمة في رقي وتطور المسرح العام. وتعدد
الأعمال في الخاص والعام هو وحده الذي يخلق بصمة خاصة بالمسرح اليمني الذي لم
يتحقق برغم ازدهاره في بعض الأوقات، وهذه البصمة لم تأت من فراغ، وإنما من خلال
تراكم خبرات وأعمال كثيرة ومدارس مسرحية متعددة ومختلفة في الأسلوب والموضوع،
لتتناول مختلف الموضوعات المتنوعة والفريدة داخل المجتمع اليمني.
الفرق الخاصة:
الفرق الخاصة، والتي تتقاضي أجوراً مقابل ما تقوم به من أعمال صغيرة (اسكتشات)،
في رأيي الشخصي أكبر دليل على أن هناك جمهوراً متعطشاً ويتقبل هذا النوع من
الفنون بشغف كبير. فهذه الفرق تطلبها الكثير من المناسبات والاحتفالات في
الجامعات والمدارس وبعض الأعراس. إذاً فإن المسرح إذا تم تبنيه بشكل مدروس فسوف
يتطور بحيث لا يستطيع أحد أن يلغي أو يعرقل هذا المخطط. فأنا في تصوري أننا
سنحصل على شخصية خاصة وبصمة خاصة بالمسرح اليمني خلال فترة زمنية تترواح بين 10
و20 سنة؛ هذا بالطبع مع توفير كل ما تحتاجه البنية التحتية للمسرح، من قاعات
عرض ثابتة ومتحركة، وإرسال دارسين إلى الخارج، وتوفير المادة وأن يتم التطور
والمواكبة في مفردات المسرح من أجهزة حديثة ومعدات وإضاءة وخلافه، بالإضافة إلى
نشر الوعي بأهمية المسرح باعتباره أبا الفنون في جميع وسائل الإعلام المقروءة
والمرئية والمسموعة، وذلك حتى نرفع من مستوى وأهمية فن المسرح اليمني. كما يجب
المشاركة في المهرجانات الخارجية حتى نكتسب الخبرة، وكذلك عمل مهرجانات داخلية
لجميع المحافظات، وإحضار متخصصين في المسرح من الدول العربية لتقييم المستوى في
جميع التخصصات، وعمل ندوات خاصة بذلك، وكذلك عمل ورش خاصة لمعالجة القصور في
هذه العروض حتى يتم التطور والاستفادة من الأخطاء نحو مسرح يمني يحمل بصمة خاصة
به.
البنية التحتية للسينما في اليمن:
قبل الحديث عن البنية التحتية لصناعة السينما في اليمن ومدى أهميتها لصناعة
السينما يجب أن نقوم بالتعريف والتبسيط لأهمية السينما في أي مجتمع.
فالسينما تغير مفاهيم وتدعم أفكاراً وسياسات، وهي وثيقة تاريخية هامة في جميع
المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وهي أيضاً أهم وسيلة من وسائل الاتصال الجماهيري؛ فيمكن من خلالها إيصال رسالة
أو هدف وقيمة أخلاقية إلى كل شرائح المجتمع، لما تتمتع به من سلاسة الوصول في
قالب سردي مشوق عبارة عن تدفق لمجموعة من الصور المختلفة والتي تنتقل من فكرة
إلى أخرى.
وما أشبه ذلك بما منحنا الله سبحانه وتعالى في منامنا من تراكم وتدفق صور
مختلفة تنتقل من فكرة إلى أخرى، وهي أحلامنا. حتى فكرة المونتاج، وهو التقطيع
من صورة إلى أخرى، نجدها أيضاً في أحلامنا.
أنا هنا أريد أن أقوم بتبسيط وإفهام بعض الناس الذين بمجرد أن تنطق كلمة
"سينما" فإنها ترتبط في أذهانهم بشكل مباشرة بالانحراف والخلاعة والسوقية،
وصولاً إلى اعتبارها من المحرمات.
أنا أقول لهم هنا: دعونا نعتبر أن السينما هي كوب فارغ (شريط السينما قبل
التصوير) فيمكن أن نضع في هذا الكوب علاج لمريض يتم معالجته، ويمكن أن نضع السم
أو الخمر؛ إذاً هنا لا نحتج أو نعترض أو نرفض الكوب، ولكن نعترض ونناقش ونحتج
على ما بداخل هذا الكوب، وكذلك الحال لشريط السينما.
وإذا ربطنا موضوع السينما بالجانب الديني ومدى ما يمكن أن يتم الاستفادة من
السينما في نشر الدعوة والسيرة النبوية والكثير من السلوكيات الإسلامية، نجد
مثلاً: فيلم "الرسالة" عن السيرة النبوية للمخرج مصطفى العقاد ومدى تأثير هذا
الفيلم في توصيل الفكرة لكل شرائح المجتمع المختلفة من مثقف وغير مثقف بل
والذين لا يجيدون الكتابة والقراءة، فانتشاره بالشكل السردي المشوق يجذب كل
أفراد المجتمع، فالفرد هنا يمكن أن يتلقى ويفهم الكثير والكثير عن نبيه ورسالة
الإسلام أكثر ألف مرة من أن يجتمع ألف عالم أو داعية لكي يتناولوا الموضوع نفسه
وهو السيرة النبوية ويقوم كل واحد منهم بإلقاء محاضرة في كل القنوات الفضائية،
فإنه لم ولن يصل الهدف والرسالة مثلما هو حال السينما، لما تحتويه من سحر براق
أكثر وصولاً إلى جميع أفراد المجتمع.
وهذه الحقيقة توصل لها علماء الدين عن أهمية الأعمال الدرامية في كل ما يراد
توصيله من قيم ومبادئ وأخلاق ودين لجميع أفراد المجتمع.
وأرجو أن تكون هذه المقدمة قد حققت وأزالت الأفكار المغلوطة عن السينما
وأهميتها كوسيلة إعلامية براقة تخدم المجتمع.
وعند الحديث عن البنية التحتية لصناعة السينما في اليمن فأنا أتشوق وأتمنى أن
يشاركني هذا الشوق الكثير من صناع القرار في جميع المواقع المختلفة في الدولة
لدعم وتسهيل بل والمساهمة في إصدار قرارات تساهم وتساعد في إنشاء البنية
التحتية لصناعة السينما في اليمن.
فهناك دول كثيرة اعتمدت على السينما في توجيه المد الثوري ومبادئه إلى
مجتمعاتها وذلك من خلال السينما. فالسينما من أهم وسائل الإعلام لتوصيل أي
رسالة سواء بطريقة مباشرة أم غير مباشرة. ولهذا فإن صناعة السينما في اليمن
تحتاج إلى قرار سياسي يحقق لمجال السينما ما يحتاجه من بنية تحتية، وجزء كبير
من هذه البنية موجود، ولم يستغل، وسوف تقوم الإدارة العامة للسينما باستخدامه
وهو عبارة عن معدات سينمائية وتحميض وأدوات مونتاج وكاميرات تصوير ومنها
كاميرات تصوير تحت الماء، بالإضافة إلى قطع غيار بكميات كبيرة كانت موضوعة في
مبنى مكون من ثلاثة أدوار وهذا سوف يكون تحت تصرف الإدارة العامة للسينما. كما
يتطلب الأمر الحصول على مساحات وأراضي تقدر بنحو 1500 لبنة تخصص للمجمع
السينمائي الأول والذي سوف يكون فيه الاستوديوهات المفتوحة لنماذج من البيئة
اليمنية المختلفة، وكذلك الاستوديوهات المغلقة، بالإضافة إلى دور العرض
واستوديوهات الصوت والمونتاج والدوبلاج... وكل ما يحتاجه المجمع السينمائي في
هذا المجال. ونحن الآن بحاجة إلى الدعم وقرار سياسي يدعم صناعة السينما وتوفير
كل ما تتطلبه. فنحن جيل من السينمائيين كادت أن تختنق أحلامهم وهم يتطلعون إلى
بصيص من الضوء ولكنهم لم ولن يتخلوا أو يفقدوا الأمل.
والبنية التحتية تحتاج إلى:
أولاً: التقنيات والمعدات الخاصة بصناعة السينما وهي كل ما يخص هذه الصناعة من
معدات لجميع مراحل الفيلم من مرحلة الكتابة والفكرة إلى التصوير إلى المعامل
والتحميض مروراً بالمونتاج والمكساج ووضع اللمسات الأخيرة حتى تكتمل نسخة العمل
الصالحة للعرض، وهي مراحل كثيرة وهامة لهذه الصناعة، وليس هذا مكان سردها برغم
أنها هي أساس البنية التحتية لصناعة السينما.
ثانياً: مجموعة خطوات وقرارات يجب تحقيقها لكي يكون هناك صناعة سينما في اليمن،
وكذلك لتشجيع المستثمرين بالاستثمار في هذا الجانب، كما يحدث في أي بلد يريد أن
يرفع ويدعم صناعة السينما فيه، وذلك من خلال هذه الخطوات:
1- إصدار قانون بالإعفاء الضريبي على دور العرض المتميزة والتي يتم تجديدها
بمواصفات دولية متعارف عليها. وهذا الإعفاء يكون لمدة عشرة سنوات، وهذا لأن
السينما منتج ثقافي مثل الكتاب. أما السبب الذي جعل كل دور العرض تقريباً تقفل
أبوابها بل ويتحول البعض إلى قاعة أفراح أو أسواق تجارية وغيرها فهو أن الضرائب
تصل إلى 40% على عرض الفيلم الواحد، فهذا في رأيي هو أهم سبب لإغلاق أكثر دُور
العرض في اليمن.
2- إصدار قانون بعدم هدم أو تغيير نشاط أي دار عرض. وفي المقابل تسهيل وتذليل
وإلغاء كل العقبات التي تقابل أصحاب هذه الدور.
3- تخصيص قطع أرض خاصة بدور العرض السينمائي في كل تجمع سكاني، مثلها مثل
المستشفى والحديقة والخدمات الأخرى، وتسهيل وتذليل كل العقبات التي تقف أمام
المستثمرين لهذه القطع التي تقام عليها دور عرض، وكذلك تشجيع إنشاء دور عرض
صغيرة داخل الأسواق الكبيرة.
4- تشجيع شركات الإنتاج السينمائي الداخلية والخارجية والمشتركة وتذليل كل
المعوقات أمامها، لأنها سوف تساعد في إثراء وتطوير صناعة السينما في اليمن،
وتقدمها وتجاوزها مراحل البدايات لأفلام تسجيلية ووثائقية.. وانتقالها إلى
المراحل التجارية، وهي الفيلم الروائي اليمني التجاري داخل دور العرض، وهي
المرحلة التي تكون فيها قد حققت نجاحات كثيرة، وبهذا تدخل في تسويق الفيلم
داخلياً وأيضاً إيجاد سوق خارجية. ولكي نصل إلى هذه النتيجة سوف نحتاج إلى
الكثير من الدعم والتسهيلات لكل من يعمل أو يستثمر في مجال صناعة السينما في
اليمن.
5- عمل مهرجان سينمائي لمعرفة وفهم والاستفادة من الآخر وعمل ورش عمل في مختلف
من التخصصات السينمائية.
6- إرسال السينمائيين إلى دورات قصيرة في كل المجالات لتنشيط المعلومات ومعرفة
الجديد، وكذلك إرسال الشباب في منح دراسية في كل التخصصات السينمائية.
7- الحرص على المشاركة في جميع المهرجانات السينمائية العربية والدولية منذ
البداية لإنشاء البنية التحتية لصناعة السينما في اليمن حتى يتم معرفة كل جديد
ومفيد ومتطور في المعدات والأفكار المطروحة لدى الآخر، وهذا يساهم بشكل كبير في
أن نخطو خطواتنا بشكل صحيح ومواكب لكل جديد ومتطور في عالم السينما.
8- توثيق وأرشفة كل الأعمال السينمائية التي تمت على أرض اليمن من كوادر خارجية
أو داخلية، مثال الفيلم الفرنسي الذي صور في الثلاثينيات من القرن الماضي ويظهر
فيه الإمام يحيى حميد الدين، كما سيتم جمع وتوثيق كل ما تم تصويره داخل اليمن
من قبل الدول العربية والغربية، وكذلك فيلم وثائقي بعنوان "أسوار صنعاء" للمخرج
الإيطالي العالمي بازولين والذي أطلق فيه النداء إلى اليونسكو لحماية صنعاء
القديمة والذي نتج عن تجاوب المنظمة مع بازولين بإعلان مدينة صنعاء القديمة
رسمياً كأحد مواقع التراث الإنساني العالمي سنة 1986. كذلك توثيق جميع أعمال
العاملين والدارسين في الخارج والداخل والسيرة الذاتية لكل صاحب عمل سينمائي.
9- تصوير أهم وأجمل المواقع داخل اليمن، وعرضها بأسلوب مشرف من خلال الإنترنت،
مثال الشواطئ، الشلالات، الصحراء، الجبال الطبيعية، صنعاء القديمة، حضرموت،
سقطرى، بعض القرى التي تحيط بصنعاء (قرية بيت بوس مثلاً) وغيرها من مواقع غنية
بجمالها في جميع أنحاء الجمهورية... وهذا يساعد على جذب شركات الإنتاج
السينمائي للتصوير داخل اليمن، وهذا بدوره يساعد في تطوير وخبرة الكوادر
العاملة في مجال صناعة السينما داخل اليمن، لأنها سوف تتم من خلال إشراف وزارة
الثقافة على هذه الشركات، بالإضافة إلى الاستفادة من الناحية المادية في تأجير
المواقع وتوفير كامل الخدمات والمعدات المتواجدة والتي يصعب نقلها، وهذا بلا شك
سوف يحقق الكثير من الفوائد مما يساعد في تطوير صناعة السينما مع اكتساب الخبرة
في استخدام المعدات السينمائية التي سوف تحتاج إلى كادر فني يستطيع التعامل
معها وصولاً إلى الهدف المنشود وهو تطوير صناعة السينما داخل اليمن.
وكل ما أتمنى هو أن يقف الجميع، الدولة والقطاع الخاص وكل غيور ومحب لهذه
البلاد، لتذليل كل العقبات التي تواجه الخطوات الجادة التي بدأناها وحققناها في
دعم البنية التحتية لصناعة السينما في اليمن.
*السينما في اليمن، بين نقطتين
جمال جبران
سأبحث هنا في نقطتين محددتين، فيما يخص حال السينما في اليمن اليوم:
الأولى: فيما يقول بحال صالات العرض السينمائية، في العاصمة صنعاء تحديداً، بين
الأمس واليوم.
والثانية: في واقع حال الإنتاج السينمائي اليمني.
(1)
في النقطة الأولى، يمكننا، نحن الذين كان لنا شرف التواجد في فترة زمنية ماضية
(إلى ما قبل نهايات ثمانينيات القرن الفائت، وتحديداً إلى ما قبل الاحتلال
العراقي لدولة الكويت)، يمكننا أن نعلن حزننا وأن نرفعه عالياً. كيف لا وقد
كانت صالات العرض السينمائية في العاصمة صنعاء، على وجه الخصوص دار "سينما حده"
ودار "سينما خالدة"، على درجة عالية من الرقي ومن التمدن الذي يُرى في أرفع
صوره! إلى هاتين الصالتين كانت، وإن بدرجة أقل، صالاتا "بلقيس و"الأهلية". ما
يهم في الأمر هو حقيقة وجود سينما في ذلك الوقت الذي يُقًدر الان بعمر جيل
بأكمله على عكس وقتنا الحالي الذي اندثرت فيه دور العرض السينمائية تلك،
باستثناء دار سينمائية واحدة (دار السينما الأهلية) والتي تعرض الان أفلامها
في أحط الظروف وأردئها، وما ينطبق على ظروف السينما المنحطة ينعكس على نوعية
الأفلام التي تقوم بعرضها.
كيف يمكننا تفسير مثل هذه الحالة المقلوبة؟
كيف يمكننا تفسير هذا الزمن الذي يعود الى الوراء؟
يستقيم الأمر عندما يأخذ في تصاعده وذهابه الى الأمام. ولا يكون مفهوماً عندما
يحدث العكس. كيف يكون الأمر مفهوماً، أن تكون لدينا دور
عروض سينمائية محترمة في بداية ثمانينيات القرن الماضي ولاتكون الآن!
إلى ماذا يشير الأمر؟
هل لحالة اقتصادية قاسية، مُرَة وتعصف بالبلد! لكن وفي ذات المنطقة التي يقع
عليها مجمع "حدة" السينمائي (أو أطلال حدة وخالدة)، نشهد نهضة عمرانية،
استثماراتية غبية وفي كل شيء، الترفيهي والاستهلاكي منها على وجه الخصوص. محلات
أكل الوجبات السريعة، الهمبورغر والبيتزا، ومحلات الباسكند روبينز، (ليس عندي
موقف مسبق من هكذا أكلات، لكني أصف الواقع الذي صرناه. لكنها ذات المحلات
المملكوة من قبل أبناء أولئك المشائخ الذين أحتلوا البلاد والعباد). وهي ذاتها
المأكولات المفضلة من قبل العائلات التي نهضت أحوالها أعقاب الحرب الأخيرة
(أقصد حرب صيف 1994). و يحدث هذا في كل مكان وليس عندنا فقط. بعد كل حرب تصعد
عائلات محدثة نعمة إلى جوار ازدهار التيارات الأصولية، في لعبة تبادل أدوار
(أنت تفتح لي الطريق لفعل ما أود فعله في الناس وفي العالم، في حين أغمض أنا
عينيَ عن كل الفساد الذي ستقوم به). وفي كل الأحوال، يزدهر التافه والسطحي في
حين تغلق السينما أبوابها.
(الانحطاط الحاصل اليوم في دار السينما الأهلية، أعتقد أنه يفسر كل هذا
الانحطاط الذي نحن فيه اليوم وعلى كل صعيد).
في زماننا الفائت، كنا نذهب إلى السينما برفقة عائلاتنا، أمهاتنا وشقيقاتنا،
ولم نكن نتعرض للأذية من قبل أي كان. اليوم ذهبتْ السينما لحال سبيلها في حين
بقت الأذية. تُركت الساحة للطرف الآخر، الأصولي المهتم بشغف عن صلاح أحوالنا
الدنيوية. وهو ذاته المهتم بوصولنا سالمين غانمين ليوم الحساب. وفي الوقت ذاته
ذهب الفريق الآخر مهتماً لصلاح أحواله وأحوال أهله. وبقينا نحن في المفرق نبحث
عن طريق وطوق "نجاة"، مهما كان صغيراً أو صغيرة!
(2)
ونأتي هنا للنقطة الثانية: واقع حال الإنتاج السينمائي اليمني.
هنا يمكننا السؤال عن الهيئة العامة للسينما والمسرح. أين هي؟ وعلى أي كوكب
تقيم؟ إلى ذلك وزارة الثقافة. الوزارة السابقة وقفت الى جوار التيار الأصولي ضد
فيلم "فجر جديد في صنعاء القديمة" للمخرج بدر الدين بن حرسي الذي عُرض خلال
أيام صنعاء عاصمة للثقافة العربية. نتذكر عندما قامت تلك الضجة الرافضة لفكرة
تصوير فيلم في مدينة صنعاء القديمة. إلا أن المخرج بدر بن حرسي أتم فيلمه دون
اجراء تلك التعديلات التي طلبتها منه اللجنة المُكلفة من قبل مجلس النواب.
(الغريب أنه بعد عرض الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي وفوزه الكبير
بالجائزة الأولى، صدرت أصوات رسمية تشيد بالفيلم اليمني الفائز بهذه الجائزة
الكبيرة، مع أنها ذات الأصوات التي تخلت عن الفيلم وصاحبة وقت التحضير له).
وتالياً، وزارة الثقافة الحالية. أعلنت عن ضرورة الاستمرار في فكرة قيام مهرجان
صنعاء السينمائي الأول، الفكرة التي بدأت في عهد الوزارة السابقة. لكن ما لبث
أن انتهى كل شيء وبفضيحة اتهام المنسق العام للمهرجان بالنصب والاحتيال باسم
المهرجان إياه.
يعني حالة تخبط من هنا وهناك والسينما هي الضحية دائماً. السينما صالات عروض
وإنتاجاً. لن تعود تلك ولن تكون هذه.
*حنين إلى كائن خرافي
عبد الناصر مجلي
لا أدري من الذي أدخلني السينما لأول مرة، لكنني أزعم أن هذا الشخص هو أخي
الأكبر. كان ذلك بعد أيام قليلة من وصولي إلى صنعاء في منتصف سبعينيات القرن
الماضي.
دخلت صنعاء وأنا طفلاً صغيراً لم أتجاوز الخامسة من العمر، مدججاً بالأساطير
الشعبية في بلدي، تلك الأساطير التي كانت تُروى في الليالي المنكفئة على نفسها
في عمق الريف اليمني الطيب والمشبع بالخرافات التي يتشرّب منها بعد أذان كل
مغرب وحتى حدود نشرة إذاعة "صوت العرب" القادمة من قاهرة المعز.
شخصياً، كانت طفولتي في مدينتي الصغيرة (جُبَنْ) مزيجاً من تهجئة الحروف
القرآنية الكريمة في بداية رحلتي لاكتشاف أسطورية الحرف وفهمه وتالياً الكتابة
به، وبين الليالي الكئيبة التي كانت حكايات الجدات والعمات والخالات تبدد
وحشتها بتلك الأحداث غير المعقولة. لكنني مع ذلك كنت أرسم في مخيلتي صور تلك
الحكايا، بل وأزعم أنني كنت أرسمها ملونة واضحة بالاسم والتفاصيل الدقيقة.
ولذلك فلست مستغرباً من كوني قاصاً وروائياً، لأنني -بكل بساطة- مخلوق مهتم
بتفاصيل المشهد الحياتي أمامي بكل تنوعاته وتفرعاته وفضاءاته المتعددة. ومع ذلك
وصلت في سني الباكرة تلك إلى مرحلة التشبع من آلية الاستماع، رغم دهشتها
وتأثيراتها الهامة في تجربتي الإبداعية والكتابية.
لذلك عندما ولجت للمرة الأولى "دار سينما بلقيس" الكائنة في "شارع علي
عبد المغني"، وقد كان وقت دخولي يصادف بداية العرض؛ هنا كنت على موعد مع ليلة
(نظراً لظلام القاعة) استماعية كما تعودت. لكن المدهشة التي ملكت عليّ لُبِّي
وما زلت حتى يومنا هذا، هي: انتقالي في تعاملي مع المسموع إلى المرئي المبهر
والساحر مباشرة ودون مقدمات. طبعاً لا أذكر الفيلم أو بالأحرى الفيلمين، لكنني
ما زلت أتذكر بوضوح جنسيتيهما، فالأول كان فيلماً عربياً (مصرياً كما سأعلم
لاحقاً)، والآخر أجنبياً لأنني لم أفهم اللغة التي كان يتحدث بها أبطال الفيلم
الملون. لقد خرجت من تلك التجربة البصرية والمشاهدية بأثر نفسي هائل لا يزال
يتملكني حتى الآن؛ الأثر الذي تحول إلى حقيقة ساطعة تقول: إنني وجدت ضالتي
أخيراً، ولقيت ما كنت أبحث عنه وأسعى إليه.
طبعاً، "الجن" الذين رأيتهم في "سينما بلقيس" كانوا يختلفون عن الـجن الذين كنت
أسمع بهم في ليالي مدينتي الصغيرة النائمة بين الجبال المنسية.
لقد كانت تجربتي السينمائية الأولى كمُشاهد هي الأعذب والأروع في مسيرتي أو
هوايتي في التردد على دُور السينما في أي بلدٍ أحل فيه حتى كتابة هذه السطور
وإلى ما شاء الله.
ومع مرور الوقت ازداد عدد المرات التي كنت فيها أتردد على "سينما بلقيس" بكل
الدهشة واللهفة والاستمتاع، إلى درجة أجدني عاجزاً عن تصويرها أو شرحها؛ كانت
دهشة العوالم الجديدة التي أطل عليها، والثقافات التي أتشرّب منها بوعي وبغير
وعي.
عرفت من خلال السينما أن العالم كبير وواسع، وأننا لسنا لوحدنا في هذا الكوكب.
فتحت السينما أمامي آفاقاً وأبواباً لا يوجد غير السينما يمكن أن تأخذني إليها
وتحلق بي في سمواتها التي ما زالت تأسرني حتى اليوم. كم بكيت وكم ضحكت وكم غضبت
وحزنت، ونسجت علاقات حُب مع بطلات الأفلام!
إن تاريخ السينما -كمتعة بصرية- في اليمن يعود إلى أيام الأفلام الصامتة، بداية
بعدن ومروراً بصنعاء وتعز والحديدة ورداع ويريم. وهاتان الأخيرتان يعتبر وصول
السينما إليهما ضرباً من الخيال المستحيل تحقق. نظراً لكونهما مدينتين صغيرتين
تقعان في قلب القبيلة اليمنية، وبالتالي لم تنقطع اليمن عن عصر الصور المتحركة
منذ بداياتها؛ مما يفترض أن تتحول السينما في بلادنا، ليس إلى مجرد ضربة آنية
فقط، ولكن إلى صناعة محلية.
شهد عقد الثمانينيات من القرن الماضي وفرة في دُور العرض السينمائية في أغلب
المدن اليمنية الكبرى. وعند مغادرتي صنعاء في بداية 1992 كانت هذه الدُور لا
تزال تعمل بكامل طاقتها التشغيلية، أي: فترتين للعرض الواحد، وتصل إلى ثلاث في
العطل الرسمية والدينية. لكن ما إن انتصف عقد التسعينيات الماضي إلاَّ وبدأت
هذه الدُور تتهاوى تحت مؤثرات كثيرة، اقتصادية واجتماعية وثقافية، لست بصدد
التحدث عنها الآن، لأنه حديث ذو شجون. لكنني أتساءل عن الأسباب الحقيقية لهذا
الانغلاق المعرفي الهام أمام مجتمعنا، ومن يقف وراءه، وما هي أسبابه، ولماذا لا
تهتم الدولة -عبر وزارة الثقافة- بهذا الكنـز الثقافي الهائل المغلقة أمامنا
أبوابه الرحبة.
لا أُخفي أنني أشعر بالحزن عندما أمرُّ بـسينما "بلقيس" و"حدة" و"خالدة" وهن
مغلقات. وأشعر بالحنين لتلك الأيام التي تعلمنا فيها ما وصلنا إليه الآن. إن
بلادنا في حاجة ملحة لعودة السينما أليها ضمن ضوابط معقولة ومرنة، لتكون نافذة
على العالم أمام شباب البلد، بدلاً من تحولهم إلى قنابل موقوتة بدأت فعلاً في
الانفجار في وجوهنا لا يمكننا النجاة من خطرها مهما ادَّعينا عكس ذلك نظراً
لانسداد الآفاق أمامهم وتحولهم إلى طرائد سهلة لدعاة التطرف والغلو.
*غياب له أسبابه ومعالجاته
وديع العزعزي
إن أسباب غياب السينما في اليمن متعددة ومتشعبة، وفي الوقت نفسه متداخلة. لكن
باعتقادي أن من أهم هذه الأسباب:
1.
أن السينما كإنتاج وصناعة تكلفتها باهضة وتحتاج إلى إمكانيات مالية كبيرة كونها
تحتاج إلى كوادر كثيرة، ومستلزمات تقنية ومعامل، وكذلك تسويق، وخاصة عندما
يتعلق الأمر بالأفلام الروائية.
2.
غياب الاستثمار في هذا الفن من جانب القطاع الخاص، كونه المؤهل لسد الفراغ
الناتج عن ضعف أو قصور الجانب الحكومي في تمويل ودعم صناعة السينما.
3.
أن السينما كإنتاج تحتاج إلى تسويق كما أشرنا سابقاً، فهل من المعقول أن نتحدث
عن إنتاج سينمائي ويبقى في الداخل، في ظل انعدام دور سينما!؟ فأغلب إن لم يكن
كل دُور السينما التي كانت موجودة أُغلقت وانتهت.
4.
نقص الكادر الفني. ففي المراحل السابقة كانت هناك كوادر لا بأس بها من خريجي
الدول الشرقية، لكن جميعهم تحول إلى العمل الدرامي التلفزيوني. ترافق ذلك مع
عدم وجود كوادر جديدة تخصصت في هذا الفن.
5.
غياب هذا الفن وتخصصاته المختلفة في جامعاتنا أو معاهدنا.
6.
دور الموروث الثقافي والاجتماعي الذي أثر بشكل سلبي في نظرة المجتمع إلى
السينما كفن وثقافة، على الرغم من أنه في فترات سابقة حظيت السينما باهتمام
وقبول المجتمع اليمني، إلا أنه حصلت انتكاسة نتيجة صعود خطابات معادية لهذا
الفن تستند إلى الزعم بتعارضه مع الموروث الثقافي والاجتماعي والديني. طبعاً
هذه الخطابات جاءت في ظل بيئة مجتمعية يغلب عليها التخلف والأمية.
إلا
أنه يمكن معالجة هذه المشكلة من خلال:
1.
خلق إرادة حكومية، يرافقها تخطيط سليم في جانب الإبداع الثقافي والفني بشكل عام
والسينمائي بشكل خاص.
2.
توفير الدعم المالي اللازم من الجانب الحكومي، فضلاً عن تشجيع القطاع الخاص على
الاستثمار في صناعة السينما، وبما يهدف إلى توفير البنية التحتية للسينما من
شركات إنتاج وتسويق ومعامل ودُور عرض وغير ذلك.
3.
الاهتمام بتأهيل كادر فني: ممثلين ومصورين وفنيين ومخرجين...
4.
إنشاء معهد متخصص، أو إنشاء أقسام في جامعاتنا تدرس هذا الفن وتخصصاته
المختلفة.
5.
والأهم من ذلك هو السعي إلى تغيير ثقافي للمجتمع لتغيير نظرته السلبية للسينما
كفن وثقافة، من خلال وسائل متعددة، منها الإعلام ووسائله المختلفة، والمناهج
الدراسية، ودعم منظمات المجتمع المدني في ذلك.
*قميص يوسف... والعامل المادي الجبان
عبد القادر صبري
الحديث عن السينما في اليمن هو حديث
أشبه بالحديث عن قميص يوسف؛ فلا القميص قميص يوسف، ولا الدم دم يوسف، ولا الذئب
أكل يوسف، بل إخوته هم الذين ألقوا به في غياهب البئر. التشابه هنا كبير إلى حد
بعيد، السيناريو هو السيناريو ذاته. فالسينما بريئة من اليمن براءة الذئب من دم
يوسف، واليمنيون هم الذين ألقوا بالسينما في بئر النسيان كما ألقى إخوة الدم
يوسف في غياهب الجب، مع اختلاف بسيط هو أن يوسف وجد أخيراً من ينتشله، غير أن
السينما في اليمن ماتزال في بئر النسيان تنتظر "سيارة" تنتشلها، حتى ولو كانت
هذه السيارة من نوع "هايلوكس"، تلك السيارة التي استخدمها اليمنيون في مشاهد
سينمائية حية في شوارع صنعاء للقيام بعمليات الاغتيالات السياسية الشهيرة فترة
الصراع السياسي المسلح على السلطة أوائل التسعينيات.
ولكن ما هو السبب وراء هذا الإقصاء
للسينما في اليمن؟ أو بالأصح: ما هي الأسباب وراء هذا الاغتيال للسينما في
اليمن؟
لا شك أن الأسباب تتعدد بتعدد المناخ
المتقلب في اليمن، فصنعاء قد تفاجئك في يوم واحد بصيف وشتاء وخريف عاصف.
والمصيبة أن ذلك اليوم قد يكون -أو يفترض به أن يكون- يوماً ربيعياً.
فمن بين هذه الأسباب ما هو سياسي عام،
ومنها ما هو فني بحت، وهناك العامل المادي، والعوامل الاجتماعية، وغيرها.
وسأكتفي هنا في معرض الإجابة على سؤالكم الشيق هذا بتناول مقتضب للعوامل
الأربعة فقط، نظرا لأهميتها.
سياسياً: سينما الفئران
فأولا فيما يتعلق بالسبب السياسي وراء
أزمة السينما في اليمن، فإن ما تم ذكره في غرة هذا التناول المقتضب، من صراع
سياسي مسلح بين شركاء السلطة في أوائل التسعينيات، وما انتهى إليه هذا الصراع
من حرب أهلية في صيف عام 1994 كان سببا لا يستهان به في رمي الحجر الأكبر في
بئر السينما، والذي ما يزال جاثماً على صدرها حتى الآن، ذلك إن لم يكن السبب
والوحيد.
فكنتيجة للمشاركة الفاعلة للتيار
الديني المتطرف في حرب الانفصال أو حرب الوحدة -سمها كما شئت- انتهت المعركة
سريعاً وتم حسم الحرب على أرض الميدان خلال أقل من سبعين يوماً. وكان للميليشات
الأصولية التي قاتلت ببسالة دور مهم في انتصار قوات الشرعية يومها. ودخل
الفاتحون الجدد عدن. وكان أول ما قاموا به هدم مصنع البيرة وإغلاق دور السينما.
ومع الوقت زاد نفوذهم في السلطة وتم إشراكهم رسمياً فيها فيما سُمي بحكومة
الائتلاف آنذاك، فحصلوا على بعض الوزارات غير السيادية، وإن كانت حقيبة وزارة
الثقافة لحسن الحظ خارج نفوذهم -من الناحية الشكلية- إلاَّ أنه من الناحية
العملية تم إسناد الوزارة إلى وزير أصولي داخل تيار الحزب الحاكم. وفي ظل هذه
الوزارة الهجينة تم إقصاء كافة أنواع الفنون من الساحة، وليس السينما فحسب.
وتحولت المؤسسة العامة للسينما والمسرح إلى مجرد أطلال تبكي على مشاريعها
الموؤودة، وتندب حلم إنشاء أكبر استوديوهات للسينما في مدينة تعز.
ومع تزايد النفوذ الأصولي في الحكم
بدأت دور السينما تتهاوى في أغلب المحافظات، حتى أغلقت آخر دار صغيرة في قريتنا
البعيدة (المسراخ) إحدى نواحي جبل صبر العتيد.
وهكذا تضاءل الحلم السينمائي من بناء
أكبر استوديوهات للسينما في المنطقة إلى الحلم بعودة دور السينما التي أصبحت
ترتع فيها الفئران والصراصير بعد إغلاقها؛ لا لشيء إلا لأن السينما في نظر
الأصوليين "حرام"، وفي نظر الأقل تشدداً "عيب"، وفي أحسن الأحوال "ترف".
الحقيقة أن هذا العامل وتأثيره في
واقع السينما في اليمن يبدو عاملاً دينياً أكثر منه سياسياً، ولكن ما العمل
وهذه الحال في اليمن؟ فلا حدود فاصلة بين الأشياء (وكل شيء ليس في بابه)،
فالسياسي هو مكوّن أساس في الديني، والديني هو مكوّن أساس في السياسة، القبيلة
داخل المؤسسة العسكرية، والجيش تحت عمامة الفقيه، والفقيه يخطب في المقابل...
وهكذا.
أما الفن السابع فلم يصعد بعد الدرجة
الأولى في سُلّم حياته. وأبو الفنون لم يتزوج بعد. وصنعاء، التي "حوت كل فن"
خرجت لها الحيات والعقارب من جراب الحاوي، فلدغتها في مقتل. وهكذا لا تجد الآن
في صنعاء أي دار للسينما في شوارع "أم الفنون".
حسن، إذا كان هذا هو دور التيار
الأصولي المتطرف في المسالة، فماذا كان دور التيار الحاكم، وهو المشهور
باعتداله وتشجيعه للفنون، وخصوصاً بعد أن تم محاصرة الأصولية في جبال "تورا
بورا" بعد تراجيديا 11 سبتمبر الحيّة والأكثر من سينمائية؟
والجواب: ليس ذلك حينما يكون مطلوباً
من الفن إعادة ترتيب الأوضاع: إعادة العمامة إلى رأس الفقيه، والخوذة إلى رأس
الجندي، والقبعة إلى رأس المثقف. لم يسمح للفن بالوصول إلى سدرة المنتهى هذه،
وبقي محصوراً في مناسباتيته وبروباجانديته المقيتة.
انظر ماذا ولد الجمل اليمني بعد سنين
المخاض الطويلة: "الإرهاب" هذا الاسكتش التلفزيوني، أو بالأصح الكابشن الدعائي
الطويل والممل. إن القنوات الفضائية التجارية زاخرة بمثل هذه الكبشنات الدعائية
المدفوعة الأجر، والتي تنتجها السلطة العراقية المحتلة من قبل عسكر هوليوود؛
مجرد أعمال توجيهية هزيلة تنتجها شركات أردنية متكسبة وتعممها السلطات العراقية
على التلفزيونات العربية التجارية. الفرق بين فيلم الإرهاب وهذه الكبشنات أن
الكبشنات قصيرة، وتمر بسلام، ويؤديها أناس عاديون ليسوا بفنانين ولا يمتون إلى
الفن بصلة. أما فيلم الإرهاب فهو مجرد كبشن طويل وممل، مكرس لتقزيم نجوم المسرح
القومي اليميني الذين ما كان أحوجهم إلى النأي بمكانتهم عن ذاك المستوى الضحل.
ألم يسمعوا بالمثل القائل: "تمخض الجمل فولد فأراً" حين ولدت السينما اليمنية
في غرفة الفئران لا على صروح الفن السابع.
وهكذا تداخل السياسي في الديني،
والديني في الثقافي مرة أخرى. فعندما أنتجت السينما، بأموال السلطة، أنتجت
عملاً خطابياً أقرب ما يكون إلى المقال السياسي الممل منه إلى الفن الممتع.
أما التجربة الأخرى للسينما اليمنية
-إذا جاز لنا إطلاق هذه التسمية جزافا- فلقد كان فيلم "يوم جديد في صنعاء
القديمة"؛ هذا الفيلم الذي ولد بليل أسود، إذ لا يزيد عن كونه مجرد كليب دعائي
مثل الكليبات الغنائية الرخيصة. وماذا تنتظر من عمل أنتج داخل أسوار المدينة
السياحية سيئة الصيت في صنعاء، أبطاله مودليرات سوريات وروسيات وموديلون أجانب،
لا أدري في أي درجة يتم تصنيفهم في بلدانهم، إذا كان لهم تصنيف أصلا.
السينما في اليمن فنياً أم لا فنياً؟
إن الحديث عن العامل السابق يكاد يختصر
الحديث عن العامل الفني، بل ويلغيه. الحمد لله أن هذا العامل قصير جداً ويكفيني
شر القتال ويكفيكم مشقة القراءة. فماذا يمكن أن أكتب عن العامل الفني للسينما
في اليمن!؟ حيث لا وجود للسينما أصلا، فلا كادر ولا استوديوهات ولا تجارب
حقيقية... والآن لا يوجد حتى دور لعرض السينما.
العامل المادي الجبان
أستطيع القول إن هذا هو مربط الفرس
وعقدة المنشار في الوقت نفسه. فالسينما صناعة قائمة على الاستثمار والمغامرة
والجرأة والمجازفة، عمل معرض للخسارة أكثر من الربح. يقول كابولو، أشهر
المخرجين السينمائيين الأمريكان: "لو كانت لدي ميزانية قدرها مائة مليون دولار
لعمل سينمائي فإنني سأسخر تسعة وتسعين مليوناً للأعمال الدعائية والترويجية
للفيلم، وأنتج الفيلم بالمليون الوحيد المتبقي".
ومعروف عالمياً أن رأس المال جبان،
فما بالكم برأس المال اليمني، في بلد تشح فيه الموارد!! وبالرغم من أن الإنتاج
السينمائي في اليمن سيكون هو الأقل كلفة ربما في العالم كله، ذلك أن البلد يزخر
بالعديد من مواقع التصوير الجميلة الحية والمفتوحة والمنتشرة على ربوعه
ومدرجاته، سهوله ووديانه، شواطئه وجزره ومحمياته الطبيعية، ما يجعل اليمن كله
عبارة عن أستوديو مفتوح؛ إلا أن رأس المال اليمني هو الأكثر جبنا، وهذه صفة
أخرى تتمتع بها الفئران التي تقبع في أطلال دور السينما في اليمن. فأرجوكم، لا
تزعجوا الفئران!
وأخيراً فان العامل الاجتماعي يأتي
ليكون هو الحصان الأسود في المشروع السينمائي اليمني. وأنا أعول عليه كثيراً.
أولاً: لأن هذا العامل تتداخل فيه كافة العوامل الأخرى، السياسي والديني
والمادي والفني. وإذا تمت التوعية بأهمية السينما اجتماعياً فسيكون من السهل
الارتقاء والنهوض بالمشروع السينمائي في اليمن.
وثانياً: لقد
أثبتت التجارب أن الجمهور اليمني -وهو أهم مكونات هذا العامل- جمهور عريق
ومتذوق، بل هو متعطش للسينما والفنون الراقية، كالمسرح وغيره، ولقد لاحظ الجميع
إقباله الشديد على ما تم إنتاجه وعرضه حتى الآن من نماذج سينمائية هزيلة، فكيف
الحال لو قدمنا لهذا الجمهور عملا يحترم ذوقه ومكانته الحضارية!؟ سؤال متروك
لكم.
إن العمل السينمائي هو عمل إبداعي
خلاق، وليس عملاً شعبوياً. والشعوب مهما كانت تحب السينما، فإنها لا تنتجها
عفوياً. فالسينما صناعة، وكل صناعة لا بد لها من رجال مخلصين يبذلون الغالي
والرخيص، المال والوقت والجهد والإرادة، لإنتاجه، وهذا أقل ما يتطلبه إنتاج فن
سينمائي خلاق. أي أننا باختصار بحاجة إلى رواد. وأرى في تناولكم الصحفي لهذا
الموضوع نوعاً من الريادة التي أتمنى أن تحظى بالرعاية والاهتمام اللائقين، حتى
يكون لدينا يوما ما سينما لا نخجل من عرضها في دور السينما.
صنعاء – 30/3/2009
*السير
في الجبال البعيدة
عبد الرحمن السماوي
تأملها من أي جغرافية تريد وتحب. وشكّل لغتك أو رؤيتك على أي منحى واتجاه في
هذه البلاد الخصبة والمليئة بمفردات الجمال البصري. تخيل مقامات صنعاء المدهشة،
ومدرجات حراز التي تتماوج مع الشمس والأغاني الريفية صداها يتردد بشكل سلسل على
الجبال، وتنفسك الذي يمتلئ بارتواء لذيذ وأنت تستنشق النسيم والبحر والدفء من
سواحلها وشواطئها الناعمة...
بلاد تمتلك قوس قزح في كل مكان، وتمتلك حواراً مفتوحاً مع الطبيعة، وأناقة
إلهية راقصة على الذاكرة في كل زمان...
بهذا نعرف أن مقومات السينما وأبعادها تدخل ضمن هذه المقدمة، وتجسد السينما هذا
الجمال في كل ما تقدمه. والسينما أصبحت هي الأقرب للإنسان في أن يتلقى نفسه
وراحته وقراءته للمكان والزمان والتاريخ وملامح الشعوب... ولأنها صورة ملموسة
عبر الرؤية والإحساس، يتلقاها الفرد ببساطه ويتعلم حينها فعلاً كيف يني أو
يرقص أو يبتهج أو يفسر ما يحدث في العالم لأنها رسالة مباشرة وعميقة وفعالة.
ومن لا يدرك مفهوم السينما وفعاليتها لدى الإنسان فهو جاهل لكل ما حوله ومنغلق
تماماً عن العالم، أو بالأصح ليس لديه فهم ورؤية. وبلدان عالمية كثيرة كانت
السينما هي سبب رئيسي في أن تعزز ثقافتها وتراثها واقتصادها، كالهند ومصر
وإيران وأميركا، وبعض الدول الأوربية أهمها فرنسا التي يعتبر إنتاجها السينمائي
الأكثر فناً ورُقِيَّاً.
في اليمن سجلت أفلام تعد بالأصابع، معظمها أجنبية، كالأفلام الوثائقية وقليلة
هي الروائية. وكانت الطبيعة اليمنية تستجيب لمثل هذه الأعمال نظراً لما تحتويه
من أشياء عميقة تبهر البصر والفكر والإنسان، سواء كان تاريخياً أم إنسانياً أم
بيئياً... إلخ، ولم تستغل محلياً لإيجاد سينما محلية لها أبعادها وخصوصيتها،
ولم تستجب الجهات المعنية، ولم يكن للمثقفين دور مؤثر في صناعة سينما يمنية؛
وكان هذا من الأشياء المحرمات. في حين أن البلد والإنسان في هذا البلد في أمس
الحاجة للسينما، وفي أمس الحاجة لإظهار تاريخه ومعالمه ومعرفته وشخصيته، ومن ثم
إيجاد سينما أو صناعة أفلام يمنية روائية أو وثائقية، لتعكس صورة إيجابية للبلد
وندخل في تعارف جمالي ومعرفي وتاريخي وثقافي مع الآخرين.
مثلاً فيلم "يوم جديد" في صنعاء القديمة"، للمخرج بدر الحرسي، الفيلم الذي حاز
على أكثر من جائزة، وقد عالج موضوعين: موضوع يخص بعض التقاليد والعادات التي
تظهر الصورة اللا إنسانية، والتي تتمايز عن بقية المجتمع بمقامها والتمييز بين
إنسان وآخر، مثل ذلك جزار وذلك مغنٍّ وذاك تاجر، كما هو حاصل الآن في بلدنا،
وعالج الفيلم ذلك عن طريق الشعور بالحب من خلال الشخصيتين أو البطلين من بيئتين
مختلفتين ومتناقضتين، حاول الجمع بينهما بطريقة إنسانية. وآخر أنه جعل الراوي
شخصية أجنبية يسرد بمذكراته عن طبيعة الناس والبلد وعكس عنها صورة جميلة، نظراً
لأنه بعد أحداث سبتمبر كانت هناك نظرة ضيقة من الأجانب تجاه اليمن. ورغم
العراقيل والمصاعب التي واجهها المخرج إلا أن نجاح الفيلم كان نجاحا للبلد،
وكتبت مقالات حول ذلك الفيلم.
وهنا أتساءل: من المسؤول عن عدم إيجاد وصناعة فيلم أو سينما في اليمن؟ لماذا
المؤسسات المعنية تهمل السينما وتهتم بمجالات هشة وسطحية تغرق البلد في
التخلف؟
مستقبل السينما هو وارد، نظراً لانفتاح العالم إعلامياً ولوجود تقنيات السينما.
وقد كتبت مقالة قبل أشهر بعنوان "اليمن... ذلك الأستوديو المفتوح"، وضعت فيه
نقاطاً عن كيفية إيجاد سينما، أهمها أن نصنع استوديوهات، كون الطبيعة عاملاً
مساعداً سواء على الشواطئ أم في القرى أم الصحارى أم الجبال... ويتم العمل فيها
كما تفعل بعض الدول مثل: تونس، حيث تؤجر بملايين الدولارات هذه الاستوديوهات،
وهذا يؤثر في أن نجد صناعة سينمائية، وكذلك نستطيع أن نجد دخلاً قومياً من
إيجار هذه الاستوديوهات والتعاقد مع شركات أجنبية وكثير من الشركات تريد فعل
ذلك،
أخيراً: لا نغلق هذا الأستوديو المفتوح ونقهره للزمان ثم تجف منابعه التاريخية.
نفتحه، لينفتح البلد، ولنقرأ تاريخينا الجميل، ونعيش كما يعيش الآخرون..
صدقوني!
*بداية متواضعة... وانتكاسة
عبد الرحمن أحمد عبده
عرف اليمنيون السينما في وقت مبكر من القرن الماضي، وتحديداً في عام 1918،
عندما شاهد جمهور مدينة عدن لأول مرة العروض السينمائية بفضل شخص من أصل هندي
يدعى "خوابخش" الذي أنشأ أول دار عرض سينمائي في التواهي.
هكذا أتيح لليمنيين في مدينة عدن أن يتعرفوا على هذا الفن بعد 23 عاماً من أول
عرض سينمائي في العالم كله في باريس عام 1895. وتزامن ذلك -حسب باحثين
ومتابعين- مع دخول السينما في الهند، وهكذا أخذت دور العرض تنشر في عدن والمكلا
بعد ذلك، وهنا تحسب الأسبقية للسيد طه الذي عُرف بـ"مستر حمود" الذي أنشأ
دُوراً عديدة للعرض السينمائي في عدن وجلب الكثير من الأفلام إليها.
وتولد الاهتمام بالسينما بعد ذلك من خلال متابعة الأفلام والكتابة عنها في
الصحف التي صدرت في مستعمرة عدن آنذاك وتحديداً منذ أربعينيات القرن العشرين.
وبرغم هذا الاهتمام المبكر بفن السينما إلاَّ أنه لم يبدأ الإنتاج السينمائي،
وعجز اليمنيون عن صناعة السينما.
وحسب كتابات عديدة متفرقة، لكن أغلبها غير دقيقاً، فإن هناك حقائق لا يمكن
نكرانها في تسجيل بدايات أولى لمحاولة صناعة السينما في اليمن وتحديداً في
الجنوب. فكما هو معروف وصار ثبتاً تاريخياً أن أول فيلم روائي يمني هو "من
الكوخ إلى القصر" الذي أنتجه وصوره وأخرجه جعفر محمد علي، والذي نفذه عام 1965
في عدن، وعُرض جماهيرياً عام 1968. ويقول الإعلامي شكيب عوض: "ورغم أن الفيلم
فيه عيوب فنية عديدة لتخلف أدوات تنفيذه الفنية، كونه اعتمد على الحماس
والمبادرة في ظل انعدام تقنية التنفيذ السينمائي الحديث، إلاَّ أن هذا لا ينتقص
من أهمية الفيلم بصفته أول فيلم يمني روائي". ويعتبر شكيب عوض -وهو الإعلامي
البارز الذي اهتم بفن السينما في اليمن.
لكن هناك من يشير إلى محاولات سابقة في إنتاج الفيلم الروائي، حيث يعتبر علي
سالم اليزيدي (صحيفة الأيام، العدد (3991)، 6/10/2003)، أن تصوير فيلم روائي في
حضرموت عام 1950.
ومن الجدير بالإشارة أن التصوير السينمائي على يد كوادر يمنية بدأ قبل ذلك. ففي
عام 1952 أنشئ في عدن قسم للتصوير الفوتوغرافي والتصوير السينمائي. ويقول عادل
حداد في صحيفة "الثورة" (يونيو 2000): "بدأ هذا القسم لتصوير المناظر في
المناطق الجنوبية، وتم أيضاً تصوير فيلم وثائقي عن زيارة الإمام أحمد إلى كل من
إيطاليا وألمانيا.
ويذكر أيضاً أن المصوِّر جعفر محمد علي قام بتصوير عدة أفلام وثائقية عن بعض
الأغاني اليمنية بالألوان، صوت وصورة، على مقاس 8 ملم، كما شارك مع آخرين في
تصوير معارك حرب التحرير في الجنوب بصور حية. ويشير عادل حداد إلى أن أغلب هذه
الأفلام صودرت من قبل قوات الاحتلال آنذاك، غير أن جعفر تمكن من إخفاء بعضها
وكان يتم التصوير خفية من داخل سيارة أو من نافذة بعيدة أو من تحت سيارة
عاطلة... إلخ، وبهذه الطرق بدأت الأفلام الوثائقية لأول مرة في الجزيرة العربية
عبر مدينة عدن. إلا أن البداية الحقيقية والصحيحة في مجال الإنتاج السينمائي
كانت مع إنشاء المؤسسة العامة للسينما في جنوب اليمن بعد الاستقلال من
الاستعمار البريطاني عام 1972، وتزامن ذلك مع إيفاد العديد من الشبان لدراسة فن
السينما بجميع تخصصاته خارج البلاد، ودارت العجلة وأنجزت المؤسسة أفلاماً
تسجيلية وعدداً من المجلات السينمائية الإخبارية، كانت تعرض في دُور السينما في
المحافظات الجنوبية. والجدير بالذكر أن بعضاً من تلك الأفلام شاركت في عدة
مهرجانات دولية في فئة الأفلام الوثائقية والتسجيلية وحصلت على جوائز هامة.
ورغم البداية بإمكانات فنية متواضعة إلا أن استمرارية العمل قد وضعت اللبنات
الصحيحة لخلق سينما وطنية يمنية خالصة، وكان إنشاء دائرة الإنتاج السينمائي في
المؤسسة، وبدأ مع مطلع الثمانينيات الإعداد لإنتاج الفيلم الروائي، كما وضع
مشروع لبناء أستوديو لإنتاج الأفلام الوثائقية. إلا أن تلك الخطوات تخبطت نتيجة
لظروف الصراع السياسي الدموي في جنوب اليمن، وأحبط معها بالتالي مشروع وطني
لصناعة السينما في اليمن لتتضاءل الفرص وتختفي كلياً بعد ذلك في السنوات
التالية، حتى الوصول إلى إصابة فن السينما في اليمن بمقتل!
عند الحديث عن فن السينما في اليمن فإن الدقة تتطلب أن نشير إلى القول:
"السينما في اليمن" وليس "السينما اليمنية"؛ لأن ما أنتج فعلياً في هذا الإطار
انحصر في الأفلام التسجيلية والوثائقية فقط في فترة سبعينيات وثمانينيات القرن
الماضي بعدن، مع الاحتفاظ بالتدوين تاريخياً للمحاولات والتجارب السينمائية
للرواد والسباقين في هذا المجال والتي كانت أبرزها تجربة إنتاج فيلم "من الكوخ
إلى القصر" للفنان جعفر محمد علي، الذي أنتج وسوَّق وعرض فيلمه، كمنتوج سينمائي
وطني خالص".
ووفقاً لما سبق فإن اليمن لم تصنع السينما بعد. أما الإشارة إلى الأفلام
السينمائية كفيلم "حي في القاهرة" فقد أنتجه الفنان أحمد قاسم في مصر، منتصف
ستينيات القرن الماضي، وفيلم "يوم جديد في صنعاء القديمة" قبل عدة سنوات، وهو
من إنتاج بريطاني وليس يمنياً، وفيلم "الرهان الخاسر" الذي أنتج العام 2008،
وهو فيلم صور بتقنية الفيديو ويمكن أن نطلق عليه فيلم تلفزيوني، أي أنه ليس
هناك من فيلم سينمائي نفذ بتقنية سينمائية خالصة وإنتاج يمني كامل، لهذا ليس من
الممكن الحديث عن سينما يمنية، لكن من الممكن القول والحديث عن السينما في
اليمن.
ومن الإجحاف هنا عدم الإشارة إلى محاولات سينمائيين يمنيين بتصوير أفلام
سينمائية لم تكتمل ولم نشاهد بعد عروضاً لتلك الأفلام التي يتحدث عنها البعض من
المهتمين ويفاجئوننا بانتماء مبدعين عملوا بصمت ودون ضجيج ولكن محاولاتهم تلك
تظل موؤودة، لأنها لم تطلع على السطح ومن الصعوبة الحكم على تلك الأعمال.
لست هنا بصدد الكتابة عن علاقة اليمنيين بفن السينما بصورة دقيقة، ولكن من
المهم الإشارة إلى البداية المثابرة للتعرف والتعامل مع هذا الفن وتسجيل اليمن
لموقع الأسبقية في التعريف ونشر ثقافة السينما، وخاصة في مدينتي عدن وحضرموت
بصورة مبكرة.
ومدعاة الحديث عن تلك البدايات والدعوة لتصويب ما يمكن تصويبه في التواريخ
والأسماء وحفظاً للحقوق، هو للفت الانتباه إلى هذا الفن الراقي، الذي كان
بإمكاننا في اليمن أن نكون ذوي شأن فيه، لكننا عجزنا عن ذلك، فيما الواقع
الحالي يحبط حتى إحياء دور العرض التي تم بيعها أو حُولت إلى قاعات أعراس أو
متاجر أو مساجد؛ في حين تغيب الرؤية كاملة عن مسؤولي الثقافة لإنعاش هذا الفن
في البلد.
إن الوقوف أمام مكانة هذا الفن في اليمن يتطلب أكثر من فتح ملف في الصحافة أو
إطلاق الشطحات غير الواقعية حول فعالياتٍ بهذا الاتجاه. والأحرى الدعوة إلى
ملتقى للمهتمين والمسؤولين والكوادر المتخصصة في السينما، المحبوسة في منازلها،
وخلق حالة نقاش حول "السينما في اليمن"، لأنني لا أقول أو أتحدث عن "السينما
اليمنية"، لأنها غير موجودة أصلاً بالمعنى الحرفي للكلمة.
*دوران
في حلقة مفرغة
حسين جغمان
رغم أن اليمن عرفت فن السينما في بداية القرن العشرين، في عدن، حيث دور العرض
السينمائي كانت منتشرة في كل حارة ومنطقة، وكذلك شركات التوزيع السينمائية
والتي كانت تقوم باستيراد أحدث الأفلام من أوروبا وأمريكا وبريطانيا والهند في
تلك الفترة وتوزعها إلى المدن اليمنية مثل: صنعاء، تعز، والحديدة، وإلى العواصم
المجاورة مثل جيبوتي، مقديشو، وأسمرة، عن طريق رجال الأعمال اليمنيين المغتربين
الذين أنشأوا دور عرض سينمائية فيها؛ وبالرغم من ازدهار صناعة وإنتاج الأفلام
السينمائية في أغلب بلدان العالم ومنها بعض الدول العربية مثل: مصر، لبنان،
سورية، وبعض بلدان المغرب العربي؛ إلا أن الفن السينمائي لم يجد له مكانا في
بلادنا لعدة أسباب، منها:
1-
عدم اهتمام الجهات المسؤولة عن الثقافة والإعلام والدولة بفن السينما منذ قيام
الثورة والوحدة حتى يومنا هذا، وذلك يرجع لعدم الوعي بأهمية فن السينما من قبل
الجميع.
2-
عدم توفر البنية التحتية من أجهزة ومعدات واستوديوهات ورأس مال وغيرها، رغم
وجود الكادر البشري الذي يمثل حجر الزاوية لأي صناعة.
3-
عزوف رجال المال والأعمال اليمنيين عن الاستثمار في هذا المجال نظراً لقلة
الخبرة والخوف من المخاطرة وعدم تحقيق الأرباح المطلوبة أو على الأقل استرداد
النفقات المصروفة.
4-
عدم قدرة الفن السينمائي اليمني على الإنتاج، لارتفاع التكلفة ولعدم ضمان
استرداد النفقة على الإنتاج.
5-
تخلف وضعف الوعي بأهمية الفن السينمائي لدى الجمهور اليمني.
6-
هيمنة العادات والتقاليد والفكر الديني المنغلق على سلوك وتفكير المسؤولين
والجمهور اليمني في التعاطي مع الفن السينمائي بشكل عام.
7-
انعدام الدعم الرسمي لهذا الفن بشكل كامل ودائم.
وبالرغم من كل تلك
المعوقات آنفة الذكر، التي حالت دون التأسيس لصناعة سينمائية يمنية حقيقية، فقد
كانت هناك ولا يزال بعض المبادرات الفردية من وقت لآخر، من قبل بعض الإخوة
والأخوات المخرجين اليمنيين في الخارج والداخل. فقد شاهدنا أفلاما وثائقية
وروائية سينمائية رائعة حازت على إعجاب كل من شاهدها وحصلت على جوائز قيِّمة
مختلفة في مهرجانات سينمائية دولية معروفة مثل مهرجان كان وبرلين والقاهرة
وغيرها، أمثال فيلم "السجينة" للمخرجة خديجة السلامي، والفيلم الروائي الرائع
"يوم جديد في صنعاء" للمخرج نبيل الحرسي، وفي الداخل الفيلم الوثائقي والروائي
الذي أنتج مؤخراً "الرهان الخاسر" للمخرج د. فضل العلفي الذي أحدث جدلا واسعا
في أوساط المجتمع اليمني وفي مهرجان دمشق ومهرجان دبي السينمائي الدولي، والذي
حاز أيضاً إعجاب كثير من الإخوة المخرجين والفنانين العرب والأجانب. وهذه
الأيام سمعنا بأن المخرج المبدع د. سمير العفيف قد انتهى من أعمال المونتاج
لفيلمه الروائي السينمائي الجديد والرائع بعنوان "شيء اسمه الحنين" والذي من
المتوقع أن يبدأ عرضه في شهر مايو المقبل.
وتجدر الإشارة إلى أن
الدولة ممثلة بوزارتي التربية والتعليم والثقافة والإعلام في الجنوب والشمال،
قبل الوحدة وبعدها، قد قامت بابتعاث عدد من أبناء الوطن إلى الدول العربية
والأجنبية لدراسة فن السينما.
وبالنظر إلى حجم ما أنفقت
عليهم من أموال إلا أنها وللأسف الشديد لم تهيئ لهم الأرضية ولا فرص العمل في
مجال تخصصاتهم ولم تستثمر طاقاتهم الإبداعية والمعرفية لإقامة صناعة سينمائية
يمنية انطلاقاً من المقومات الثقافية الأدبية والتاريخية الحضارية التي تزخر
بها بلادنا ومجتمعنا اليمني، إذ الملاحظ أن الدولة اكتفت بإنشاء المؤسسة العامة
للسينما في عام 1986 في صنعاء، وفي عدن كانت هناك مؤسسة للسينما موجودة منذ
السبعينيات حيث أنتجت العديد من الأفلام الوثائقية الموجهة، وبعد توحيدهما في
مؤسسة واحدة سميت بالمؤسسة العامة للسينما والمسرح، حيث ضُمَّ المسرح إليها في
2007؛ لكنها مع ذلك ظلت كما هي دون دعم يذكر، عاجزة عن إنتاج أي فيلم سينمائي
يعبر عن طموحها ووجودها، لأنه ومن وجهة نظرنا كان من المهم جدا دعم الدولة لهذه
المؤسسة حتى تتمكن من الوقوف على قدميها وتعرف بنفسها وتروج في الوقت نفسه
لمنتجاتها لدى المستثمرين اليمنيين وغيرهم من المستثمرين العرب، وهذا ما حصلت
عليه السينما الإيرانية التي نالت احترام العالم وأصبحت في مصاف الدول الأولى
المتقدمة في مجال صناعة وإنتاج الأفلام السينمائية بفضل دعم الدولة السخي لها.
وهنا أيضاً تجدر الإشارة، إلى أن بعض الإخوة الزملاء القادمين من البعثات في
الخارج قد حاولوا الاعتماد على النفس والمغامرة في الإنتاج بالاعتماد على
الإمكانيات الذاتية، ولكنهم توقفوا بعد المحاولة الأولى والثانية على أكثر
تقدير، كون كل محاولاتهم باءت بالفشل واكتفى المسؤولون في الدولة بالتفرج
عليهم.
ولهذا ستظل السينما في
اليمن تدور في حلقة مفرغة، وفي إطار التجارب الفردية التي لا يمكنها أن تؤسس
لصناعة سينمائية حقيقية، وسيظل الفنان السينمائي اليمني منطوياً على نفسه
وذاته، ينظر بألم وحسرة إلى واقعه المؤلم، والواقع المزدهر لزملائه في بعض
البلدان العربية الذين حققوا نتائج أعمالاً طيبة، لهم ولبلدانهم، عندما أعطيت
الفرصة لهم وحصلوا على الاهتمام والدعم اللازمين من الجهات المختصة.
والسؤال الذي لا بد من
طرحة هنا، هو: كيف يمكن أن ننهض بصناعة السينما في بلادنا ونستفيد من فن
السينما ومن الفنانين اليمنيين الذين ذهبوا في بعثات ثم عادوا وشغلوا في وظائف
وأعمال أخرى؟
|