العدد السابع - ربيع 2009م

   
 

نصوص سردية
 

على حافة الحلم (لقراءة المقال بصيغة أكروبات)

                                              محمد عطية محمود
                                              قاص
من مصر

تسللت الغفوة إلى عينيَّ المرهقتين، المداومتين على سهر تلك الليلة من كل عيد حتى الصباح. توسدت خلفية الكرسي. تلاحقت دقات على الباب. أسرعت بفتحه. حدّقت بعينيَّ متحققاً، مدهوشاً، حين وجدته. كان قد غادرني منذ فترة لم أعلم فيها أين ذهب، وكيف يعيش. وبمرور الأيام نسيت أن أسأل عنه.

داخلني إحساس بالرهبة، تداخلت معه رغبة في احتضانه بعنف. عبث بي الشك في أمره، حتى خُيّل إليَّ أني لا أعرفه. لكنني ضممته إلى صدري. تساءلت في نفسي: "كم مر منذ غادرني؟".

تلمست ملابسه البيضاء الناصعة. امتدت يدي تحتضن يده، تذوب فيها، تكاد تختفي. أحسست بمجرى دافئ يخترق صدري نحو عينيَّ، اللتين اغرورقتا بالدمع، ثم انهمر منهما على يديه الناصعتين. تذكرت أنه كان كثيف شعر اليدين والصدر؛ فباغتتني رغبة ملحّة في رؤية صدره عارياً!

سعت أناملي تتحسس وجهه النافث برائحة طيبة تعطر ما بيننا. تسرب الهدوء إلى داخلي. حفّ بدني الدفء، رغم صرير الرياح من خلال زجاج نافذتي المكسور. كان قد غادرني في ليلة عاصفة.

احتلت مخيلتي أشياءُ كثيرة. تقافزت في عقلي أسئلة دون إجابات. استراح إلى مقعده القديم. نظرت في عينيه الصافيتين، اللتين تحاشيتهما منذ رأيته، اقتربت منهما أكثر. "أين كنت!؟" اقترب السؤال من لساني. وضع يده على فمي. غشيني صمت ثقيل.

بالأمس رأيتني معه في أرجوحة خشبية قديمة، تدور في فضاء حجرة معتمة. دارت بنا عدة دورات، ثم انقلبت. وجدتني واقفاً عند باب الحجرة الذي انفتح على الطريق، بينما أطبقت الأرجوحة عليه. تراءت لي أشباح تعدو على حائط الحجرة. اتشح كل شيء بالسواد.

تنهدت بارتياح: لكنك لا تعلم عني شيئاً في... قاطعني: كل شيء ميسّرٌ لغاية.

ترددت لحظة، ثم صحبته عبر الردهة محتوياً كتفه بذراعي... تتخطى قامتي قامته بقليل. تمدد على حافة السرير. أعطاني مسبحته ناظراً إليّ في رضى. رنت ابتسامته، صحبها أريج تحسسته في قاع ذاكرتي المختزنة.

كان ثمة بيت عنكبوت يحتل ركن السقف، لم يعد له وجود في تلك اللحظة. دوّت في نفسي فرحة ليلة العيد التي كان يصحبني فيها حتى الصباح. في استحياء خرجت كلماتي: لا تنسَ موعدنا مع الصلاة!

أجفل راضياً. هرعت أجهز أشيائي للصلاة، تغمرني فرحة صبيانية. استرحت إلى كرسيّ ممسكاً بالمسبحة، يشمل جسدي خدر يدغدغ حواسي. تعالت التكبيرات حتى ملأت ما حولي. حين داهمتني الشمس بأشعتها، أحسست بشيء يتسرب من بين يديّ، وقد تشنجتا عليه. أفقت ينازعني انقباض في صدري، بينما توزعت نظراتي على أشياء كثيرة، لكنها ما لبثت أن احتوت جلباب العيد الماضي، والمسبحة، المعلقين على المشجب المواجه.